ابنُ السِّكّيت
شيخُ العربية ، أبو يوسف ، يعقوب بن إسحاق بن السِّكيت (1) ، البغدادي النحوي المُؤدّب ، مؤلف كِتاب ( إصلاح المنطق ) ، دَيِّنٌ خيّرٌ ، حُجَّةٌ في العربية . أخذَ عن : أبي عمر الشيباني ، وطائفةٍ .
روى عنهُ أبو عِكْرمة الضَّبّي ، وأحمد بن فرح المُفسّر ، وجماعةٌ .
كان أبوه مُؤدِّباً ، فتعلَّمَ يعقوب ، وبرع في النحو واللغة ، وأَدَّب أولاد الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر ، ثم ارتفع محُّلُهُ ، وأدَّبَ ولدِ المُتوكل ، ولهُ من التصانيف نحو من عشرين كِتاباً .وقيل : إنَّهُ أَدَّبَ مع أبيه الصبيان .
قال ثعلب : لم يكُنْ لهُ نفاذٌ في النَّحوِ ، وكان يَتَشَيَّعُ .
وقال أحمد بن عُبيد : شاورني يعقوب في مُنادمة المُتوكّل ، فنهيْتُهُ ، فحملَ قولي على الحسد ، ولم ينته .
وقيل : كان إليهِ المُنتهى في اللُّغةِ ، وأمّا التصريف فقد سألهُ المازنيٌّ عن وزن ( نَكْتَلْ ) ، فقال : ( نَفْعَلْ ) ، فرَدَّهُ . فقال : ( نَفْتَعِلْ ) ، فقال : أتكون أربعةُ أحرفٍ وزنُها خمسةُ أحرفٍ ؟ فوقف يعقوب . فَبَيَّنَ المازِنِيُّ أن وزنه ( نَفْتَلُ ) . فقال الوزير ابن الزيّات : تأْخُذُ كلَّ شهرٍ ألفين ولا تدري ما وزن ( نَكْتَل ) ؟ فلما خرجا قال ابن السكيت للمازني : هل تدري ما صنعتَ بي ؟ فاعتذر .
يروى أن المتوكل نظر إلى ابنيه المعتز والمؤيد ، فقال لابن السكيت : مَنْ أحبُّ إليك : هما ، أو الحسن والحسين ؟ قال : بل قنبرٌ . فأمرالأتراك ، فداسوا بطنه ، فمات بعد يوم ، وقيل : حُمِلَ مَيْتاً في بِساط . وكان المتوكل فيه نصبٌ . مات سنة أربعٍ وأربعين ومئتين .
قال ابن السكيت : كتبَ رجُلٌ إلى صديقٍ له : قد عَرَضْتُ حاجةً إليك ، فإن نجحتُ فالفاني منها حَظّي ، والباقي حظُّكَ . وإن تعذّرت فالخيرُ مظْنونٌ بك ، والعذرُ مُقَدَّمٌ لكَ ، والسلام .
قال ثعلب : أجمعوا أنَّهُ لم يكن أحدٌ بعد ابن الأعرابي أعلمُ باللغةِ من ابنِ السِّكّيت . وكان المتوكلُ قد ألزمهُ تأديبَ وَلَدِهِ المُعتز ، فلما حضر ، قال لهُ ابن السكيت : بِمَ تُحِبُّ أن تبدأ ؟ قال : بالانصراف . قال : فأقوم . قال المعتز : فأنا أخفُّ مِنك ، وبادر ، فعثر ، فسقط وخجل ، فقال يعقوب :
يموتُ الفتى من عَثْرَةٍ بِلسانِهِ ـــــــــــ وليس يموتُ المرءُ من عَثرةِ الرِّجلِ
فَعَثْـرَتُهُ بالـقـولِ تُذْهِبُ رأسَهُ ـــــــــــ وعـثـرتـهُ بالـرِّجـلِ تـبرأُعـلى مـهـل
قيل : كِتابُ ( إصلاح المنطق ) كِتابٌ بلا خُطبة ، وكتاب ( أدب الكاتب ) خُطبةٌ بلا كِتاب .
قال أبو سهل بن زياد : سمعتُ ثعلباً يقول : عدِيُّ بن زيد العِبادي أميرُ المؤمنين في اللُّغةِ . وكان يقول : قريباً من ذلك في ابن السِّكّيت .
الذهبي : ( إصلاحُ المنطق ) كِتابٌ نفيسٌ مشكورٌ في اللُّغة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
1 ـــ السكيت : بكسر السين : لأنه كان كثير السكوت ، طويل الصمت .