الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: بقلم الأستاذ الدكتور عصام قصبجي

  1. #1 بقلم الأستاذ الدكتور عصام قصبجي 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    بقلم الأستاذ الدكتور عصام قصبجي
    (أستاذ النقد الأدبي بجامعة حلب)
    اللغة العربية لغة العقل تومض في القلب فتظهر على اللسان، ولا بلاغة لمن لا قلب له، ولا لسان لمن لا عقل له، فأما التأليف بين القلب والعقل واللسان فهو سر البلاغة العربية الذي جعل منها تناغمات فاتنة تتوزع على قواعدها إيقاعات الكلام بين إيجازٍ وافٍ لا يجوز أن يقوم مقامه إطنابٌ مخل، وحقيقة بيِّنة لا يجوز أن يقوم مقامها مجاز مبهم؛ أفنطنب ونحن لا نجيز الإطناب فنفيض في الكلام على أسرار الكناية، وإيحاءاتها الذوقية، والاستعارة وإيحاءاتها الخيالية، أم نوجز ونحن نؤثر الإيجاز فنذكر تقديماً لا يحسن معه تأخير، واستفهاماً ينطوي على تنكير، أم نختصر ذلك كله بأن إيقاع البلاغة العربية إنما هو إيقاع النفس وهي تتابع تموجات الكلام وتآلف أنغامه مع نظام الفكر الثابت.
    وقد مضى زمن بيئس قال فيه من قال إن البلاغة العربية وريثة منطق اليونان؛ كأنهم لم يكونوا يعرفون ذوق العرب، أو كأنهم يغفلون أن الذوق لا يكون دون منطق، ومن ثم كانت البلاغة العربية تآلف الذوق مع المنطق على إيقاع اللسان، وكان البيان العربي حواراً بليغاً بين لباقة المتكلم وحذق المتلقي، فليس من مقتضيات البلاغة أن يقول المتكلم ما يريد أن يقوله واضحاً جلياً يدركه المتلقي فلا يحرك فيه فكراً أو يثير فيه شعوراً، وإلا فماذا يترك للمتلقي إذن، وإنما البلاغة أن يومئ المتكلم، أو يشير، أو يلمح، أو يرمز، أو يوجز، أو يطنب بحسب المعنى أو المغزى الذي يحيك في النفس فيصقله الذوق ثم يقذف على اللسان قولاً مأثوراً، أو حكمة ساطعة، أو مثلاً سائراً، وإنما البلاغة أن يصغي المتلقي أو يتخيل أو يخمن، أو يظن، أو يحدس، بحسب ما يأنس به من وحي الكلام، فيشق أصدافه عن لآلئ معانيه سائغة قاهرة.
    والتفتازاني أحد أولئك الأفذاذ من أسلافنا الذين جمعوا بلاغة العقل إلى بلاغة اللسان مع رهف في الشعور، وتوقد في الفكر، فكان من ذلك كله نظرات نافذات، وأحكام صائبات تسدد هنا وتصحح هناك، وتخذف هنا وتزيد هناك أنساً بحدس باطن يرشده في أمره كله إلى أسرار الكلم وأحكام النظم، وقد لقي ما لقي من عنت أشباه الدارسين الذين حاموا حول قول باطل لا يُعرف له منشأٌ أو مآلٌ مفاده أن التفتازاني جعل البلاغة عقلاً بعد أن كانت ذوقاً، كأن من قال ذلك أنسي أن البلاغة شعور مظهره المنطق، وذوق مآله العقل: يظهر هذا في ذاك كما يظهر الروح في الجسم، أو يتجلى المعنى في المبنى، وأي ذوق لا منطق له إنما هو ذوق لا شأن له.
    ولكن! من للتفتازاني في زمن عزّ فيه النصير؟! في زمن رأينا فيه بعض من نشؤوا في العربية... بل شاخوا فيها... يتخلون شيئاً فشيئاً عن منطق اللغة ومغزى الكلام ليستهلوا بعضاً من العامي أو يرتضوا بعضاً من الشائع، أو ينكروا بعضاً من الثابت الراسخ.
    من هذا الذي يجرؤ على أن يتوغل في أسرار الإيماء والإيحاء واللمح والرمز بعزيمة صابرة وبصيرة ثاقبة دون أن يخشى من يتساءل عن جدوى هذه الأسرار في عصر الأرقام.
    وإني لفي غمرة اليأس من نبأ عن باحث يأنس بأسرار البلاغة فيجلو ما قد ران عليها من صدأ التجاهل، وظلم التغافل، ويُحيي ذكر التفتازاني العظيم، الذي حفظ للبلاغة شأنها وأعلى مجدها، إذا بالخبر يوافيني بأن ثمة بحثاً ينهض به شـاب غض الإهاب، نافذ البصيـرة، مرهف الحس... فأما البحـث فهو ’التفتازاني وآراؤه البلاغية‘، وأما الشاب فهو السيد ضياء الدين القالش الذي سعدت بمعرفته فرأيت فيه رصانة العالم، وذوق البليغ، وحرارة العاشق، ولقد شهدته يحيك بحثه بل يوشيه كأنما لقن فيه بلاغة صاحبه عقلاً وذوقاً، فاستقام له أسلوب قلّما قُدّر لشاب أن يستقيم له مثله، وإنما هو عشق اللغة العربية
    لا تعطيك سرها إلا إذا أعطيتها قلبك، ولقد أعطاها السيد ضياء الدين القالش في بحثه هذا قلبه ومن قبل ذلك ومن بعد ذلك عقله وذوقه حتى استوى له من ذلك كله رائع البنيان.

    أ. د. عصام قصبجي

    أستاذ النقد الأدبي بجامعة حلب
    حلب في 24/ 3/ 2009
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    في خسارة كبيرة لكلية الآداب في جامعة حلب وطلابها الدكتور عصام قصبجي في ذمة الله
    ومن خلال تغطية موقع فور آداب الحصرية للحدث كنا قد التقينا بأستاذنا الدكتور أحمد ويس ،وقد قام الدكتور مشكوراً بتزويدنا بمعلومات كاملة تشمل حياة المرحوم الدكتور عصام .
    ولد في عام 1948 حصل على الاجازة في اللغة العربية سنة 1970 وكان الاول على دفعته التي تعد الدفعة الاولى في كلية الآداب ثم عين معيداً في اختصاص الأدب الأندلسي والنقد العربي القديم
    وأوفد الى جامعة القاهرة وهناك حصل على درجة الماجستير عن رسالة عنوانها (لسان الدين ابن الخطيب ) سنة 197 وكان المشرف على الرسالة المرحوم الدكتور عبد العزيز الاهواني, ثم حصل على درجة الدكتوراة عن رسالة ( نظرية المحاكاة في النقد العربي القديم بين النظرية والتطبيق ) برتبة الشرف الاولى سنة 1978 وكان المشرف على الرسالة الدكتور المرحوم شوقي ضيف , وقد أشادت لجنة المناقشة برسالة الطالب وتنبئات له بمستقبل علمي زاهر
    ليعود بعدها الى الوطن.
    وبدأ يدرس في الكلية وسرعان ما أصبح أستاذاً وتخرج على يديه آلاف الطلبة في مرحلة الأجازة الجامعية الأولى كما تخرج على يديه العشرات من حملة الماجستير والدكتوراة
    وقد فاجأ خبر وفاته جميع محبيه وطلبته لأن مثل هذه الوفاة ستترك مكانه شاغراً, فمن ذا الذي يمكن أن يملأ الفراغ الذي تركه هذا الراحل الكبير
    رحم الله أستاذنا الكبير الدكتور عصام قصبجي وأسكنه فسيح جنانه والهم ذويه ومحبيه وطلبته الصبر والسلوان
    وانا لله وإنا إليه راجعون
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    أستاذنا الدكتور عصام قصبجي .. ليهنأ تراب حلب

    حلب
    ثقافة جريدة الجماهير السورية
    الثلاثاء9-3-2010
    بيانكا ماضيّة
    هناك أناس إن جمعتك المصادفة معهم فوجدتهم أناساً طيبين ، يبقى عطرهم في ذاكرتك خالداً ، فتذكرهم دائماً وفوح المحبة ينثر آريجه منك تجاههم، فما بالك إذا كان أحد هؤلاء قد عاشرته وجلست إليه لابل تلقيت منه دروساً ومحاضرات فرأيت في عينيه برق الوجدان، وتسللت إليك محاسن شخصيته ومناقبها، تلمست منه فيض الخاطر وروح الأدب ، وأبحرت معه في فلسفة هذه الحياة لتتلقى منه عبارات وحكماً قلما تصل إليها وحدك، إذ لابد من يد تأخذك برفق إليها لتجد الطريق سلسة معبدة بالقيم . تأسرك عباراته الجزلى، ورؤاه الجميلة، وطلاقة لسانه ومحبته التي يسبغها على كل من يجالسه .. تلمح في وجهه نور العلم والأدب، وفي ضحكته فيض السعادة، تلك السعادة التي لطالما أعطى فيها محاضرات ودروساً، حتى ليبلغك أن السعادة هي أنت، هي ما في داخلك، هي هذا العطاء الذي تبذله، لا في سبيل نفسك وحدك، وإنما في سبيل الآخرين أيضاً. ذلك غيض من فيض شخصية الدكتور عصام قصبجي الذي رحل عنا فخسرناه وخسرته كلية الآداب، أساتذة وطلاباً، أصدقاء ومحبين . كنت كلما قرأت شيئاً في علم الجمال، خطرت ببالي تلك الجلسات التي لايمكن أن ينساها الطالب الذي يتتلمذ على يديه، فكم سرحنا معه في تلك الفلسفات التي كانت تبهجنا، حتى أنك في برهة يخيل إليك أن تلك الأفكار الفلسفية هي أفكاره، مؤمن بها حد اليقين، لكنك تفاجأ قبل نهاية الجلسة بما هو مخالف لها، يقنعك بالنقيض حتى اليقين أيضاً، فاسلك أنت الطريق التي تشاء . أذكر - فيما أذكر - أن له موقفاً عبثياً من الأشياء، موقفاً يجعلك تفاجأ بما لدى هذا الإنسان القدير الممتلئ حكمة وشاعرية، موقفاً يجعلك تلح على أن ما لديه من فكر وعلم وثقافة خسارة لنا ولمن بعدنا ألا يدوّن، ألا يأخذ نصيبه من الورق الأبيض، ولكنه ربما كان يعلم أو يدرك بإحساسه المرهف أن ما يقوله لن ينساه سامعه، فقد رسخه في ذاكرته إلى الأبد، هذا الرسوخ مبعثه الطريقة الفنية في الإلقاء، وفي الإعطاء، وفي تقديم ما في الفكر من أشياء ستأخذ قيمتها العظمى في النفس. كان رهيفاً جداً لدرجة تجعلك مسلوب اللب والقلب، يأسرك بالحنان المتدفق من داخله، فتخاله أباً لك يدلك على الطريق التي تصلح لك. يعطيك من وقته الكثير ،لايمنع عنك أية شاردة أو واردة تخطر بباله. خسرناك يادكتور عصام، فقد كنت حقيقة نعم المعلم والأستاذ، ونعم الأب، ونعم الصديق، وليحزن الكثيرون أنهم الآن لم يعودوا يسمعون منك كلمة في أدب الخلق والمكارم، ولتهنأ روحك وتقر عينك أننا لن ننساك أبداً، فأنت باق في أفئدتنا وعقولنا ما حيينا، كلماتك ستبقى محفورة في ذاكرتنا، ورؤاك لاتزال ترفرف في سماء أخيلتنا، وليهنأ تراب حلب أنه يضمك الآن بين ذراته.‏
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    وفاة الأستاذ الدكتورعصام قصبجي وتشييع جثمانه إلى المقبرة الإسلامية الحديثة في حلب

    وفاة الأستاذ الدكتورعصام قصبجي وتشييع جثمانه إلى المقبرة الإسلامية الحديثة في حلب
    في صبيحة الثامن من آذار، الساعة الثامنة صباحاً، أفلت شمس المعرفة عن كلية الآداب، وغاب نبراس حب ووفاء عن دنيا أجلّته، وأنام أحبته.


    Alladab
    حضر جنازة الدكتور الحاج "عصام قصبجي" التي كان معظم من مشى فيها بعد أن خرجت من جامع الغزالي في حي الشهباء، من أصدقائه ومحبيه من طلابه في كلية الآداب، وقد دفن في المقبرة الإسلامية الحديثة شمالي مدينة حلب، وشارك alladab في عزاء ذويه وأحبابه بعد دفنه، ونقل لكم كلمة الأستاذ الدكتور عيسى العاكوب عميد كلية الآداب والصديق الحبيب للدكتور عصام الذي قال لأصحابه:
    "أيها الأحبة لقد انتقل صديقنا إلى رحمته تعالى في هذه اللحظة التي يمكن للإنسان أن يعرف أشياء كثيرة يزعم أنها حقائق، لكن هذه اللحظة هي حقيقة الحقائق التي لا تحيد يمنة ولا يسرة هذه اللحظة التي يعود فيها الروح الذي جاء من عالم الروح إلى عالم الطين ولا بدّ من هذه العودة، قال ربي سبحانه وتعالى:
    (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً*فَادْخُلِي فِي عِبَادِي*وَادْخُلِي جَنَّتِي)
    إن نداء ارجعي يأتي في كل لحظة من اليمين واليسار، ولكن قليلين منا من ينتبهون إلى هذا النداء.


    الدكتورعيسى يلقي كلمته والدمع يغرغر في عيونه

    أوصي نفسي أولاً، وألتفت إلى أحبائي ولست أحسنهم، ولا أفصحهم، ولا أكثرهم حباً لهذا الشخص الذي يواريه الثرى الآن، وعلينا أن نتذكر جميعاً هذه الحقيقة، كان العالم مولانا جلال الدين الرومي الذي أحبه الدكتور عصام كثيراً وكان يجلّه كثيراً، كان يسمي الليلة التي سيموت فيها ليلة العرس، وإلى الآن في تركية يحتفلون باليوم السابع عشر من كانون الأول وهو من منقول عن الفارسية ويسمونه شابي اورغ اي ليلة العرس، هذا النهار وهذه الليلة يتحرر فيها الروح من الطين وكان مولانا جلال الدين يقول:
    وقد صار ماؤنا محبوساً في الطين ...فهيا يا بحر الرحمة أنجدنا من الطين
    الإنسان روح لكنه جاء إلى بيئة مغايرة له، ولكن الأمثل والأجمل والأحلى أن يكون الإنسان وهو في هذه الدنيا كأنه هناك، هذا أحسن شيء أوصي به نفسي، وأذكركم بأني لست في مقام أن أوصي، إنها ليلة العرس التي يتحرر فيها الروح من الجسد ليعود روحاً كما كان.
    أيها الأخوة، أقول لأخي وحبيبي وزميلي ـ الدكتور يبكي هنا ـ ورصيفي الدكتور عصام أقول ما قال ذلك الشاعر في والده:
    ناداك تحناني فما أسمعك ... فاذهب لذاك الشوق قلبي معك
    سرنا معاً حيناً فخلفتني .... أمشي على الدرب الذي ضيعك
    حسبي منك موعد في المساء .. أعرف فيه سر ما استودعك
    مضيت أبا "لازورد" وتركت أخوة وأحبة عصفت بهم ريح المنون اليوم، كل واحد منهم اليوم أحسبه تألم ونتئ جرحه وذرف الدموع وإنك أهل لذلك، يا أبا "لازورد".
    بقلوب منكسرة، وعزائم مفللة نحن العبيد الضعفاء نتوجه إلى العلي القدير الذي بيده ملكوت السموات والأرض أن يستقبلك مستقبل الشهداء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، نسألك يا رب بمحمدٍ وآله، وبالقرآن العظيم وأسراره، وبأسرار قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، نسألك يا رب أن تتقبل ضيفك متقبلاً حسناً، وأن تنزله منزلاً كريماً، وأن ترعى حرمة هذه القلوب الضعيفة فيه، السلام عليك يا أبا "لازورد" أودعناك الله، نودعك الآن وندعو لك ونسأل ربنا أن يوسع مقامك وأن يعظم أجرك وأن يكثر أعمالك الصالحات وأن يغفر لك ما قدمت من الزلات، إنه ولي العناية، ومنه السلام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته."

    ومن ثم التقى alladab بالطالب عماد الدين دحدوح طالب دراسات عليا لدى الدكتور عصام رحمه الله ومقرب منه كثيراً فقال عنه:
    "كان الدكتور عصام الأب الروحي لي، وقفت معه وقفات طويلة جداً في حياته، عندما كان وكيلاً علمياً وعندما كان عميداً للكلية، وفي سنة 2001 كرمنا الدكتور عصام في مدرج المتنبي في كلية الآداب القديمة، فكان حفل تكريم بالمعلم بشكل عام وللدكتور عصام بمناسبة تسلمه العمادة بشكل خاص، رفض التكريم، ولم يكن راغباً بأن يحظى بأي تكريم، وألقيت ضمنها كلمة مديح للدكتور عصام قلت مطلعها:
    عصاميٌّ عظاميٌّ عصامُ ... كريمٌ وقتَ أن ضنّ الأنامُ
    أشيخَ العلمِ بحرك أيُّ بحرٍ ..... لتغرق في سواقيكَ الأنامُ ؟!!
    أحبك يا عصامُ ولستُ أبغي .. نوالاً منكً .. يكفيني الغرامُ
    حباكِ الله يا آدابُ فخراً ... ويبقى الفخرُ ما يبقى عصامُ


    طالب الماجستير عماد الدين دحدوح

    فعندما أردنا تكريمه رفض التكريم وكان ضد الفكرة لشدت تواضعه وتسامحه مع كل من حاول أن يأذيه، وقد دخلت بيته كثيراً، أكثر من ثلاثين مرة، وعندما تدخل تشعر أنك بمتحف من اللوحات الفنية والفسيفسائية والمرايا المتعاكسة، وقد كان محباً للفن جداً، ومن شدة جمال بيته تشعر وكأن روحك تسمو في الأعالي، لم يكن محباً للمناصب رغم استلامه مناصب كثيرة كرئيس لقسم اللغة العربية لست سنوات ووكيل لكلية الآداب وعميد لها في عام 2001، ولكنه في كل ذلك بقي كما هو، وقد أخبرني مرة بقصة لم يخبر أحداً بها أنه لكل دكتور عندما يحصل على الدكتوراة (سطلة) أي (نشوة) يمر بها أول ما يصبح دكتوراً فمنهم من تدوم معه يوم يومين ومنهم شهر ومنهم سنوات، وكل من عرفه من اصدقائه قالوا أن هذه (السطلة) لم تؤثر به شيئاً بل زادته تواضعاً أكثر، حتى عندما نكون لديه في البيت يريد أن يضيف الشاي يصرّ إلا أن يضيفنا الشاي بيديه، ويرفض أن نساعده بعمل يحب القيام بكل عمل بمفرده، وما سمعنا منه كلمة نابية قط إذا غضب، ومن الأشياء التي تذكر تواضعه في المحاضرات وأنه لم يسئ إلى طالب إطلاقاً لأنه حليم إلى درجة كبيرة حتى قلت فيه من الشعر في القصيدة السابقة التي ذكرتها:
    علوتم في سماء الحلم حتى .... لأحنف بين أيديكم غلامُ
    فهو أحلم من الأحنف بن قيس
    وإذا جاءه ضيف يحتفي به أشد احتفاء ولا يترك يده حتى يتركها الضيف.
    وفي سؤالنا لعماد عن انعزال الدكتور عن كل المؤتمرات والندوات في آخر فترة من عمره أجاب:
    اعتزل الدكتور عصام هذه الأمور منذ سنتين منذ أن انتهى قسم الدكتور عيسى الذي كان عضواً فيه، وتفرغ بعدها لبعض الطلبة مثل إيمان عكاش، وبعد انتهاء قسم الدكتور عيسى العاكوب لم يكن له فعاليات وترك مجلة بحوث جامعة حلب، وبرأيي أنهم لم يعطوه حقه في كل شيء فقد كان محسوداً ومغبوطاً جداً من زملائه وغيرهم فلم يقدروه حق قدره في إعطائه منصباً معيناً سواء كان في الجامعة أو غيرها، فأحس بشيء من الألم لأنه كان مهمشاً، فقد كان بإمكانه أن يعطي أكثر إذا وضع في المكان الصحيح.
    ومما سألناه عنه وما عرفناه عن الدكتور أن الطلاب إذا سألأوه عن قضية معينة ليبدي فيها رأيه لا يفصح عنه ويلتزم الصمت فما سبب ذلك؟ فأجابنا: هو صوفي والصوفي لا يعطي رأيه ولا يكشف عن ذاته وهو من الواصلين إلى الله عز وجل ولا أزكي على الله أحداً لكنه من النوع الذي تحدث عنه الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن الله يحب كل عبدٍ تقي نقيّ خفي) وكان الدكتور عصام من الأخفياء، يخفي ذاته ولا يظهرها لأحد وكانت أطروحة الدكتوراة له في الصوفية عن لسان الدين ابن الخطيب، أما رسالة الماجستير فقد كانت عن النقد العربي القديم.
    وقد كان محباً لطلابه جداً وكان يسرني أشياء لم يسر غيري بها منها أنه هاتفني أول أمس يشكو من محاربة بعض الأساتذة لبعض طلاب الماجستير.
    وقد علق الدكتور ياسر عبد الرحيم على خجل معقباً على كلام عماد قائلاً:
    "الدكتور عصام قصبجي لم يكن يقرأ الجمال بل كان يعيش الجمال، وكانت محاضراته رقيقة، كانت علاقته ودية ولطيفة جداً بينه وبين طلابه، ويحب أن يختار طلاباً مميزين ليكونوا حوله دائماً ويخصهم بأشياء لا يخص غيرهم بها، كمل واحد منهم على حسب توجهه، حتى أننا في إحدى محاضراته في مرحلة دبلوم الدراسات بقينا ثلاث ساعات ونصف متواصلة نستمع له بكل استمتاع والكل منتبه ويناقش دون أن يحس بالوقت".

    لقد كان الدكتور المغفور ذنبه علماً من أعلام النقد القديم، وعلامة كلية الآداب في الأدب، ذاك العلَم الذي حفظه الكثير من الطلاب وفهموه، لأن رجلاً مثل الدكتور عصام ـ رحمه الله ـ ما قد أعطاه ودرّسه وعلى مسامعهم ارتجله وبرحيله سيترك في هذ العلم فجوة لن تُسدَّ إلا إذا أنجبت الدنيا رجلاً مثله.
    إن تواضعه وإخلاصه لعمله وحبه لتلاميذه كان سر نجاحه.
    وضياء ألقه، ونور قبره ـ إن شاء المولى عز وجل ـ فالتلميذ كان الشغل الشاغل للدكتور، يفكر فيه دائماً، ويخاف عليه، أحبه فأعطاه كل ما يملك من بساتين المعرفة وحقول الدراية.
    لقد خسرت الكلية رجلاً هو للعلم باب ، وولتقى والورع معلم ناصح، وللرحمة والسماحة واللين أم وأب وأخ.
    لا يسعني إلا أن أتوجه إلى الله بخالص الدعاء له، بأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، وبأن يحشره مع العلماء والأنبياء والشهداء والأولياء والصديقين وكل من أوتي العلم فرفع بعلمه.

    لقطات من دفن الدكتور عصام رجمه الله













    التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي ; 08/09/2010 الساعة 01:07 AM
    رد مع اقتباس  
     

  5. #5  
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    الدولة
    سوريا - الرقة
    المشاركات
    62
    معدل تقييم المستوى
    15
    رحم الله الدكتور عصام القصبجي وأسكنه فسيح جناته
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. مقال: الشاهد الذي لا يشهد- إلى المعلم عصام قصبجي
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مجلة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26/11/2012, 10:12 AM
  2. مقال: إلى الدكتور عصام قصبجي
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مجلة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03/09/2010, 01:13 AM
  3. وفاة الأستاذ الدكتور حسين علي محمد ..
    بواسطة العمر الجديد في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 09/08/2010, 07:40 PM
  4. إلى الدكتور عصام قصبجي
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى الرسائل الأدبية
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 04/08/2010, 11:56 PM
  5. الدكتور عصام قصبجي في ذمة الله
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى الواحة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 05/04/2010, 09:10 PM
ضوابط المشاركة
  • تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •