النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: قراءة نقدية لقصيدة (حَنـَانـَيْكَ يا طـُهْرَ المسافةِ...) للشاعر عبد اللطيف غسري

  1. #1 قراءة نقدية لقصيدة (حَنـَانـَيْكَ يا طـُهْرَ المسافةِ...) للشاعر عبد اللطيف غسري 
    شاعر ومترجم مغربي الصورة الرمزية عبد اللطيف غسري
    تاريخ التسجيل
    Nov 2009
    المشاركات
    100
    مقالات المدونة
    7
    معدل تقييم المستوى
    15
    قراءة نقدية لقصيدة (حَنـَانـَيْكَ يا طـُهْرَ المسافةِ...) للشاعر المغربي عبد اللطيف غسري
    بقلم: الأديب والناقد المصري محمد عبد السميع نوح
    حَنـَانـَيْكَ يا طـُهْرَ المسافةِ...
    شعر: عبد اللطيف غسري

    رأيتُ بمرآتي العهودَ الخواليا
    لها أثرُ الذكرى بـِيَوْمي وحاليا

    تـَباعَدَتِ الأزمانُ لكنَّ ثِقـْـلـَها
    يَنوءُ بهِ مستقبلي ومآلِيا

    رأيتُ شماريخَ الطفولةِ غَضَّة ً
    تطوفُ بوجداني وتـُذكِي خـَياليا

    يُزاحمُها نبضُ الشبابِ بمُهجتي
    فتـَصْطخبُ الآهاتُ حَرَّى بـِباليا

    رأيتُ شآبيبَ الحنين تهاطلتْ
    كقطر الندى تـَرْوي الربى والدواليا

    وتغسلُ أوراقَ الفؤادِ فتنتشي
    وتـَشْحَذ أطرافَ النـُّهى والحواشيا

    وتـَسْقي بأنواءِ الصبابةِ دوحة ً
    وتملأ بالشَّهدِ النمير السواقيا

    أنـَظـِّفُ مرآةَ الخيال بخاطري
    أرى حاضري والذكرياتِ البواقيا

    فتقفزُ أحلامٌ بروحِي شفيفة ٌ
    كأشباح أضواءٍ تـَشِفُّ الروابيا

    وقفتُ على شَط ِّالشروق أبُثـُّهُ
    لواعجَ أمسي والقروحَ الضواريا

    فعَاوَدَنِي طيفُ الغروبِ بهمْسِهِ

    وأشجانهِ، مَا لِلـْغروبِ ومالِيا

    ولكِنـَّني لازمْتُ رُفقة َأحْْرُفٍ
    يُغادِرْنَ أفياءَ السكونِ صَوَادِيا

    ويبْحَثـْنَ عنْ رُكنٍ بـِصَرْح الضياءِ لا
    يُغادِرْنَهُ إلا خِفافـًا كـَوَاسيا

    فـَذِي صَهَوَاتُ الغيْم أضْحَتْ سَقيمة ً
    وَذا جسدُ الأحزان أصبحَ عاريا

    تـُرى هلْ يَشِينُ الوردَ أن يفقدَ الشذا
    وأنْ يَخسَرَ النهرُ المياهَ الجواريا

    حَنـَانـَيْكَ يا طـُهْرَ المسافةِ ضُمَّنِي
    لقدْ تاهَ نجمي عن شجوني وَمَا بـِيا

    أسابقُ بـِرْذوْنَ الزمان وفي يدي
    لـُفافة ُشعرٍ أنـْزَلـَتـْها الرُّؤى لِيا

    لعلَّ ظِباءَ البَوْح تملأ غـَابَتي
    إذا صَحَّ عَزْمي فـَاقـْتـَنـَصْتُ القوافيا

    وغامرتُ في صَيْدِ الشواردِ حية ً
    وغافلتُ أطيَارَ الشعور الجواثيا

    لعلـِّيَ أبْني لِلـْوُجودِ سفينة ً
    فيبحرَ في يَمِّ القصيدةِ رَاضيا

    وأصنعُ مجدَ القلبِ في ساحةِ المُنى
    وفي مدنِ التطريبِ أعْلِي مَكانيا

    المغرب
    21/10/2009


    عندما تجف ينابيع الحياة ، أو هكذا نتصور ، فإن الحلم هو البديل ، نهرب إليه من لظى الواقع ، وعندما يُشَوَّه الحلم ، أو تقطعه الكوابيس ؛ عندئذ لا يجد المرء مفرا من الانهيار .. ولكن الشعراء ، الشعراء فقط ينفذون من سم الخياط إلى بحبوحة القصيدة فينفثون فيها من أرواحهم اللواعج والآمال والآلام ولولا الصورة الجميلة تغلف الشعر كطبقة السكر على كبسولة الدواء لأحرق الشعر قراءه .. فنحن نتحايل بالموسيقى والمجاز الشعري والصورة الجديدة والنغم الحروفي للحروف وحرفة الإدهاش والمفارقة حتى نصل إلى قلوب المتلقين .. وفي القصيدة وقاية من أطباء النفوس والعقول وربما الأبدان ، وفيها الوجاء من جراحات الزمن في التشتت والضياع ، فهذا البوح لنا معشر الشعراء هو ما يحقق للشاعر توازنه النفسي ؛ذلك أن الشاعر تركيبة خاصة ومعقدة ، يذبحه القبح السائد في المجتمعات ، ويؤرقه الكذب والغدر والخيانة لو في آخر الدنيا .. الشاعر مرآة للآخرين فكيف لنفسه؟؟
    وفي هذه القصيدة الجميلة المتوازنة لغة وموسيقى ، صورة وخيالا / يطالعنا الشاعر الكبير عبد اللطيف غسري بعنوان مكوَّن من ثلاث كلمات وحرف النداء :
    حنانيك ...............1
    يــــــــا............... 2
    طُهْر..................3
    المسافة........... .4
    وزيادة على النداء المتضمن في البناء الخاص لـ "حنانيك " يجيء النداء بالأداة يا مقربا للحالة الاستجدائية الاستعطافية وهو يطلب لا حنانا واحدا بل حنانين ، تماما كما في نداء التلبية " لبيك " .. ويجعل الشاعر للبعد الروحي بينه وبين جزء من العمر صار ماضيا ولكنه مدفون فينا ، يجعل له هذا التجسيد في مفردة المسافة ، و تضع كلمة الطهرالمعنى الذي تدور حوله القصيدة ، وبشكل ربما يكون شخصيا جدا أحترم تلك التجارب التي تشير على أكبر مساحة ممكنة من الشعور فتجد الحبيبة الإنسانة وتجد العمر وتجد الوطن وتجد الأم وتجد الأرض وتجد نفسك ونفسي ونفس كل إنسان في القصيدة الواحدة ، ومن هنا وبناء على هذه الرؤية لا بد أن أتوقف عند الجمع في " العهود الخواليا " في البيت الأول وقد توهم الشاعر وأوهمنا معه أن عمره الذي مضى إنما هو عهودٌ خلت ْ ، وحول هذا المعنى : تباعدت الأزمان ـ رأيت شماريخ الطفولة ـ يزاحمها نبض الشباب .
    تتكون القصيدة من واحد وعشرين بيتا في بحر الطويل الذي يشي اختياره بتضافره مع الموضوع الذي يطرح قضية العمر وتجربة الحياة ، وكأنك مع زهير بن أبي سلمى في حوليته المعلقة : سئمت تكاليف الحياة ، ومن يعش = ثمانين حولا لا أبا لك يسأم ِ
    القصيدة بجملتها وحي من نظرة في المرآة ، قد تكون المرآة على الحقيقة ، وقد تكون الرمز الذي أنتجته تأملات الشاعر ، ومن خلال الاستغراق في النظر تطرح القصيدة حدود المسافة التي تحاول أن تقصرها باسم الفعل " حنانيك " أي حُنَّ ثم حُنَّ أيها الطهر المسافرعلى تلكم المساحة الشاسعة من الوجود الذي يحاول الشاعر في آخر القصيدة أن يصيغه قصيدة َ شعر :
    لعلي أبني للوجود سفينة = فيبحر في يم القصيدة راضيا
    ولذلك نجد أن الأفعال في هذه القصيدة تقيم البناء في أحداث متراكبة تراكبا متسقا مع منطقية الحلم ، وهي على النحو التالي :
    فعل ماض خالص : ستة عشر فعلا
    فعل مضارع في معنى الماضي : ثلاثة وعشرون فعلا
    فعل مضارع في الحال : خمسة أفعال
    فعل أمر : واحد " ضمني "
    إن ثمانية وعشرين فعلا في المضارع أمر يؤكد أن المسافة للوراء ،في الزمن المسترجَع ، ينسج منها الشاعر هذا السرد الشعري ، في الأبيات من :1 إلى 11تأخذه المرآة بمرائيها سنة من قبل سنة ، تماما كما تضع مرآتين متقابلتين بينهما منظر ،فإن المنظر يتكرر إلى ما لا نهاية .. ولو قلنا إن القصيدة تعمد إلى تلكم الصورة لكانت القراءة منتجة ، ولكنني أثرثر ـ استمتاعا بالفن ـ ، قلنا إن الأبيات من 1 إلى 11 هو في المرآة .
    أما الأبيات من 12 إلى 21 النهاية فالشاعر يفر إلى نفسه ، إلى قلمه ، إلى عالمه ، إلى الشعر ..
    ولنأخذ الأبيات الأربعة التالية من قلب القصيدة تماما : البيتان : 10 ، 11 نهاية بوح المرآة للشاعر ..
    البيتان 12، 13 ردالفعل الشعوري ، وبالطبع فإن الأبيات السابقة على 10 ، 11 ، في سرد الحالة ، والأبيات اللاحقة لـ 12 ، 13 في وصف رد الفعل كيف سيكون والغرض منه والأثر الذي سيحدثه ،وكلها مهم ولكن القراءة تشير فقط وعليك عزيزي القارئ أن تطبق أنت فتقيم للقراءة نصفها الآخر ، وهذه هي الأبيات الأربعة :
    وقفت على شط الشروق أبثه = لواعج أمسي والقروح الضواريا
    فعاودني طيف الغروب بهمسه = وأشجانه ، ماللغروب وماليا
    ***
    ولكنني لازمت رفقة أحرف = يغادرن أفياء السكون صواديا
    ويبحثن عن ركن بصحن الضياء لا = يغادرنه إلا خفافا كواسيا
    عناصر الجمال كثيرة ، وألتقط بعضها إضافة إلى ما سبق :
    شآبيبب الحنين / شماريخ الطفولة / أوراق الفؤاد / أطراف النهى / أنواء الصبابة / مرآة الخيال / شط الشروق / طيف الغروب / أفياء السكون / صرح الضياء / صهوات الغيم / جسد الأحزان / وبالتأكيد : طهر المسافة / برذون الزمان / لفافة شعر / ظباء البوح / صيد الشوارد / أطيار الشعور / يم القصيدة / مجد القلب / ساحة المنى / مدن التطريب .. هذه منظومة من الصور الناتجة عن نحت المضاف والمضاف إليه بعضها مأهولٌ وبعضها جديد تماما .. والذي يعنينا هنا أن كثرة المضاف إلى النكرة يأتي كإضافة جزء من العمر متبقٍّ إلى مسافة فادحة من العمر تقضَّت ْ ..
    وأشعر بميل إلى أن أختم القراءة بهذه الأبيات دون أن أفسد جمالها بالشرح والتحليل ، فهيا :


    أسابق برذون السماء وفي يدي = لفافة شعر أنزلتها الرؤى ليا
    لعل ظباء البوح تملأ غابتي = إذا صح عزمي فاقتنصت القوافيا
    وغامرت في صيد الشوارد حية = وغافلتُ أطيار الشعور الجواثيا

    تحياتي للشاعر الألق ، والمدنف القلِق عبد اللطيف غسري .. وإلى مزيد من التوفيق إن شاء الله ..
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد اللطيف غسري ; 17/07/2010 الساعة 12:03 PM
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2  
    مشرف الصورة الرمزية محمد يوب
    تاريخ التسجيل
    Nov 2009
    الدولة
    الدار ابيضاء المغرب
    المشاركات
    944
    مقالات المدونة
    21
    معدل تقييم المستوى
    15
    قراءة جميلة لا مست جوانب كثيرة كانت خفية في القصيدة قراءة ممتعة لقصيدة أمتع. تستاهل أخي عبد اللطيف
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3  
    مشرف
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    2,180
    معدل تقييم المستوى
    20
    قراءة نقدية جميلة وممتعة للقصيدة أيها الشاعر المتألق أستاذنا الفاضل عبد اللطيف
    وقد استطاع الناقد المصري الأديب عبد السميع
    أن ينفذ ببراعة إلى ما وراء الحروف ، ويتقن دراستها لغويا وأدبيا بحنكة وذكاء ...
    نرجو من الله لكم مزيدا من الإبداع والألق
    ودمت بخير
    أمينة أحمد خشفة
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4  
    شاعر ومترجم مغربي الصورة الرمزية عبد اللطيف غسري
    تاريخ التسجيل
    Nov 2009
    المشاركات
    100
    مقالات المدونة
    7
    معدل تقييم المستوى
    15
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد يوب مشاهدة المشاركة
    قراءة جميلة لا مست جوانب كثيرة كانت خفية في القصيدة قراءة ممتعة لقصيدة أمتع. تستاهل أخي عبد اللطيف
    أخي الكريم الأستاذ محمد يوب:
    شرفتُ بمرورك البهي وكلماتك الدافئة.
    أشكرك أخي.
    مودتي والتحيات
    رد مع اقتباس  
     

  5. #5  
    شاعر ومترجم مغربي الصورة الرمزية عبد اللطيف غسري
    تاريخ التسجيل
    Nov 2009
    المشاركات
    100
    مقالات المدونة
    7
    معدل تقييم المستوى
    15
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنت الشهباء مشاهدة المشاركة
    قراءة نقدية جميلة وممتعة للقصيدة أيها الشاعر المتألق أستاذنا الفاضل عبد اللطيف
    وقد استطاع الناقد المصري الأديب عبد السميع
    أن ينفذ ببراعة إلى ما وراء الحروف ، ويتقن دراستها لغويا وأدبيا بحنكة وذكاء ...
    نرجو من الله لكم مزيدا من الإبداع والألق
    ودمت بخير
    أختي الفاضلة بنت الشهباء:
    أسعدني حضورك الراقي في متصفحي. أشكرك على كلماتك الجميلة.
    مودتي وتقديري
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 16/09/2011, 05:37 PM
  2. قراءة في دويان" قوافل الثلج " للشاعر عبد اللطيف غسري
    بواسطة محمد يوب في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 06/06/2010, 07:34 PM
  3. صدور ديوان (قوافلُ الثلج) للشاعر المغربي عبد اللطيف غسري
    بواسطة عبد اللطيف غسري في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 01/06/2010, 02:07 PM
  4. مقال: صدور ديوان (قوافلُ الثلج) للشاعر المغربي عبد اللطيف غسري
    بواسطة عبد اللطيف غسري في المنتدى مجلة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 30/05/2010, 12:42 AM
  5. قراءة نقدية في "أنين الوتر" للشاعر عبد اللطيف غسري
    بواسطة عبد اللطيف غسري في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17/04/2010, 08:58 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •