إملاء ما من به الرحمن
من وجوه الإعراب في جميع القرآن
تأليف
أبي البقاء عبدالله بن الحسين بن عبدالله العكبري
(538 - 616 ه‍)
الجزء الأول
[3]
بسم اللّه الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإمام العالم محب الدين أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبدالله العكبري رحمه الله تعالى، ورحم أسلافه بمحمد وآله وأصحابه وأنصاره: الحمد لله الذى وفقنا لحفظ كتابه، وأوقفنا على الجليل من حكمه وأحكامه وآدابه، وألهمنا تدبر معانيه ووجوه إعرابه، وعرفنا تفنن أساليبه من حقيقته ومجازه وإيجازه وإسهابه، أحمده على الاعتصام بأمتن أسبابه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة مؤمن بيوم حسابه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبرز في لسنه وفصل خطابه، ناظم حبل الحق بعد انقضابه، وجامع شمل الدين بعد انشعابه، صلى الله عليه وآله وأصحابه، ما استطار برق في أرجاء سحابه، واضطرب بحر بآذيه وعبابه.



أما بعد: فإن أولى ما عنى باغى العلم بمراعاته، وأحق ما صرف العناية إلى معاناته. ما كان من العلوم أصلا لغيره منها، وحاكما عليها ولها فيما ينشأ من الاختلاف عنها، وذلك هو القرآن المجيد، الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، وهو المعجز الباقي على الابد، والمودع أسرار المعاني التى لا تنفد، وحبل الله المتين، وحجته على الخلق أجمعين.


فأول مبدوء به من ذلك تلقف ألفاظه عن حفاظه، ثم تلقى معانيه ممن يعانيه، وأقوم طريق يسلك في الوقوف على معناه، ويتوصل به إلى تبيين أغراضه ومغزاه، معرفة إعرابه واشتقاق مقاصده من أنحاء خطابه، والنظر في وجوه القرآن المنقولة عن الائمة الاثبات.


والكتب المؤلفة في هذا العلم كثيرة جدا، مختلفة ترتيبا وحدا، فمنها المختصر حجما وعلما، ومنها المطول بكثرة إعراب الظواهر، وخلط الاعراب بالمعانى، وقلما تجد فيها مختصر الحجم كثير العلم، فلما وجدتها على ما وصفت، أحببت أن أملى كتابا يصغر حجمه يكثر علمه، أقتصر فيه على ذكر الاعراب ووجوه القراء?ات، فأتيت به على ذلك، والله أسأل أن يوفقنى فيه لاصابة لصواب، وحسن القصد به بمنه وكرمه.


إعراب الاستعاذة


(أعوذ) أصله أعوذ بسكون العين وضم الواو مثل أقتل، فاستثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى العين وبقيت ساكنة، ومصدره عوذ وعياذ ومعاذ، وهذا تعليم، والتقدير فيه: قل أعوذ.
(والشيطان) فيعال من شطن يشطن إذا بعد، ويقال فيه شاطن وتشطين، وسمى بذلك كل متمرد لبعد غوره في الشر، وقيل هو فعلان من شاط يشيط إذا هلك فالتمرد هالك بتمرده، ويجوز ان يكون سمى بفعلان لمبالغته في إهلاك غيره، و (الرجيم) فعيل بمعنى مفعول: أى مرجوم بالطرد واللعن، وقيل هو فعيل بمعنى فاعل: أى يرجم غيره بالاغواء.


إعراب التسمية

الباء في (بسم) متعلقة بمحذوف، فعند البصريين المحذوف مبتدأ والجار والمجرور خبره، والتقدير ابتدائى بسم الله، أى كائن باسم الله فالباء متعلقة بالكون والاستقرار، وقال الكوفيون: المحذوف فعل تقديره ابتدأت أو أبدأ فالجار والمجرور في موضع نصب بالمحذوف وحذفت الالف من الخط لكثرة الاستعمال، فلو قلت لاسم الله بركة أو باسم ربك أثبت الالف في الخط، وقيل حذفوا الالف لانهم حملوه على سم وهى لغة في اسم، ولغاته خمس: سم بكسر السين وضمها، واسم بكسر الهمزة وضمها، وسمى مثل ضحى، والاصل في اسم سمو، فالمحذوف منه لامه، يدل على ذلك قولهم في جمعه أسماء وأسامى، وفى تصغيره سمى، وبنوا منه فعيلا فقالوا: فلان سميك أى اسمه كاسمك، والفعل منه سميت وأسميت، فقد رأيت كيف رجع المحذوف إلى آخره.


وقال الكوفيون: أصله وسم لانه من الوسم وهو العلامة، وهذا صحيح في المعنى فاسد اشتقاقا.
فإن قيل: كيف أضيف الاسم إلى الله، والله هو الاسم؟ قيل: في ذلك ثلاثة أوجه: أحدهما أن الاسم هنا بمعنى التسمية، والتسمية غير الاسم، لان الاسم هو اللازم للمسمى، والتسمية هو التلفظ بالاسم، والثانى أن في الكلام حذف مضاف تقديره باسم مسمى الله، والثالث أن اسم زيادة، ومن ذلك قوله: * إلى الحول ثم اسم السلام عليكما * وقول الآخر: * داع يناديه باسم الماء * أى السلام عليكما ونناديه بالماء
[5]


والاصل في الله الالاه، فألقيت حركة الهمزة على لام المعرفة، ثم سكنت وأدغمت في اللام الثانية ثم فخمت إذا لم يكن قبلها كسرة، ورققت إذا كانت قبلها كسرة، ومنهم من يرققها في كل حال، والتفخيم في هذا الاسم من خواصه.


وقال أبوعلي: همزة إلاه حذفت حذفا من غير إلقاء، وهمزة إلاه أصل وهو من أله يأله إذا عبد، فالاله مصدر في موضع المفعول أى المألوه وهو المعبود، وقيل أصل الهمزة واو لانه من الوله فالاله تتوله إليه القلوب: أى تتحير، وقيل أصله لاه على فعل، وأصل الالف ياء لانهم قالوا في مقلوبه لهى أبوك، ثم أدخلت عليه الالف واللام (الرحمن الرحيم) صفتان مشتقتان من الرحمة والرحمن من أبنية المبالغة، وفى الرحيم مبالغة أيضا إلا أن فعلانا أبلغ من فعيل، وجرهما على الصفة، والعامل في الصفة هو العامل في الموصوف، وقال الاخفش: العامل فيها معنوى وهو كونها تبعا، ويجوز نصبهما على إضمار أعنى ورفعهما على تقدير هو.



سورة الفاتحة
بسم اللّه الرحمن الرحيم


الجمهور على رفع (الحمد) بالابتداء و (لله) الخبر واللام متعلقة بمحذوف أى واجب أو ثابت، ويقرأ الحمد بالنصب على أنه مصدر فعل محذوف، أى أحمد الحمد، والرفع أجود لان فيه عموما في المعنى، ويقرأ بكسر الدال إتباعا لكسرة اللام كما قالوا المعيرة ورغيف وهو ضعيف في الآية لان فيه إتباع الاعراب البناء، وفى ذلك إبطال للاعراب، ويقرأ بضم الدال واللام على إتباع اللام الدال، وهو ضعيف أيضا لان لام الجر متصل بما بعده منفصل عن الدال، ولا نظير له في حروف الجر المفردة إلا أن من قرأ به فر من الخروج من الضم إلى الكسر وأجراه مجرى المتصل، لانه لا يكاد يستعمل الحمد منفردا عما بعده، والرب مصدر رب يرب، ثم جعل صفة كعدل وخصم، وأصله راب وجره على الصفة أو البدل، وقرئ بالنصب على إضمار أعنى، وقيل على النداء، وقرئ بالرفع على إضمار هو (العالمين) جمع تصحيح واحده عالم، والعالم اسم موضوع للجمع ولا واحد له في اللفظ، واشتقاقه من العلم عند من خص العالم بمن يعقل، أو من العلامة عند من جعله لجميع المخلوقات، وفى (الرحمن الرحيم) الجر والنصب والرفع، وبكل قرئ على ماذكرناه في رب قوله تعالى (ملك يوم الدين) يقرأ بكسر اللام من غير ألف، وهو من عمر ملكه، يقال ملك بين الملك بالضم، وقرئ بإسكان اللام وهو من تخفيف


[6]
المكسور مثل فخذ وكتف، وإضافته على هذا محضة وهو معرفة، فيكون جره على الصفة أو البدل من الله، ولاحذف فيه على هذا، ويقرأ بالالف والجر، وهو على هذا نكرة، لان اسم الفاعل إذا أريد به الحال أو الاستقبال لا يتعرف بالاضافة، فعلى هذا يكون جره على البدل لا على الصفة، لان المعرفة لاتوصف بالنكرة، وفى الكلام حذف مفعول تقديره: مالك أمر يوم الدين، أو مالك يوم الدين الامر، وبالاضافة لى يوم خرج عن الظرفية، لانه لايصح فيه تقدير في، لانها تفصل بين المضاف والمضاف إليه، ويقرأ مالك بالنصب على أن يكون بإضمار أعنى أو حالا، وأجاز قوم أن يكون نداء، ويقرأ بالرفع على إضمار هو أو يكون خبرا للرحمن الرحيم على قراء?ة من رفع الرحمن، ويقرأ مليك يوم الدين رفعا ونصبا وجرا، ويقرأ ملك يوم الدين على أنه فعل ويوم مفعول أو ظرف، والدين مصدر دان يدين.


قوله تعالى (إياك) الجمهور على كسرة الهمزة وتشديد الياء، وقرئ شاذا بفتح الهمزة، والاشبه أن يكون لغة مسموعة، وقرئ بكسر الهمزة وتخفيف الياء، والوجه فيه أنه حذف إحدى الياء?ين لاستثقال التكرير في حرف العلة، وقد جاء ذلك في الشعر، قال الفرزدق:
تنظرت نصرا والسماكين أيهما * علي مع الغيث استهلت مواطره


وقالوا في أما: أيما، فقلبوا الميم ياء كراهية التضعيف، وإيا عند الخليل وسيبويه اسم مضمر، فأما الكاف فحرف خطاب عند سيبويه لاموضع لها، ولاتكون اسما لانها لو كانت اسما لكانت إيا مضافة إليها والمضمرات لاتضاف، وعند الخليل هى اسم مضمر أضيفت إيا إليه، لان إيا تشبه المظهر لتقدمها على الفعل والفاعل ولطولها بكثرة حروفها، وحكى عن العرب: إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب.


وقال الكوفيون: إياك بكمالها اسم وهذا بعيد، لان هذا الاسم يختلف آخره بحسب اختلاف المتكلم والمخاطب والغائب فيقال: إياى وإياك وإياه.
وقال قوم: الكاف اسم وإيا عماد له وهو حرف، وموضع إياك نصب بنعبد.
فإن قيل: إياك خطاب والحمد لله على لفظ الغيبة، فكان الاشبه أن يكون إياه.
قيل: عادة العرب الرجوع من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة.
وسيمر بك من ذلك مقدار صالح من القرآن.


[7]
قوله تعالى (نستعين) الجمهور على فتح النون، وقرئ بكسرها وهى لغة، وأصله نستعون نستفعل من العون فاستقلت الكسرة على الواو فنقلت إلى العين ثم قلبت ياء لسكونها وإنكسار ماقبلها.


قوله تعالى (اهدنا) لفظه أمر والامر مبنى على السكون عند البصريين، ومعرب عند الكوفيين، فحذف الياء عند البصريين علامة السكون الذى هو بناء، وعند الكوفيين، هو علامة الجزم، وهدى يتعدى إلى مفعول بنفسه فأما تعديه إلى مفعول آخر فقد جاء متعديا إليه بنفسه ومنه هذه الآية، وقد جاء متعديا بإلى كقوله تعالى: " هدانى ربي إلى صراط مستقيم "، وجاء متعديا باللام، ومنه قوله تعالى: " الذى هدانا لهذا ".


و (السراط) بالسين هو الاصل لانه من سرط الشئ إذا بلعه، وسمى الطريق سراطا لجريان الناس فيه كجريان الشئ المبتلع، فمن قرأه بالسين جاء به على الاصل، ومن قرأه بالصاد قلب السين صادا لتجانس الطاء في الاطباق، والسين تشارك الصاد في الصفير والهمس، فلما شاركت الصاد في ذلك قربت منها، فكانت مقاربتها لها مجوزة قلبها إليها لتجانس الطاء في الاطباق، ومن قرأ بالزاى قلب السين زايا، لان الزاى والسين من حروف الصفير، والزاى أشبه بالطاء لانهما مجهورتان، ومن أشم الصاد زايا قصد أن يجعلها بين الجهر والاطباق، وأصل (المستقيم) مستقوم ثم عمل فيه ماذكرنا في نستعين، ومستفعل هنا بمعنى فعيل: أى السراط القويم، ويجوز أن يكون بمعنى القائم، أى الثابت، وسراط الثانى بدلا من الاول، وهو بدل الشئ وهما بمعنى واحد وكلاهما معرفة، والذين اسم موصول وصلته أنعمت، والعائد عليه الهاء والميم، والغرض من وضع الذى وصف المعارف بالجمل، لان الجمل تفسر بالنكرات والنكرة لاتوصف بها المعرفة، والالف واللام في الذى زائدتان وتعريفها بالصلة، ألا ترى أن " من " و " ما " معرفتان ولا لام فيهما فدل أن تعرفهما بالصلة.


والاصل في الذين اللذيون، لان واحده الذى، إلا أن ياء الجمع حذفت ياء الاصل لئلا يجتمع ساكنان، والذين بالياء في كل حال لانه اسم مبنى، ومن العرب من يجعله في الرفع بالواو، وفى الجر والنصب بالياء كما جعلوا تثنيته بالالف في الرفع وبالياء في الجر والنصب.


وفى الذى خمس لغات: إحداها الذى بلام مفتوحة من غير لام التعريف، وقد قرئ به شاذا، والثانية الذى بسكون الياء، والثالثة بحذفها وإبقاء كسرة الذال، والرابعة حذف الياء وإسكان الذال، والخامسة بياء مشددة.


[8]
قوله تعالى (غير المغضوب) يقرأ بالجر، وفيه ثلاثة أوجه: أحدها أنه بدل من الذين.
والثانى أنه بدل من الهاء والميم في عليهم. والثالث أنه صفة للذين.


فإن قلت: الذين معرفة وغير لا يتعرف بالاضافة فلا يصح أن يكون صفة له.
ففيه جوابان: أحدهما أن غير إذا وقعت بين متضادين وكانا معرفتين تعرفت بالاضافة كقولك: عجبت من الحركة غير السكون، وكذلك الامر هنا لان المنعم عليه والمغضوب عليه متضادان.
والجواب الثانى أن الذين قريب من النكرة لانه لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم وغير المغضوب قريبة من المعرفة بالتخصيص الحاصل لها بالاضافة فكل واحد منهما فيه إبهام من وجه واختصاص من وجه.
ويقرأ غير بالنصب، وفيه ثلاثة أوجه:


أحدهما أنه حال من الهاء والميم والعامل فيها أنعمت، ويضعف أن يكون حالا من الذين لانه مضاف إليه، والصراط لا يصح أن يعمل بنفسه في الحال، وقد قيل إنه ينتصب على الحال من الذين ويعمل فيها معنى الاضافة.


والوجه الثانى أنه ينتصب على الاستثناء من الذين أو من الهاء والميم.


والثالث أنه ينتصب بإضمار أعنى والمغضوب مفعول من غضب عليه، وهو لازم والقائم مقام الفاعل عليهم، والتقدير غير الفريق المغضوب، ولا ضمير في المغضوب لقيام الجار والمجرور مقام الفاعل، ولذلك لم يجمع فيقال الفريق المغضوبين عليهم، لان اسم الفاعل والمفعول إذا عمل فيما بعده لم يجمع جمع السلامة (ولا الضالين) " لا " زائدة عند البصريين للتوكيد، وعند الكوفيين هى بمعنى غير، كما قالوا: جئت بلا شئ فأدخلوا عليها حرف الجر فيكون لها حكم غير.


وأجاب البصريون عن هذا بأن " لا " دخلت للمعنى فتخطاها العامل كما يتخطى الالف واللام والجمهور على ترك الهمز في الضالين: وقرأ أيوب السختيانى بهمزة مفتوحة وهى لغة فاشية في العرب في كل ألف وقع بعدها حرف مشدد نحو: ضال ودابة وجان، والعلة في ذلك أنه قلب الالف همزة لتصح حركتها لئلا يجمع بين ساكنين.
فصل:

وأما آمين فاسم للفعل ومعناها اللهم استجب، وهو مبنى لوقوعه موقع المبنى، وحرك بالفتح لاجل الياء قبل آخره كما فتحت أين، والفتح فيها أقوى لان قبل الياء كسرة، فلو كسرت النون على الاصل لوقعت الياء بين كسرتين.
وقيل (آمين): اسم من أسماء الله تعالى، وتقديره: ياآمين، وهذا خطأ لوجهين: أحدهما أن أسماء الله لاتعرف إلا تلقيا ولم يرد بذلك سمع. والثانى أنه لو كان كذلك لبنى على الضم لانه منادى معرفة أو مقصود، وفيه لغتان: القصر وهو الاصل، والمد وليس من الابنية


[9]
العربية، بل هو من الابنية الاعجمية كهابيل وقابيل والوجه فيه أن يكون أشبع فتحة الهمزة فنشأت الالف، فعلى هذا لاتخرج عن الابنية العربية.


فصل
: في هاء الضمير نحو: عليهم وعليه وفيه وفيهم وإنما أفردناه لتكرره في القرآن.
الاصل في هذه الهاء الضم لانها تضم بعد الفتحة والضمة والسكون نحو: إنه وله وغلامه ويسمعه ومنه، وإنما يجوز كسرها بعد الياء نحو: عليهم وأيديهم، وبعد الكسر نحو: به وبداره، وضمها في الموضعين جائز لانه الاصل، وإنما كسرت لتجانس ماقبلها من الياء والكسرة، وبكل قد قرئ.


فأما عليهم ففيها عشر لغات، وكلها قد قرئ به: خمس مع ضم الهاء، وخمس مع كسرها، فالتى مع الضم: إسكان الميم وضمها من غير إشباع، وضمها مع واو، وكسر الميم من غير ياء، وكسرها مع الياء، وأما التي مع كسر الهاء: فإسكان الميم وكسرها من غير ياء وكسرها مع الياء، وضمها من غير واو، وضمها مع الواو، والاصل في ميم الجمع أن يكون بعدها واو كما قرأ ابن كثير، فالميم لمجاوزة الواحد، والالف دليل التثنية نحو: عليهما، والواو للجمع نظير الالف، ويدل على ذلك أن علامة الجماعة في المؤنث نون مشددة نحو: عليهن، فكذلك يجب أن يكون علامة الجمع للمذكر حرفين، إلا أنهم حذفوا الواو تخفيفا، ولا لبس في ذلك لان الواحد لاميم فيه، والتثنية بعد ميمها ألف، وإذا حذفت الواو سكنت الميم لئلا تتوالى الحركات في أكثر المواضع نحو: ضربهم ويضربهم، فمن أثبت الواو أو حذفها وسكن الميم فلما ذكرنا، ومن ضم الميم دل بذلك على أن أصلها الضم وجعل الضمة دليل الواو المحذوفة، ومن كسر الميم وأتبعها ياء فإنه حرك الميم بحركة الهاء المكسورة قبلها ثم قلب الواو ياء لسكونها وانكسار ماقبلها، ومن حذف الياء جعل الكسرة دليلا عليها، ومن كسر الميم بعد ضمة الهاء فإنه أراد أن يجانس بها الياء التى قبل الهاء، ومن ضم الهاء قال: إن الياء في عليه حقها أن تكون ألفا كما ثبتت الالف مع المظهر وليست الياء أصل الالف، فكما أن الهاء تضم بعد الالف فكذلك تضم بعد الياء المبدلة منها، ومن كسر الهاء اعتبر اللفظ، فأما كسر الهاء وإتباعها بياء ساكنة فجائز على ضعف، أما جوازه فلخفاء الهاء بينت بالاشباع، وأما ضعفه فلان الهاء خفية والخفى قريب من الساكن والساكن غير حصين، فكأن الياء وليت الياء، وإذا لقى الميم ساكن بعدها جاز ضمها نحو: عليهم الذلة، لان أصلها الضم، وإنما أسكنت تخفيفا، فإذا احتيج إلى حركتها كان الضم الذى هو حقها في الاصل أولى ويجوز كسرها إتباعا لما قبلها.


[10]
وأما: فيه ويليه، ففيه الكسر من غير إشباع، وبالاشباع، وفيه الضم من غير إشباع وبالاشباع، وأما إذا سكن ماقبل الهاء نحو: منه وعنه وتجدوه، فمن ضم من غير أشباع فعلى الاصل، ومن أشبع أراد تبيين الهاء لخفائها.



سورة البقرة
بسم اللّه الرحمن الرحيم
قوله تعالى (الم) هذه الحروف المقطعة كل واحد منها اسم، فألف اسم يعبر به عن مثل الحرف الذى في قال، ولام يعبر بها عن الحرف الاخير من قال، وكذلك ماأشبهها، والدليل على أنها أسماء أن كلا منها يدل على معنى في نفسه، وهى مبنية لانك لاتريد أن تخبر عنها بشئ، وإنما يحكى بها ألفاظ الحروف التى جعلت أسماء لها فهى كالاصوات نحو: غاق، في حكاية صوت الغراب.


وفى موضع الم ثلاثة أوجه: أحدها الجر على القسم، وحرف القسم محذوف وبقى عمله بعد الحذف لانه مراد، فهو كالملفوظ به كما قالوا الله ليفعلن في لغة من جر، والثانى: موضعها نصب، وفيه وجهان: أحدهما هو على تقدير حذف القسم كما تقول الله لافعلن والناصب فعل محذوف تقديره: التزمت الله، أى اليمين به، والثانى هى مفعول بها تقديره اتل الم. والوجه الثالث: موضع رفع بأنها مبتدأ وما بعدها الخبر.


قوله عزوجل (ذلك) ذا اسم إشارة والالف من جملة الاسم.
وقال الكوفيون الذال وحدها هى الاسم، والالف زيدت لتكثير الكلمة، واستدلوا على ذلك بقولهم ذه أمة الله، وليس ذلك بشئ لان هذا الاسم اسم ظاهر، وليس في الكلام اسم ظاهر على حرف واحد حتى يحمل هذا عليه، ويدل على ذلك قولهم في التصغير: ذيا فردوه إلى الثلاثى والهاء في ذه بدل من الياء في ذى.


وأما اللام فحرف زيد ليدل على بعد المشار إليه، وقيل هى بدل من ها، ألا تراك تقول: هذا وهذاك ولا يجوز هذلك، وحركت اللام لئلا يجتمع ساكنان وكسرت على أصل التقاء الساكنين، وقيل كسرت للفرق بين هذه اللام ولام الجر، إذ لو فتحتها فقلت ذلك لالتبس بمعنى الملك، وقيل ذلك هاهنا بمعنى هذا، وموضعه رفع إما على أنه خبر الم والكتاب عطف بيان ولاريب في موضع نصب على الحال أى هذا الكتاب حقا أو غير ذى شك وإما أن يكون ذلك مبتدأ والكتاب خبره ولاريب حال، ويجوز أن يكون الكتاب عطف بيان ولاريب فيه الخبر، وريب مبنى على الاكثرين لانه ركب مع لا وصير


[11]
بمنزلة خمسة عشر، وعلة بنائه تضمنه معنى من، إذ التقدير لا من ريب، واحتيج إلى تقدير من لتدل لا على نفى الجنس، ألا ترى أنك تقول: لا رجل في الدار، فتنفى الواحد ومازاد عليه، فإن قلت لا رجل في الدار فرفعت ونونت نفيت الواحد ولم تنف ما زاد عليه، إذ يجوز أن يكون فيها اثنان أو أكثر. وقوله (فيه) فيه وجهان:


أحدهما هو في موضع خبر لا ويتعلق بمحذوف تقريره، لا ريب كائن فيه، فيقف حينئذ على فيه.
والوجه الثانى: أن يكون لاريب آخر الكلام وخبره محذوف للعلم به، ثم تستأنف فتقول فيه هدى فيكون هدى مبتدأ وفيه الخبر، وإن شئت كان هدى فاعلا مرفوعا بفيه ويتعلق " في " على الوجهين بفعل محذوف، وأما هدى فألفه منقلبة عن ياء لقولك هديت والهدى، وفى موضعه وجهان: أحدهما رفع إما مبتدأ أو فاعل على ماذكرنا، وإما أن يكون خبر مبتدإ محذوف، أى هو هدى، وإما أن يكون خبرا لذلك بعد خبر. والوجه الثانى: أن يكون في موضع نصب على الحال من الهاء في فيه: أى لاريب فيه هاديا فالمصدر في معنى اسم الفاعل، والعامل في الحال معنى الجملة تقديره: أحققه هاديا، ويجوز أن يكون العامل فيه معنى التنبيه والاشارة الحاصل من قوله ذلك.


قوله تعالى (للمتقين) اللام متعلقة بمحذوف تقديره كائن أو كائنا على ماذكرناه من الوجهين في الهدى، ويجوز أن يتعلق اللام بنفس الهدى لانه مصدر والمصدر يعمل عمل الفعل، وواحد المتقين متقى، وأصل الكلمة من وقى فعل، ففاؤها واو ولامها ياء، فإذا بنيت من ذلك افتعل قلبت الواو تاء وأدغمتها في التاء الاخرى فقلت اتقى، وكذلك في اسم الفاعل وما تصرف منه نحو متقى ومتقى ومتقى اسم ناقص، وياؤه التى هى لام محذوفة في الجمع لسكونها وسكون حرف الجمع بعدها كقولك: متقون ومتقين، ووزنه في الاصل مفتعلون، لان أصله موتقيون فحذفت اللام لما ذكرنا فوزنه الآن مفتعون ومفتعين، وإنما حذفت اللام دون علامة الجمع لان علامة الجمع دالة على معنى إذا حذفت لايبقى على ذلك المعنى دليل، فكان إبقاؤها أولى.


قوله تعالى (الذين يؤمنون) هو في موضع جر صفة المتقين، ويجوز أن يكون في موضع نصب إما على موضع للمتقين أو بإضمار أعنى، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمارهم أو مبتدأ وخبره أولئك على هدى وأصل يؤمنون يؤمنون، لانه من الامن والماضى منه آمن فالالف بدل من همزة ساكنة قلبت ألفا كراهية اجتماع همزتين، ولم يحققوا الثانية في موضع ما لسكونها وانفتاح ما قبلها، ونظيره في الأسماء


[12]
آدم آخر، فأما في المستقبل فلا تجمع بين الهمزتين اللتين هما الاصل، لان ذلك يفضى بك في المتكلم إلى ثلاث همزات: الاولى همزة المضارعة، والثانية همزة أفعل التى في آمن، والثالثة الهمزة التى هى فاء الكلمة، فحذفوا الوسطى كما حذفوها في أكرم لئلا تجتمع الهمزات، وكان حذف الوسطى أولى من حذف الاولى لانها حرف معنى، ومن حذف الثالثة لان الثالثة فاء الكلمة والوسطى زائدة، وإذا أردت تبين ذلك فقل: إن آمن أربعة أحرف فهو مثل دحرج، فلو قلت أدحرج لاتيت بجميع ماكان في الماضى وزدت عليه همزة المتكلم، فمثله يجب أن يكون في أومن، فالباقى من الهمزات الاولى والواو التى بعدها مبدلة من الهمزة الساكنة التى هى فاء الكلمة والهمزة الوسطى هى المحذوفة وإنما قلبت الهمزة الساكنة واوا لسكونها وانضمام ماقبلها، فإذا قلت نؤمن وتؤمن ويؤمن جاز لك فيه وجهان: أحدهما الهمز على الاصل، والثانى قلب الهمزة واوا تخفيفا، وحذفت الهمزة الوسطى حملا على أومن والاصل يؤمن، فأما أؤمن فلا يجوز همز الثانية بحال لما ذكرناه، والغيب هنا مصدر بمعنى الفاعل: أى يؤمنون بالغائب عنهم، ويجوز أن يكون بمعنى المفعول: أى المغيب كقوله: هذا خلق الله: أى مخلوقه، ودرهم ضرب الامير: أى مضروبه.


قوله عزوجل (ويقيمون) أصله يؤقومون: وماضيه أقام، وعينه واو لقولك فيه يقوم، فحذفت الهمزة كما حذفت في أقيم لاجتماع الهمزتين، وكذلك جميع مافيه حرف مضارعة لئلا يختلف باب أفعال المضارعة، وأما الواو فعمل فيها ماعمل في نستعين، وقد ذكرناه، وألف الصلاة منقلبة عن واو لقولك: صلوات، والصلاة مصدر صلى ويراد بها هاهنا الافعال والاقوال المخصوصة فلذلك جرت مجرى الاسماء غير المصادر.


قوله تعالى (ومما رزقناهم) من متعلقة بينفقون، والتقدير: وينفقون مما رزقناهم، فيكون الفعل قبل المفعول كما كان قوله يؤمنون ويقيمون كذلك، وإنما أخر الفعل عن المفعول لتتوافق رء?وس الآى، وما بمعنى الذى، ورزقنا يتعدى إلى مفعولين، وقد حذف الثانى منهما هنا وهو العائد على " ما " تقديره: رزقناهموه أو رزقناهم إياه، ويجوز أن تكون مانكرة موصولة بمعنى شئ، أى ومن مال رزقناهم فيكون رزقناهم في موضع جر صفة لما.
وعلى القول الاول لا يكون له موضع، لان الصلة لا موضع لها، ولا يجوز أن تكون ما مصدرية لان الفعل لا ينفق، ومن


[13]
للتبعيض، ويجوز أن تكون لابتداء غاية الانفاق، وأصل ينفقون: يؤنفقون لان ماضيه أنفق، وقد تقدم نظيره.


قوله تعالى (بما أنزل إليك) " ما " هاهنا بمعنى الذى، ولايجوز أن تكون نكرة موصوفة أى بشئ أنزل إليك، لانه لا عموم فيه على هذا، ولا يكمل الايمان إلا أن يكون بجميع ماأنزل إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وما للعموم، وبذلك يتحقق الايمان، والقراءة الجيدة بأنزل إليك، بتحقيق الهمزة، وقد قرئ في الشاذ أنزل إليك بتشديد اللام والوجه فيه أنه سكن لام أنزل وألقى عليها حركة الهمزة فانكسرت اللام وحذفت الهمزة فلقيتها لام إلى فصار اللفظ بما أنزل إليك فسكنت اللام الاولى وأدغمت في اللام الثانية، والكاف هنا ضمير المخاطب وهو النبى صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يكون ضمير الجنس المخاطب ويكون في معنى الجمع، وقد صرح به في آى أخر كقوله " لقد أنزلنا إليك كتابا فيه ذكركم ".



قوله تعالى (وبالآخرة) الباء متعلقة بيوقنون، ولا يمتنع أن يعمل الخبر فيما قبل المبتدإ، وهذا يدل على أن تقديم الخبر على المبتدإ جائز إذ المعمول لا يقع في موضع لا يقع فيه العامل، والآخر صفة والموصوف محذوف تقديره: وبالساعة الآخرة أو بالدار الآخرة كما قال " وللدار الآخرة خير " وقال " واليوم الآخر


".
قوله تعالى (هم يوقنون) هم مبتدأ ذكر على جهة التوكيد، ولو قال: وبالآخرة يوقنون لصح المعنى والاعراب، ووجه التوكيد في هم تحقيق عود الضمير إلى المذكورين لا إلى غيرهم، ويوقنون الخبر، وأصله يؤيقنون، لان ماضيه أيقن، والاصل أن يؤتى في المضارع بحروف الماضى، إلا أن الهمزة حذفت لما ذكرنا في يؤمنون وأبدلت الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها.


قوله تعالى (أولئك) هذه صيغة جمع على غير لفظ واحده، وواحده ذا، ويكون أولئك للمؤنث والمذكر، والكاف فيه حرف للخطاب وليست اسما إذ لو كانت اسما لكانت إما مرفوعة أو منصوبة، ولايصح شئ منهما إذ لا رافع هنا ولا ناصب، وإما أن تكون مجرورة بالاضافة، وأولاء لا تصح إضافته لانه مبهم، والمبهمات لا تضاف، فبقى أن تكون حرفا مجردا للخطاب، ويجوز مد أولاء وقصره في غير القرآن، وموضعه هنا رفع بالابتداء، و (على هدى) الخبر، وحرف الجر متعلق بمحذوف: أى أولئك ثابتون على هدى، ويجوز أن يكون أولئك خبر الذين يؤمنون بالغيب، وقد ذكر.
[14]
فإن قيل: أصل " على " الاستعلاء "، والهدى لا يستعلى عليه فكيف يصح معناها هاهنا؟.

قيل: معنى الاستعلاء حاصل، لان منزلتهم علت باتباع الهدى، ويجوز أن يكون لما كانت أفعالهم كلها على مقتضى الهدى كان تصرفهم بالهدى كتصرف الراكب بما يركبه.


قوله تعالى (من ربهم) في موضع جر صفة لهدى، ويتعلق الجار بمحذوف تقديره هدى كائن وفى الجار والمجرور ضمير يعود على الهدى، ويجوز كسر الهاء وضمها على ماذكرنا في عليهم في الفاتحة.


قوله تعالى (وأولئك) مبتدأ و (هم) مبتدأ ثان و (المفلحون) خبر المبتدأ الثانى، والثانى خبره خبر الاول، ويجوز أن يكون هم فصلا لا موضع له من الاعراب، والمفلحون خبر أولئك، والاصل في مفلح مؤفلح، ثم عمل فيه ماذكرناه في يؤمنون.


قوله تعالى (سواء عليهم) رفع بالابتداء، وأأنذرتهم أم لم تنذرهم جملة في موضع الفاعل وسدت هذه الجملة مسد الخبر، والتقدير يستوى عندهم الانذار وتركه، وهو كلام محمول على المعنى، ويجوز أن تكون هذه الجملة في موضع مبتدإ وسواء خبر مقدم، والجملة على القولين خبر أن، ولايؤمنون لا موضع له على هذا ويجوز أن يكون سواء خبر أن ومابعده معمول له، ويجوز أن يكون لايؤمنون خبر أن، وسواء عليهم ومابعده معترض بينهما، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر وسواء مصدر واقع موقع اسم الفاعل وهو مستو، ومستو يعمل عمل يستوى، ومن أجل أنه مصدر لايثنى ولايجمع، والهمزة في سواء مبدلة من ياء لان باب طويت وشويت أكثر من باب قوة وحوة فحمل على الاكثر.


قوله تعالى (أأنذرتهم) قرأ بن محيصن بهمزة واحدة على لفظ الخبر، وهمزة الاستفهام مرادة ولكن حذفوها تخفيفا، وفى الكلام مايدل عليها وهو قوله: أم لم، لان أم تعادل الهمزة، وقرأ الاكثرون على لفظ الاستفهام ثم اختلفوا في كيفية النطق به، فحقق قوم الهمزتين ولم يفصلوا بينهما وهذا هو الاصل، إلا أن الجمع بين الهمزتين مستثقل لان الهمزة نبرة تخرج من الصدر بكلفة فالنطق بها يشبه التهوع، فإذا اجتمعت همزتان كان أثقل على المتكلم، فمن هنا لايحققهما أكثر العرب، ومنهم من يحقق الاولى ويجعل الثانية بين بين: أى بين الهمزة والالف، وهذه في الحقيقة همزة


[15]
ملينة وليست ألفا، ومنهم من يجعل الثانية ألفا صحيحا كما فعل ذلك في آدم وآمن، ومنهم من يلين الثانية ويفصل بينها وبين الاولى بالالف، ومنهم من يحقق الهمزتين ويفصل بينهما بألف، ومن العرب من يبدل الاولى هاء ويحقق الثانية، ومنهم من يلين الثانية مع ذلك، ولايجوز أن يحقق الاولى ويجعل الثانية ألف صحيحا ويفصل بينهما بألف، لان ذلك جمع بين ألفين، ودخلت همزة الاستفهام هنا للتسوية، وذلك شبيه بالاستفهام لان المستفهم يستوى عنده الوجود والعدم، فكذلك يفعل من يريد التسوية، ويقع ذلك بعد سواء كهذه الآية، وبعد ليت شعرى كقولك: ليت شعرى أقام أم قعد، وبعد: لاأبالى، ولاأدرى، وأم هذه هى المعادلة لهمزة الاستفهام، ولم ترد المستقبل إلى معنى المضى حتى يحسن معه أمس، فإن دخلت عليها إن الشرطية عاد الفعل إلى أصله من الاستقبال.


قوله تعالى (وعلى سمعهم) السمع في الاصل مصدر سمع، وفى تقديره هنا وجهان: أحدهما أنه استعمل مصدرا على أصله، وفى الكلام حذف تقديره على مواضع سمعهم لان نفس السمع لايختم عليه، والثانى أن السمع هنااستعمل بمعنى السامعة وهى الاذن، كما قالوا الغيب بمعنى الغائب، والنجم بمعنى الناجم، واكتفى بالواحد هنا عن الجمع كما قال الشاعر:
بها جيف الحسرى فأما عظامها * فبيض وأما جلدها فصليب


يريد جلودها.
قوله تعالى (وعلى أبصارهم غشاوة) يقرأ بالرفع على أنه مبتدأ، وعلى أبصارهم خبره، وفى الجار على هذا ضمير، وعلى قول الاخفش غشاوة مرفوع بالجار كارتفاع الفاعل بالفعل، ولاضمير في الجار على هذا لارتفاع الظاهرية، والوقف على هذه القراء?ة على " وعلى سمعهم "، ويقرأ بالنصب بفعل مضمر تقديره وجعل على أبصارهم غشاوة، ولايجوز أن ينتصب بختم لانه لايتعدى بنفسه، ويجوز كسر الغين وفتحها وفيها ثلاث لغات أخر، غشوة بغير ألف بفتح الغين وضمها وكسرها.
قوله تعالى (ولهم عذاب) مبتدأ وخبر أو فاعل عمل فيه الجار على ماذكرنا قبل، وفى (عظيم) ضمير يرجع على العذاب لانه صفته.
قوله تعالى (ومن الناس) الواو دخلت هنا للعطف على قوله " الذين يؤمنون


[16]
بالغيب " وذلك أن هذه الآيات استوعبت أقسام الناس، فالآيات الاول تضمنت ذكر المخلصين في الايمان، وقوله (إن الذين كفروا) تضمن ذكر من أظهر الكفر وأبطنه، وهذه الآية تضمنت ذكر من أظهر الايمان وأبطن الكفر، فمن هنا دخلت الواو لتبين أن المذكورين من تتمة الكلام الاول، ومن هنا للتبعيض، وفتحت نونها ولم تكسر لئلا تتوالى الكسرتان، وأصل الناس عند سيبويه أناس حذفت همزته وهى فاء الكلمة، وجعلت الالف واللام كالعوض منها، فلا يكاد يستعمل الناس إلا بالالف واللام، ولايكاد يستعمل أناس بالالف واللام، فالالف في الناس على هذا زائدة واشتقاقه من الانس، وقال غيره ليس في الكلمة حذف، والالف منقلبة عن واو وهى عين الكلمة، واشتقاقه من ناس ينوس نوسا إذا تحرك، وقالوا في تصغيره: نويس.


قوله (من يقول) من: في موضع رفع بالابتداء وماقبله الخبر، أو هو مرتفع بالجار قبله على ماتقدم، ومن هنا نكرة موصوفة، ويقول: صفة لها، ويضعف أن تكون بمعنى الذى، لان الذى يتناول قوما بأعيانهم، والمعنى هاهنا على الابهام والتقدير: ومن الناس فريق يقول، ومن موحدة للفظ، وتستعمل في التثنية والجمع والتأنيث بلفظ واحد، والضمير الراجع إليها يجوز أن يفرد حملا على لفظها، وأن يثنى ويجمع ويؤنث حملا على معناها، وقد جاء في هذه الآية على الوجهين، فالضمير في يقول مفرد، وفى آمنا وماهم جمع، والاصل في يقول: يقول بسكون القاف وضم الواو لانه نظير يقعد ويقتل، ولم يأت إلا على ذلك، فنقلت ضمة الواو إلى القاف ليخف اللفظ بالواو، ومن هاهنا إذا أمرت لم تحتج إلى الهمزة بل تقول قل، لان فاء الكلمة قد تحركت فلم تحتج إلى همزة الوصل.


قوله تعالى (آمنا) أصل الالف همزة ساكنة، فقلبت ألفا لئلا تجتمع همزتان، وكان قلبها ألفا من أجل الفتحة قبلها، ووزن آمن أفعل من الامن، و (الآخر) فاعل فالالف فيه غير مبدلة من شئ.


قوله (وماهم) " هم " ضمير منفصل مرفوع بما عند أهل الحجاز، ومبتدأ عند تميم والباء في الخبر زائدة للتوكيد غير متعلقة بشئ، وهكذا كل حرف جر زيد في المبتدإ أو الخبر أو الفاعل، وماتنفى " ما " في الحال، وقد تستعمل لنفى المستقبل.


قوله تعالى (يخادعون الله) في الجملة وجهان: أحدهما لاموضع لها، والثانى موضعها نصب على الحال، وفى صاحب الحال والعامل فيها وجهان: أحدهما هى من


[17]
الضمير في يقول، فيكون العامل فيها يقول، والتقدير: يقول آمنا مخادعين: والثانى هى حال من الضمير في قوله بمؤمنين، والعامل فيها اسم الفاعل، والتقدير: وماهم بمؤمنين في حال خداعهم، ولايجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لمؤمنين، لان ذلك يوجب نفى خداعهم، والمعنى على إثبات الخداع: ولايجوز أن تكون الجملة حالا من الضمير في آمنا، لان آمنا محكى عنهم بيقول، فلو كان يخادعون حالا من الضمير في آمنا لكانت محكية أيضا، وهذا محال لوجهين: أحدهما أنهم ماقالوا آمنا وخادعنا. والثانى أنه أخبر عنهم بقوله يخادعون، ولو كان منهم لكان نخادع بالنون، وفى الكلام حذف تقديره: يخادعون نبى الله، وقيل هو على ظاهره من غير حذف.


قوله عزوجل (وما يخادعون) وأكثر القراء?ة بالالف، وأصل المفاعلة أن تكون من اثنين، وهى على ذلك هنا لانهم في خداعهم ينزلون أنفسهم منزلة أجنبى يدور الخداع بينهما، فهم يخدعون أنفسهم وأنفسهم تخدعهم، وقيل المفاعلة هنا من واحد كقولك: سافر الرجل، وعاقبت اللص، ويقرأ، يخدعون بغير ألف مع فتح الياء، ويقرأ بضمها على أن يكون الفاعل للخدع الشيطان فكأنه قال: ومايخدعهم الشيطان (إلا أنفسهم) أى عن أنفسهم، وأنفسهم نصب بأنه مفعول وليس نصبه على الاستثناء، لان الفعل لم يستوف مفعوله قبل إلا.


قوله تعالى (فزادهم الله) زاد يستعمل لازما كقولك: زاد الماء، ويستعمل متعديا إلى مفعولين كقولك زدته درهما، وعلى هذا جاء في الآية، ويجوز إمالة الزاى لانها تكسر في قولك زدته، وهذا يجوز فيما عينه واو مثل خاف، إلا أنه أحسن فيما عينه ياء.


قوله تعالى (أليم) هو فعيل بمعنى مفعل لانه من قولك آلم فهو مؤلم وجمعه ألماء وألام مثل شريف وشرفاء وشراف.


قوله تعالى (بما كانوا يكذبون) هو في موضع رفع صفة لاليم، وتتعلق الباء بمحذوف تقديره أليم كائن بتكذيبهم أو مستحق وماهنا مصدرية، وصلتها يكذبون، وليست كان صلتها لانها الناقصة، ولاتستعمل منها مصدر، ويكذبون في موضع نصب خبر كان، وما المصدرية حرف عند سيبويه واسم عند الاخفش: وعلى كلا القولين لايعود عليها من صلتها شئ.


[18]
قوله عزوجل (وإذا قيل لهم) إذا في موضع نصب على الظرف، والعامل فيها جوابها وهو قوله قالوا، وقال قوم: العامل فيها قيل، وهو خطأ لانه في موضع جر بإضافة إذا إليه، والمضاف إليه لايعمل في المضاف وأصل قيل قول، فاستثقلت الكسرة على الواو فحذفت وكسرت القاف لتنقلب الواو ياء كما فعلوا في أدل وأحق، ومنهم من يقول: نقلوا كسرة الواو إلى القاف وهذا ضعيف، لانك لا تنقل إليها الحركة إلا بعد تقدير سكونها فيحتاج في هذا إلى حذف ضمة القاف وهذا عمل كثير، ويجوز إشمام القاف بالضمة مع بقاء الياء ساكنة تنبيها على الاصل، ومن العرب من يقول في مثل قيل وبيع: قول وبوع، ويسوى بين ذوات الواو والياء، قالوا: وتخرج على أصلها وماهو من الياء تقلب الياء فيه واوا لسكونها وانضمام ما قبلها، ولا يقرأ بذلك ما لم تثبت به رواية والمفعول القائم مقام الفاعل مصدر وهو القول وأضمر لان الجملة بعده تفسره، والتقدير: وإذا قيل لهم قول هو لا تفسدوا ونظيره - ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه - أى بدا لهم بداء ورأى، وقيل لهم هو القائم مقام الفاعل وهو بعيد، لان الكلام لايتم به، وماهو مما تفسره الجملة بعده، ولا يجوز أن يكون قوله: لا تفسدوا قائما مقام الفاعل، لان الجملة لاتكون فاعلا فلا تقوم مقام الفاعل، ولهم في موضع نصب مفعول قيل.


قوله (في الارض) الهمزة في الارض أصل، وأصل الكلمة من الاتساع ومنه قولهم: أرضت القرحة إذا اتسعت، وقول من قال: سميت أرضا لان الاقدام ترضها ليس بشئ، لان الهمزة فيها أصل والرض ليس من هذا، ولا يجوز أن يكون في الارض حالا من الضمير في تفسدوا، لان ذلك لا يفيد شيئا وإنما هو ظرف متعلق بتفسدوا.


قوله (إنما نحن) " ما " ههنا كافة لان عن العمل لانها هيأتها للدخول على الاسم تارة وعلى الفعل أخرى، وهى إنما عملت لاختصاصها بالاسم، وتفيد " إنما " حصر الخبر فيما أسند إليه الخبر كقوله: إنما الله إله واحد، وتفيد في بعض المواضع اختصاص المذكور بالوصف المذكور دون غيره، كقولك: إنما زيد كريم، أى ليس فيه من الاوصاف التى تنسب إليه سوى الكرم، ومنه قوله تعالى (إنما أنا بشر مثلكم) لانهم طلبوا منه ما لا يقدر عليه البشر، فأثبت لنفسه صفة البشر ونفى عنه ما عداها.


قوله: نحن: هو اسم مضمر منفصل مبنى على الضم، وإنما بنيت الضمائر لافتقارها إلى الظواهر التى ترجع إليها، فهى كالحروف في افتقارها إلى الاسماء، وحرك آخرها لئلا يجتمع ساكنان، وضمت النون لان الكلمة ضمير مرفوع للمتكلم فأشبهت التاء


[19]
في قمت، وقيل ضمت لان موضعها رفع، وقيل النون تشبه الواو فحركت بما يجانس الواو، ونحن ضمير المتكلم ومن معه، وتكون للاثنين والجماعة، ويستعمله المتكلم الواحد العظيم، وهو في موضع رفع بالابتداء و (مصلحون) خبره.


قوله تعالى (ألا) هى حرف يفتتح به الكلام لتنبيه المخاطب، وقيل معناها حقا، وجوز هذا القائل أن تفتح أن بعدها كما تفتح بعد حقا، وهذا في غاية البعد.


قوله (هم المفسدون) هم مبتدأ والمفسدون خبره والجملة خبر إن، ويجوز أن تكون هم في موضع نصب توكيد لاسم إن، ويجوز أن يكون فصلا لا موضع لها، لان الخبر هنا معرفة، ومثل هذا الضمير يفصل بين الخبر والصفة، فيعين ما بعده للخبر.


قوله تعالى (وإذا قيل لهم آمنوا) القائم مقام المفعول هو القول، ويفسره آمنوا لان الامر والنهى قول.
قوله (كما آمن الناس) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف: أى إيمانا مثل إيمان الناس، ومثله - كما آمن السفهاء -.


قوله (السفهاء ألا إنهم) في هاتين الهمزتين أربعة أوجه: أحدها تحقيقهما وهو الاصل، والثانى تحقيق الاولى وقلب الثانية واوا خالصة فرارا من توالى الهمزتين وجعلت الثانية واوا لانضمام الاولى، والثالث تليين الاولى، وهو جعلها بين الهمزة وبين الواو وتحقيق الثانية، والرابع كذلك إلا أن الثانية واو، ولا يجوز جعل الثانية بين الهمزة والواو لان ذلك تقريب من الالف، والالف لا يقع بعد الضمة والكسرة، وأجازه قوم.


قوله تعالى (لقوا الذين آمنوا) أصله لقيوا فأسكنت الياء لثقل الضمة عليها ثم حذفت لسكونها وسكون الواو بعدها، وحركت القاف بالضم تبعا للواو، وقيل نقلت ضمة الياء إلى القاف بعد تسكينها ثم حذفت، وقرأ ابن السميقع: لاقوا بألف وفتح القاف وضم الواو، وإنما فتحت القاف وضمت الواو لما نذكره في قوله " اشتروا الضلالة

".
قوله (خلوا إلى) يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الاصل، ويقرأ بإلقاء حركة الهمزة على الواو وحذف الهمزة فتصير الواو مكسورة بكسرة الهمزة، وأصل خلوا خلووا فقلبت الواو الاولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت الالف لئلا يلتقى ساكنان، وبقيت الفتحة تدل على الالف المحذوفة.
[20]
قوله (إنا معكم) الاصل: إننا، فحذفت النون الوسطى على القول الصحيح، كما حذفت في إن إذا خففت، كقوله تعالى " وإن كل لما جميع " ومعكم ظرف قائم مقام الخبر، أى كائنون معكم.


قوله تعالى (مستهزء?ون) يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الاصل، وبقلبها ياء مضمومة لانكسار ما قبلها، ومنهم من يحذف الياء لشبهها بالياء الاصلية في مثل قولك: يرمون، ويضم الزاى، وكذلك الخلاف في تليين همزة " يستهزئ بهم ".


قوله تعالى (يعمهون) هو حال من الهاء والميم في يمدهم وفى طغيانهم متعلق بيمدهم أيضا، وإن شئت بيعمهون، ولا يجوز أن تجعلهما حالين من يمدهم لان العامل الواحد لا يعمل في حالين.
قوله تعالى (اشتروا الضلالة) الاصل اشتريوا فقلبت الياء ألفا ثم حذفت الالف لئلا يلتقى ساكنان الالف والواو.


فإن قلت: فالواو هنا متحركة.
قيل: حركتها عارضة فلم يعتد بها وفتحة الراء دليل على الالف المحذوفة، وقيل سكنت الياء لثقل الضمة عليها ثم حذفت لئلا يلتقى ساكنان، وإنما حركت الواو بالضم دون غيره ليفرق بين واو الجمع والواو الاصلية في نحو قوله: لو استطعنا، وقيل ضمت لان الضمة هنا أخف من الكسرة لانها من جنس الواو، وقيل حركت بحركة الياء المحذوفة، وقيل ضمت لانها ضمير فاعل، فهى مثل التاء في قمت، وقيل هى للجمع فهى مثل نحن، وقد همزها قوم شبهوها بالواو المضمومة ضما لازما نحو: أثؤب، ومنهم من يفتحها للتخفيف، ومنهم من يكسرها على الاصل في التقاء الساكنين، ومنهم من يختلسها فيحذفها لالتقاء الساكنين، وهو ضعيف لان قبلها فتحة، والفتحة لا تدل عليها.
قوله تعالى (مثلهم كمثل) ابتداء وخبر، والكاف يجوز أن يكون حرف جر فيتعلق بمحذوف، ويجوز أن يكون اسما بمعنى مثل فلا يتعلق بشئ.


قوله (الذى استوقد) الذى هاهنا مفرد في اللفظ، والمعنى على الجمع بدليل قوله " ذهب الله بنوركم " وما بعده، وفى وقوع المفرد هنا موقع الجمع وجهان: أحدهما هو جنس مثل: من وما: فيعود الضمير إليه تارة بلفظ المفرد، وتارة بلفظ الجمع، والثانى أنه أراد الذين، فحذفت النون لطول الكلام بالصلة، ومثله:


[21]
" والذى جاء بالصدق وصدق به " ثم قال: أولئك هم المتقون، واستوقد بمعنى أوقد، مثل استقر بمعنى قر، وقيل استوقد استدعى الايقاد.


قوله تعالى (فلما أضاء?ت) لما هنا اسم، وهى ظرف زمان، وكذا في كل موضع وقع بعدها الماضى، وكان لها جواب والعامل فيها جوابها مثل: إذا، وأضاء?ت متعد فيكون " ما " على هذا مفعولا به، وقيل أضاء لازم، يقال: ضاء?ت النار وأضاء?ت بمعنى، فعلى هذا يكون " ما " ظرفا، وفى " ما " ثلاثة أوجه: أحدها هى بمعنى الذى، والثانى هى نكرة موصوفة، أى مكانا حوله، والثالث هى زائدة.


قوله (ذهب الله بنورهم) الباء هنا معدية للفعل كتعدية الهمزة له، والتقدير أذهب الله نورهم، ومثله في القرآن كثير، وقد تأتى الباء في مثل هذا للحال كقولك ذهبت بزيد، أى ذهبت ومعى زيد.


قوله تعالى (وتركهم في ظلمات) تركهم هاهنا يتعدى إلى مفعولين لان المعنى صيرهم، وليس المراد به الترك هو الاهمال، فعلى هذا يجوز أن يكون المفعول الثانى في ظلمات، فلا يتعلق الجار بمحذوف ويكون لايبصرون حالا، ويجوز أن يكون لا يبصرون هو المفعول الثانى، وفى ظلمات ظرف يتعلق بتركهم أو بيبصرون، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يبصرون، أو من المفعول الاول.


قوله تعالى (صم بكم) الجمهور على الرفع على أنه خبر ابتداء محذوف: أى هم صم، وقرئ شاذا بالنصب على الحال من الضمير في يبصرون.


قوله تعالى (فهم لا يرجعون) جملة مستأنفة، وقيل موضعها حال وهو خطأ، لان ما بعد الفاء لا يكون حالا، لان الفاء ترتب، والاحوال لا ترتيب فيها، ويرجعون فعل لازم، أى لا ينتهون عن باطلهم، أو لايرجعون إلى الحق، وقيل هو متعد ومفعوله محذوف تقديره: فهم لايردون جوابا، مثل قوله: " إنه على رجعه لقادر ".


قوله تعالى (أو كصيب) في " أو " أربعة أوجه: أحدها أنها للشك، وهو راجع إلى الناظر في حال المنافقين، فلا يدرى أيشبههم بالمستوقد أو بأصحاب الصيب، كقوله: " إلى مائة ألف أو يزيدون ": أى يشك الرائى لهم في مقدار عددهم، والثانى أنها للتخيير: أى شبهوهم بأى القبيلتين شئتم، والثالث أنها للاباحة، والرابع أنها للابهام، أى بعض الناس يشبههم بالمستوقد، وبعضهم بأصحاب الصيب، ومثله قوله تعالى " كونوا هودا


[22]
أو نصارى " أى قالت اليهود كونوا هودا، وقالت النصارى كونوا نصارى، ولايجوز عند أكثر البصريين أن تحمل " أو " على الواو، ولاعلى بل ماوجدن ذلك مندوحة والكاف في موضع رفع عطفا على الكاف في قوله " كمثل الذى " ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف تقديره: أو مثلهم كمثل صيب، وفى الكلام حذف تقديره: أو كأصحاب صيب، وإلى هذا المحذوف يرجع الضمير من قوله يجعلون، والمعنى على ذلك، لان تشبيه المنافقين بقوم أصابهم مطر فيه ظلمة ورعد وبرق لابنفس المطر، وأصل صيب: صيوب على فيعل، فأبدلت الواو ياء وأدغمت الاولى فيها، ومثله: مين وهين، وقال الكوفيون: أصله صويب على فعيل، وهو خطأ، لانه لو كان كذلك لصحت الواو كما صحت في طويل وعويل (من السماء) في موضع نصب " ومن " متعلقة بصيب، لان التقدير: كمطر صيب من السماء، وهذا الوصف يعمل عمل الفعل، ومن لابتداء الغاية، ويجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لصيب فيتعلق من بمحذوف: أى كصيب كائن من السماء، والهمزة في السماء بدل من واو قلبت همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة، ونظائره تقاس عليه (فيه ظلمات) الهاء تعود على صيب، وظلمات رفع بالجار والمجرور لانه قد قوى بكونه صفة لصيب، ويجوز أن يكون ظلمات مبتدأ وفيه خبر مقدم، وفيه على هذا ضمير، والجملة في موضع جر صفة لصيب، والجمهور على ضم اللام، وقد قرئ بإسكانها تخفيفا، وفيه لغة أخرى بفتح اللام، والرعد مصدر رعد يرعد، والبرق مصدر أيضا، وهما على ذلك موحدتان هنا، ويجوز أن يكون الرعد والبرق بمعنى الراعد والبارق كقولهم: رجل عدل وصوم (يجعلون) يجوز أن يكون في موضع جر صفة لاصحاب صيب، وأن يكون مستأنفا، وقيل يجوز أن يكون حالا من الهاء في فيه، والراجع على الهاء محذوف تقديره من صواعقه وهو بعيد، لان حذف الراجع على ذى الحال كحذفها من خبر المبتدأ، وسيبويه يعده من الشذوذ (من الصواعق) أى من صوت الصواعق (حذر الموت) مفعول له، وقيل مصدر: أى يحذرون حذرا مثل حذر الموت، والمصدر هنا مضاف إلى المفعول به (محيط) إصله محوط لانه من حاط يحوط فنقلت كسرة الواو إلى الحاء فانقلبت ياء.



قوله تعالى (يكاد) فعل يدل على مقاربة وقوع الفعل بعدها، ولذلك لم تدخل عليه أن لان أن تخلص الفعل للاستقبال وعينها واو، والاصل: يكود، مثل خاف يخاف، وقد سمع فيه، كدت بضم الكاف، وإذا دخل عليها حرف نفى دل على أن الفعل الذى بعدها وقع، وإذا لم يكن حرف نفى لم يكن الفعل بعدها واقعا، ولكنه


[23]
قارب الوقوع، وموضع (يخطف) نصب لانه خبر كاد، والمعنى: قارب البرق خطف الابصار، والجمهور على فتح الياء والطاء وسكون الخاء وماضيه خطف كقوله تعالى (إلا من خطف الخطفة) وفيه قراء?ات شاذة: إحداها كسر الطاء على أن ماضيه خطف بفتح الطاء، والثانية بفتح الياء والخاء والطاء وتشديد الطاء، والاصل: يختطف، فأبدل من التاء طاء وحركت بحركة التاء، والثالثة كذلك، إلا أنها بكسر الطاء على مايستحقه في الاصل، والرابعة كذلك إلا أنها بكسر الخاء أيضا على الاتباع، والخامسة بكسر الياء أيضا إتباعا أيضا، والسادسة بفتح الياء وسكون الخاء وتشديد الطاء، وهو ضعيف لما فيه من الجمع بين الساكنين (كلما) هى هنا ظرف، وكذلك كل موضع كان لها جواب، و " ما " مصدرية، والزمان محذوف أى كل وقت إضاء?ة، وقيل " ما" هنا نكرة موصوفة ومعناها الوقت، والعائد محذوف: أى كل وقت أضاء لهم فيه، والعامل في كل جوابها، و (فيه) أى في ضوئه والمعنى بضوئه، ويجوز أن يكون ظرفا على أصلها، والمعنى: إنهم يحيط بهم الضوء (شاء) ألفا منقلبة عن ياء لقولهم في مصدره: شئت شيئا، وقالوا: أشأته أى حملته على أن يشاء (لذهب بسمعهم) أى أعدم المعنى الذى يسمعون به، وعلى كل متعلق ب‍ (قدير) في موضع نصب.



قوله تعالى (ياأيها الناس) أى اسم مبهم لوقوعه على كل شئ أتى به في النداء توصلا إلى نداء مافيه الالف واللام إذا كانت " يا " لاتباشر الالف واللام، وبنيت لانها اسم مفرد مقصود وها مقحمة للتنبيه، لان الاصل أن تباشر " يا " الناس، فلما حيل بينهما بأى عوض من ذلك " ها " والناس وصف لاى لابد منه، لانه المنادى في المعنى، ومن هاهنا رفع، ورفعه أن يجعل بدلا من ضمة البناء، وأجاز المازنى نصبه كما يجيز: يازيد الظريف، وهو ضعيف لما قدمنا من لزوم ذكره، والصفة لايلزم ذكرها (من قبلكم) من هنا لابتداء الغاية في الزمان، والتقدير: والذين خلقهم من قبل خلقكم، فحذف الخلق وأقام الضمير مقامه (لعلكم) متعلق في المعنى باعبدوا، أى اعبدوه ليصح منكم رجاء التقوى، والاصل توتقيون، فأبدل من الواو تاء وأدغمت في التاء الاخرى وسكنت الياء ثم حذفت، وقد تقدمت نظائره، فوزنه الآن تفتعون.
قوله تعالى (الذى جعل) هو في موضع نصب بتتقون أو بدل من ربكم، أو صفة مكررة، أو بإضمار أعنى، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار هو


[24]



الذى، وجعل هنا متعد إلى مفعول واحد وهو الارض، وفراشا حال، ومثله: والسماء بناء، ويجوز أن يكون جعل بمعنى صير فيتعدى إلى مفعولين وهما الارض وفراشا ومثله: والسماء بناء، ولكم متعلق بجعل، أى لاجلكم (من السماء) متعلق بأنزل، وهى لابتداء غاية المكان، ويجوز أن يكون حالا، والتقدير: ماء كائنا من السماء، فلما قدم الجار صار حالا وتعلق بمحذوف، والاصل في ماء موه لقولهم: ماهت الركية تموه، وفى الجمع أمواه، فلما تحركت الواو وانفتح ماقبلها قلبت ألفا ثم أبدلوا من الهاء همزة وليس بقياس (من الثمرات) متعلق بأخرج فيكون من لابتداء الغاية ويجوز أن يكون في موضع الحال تقديره رزقا كائنا من الثمرات و (لكم) أى من أجلكم والرزق هنا بمعنى المرزوق وليس بمصدر (فلا تجعلوا) أى لاتصيروا أو لاتسمعوا فيكون متعديا إلى مفعولين، والانداد جمع ند ونديد (وأنتم تعلمون) مبتدأ وخبر في موضع الحال، ومفعول تعلمون محذوف، أى تعلمون بطلان ذلك والاسم من أنتم أن، والتاء للخطاب، والميم للجمع، وهما حرفا معنى.



قوله تعالى (وإن كنتم) جواب للشرط " فأتوا بسورة " و " إن كنتم صادقين " شرط أيضا جوابه محذوف أغنى عنه جواب الشرط الاول: أى إن كنتم صادقين فافعلوا ذلك، ولاتدخل إن الشرطية على فعل ماض في المعنى، إلا على كان لكثرة استعمالها، وأنها لاتدل على حدث (مما نزلنا) في موضع جر صفة لريب: أى ريب كائن مما نزلنا، والعائد على " ما " محذوف: أى نزلناه و " ما " بمعنى الذى أو نكرة موصوفة، ويجوز أن يتعلق " من " بريب: أى إن ارتبتم من أجل مانزلنا (فأتوا) أصله: ائتيوا، وماضيه أتى، ففاء الكلمة همزة، فإذا أمرت زدت عليها همزة الوصل مكسورة فاجتمعت همزتان والثانية ساكنة، فأبدلت الثانية ياء لئلا يجمع بين همزتين، وكانت الياء الاولى للكسرة قبلها، فإذا اتصل بها شئ حذفت همزة الوصل استغناء عنها ثم همزة الياء لانك أعدتها إلى أصلها لزوال الموجب لقلبها ! ويجوز قلب هذه الهمزة ألفا إذا انفتح ماقبلها مثل هذه الآية، وياء إذا انكسر ماقبلها كقوله: الذى ايتمن، فتصيرها ياء في اللفظ، وواوا إذا انضم ماقبلها كقوله: ياصالح أوتنا، ومنهم من يقول: ذن لى (من مثله) الهاء تعود على النبى صلى الله عليه وسلم، فيكون من للابتداء، ويجوز أن تعود على القرآن فتكون من زائدة، ويجوز أن تعود على الانداد بلفظ المفرد كقوله تعالى " وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه " (وادعوا) لام الكلمة محذوف، لانه حذف في الواحد دليلا



[25]


على السكون الذى هو جزم في المعرب، وهذه الواو ضمير الجماعة (من دون الله) في موضع الحال من الشهداء والعامل فيه محذوف تقديره شهداء?كم منفردين عن الله أو عن أنصار الله.


قوله تعالى (فإن لم تفعلوا) الجزم بلم لا بإن لان لم عامل شديد الاتصال بمعموله ولم يقع إلا مع الفعل المستقبل في اللفظ، وإن قد دخلت على الماضى في اللفظ وقد وليها الاسم كقوله تعالى " وان أحد من المشركين " (وقودها الناس) الجمهور على فتح الواو وهو الحطب، وقرئ بالضم وهو لغة في الحطب، والجيد أن يكون مصدرا بمعنى التوقد ويكون في الكلام حذف مضاف تقديره توقدها واحتراق للناس، أو تلهب الناس أوذو وقودها الناس (أعدت) جملة في موضع الحال من النار، والعامل فيها فاتقوا ولايجوز أن يكون حالا من الضمير في وقودها لثلاثة أشياء: أحدها أنها مضاف إليها والثانى أن الحطب لايعمل في الحال، والثالث أنك تفصل بين المصدر أو ماعمل عمله وبين مايعمل فيه بالخبر وهو الناس.



قوله تعالى (أن لهم جنات) فتحت أن هاهنا لان التقدير لهم، وموضع أن وماعملت فيه نصب ببشر، لان حرف الجر إذا حذف وصل الفعل بنفسه هذا مذهب سيبويه، وأجاز الخليل أن يكون في موضع جر بالباء المحذوفة لانه موضع تزاد فيه، فكأنها ملفوظ بها، ولايجوز ذلك مع غير أن لو قلت بشره بأنه مخلد في الجنة جاز حذف الباء لطول الكلام، ولو قلت بشره الخلود لم يجز وهذا أصل يتكرر في القرآن كثيرا فتأمله واطلبه هاهنا (تجرى من تحتها الانهار) الجملة في موضع نصب صفة للجنات، والانهار مرفوعة بتجرى لابالابتداء وأن، من تحتها الخبر ولابتحتها لان تجرى لاضمير فيه إذا كانت الجنات لاتجرى وإنما تجرى أنهارها، والتقدير من تحت شجرها لامن تحت أرضها فحذف المضاف، ولو قيل إن الجنة هى الشجر فلا يكون في الكلام حذف لكان وجها (كلما رزقوا منها) إلى قوله من قبل في موضع نصب على الحال من الذين آمنوا تقديره مرزوقين على الدوام، ويجوز أن يكون حالا من الجنات لانها قد وصفت وفى الجملة ضمير يعود إليها وهو قوله منها (رزقنا من قبل) أى رزقناه فحذف العائد، وبنيت قبل لقطعها عن الاضافة لان التقدير من قبل هذا (وأتوا به) يجوز أن يكون حالا وقد معه مرادة تقديره قالوا ذلك وقد أتوا به ويجوز أن يكون مستأنفا و (متشابها) حال من الهاء في به (ولهم فيها أزواج) أزواج مبتدأ ولهم الخبر، وفيها ظرف للاستقرار، ولايكون فيها الخبر لان الفائدة تقل إذ الفائدة في جعل الازواج لهم



[26]
و (فيها) الثانية تتعلق ب‍ (خالدون) وهاتان الجملتان مستأنفتان ويجوز أن تكون الثانية حالا من الهاء والميم في لهم والعامل فيها معنى الاستقرار.


قوله تعالى (لايستحيى) وزنه يستفعل ولم يستعمل منه فعل بغير السين، وليس معناه الاستدعاء وعينه ولامه ياء?ان، وأصله الحياء وهمزة الحياء بدل من الياء، وقرئ في الشاذ يستحى بياء واحدة والمحذوفة هى اللام كما تحذف في الجزم، ووزنه على هذا يستفع، إلا أن الياء نقلت حركتها إلى العين وسكنت، وقيل المحذوف هى العين وهو بعيد (أن يضرب) أى من أن يضرب، فموضعه نصب عند سيبويه وجر عند الخليل (ما) حرف زائد للتوكيد و (بعوضة) بدل من مثلا، وقيل مانكرة موصوفة، وبعوضة بدل من " ما " ويقرأ شاذا بعوضة بالرفع على أن تجعل مابمعنى الذى، ويحذف المبتدأ، أى الذى هو بعوضة، ويجوز أن يكون ماحرفا ويضمر المبتدأ تقديره: مثلا هو بعوضة (فما فوقها) الفاء للعطف، ومانكرة موصوفة، أو بمنزلة الذى، والعامل في فوق على الوجهين الاستقرار، والمعطوف عليه بعوضة (أما) حرف ناب عن حرف الشرط وفعل الشرط، ويذكر لتفصيل ماأجمل، ويقع الاسم بعده مبتدأ وتلزم الفاء خبره، والاصل مهما يكن من شئ فالذين آمنوا يعلمون، لكن لما نابت أما عن حرف الشرط كرهوا أن يولوها الفاء فأخروها إلى الخبر، وصار ذكر المبتدإ بعدها عوضا من اللفظ بفعل الشرط (من ربهم) في موضع نصب على الحال: والتقدير: أنه ثابت أو مستقر من ربهم، والعامل معنى الحق، وصاحب الحال الضمير المستتر فيه (ماذا) فيه قولان: أحدهما أن " ما " اسم للاستفهام موضعها رفع بالابتداء وذا بمعنى الذى و (أراد) صلة له، والعائد محذوف، والذى وصلته خبر المبتدإ، والثانى أن " ما وذا " اسم واحد للاستفهام، وموضعه نصب بأراد، ولاضمير في الفعل، والتقدير أى شئ أراد الله (مثلا) تمييز: أى من مثل، ويجوز أن يكون حالا من هذا: أى متمثلا أو متمثلا به، فيكون حالا من اسم الله (يضل) يجوز أن يكون في موضع نصب صفة للمثل، ويجوز أن يكون حالا من اسم الله، ويجوز أن يكون مستأنفا (إلا الفاسقين) مفعول يضل وليس بمنصوب على الاستثناء لان يضل لم يستوف مفعوله قبل إلا.
قوله تعالى (الذين ينقضون) في موضع نصب صفة للفاسقين، ويجوز أن يكون نصبا بإضمار أعنى، وان يكون رفعا على الخبر، أى هم الذين، ويجوز أن



[27]
يكون مبتدأ والخبر قوله " أولئك هم الخاسرون " (من بعد) من لابتداء غاية الزمان على رأى من أجاز ذلك، وزائدة على رأى من لم يجزه، وهو مشكل على أصله، لانه لايجيز زيادة من في الواجب (ميثاقه) مصدر بمعنى الايثاق، والهاء تعود على اسم الله أو على العهد، فإن أعدتها إلى اسم الله كان المصدر مضافا إلى الفاعل، وإن أعدتها إلى العهد كان مضافا إلى المفعول (ماأمر) مابمعنى الذى، ويجوز أن يكون نكرة موصوفة، و (أن يوصل) في موضع جر بدلا من الهاء، أى يوصله، ويجوز أن يكون بدلا من مابدل الاشتمال تقديره: ويقطعون وصل ماأمر الله به، ويجوز أن يكون في موضع رفع: أى هو أن يوصل (أولئك) مبتدأ و (هم) مبتدأ ثان أو فصل، و (الخاسرون) الخبر.



قوله تعالى (كيف تكفرون بالله) كيف في موضع نصب على الحال، والعامل فيه تكفرون، وصاحب الحال الضمير في تكفرون، والتقدير: أمعاندين تكفرون، ونحو ذلك، وتكفرون يتعدى بحرف الجر، وقد عدى بنفسه في قوله " ألا إن عادا كفروا ربهم " وذلك حمل على المعنى إذ المعنى جحدوا (وكنتم) قد معه مضمرة والجملة حال (ثم إليه) الهاء ضمير اسم الله، ويجوز أن يكون ضمير الاحياء المدلول عليه بقوله " فأحياكم ".



قوله تعالى (جميعا) حال في معنى مجتمعا (فسواهن) إنما جمع الضمير لان السماء جمع سماوة أبدلت الواو فيها همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة (سبع سموات) سبع منصوب على البدل من الضمير، وقيل التقدير: فسوى منهن سبع سموات، كقوله: واختار موسى قومه - فيكون مفعولا به، وقيل سوى بمعنى صير فيكون مفعولا ثانيا (وهو) يقرأ بإسكان الهاء وأصلها الضم، وإنما أسكنت لانها صارت كعضد فخففت، وكذلك حالها مع الفاء واللام نحو فهو لهو، ويقرأ بالضم على الاصل.
قوله تعالى (وإذ قال) هو مفعول به تقديره: واذكر إذ قال: وقيل هو خبر مبتدإ محذوف تقديره وابتداء خلقى إذ قال ربك، وقيل إذ زائدة و (للملائكة) مختلف في واحدها وأصلها.



فقال قوم أحدهم في الاصل مألك على مفعل، لانه مشتق من الالوكة وهى الرسالة ومنه قول الشاعر:
وغلام أرسلته أمه * بألوك فبذلنا ماسأل
فالهمزة فاء الكلمة، ثم أخرت فجعلت بعد اللام فقالوا: ملاك.


[28]
قال الشاعر:
فلست لانسى ولكن لملاك * تنزل من جو السماء يصوب
فوزنه الآن معفل والجمع ملائكة على معافلة.


وقال آخرون أصل الكلمة لاك فعين الكلمة همزة، وأصل ملك: ملاك من غير نقل، وعلى كلا القولين ألقيت حركة الهمزة على اللام وحذفت فلما جمعت ردت، فوزنه الآن مفاعلة، وقال آخرون عين الكلمة واو، وهو من لاك يلوك إذا أدار الشئ في فيه، فكأن صاحب الرسالة يديرها في فيه فيكون أصل ملك: ملاك مثل معاذ، ثم حذفت عينه تخفيفا، فيكون أصل ملائكة: ملاوكة، مثل مقاولة، فأبدلت الواو همزة، كما أبدلت واو مصائب.


وقال آخرون: ملك فعل من الملك، وهى القوة، فالميم أصل، ولاحذف فيه، لكنه جمع على فعائلة شاذا (جاعل) يراد به الاستقبال فلذلك عمل، ويجوز أن يكون بمعنى خالق، فيتعدى إلى مفعول واحد، وأن يكون بمعنى مصير فيتعدى إلى مفعولين ويكون (في الارض) هو الثانى (خليفة) فعيلة بمعنى فاعل، أى يخلف غيره، وزيدت الهاء للمبالغة (أتجعل) الهمزة للاسترشاد، أى تجعل فيها من يفسد كمن كان فيها من قبل، وقيل استفهموا عن أحوال أنفسهم، أى أتجعل فيها مفسدا ونحن على طاعتك أو نتغير (يسفك) الجمهور على التخفيف وكسر الفاء، وقد قرئ بضمها وهى لغتان، ويقرأ بالتشديد للتكثير، وهمزة (الدماء) منقلبة عن ياء لان الاصل دمى، لانهم قالوا دميان (بحمدك) في موضع الحال تقديره: نسبح مشتملين بحمدك أو متعبدين بحمدك (ونقدس لك) أى لاجلك، ويجوز أن تكون اللام زائدة: أى نقدسك، ويجوز أن تكون معدية للفعل كتعدية الباء مثل سجدت لله (إني أعلم) الاصل إننى، فحذفت النون الوسطى لا نون الوقاية، هذا هو الصحيح، وأعلم: يجوز أن يكون فعلا ويكون " ما " مفعولا، إما بمعنى الذى أو نكرة موصوفة، والعائد محذوف، ويجوز أن يكون اسما مثل أفضل، فيكون " ما " في موضع جر بالاضافة، ويجوز أن يكون في موضع نصب بأعلم كقولهم: هؤلاء حواج بيت الله، بالنصب والجر، وسقط التنوين لان هذا الاسم لاينصرف، فإن قلت: أفعل لاينصب مفعولا.


قيل: إن كانت من معه مرادة لم ينصب، وأعلم هنا بمعنى عالم، ويجوز أن يريد بأعلم: أعلم منكم، فيكون " ما " في موضع نصب بفعل محذوف دل عليه الاسم، ومثله قوله " هو أعلم من يضل عن سبيله ".
قوله تعالى (وعلم) يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون معطوفا على " قال ربك " وموضعه جر كموضع قال، وقوى ذلك إضمار الفاعل، وقرئ " وعلم آدم " على


[29]

مالم يسم فاعله، وآدم أفعل، والالف فيه مبدلة من همزة هى فاء الفعل، لانه مشتق من أديم الارض أو من الادمة، ولايجوز أن يكون وزنه فاعلا، إذ لو كان كذلك لانصرف مثل عالم وخاتم، والتعريف وحده لايمنع وليس بأعجمى (ثم عرضهم) بعنى أصحاب الاسماء فلذلك ذكر الضمير (هؤلاء إن كنتم) يقرأ بتحقيق الهمزتين على الاصل، ويقرأ بهمزة واحدة، قيل المحذوفة هى الاولى، لانها لام الكلمة والاخرى أول الكلمة الاخرى وحذف الآخر أولى، وقيل المحذوفة الثانية لان الثقل بها حصل، ويقرأ بتليين الهمزة الاولى وتحقيق الثانية وبالعكس، ومنهم من يبدل الثانية ياء ساكنة كأنه قدرهما في كلمة واحدة طلبا للتخفيف.


قوله تعالى (سبحانك) سبحان اسم واقع موقع المصدر، وقد اشتق منه سبحت والتسبيح، ولايكاد يستعمل إلا مضافا، لان الاضافة تبين من المعظم، فإن أفرد عن الاضافة كان اسما علما للتسبيح لاينصرف للتعريف، والالف والنون في آخره مثل عثمان، وقد جاء في الشعر منونا على نحو تنوين العلم إذا نكر ومايضاف إليه مفعول به لانه المسبح، ويجوز أن يكون فاعلا، لان المعنى تنزهت، وانتصابه على المصدر بفعل محذوف تقديره: سبحت الله تسبيحا (إلا ماعلمتنا) مامصدرية أى إلا علما علمتناه، وموضعه رفع على البدل من موضع لا علم، كقولك لاإله إلا الله، ويجوز أن تكون " ما " بمعنى الذى، ويكون علم بمعنى معلوم: أى لامعلوم لنا إلا الذى علمتناه، ولايجوز أن تكون " ما " في موضع نصب بالعلم، لان اسم " لا " إذا عمل فيما بعده لايبنى (إنك أنت العليم) أنت مبتدأ والعليم خبره، والجملة خبر إن، ويجوز أن يكون أنت توكيد للمنصوب، ووقع بلفظ المرفوع لانه هو الكاف في المعنى ولايقع هاهنا إياك للتوكيد، لانها لو وقعت لكانت بدلا، وإياك لم يؤكد بها، ويجوز أن يكون فصلا لاموضع لها من الاعراب، و (الحكيم) خبر ثان أو صفة للعليم على قول من أجاز صفة الصفة، وهو صحيح لان هذه الصفة هى الموصوف في المعنى، والعليم بمعنى العالم، وأما الحكيم فيجوز أن يكون بمعنى الحاكم، وأن يكون بمعنى المحكم.
قوله تعالى (أنبئهم) يقرأ بتحقيق الهمزة على الاصل، وبالياء على تليين الهمزة، ولم نقلبها قلبا قياسيا، لانه لو كان كذلك لحذفت الياء كما تحذف من قولك أبقهم كما بقيت، وقد قرئ " آنبهم " بكسر الباء من غير همزة ولاياء، على أن يكون إبدال الهمزة ياء إبدالا قياسيا، وأنبأ يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد، وإلى الثانى




[30]
بحرف الجر، وهو قوله (بأسمائهم) وقد يتعدى بعن كقولك: أنبأته عن حال زيد وأما قوله تعالى " قد نبأنا الله من أخباركم " فيذكر في موضعه (وأعلم ماتبدون) مستأنف وليس بمحكى بقوله (ألم أقل لكم) ويجوز أن يكون محكيا أيضا، فيكون في موضع نصب، وتبدون وزنه تفعون، والمحذوف منه لامه وهى واو، لانه من بدا يبدو، والاصل في الياء التى في (إنى) أن تحرك بالفتح لانها اسم مضمر على حرف واحد، فتحرك مثل الكاف في إنك، فمن حركها أخرجها على الاصل، ومن سكنها استثقل حركة الياء بعد الكسرة.




قوله تعالى (للملائكة اسجدوا) الجمهور على كسر التاء، وقرئ بضمها وهى قراء?ة ضعيفة جدا، وأحسن ماتحمل عليه أن يكون الراوى لم يضبط على القارئ وذلك أن يكون القارئ أشار إلى الضم تنبيها على أن الهمزة المحذوفة مضمومة في الابتداء، ولم يدرك الراوى هذه الاشارة، وقيل إنه نوى الوقف على التاء الساكنة ثم حركها بالضم إتباعا لضمة الجيم، وهذا من إجراء الوصل مجرى الوقف، ومثله ماحكى عن امرأة رأت نساء معهن رجل فقالت: أفى سوأة أنتنه، بفتح التاء، وكأنها نوت الوقف على التاء، ثم ألقت عليها حركة الهمزة فصارت مفتوحة (إلا إبليس) استثناء منقطع، لانه لم يكن من الملائكة، وقيل هو متصل، لانه كان في الابتداء ملكا وهو اسم أعجمى لاينصرف للعجمة والتعريف، وقيل هو عربى واشتقاقه من الابلاس ولم ينصرف للتعريف، وأنه لانظير له في الاسماء، وهذا بعيد، على أن في الاسماء مثله نحو: إخريط وإجفيل وإصليت ونحوه، وأبى في موضع نصب على الحال من إبليس تقديره: ترك السجود كارها له ومستكبرا (وكان من الكافرين) مستأنف، ويجوز أن يكون في موضع حال أيضا.




قوله (اسكن أنت وزوجك) أنت توكيد للضمير في الفعل أتى به ليصح العطف عليه والاصل في (كل) أأكل مثل أقتل إلا أن العرب حذفت الهمزة الثانية تخفيفا، ومثله خذ، ولايقاس عليه، فلا تقول في الامر من أجر يأجر جر، وحكى سيبويه أو كل شاذا (منها) أى من ثمرتها، فحذف المضاف، وموضعه نصب بالفعل قبله، ومن لابتداء الغاية و (رغدا) صفة مصدر محذوف: أى أكلا رغدا أى طيبا هنيئا، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال تقديره: كلا مستطيبين متهنئين (حيث) ظرف مكان، والعامل فيه كلا، ويجوز أن يكون بدلا من الجنة فيكون حيث مفعولا به، لان الجنة مفعول وليس بظرف، لانك تقول سكنت




[31]
البصرة وسكنت الدار، بمعنى نزلت، فهو كقولك انزل من الدار حيث شئت (هذه الشجرة) الهاء بدل من الياء في هذى، لانك تقول في المؤنث هذى وهاتا وهاتى، والياء للمؤنث مع الذال لاغير، والهاء بدل منها لانها تشبهها في الخفاء والشجرة نعت لهذه، وقرئ في الشاذ " هذه الشيرة " وهى لغة أبدلت الجيم فيها ياء لقربها منها في المخرج (فتكونا) جواب النهى، لان التقدير: إن تقربا تكونا، وحذف النون هنا علامة النصب لان جواب النهى إذا كان بالفاء فهو منصوب، ويجوز أن يكون مجزوما بالعطف.




قوله تعالى (فأزلهما) يقرأ بتشديد اللام من غير ألف: أى حملها على الزلة، ويقرأ " فأزلهما " أى نحاهما، وهو من قولك: زال الشئ يزول إذا فارق موضعه وأزلته نحيته، وألفه منقلبة عن واو (مما كانا فيه) مابمعنى الذى، ويجوز أن تكون نكرة موصوفة: أى من نعيم أو عيش (اهبطوا) الجمهور على كسر الباء وهى اللغة الفصيحة، وقرئ بضمها، وهى لغة (بعضكم لبعض عدو) جملة في موضع الحال من الواو في اهبطوا أى اهبطوا متعادين، واللام متعلقة بعدو، لان التقدير بعضكم عدو لبعض، ويعمل عدو عمل الفعل لكن بحذف الجر، ويجوز أن يكون صفة لعدو، فلما تقدم عليه صار حالا، ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة، وأما إفراد عدو فيحتمل أن يكون لما كان بعضكم مفردا في اللفظ أفرد عدو، ويحتمل أن يكون وضع الواحد موضع الجمع كما قال: " فإنهم عدو لى " (ولكم في الارض مستقر) يجوز أن يكون مستأنفا، ويجوز أن يكون حالا أيضا، وتقديره: اهبطوا متعادين مستحقين الاستقرار، ومستقر يجوز أن يكون مصدرا بمعنى الاستقرار، ويجوز أن يكون مكان الاستقرار، و (إلى حين) يجوز أن يكون في موضع رفع صفة لمتاع فيتعلق بمحذوف ويجوز أن يكون في موضع نصب بمتاع لانه في حكم المصدر والتقدير وأن تمتعوا إلى حين.
قوله تعالى (فتلقى آدم) يقرأ برفع آدم ونصب كلمات، وبالعكس لان كل ماتلقاك فقد تلقيته، و (من ربه) يجوز أن يكون في موضع نصب بتلقى، ويكون لابتداء الغاية، ويجوز أن يكون في الاصل صفة لكلمات تقديره: كلمات كائنة من ربه، فلما قدمها انتصبت على الحال (إنه هو التواب) هو هاهنا مثل أنت في " إنك أنت العليم الحكيم "وقد ذكر قوله (منها جميعا) حال: أى مجتمعين إما في زمن واحد أو في أزمنة، بحيث يشتركون في الهبوط (فإما) إن حرف شرط،
[32]
وما حرف مؤكد له، و (يأتينكم) فعل الشرط مؤكد بالنون الثقلية، والفعل يصير بها مبنيا أبدا، وماجاء في القرآن من أفعال الشرط عقيب إما كله مؤكد بالنون وهو القياس، لان زيادة " ما " تؤذن بإرادة شدة التوكيد، وقد جاء في الشعر غير مؤكد بالنون، وجواب الشرط (فمن تبع) وجوابه، ومن في موضع رفع بالابتداء، والخبر تبع، وفيه ضمير فاعل يرجع على من، وموضع تبع جزم بمن.
والجواب (فلا خوف عليهم) وكذلك كل اسم شرطت به وكان مبتدأ فخبره فعل الشرط لاجواب الشرط، ولهذا يجب أن يكون فيه ضمير يعود على المبتدإ، ولايلزم ذلك الضمير في الجواب حتى لو قلت: من يقم أكرم زيدا جاز، ولو قلت: من يقم زيدا أكرمه، وأنت تعيد الهاء إلى من لم يجز.
وذهب قوم إلى أن الخبر هو فعل الشرط والجواب، وقيل الخبر منهما ماكان فيه ضمير يعود على من، وخوف مبتدأ وعليهم الخبر، وجاز الابتداء بالنكرة لما فيه من معنى العموم بالنفى الذى فيه، والرفع والتنوين هنا أوجه
من البناء على الفتح لوجهين: أحدهما أنه عطف عليه مالايجوز فيه إلا الرفع، وهو قوله (ولاهم) لانه معرفة، ولا لاتعمل في المعارف، فالاولى أن يجعل المعطوف عليه كذلك ليتشاكل الجملتان، كما قالوا في الفعل المشغول بضمير الفاعل نحو: قام زيد وعمرا كلمته، فإن النصب في عمرو أولى ليكون منصوبا بفعل، كما أن المعطوف عليه عمل فيه الفعل. والوجه الثانى من جهة المعنى، وذلك بأن البناء يدل على نفى الخوف عنهم بالكلية. وليس المراد ذلك، بل المراد نفيه عنهم في الآخرة.
فإن قيل: لم لايكون وجه الرفع أن هذا الكلام مذكور في جزاء من اتبع الهدى. ولايليق أن ينفى عنهم الخوف اليسير، ويتوهم ثبوت الخوف الكثير.
قيل: الرفع يجوز أن يضمر معه نفى الكثير تقديره: لاخوف كثير عليهم. فيتوهم ثبوت الياء القليل، وهو عكس ماقدر في السؤال.
فبان أن الوجه في الرفع ماذكرنا (هداى) المشهور إثبات الالف قبل على لفظ المفرد قبل الاضافة، ويقرأ هدى بياء مشددة، ووجهها أن ياء المتكلم يكسر ماقبلها في الاسم الصحيح والالف لايمكن كسرها فقلبت ياء من جنس الكسرة ثم أدغمت.
قوله (بآياتنا) الاصل في آية: أية، لان فاء?ها همزة وعينها ولامها ياء ان لانها من تأيا القوم إذا اجتمعوا وقالوا في الجمع آياء، فظهرت الياء الاولى والهمزة الاخيرة يدل من ياء ووزنه أفعال، والالف الثانية مبدلة من همزة هى فاء الكلمة، ولو كانت عينها واوا لقالوا: آواء، ثم إنهم أبدلوا الياء الساكنة في أية ألفا على خلاف القياس.