هدية للوهم. / ابراهيم ابويه
لأن الشاعر رقيق ،مرهف ،جميل ، صدقوه.
سلموه مفاتيح قلوبهم...
دسها في جيوبه ، أذابها...
من معدنها صنع مفتاحا واحدا هدية للسلطان.
منتهزا لحظة الانقضاض ، فتح الصندوق الصغير ليلقي نظرة أخيرة على صيده الثمين...
لم يجد غير مرآة تعكس وجها ليس له.
عانق خيبته واختفى.
///////////////////////////
التحليل
جدلية الداخل و الخارج في قصة
"هدية للوهم"
لابراهيم أبويه


تبدأ قصة هدية للوهم للقاص المغربي ابراهيم ابويه بطرح غريب و جميل لمتناقضات الحياة ، تناقض بين مدخل القصة الذي يبين معدن الشاعر وأصله(لأن الشاعر رقيق) وبين الخاتمة التي تبين الانقلاب الجذري في حياة الشاعر فجأة بعد الدخول في لعبة السلطة و السياسة بالمفهوم السلبي ( لقد عانق الخيبة) صورتان مختلفتان تبينان الانقلاب الذي يمكن أن يتعرض إليه كل صاحب مبدأ في الحياة ، صاحب رسالة من المفروض أن يكون أمينا أثناء تبليغها بالشكل الصحيح .



إن الشاعر بطبيعته وبإحساسه المرهف الشاعري المشاعري تغلب عليه طبيعة الطيبوبة ويرفض قول لا لأي أحد ، فعندما واجه الحاكم كان مجبرا عن قصد أو عن غير قصد من تقبل الدخول في خدمة السلطان فكان في النهاية شاعر السلطان لأنه أعطى بظهره للشعب وتوجه مباشرة إلى السلطان و أصبح على حين غفلة لسانه الذي ينطق باسمه ويهتف بحياته.



لقد خدع الشعب الذي سلمه كل مفاتيحه فكانت بالتالي الضربة القاسية والقوية ضربة تنبعث منها رائحة الغدر غدر القريب غدر الشاعر الذي يعتبر عادة لسان الشعب و المعبر عن آمالهم و آلامهم .

إن الصورة تبدو قاتمة حالكة خيمت عليها نظرة التشاؤم ونظرة الخوف من القادم من الأيام لأن الثقة انعدمت مع انبطاح الشاعر و تقبله الحكي و النظم بلسان السلطان الذي لا يستحق ذلك.



إن الشاعر خضع لرغبة الإنسان إلى دونية الإنسان تخلى عن المبادئ عن الأفكار البناءة كان يسير في الاتجاه الصحيح في اتجاه التغيير إلى الأفضل كان المنظر لآفاق المستقبل به تهلل الشعوب بلسانه تهتف الشعارات بأشعاره تغنى أجمل و أبهى الأغنيات ، لقد أصاب الشعوب بالخيبة بالجرح العميق الذي من الصعوبة بمكان اندماله ، صورة غريبة ، صورة مخالفة للمعتاد لما جرت عليه العادة في تصرفات الشاعر المناضل الذي يضحي بنفسه في سبيل الآخر في سبيل غد أفضل قد يأتي أو لا يأتي المهم التضحية من أجل وضع لبنة للأجيال القادمة التي تنشد التغيير و الإصلاح.



كانت نية الشاعر مبيتة منذ بدايتها لقد غير معالم المفاتيح بأن صهرها وأذابها وخلق منها مفتاحا واحدا لا يعرف كلمة سره إلا هو لكن في لحظة ضعف أمام مغريات الدنيا وضغوط الحاكم سلم هذه الكلمة كلمة السر إلى السلطان بل سلمه المفتاح الرئيس الذي به يعرف مغاليق الشعوب و يعرف كيف يحركها بكل مهارة ودربة.




إن أسرار الشعب كانت مع الشاعر لقد وضعوا فيه الثقة التامة إنه الإنسان الذي طالما اعتبروه القمقم الذي يخبئ فيه المارد ولا يعرف كلمة سر هذا المارد إلا هو ، لكن هذا المارد أصبح عصيا على التحكم مباشرة بعد ضياع كلمة السر وانفلات أو انفراط العقد الذي أسسه وبناه الشعب .



القصة فيها بناء متين تشعر بالقاص يتحكم بآليات هذا البناء بتشييده لبنة لبنة بكل إحكام وثبات ، قصة تتميز بالتسلسل المنطقي المحكم الجميل تستطيع أن تدرك الفضاء الذي تدور فيه القصة ليس بفضاء الأحداث وإنما هو فضاء ما بعد الأحداث .




إن القاص فصل بين الأزمة و الأمكنة تعالى عن الزمان عند الإنسان و عن المكان الذي تتحرك فيه الأحداث إنه يتحرك في فضاء الحكي اللامباشر الذي يهاجم الزمان و المكان ويعمل على خلخلتهما من أجل بناء فضاء يخدم القصة .



القصة فيها رؤية مستقبلية إلى العالم رؤية تخلق من الخيال عالما متخيلا بأن تنقل الوقائع من شكلها الواقعي إلى شكلها الماوراء واقعي إن القارئ لايشعر بنفسه يقرأ قصة فيها ضرب من الخيال بل يشعر وكأنه يقرأ قصة مرتبطة كل الارتباط بالواقع المعيش واقعا يتحرك من الافتراضي إلى الواقعي من خلال تحريك الشخوص التي تشعر القارئ بحركيتها وديناميتها شخوص متنوعة بتنوع أحداث القصة شخوص من الصعوبة بمكان التحكم فيها بما فيها الشاعر الذي يغير جلده لكن تغيير الجلد أعطى للقصة نكهة أخرى لأنه ليس هذا هو المعتاد.

القصة وليدة الواقع الاجتماعي تفضح تصرفات كثير ممن كانوا يهتفون بشعارات براقة لكن أمام بريق المادة وضعف النفس البشرية انساقوا أمام أهوائهم و أصبحوا صيدا سهل المنال بأيدي من يهمهم الأمر.

محمد يوب

10-06-10