جمع تكسير الأصابع



جمع تكسير الأصابع هو الديوان الأول للشاعر حكمة شافي الأسعد، وهو صادر عن دائرة الثقافة والإعلام في حكومة الشارقة، بعد فوزه بالمركز الثاني في جائزة الشارقة للإبداع الشعري لعام 2009.
وعلى الرغم من بروز حكمة كشاعر مميز منذ عشرة أعوام؛ إلا أنه لم يتسرّع بإصدار ديوانه الأول، بل تريّث حتى نضجتْ تجربته الشعرية وأخذتْ صوتاً متفرّداً، وهذا التريّث في الإصدار يدل على تقديره للشعر كفنّ صعب، وشعوره بالمسؤولية تجاه ما يكتب وما ينشر وما يستحق أن نسمّيه شعراً.
الديوان يضم 22 قصيدة، تنقسم من حيث الشكل إلى 14 قصيدة تفعيلة، و 5 قصائد على نظام الشطرين، و 3 قصائد نثر.
في ديوان (جمع تكسير الأصابع) أودّ أن أشير إلى أربع نقاط، وهذه النقاط الأربع ليست جامعة لمحتوى الديوان، وهي ليست الأهم، بل هي نقاط لفتت انتباهي؛ فاتخذتها مفاتيح للدخول إلى الديوان، وقبل ذلك لا بد من التذكير بأن أي رأي نطلقه على أي تجربة إبداعية؛ هو رأي ذاتي انطباعي مهما حاول الموضوعية، وهذا الرأي لا يلغي ما قبله أو ما بعده من آراء، أما دراسة القصائد وتقييمها فأتركه للنقاد المختصين. النقاط الأربع هي:
1- الفكرة: يشتغل حكمة – عادةً- في كل قصيدة على فكرة معينة، وعلى غايةٍ يريد إيصالها للمتلقي، فلا مبنى دون معنى، وباعتبار هذا الديوان إصداراً أولاً، فقد ضم كثيراً من القصائد الوجدانية، التي تعبّر عن حالة نفسية ذاتية، كمشاعر الحب والحزن والخيبة والاغتراب، وبالمقابل نجد القصائد الموضوعية كقصيدة (الرحى) التي يخاطب بها نموذجاً من السلطة المستبدّة سواء كانت دينية أو سياسية أو غيرهما، السلطة التي تبني مجدها من جوع الفقراء ودم العبيد وتحيط نفسها بهالةٍ من القداسة، يقول: ( تطحنُنا لكراسيكَ أوسمةً، ولموتكَ أضرحةً، ولمجدكَ تاجْ. / يا أبانا الذي من زجاجْ )، وبالطبع لا يمكننا فصل الشعر الذاتي عن الموضوعي على طريقة أرسطو، فاليوم كلاهما يفضي بالضرورة إلى الآخر.
2- قصيدة الشطرين: يعتبر حكمة من أفضل من يكتب قصيدة الشطرين في سورية، وهو حلقة من سلسلة شعراء حاولوا إدخال الحداثة على هذا الشكل الشعري القديم، لكن هذه الحداثة أنتجت لنا قصيدة ضبابيةً غامضة، قصيدة مليئة بالصور الذهنية الجافة، كقوله في قصيدة المجهول: ( أسفي دائمٌ، وقلبي ضبابيُّ المرايا، وهمسُ سرّي التماحُ )، لكن حكمة اليوم بدأ ينظر لقصيدة الشطرين نظرة مختلفة، فأخذ يميل إلى البساطة في التعبير ويؤكد على وحدة المعنى ووضوحه، رافضاً أن تكون القصيدة لعبةً لغويةً مشتّتة.
3- المصطلح الصوفي: للقصيدة الصوفية لغتها ومصطلحاتها وطرائق تعبيرها الخاصة، وشاعرنا من المتعمقين في الفكر الصوفي، والمشكلة ليست بالقصيدة الصوفية، المشكلة هي استخدام المصطلح الصوفي في قصيدة غير صوفية عند حكمة وغيره من الشعراء، مما قد يعيق وصول المعنى إلى المتلقي، الذي لا نفترض معرفته بالمصطلح الصوفي دائماً، في قصيدة (وهم النزق) يعبّر الشاعر عن اغترابه عن ذاته، وانقسامه إلى ضدين: الذات المبدعة والذات الواقعية، فأراد أن يعبّر عن هذا الانفصال التام بقوله: (لا برزخٌ بين ضدي وبيني)، هنا استخدم البرزخ بالمصطلح الصوفي ليعبّر عن هذه الفجوة، والبرزخ عند ابن عربي هو الخيال المتّصل الذي يستمد من الخيال المطلق ويتصل به.
4- البعد عن المتلقي: منذ نشأة الحداثة في الغرب مطلع القرن العشرين والقصيدة الحداثوية ببنيتيها السطحية والعميقة.. وبحقولها الدلالية.. وبتعدُّد مستويات القراءة فيها.. تبتعد عن المتلقي، المبدع يطالب المتلقي برفع مستوى ثقافته، والمتلقي يطالب المبدع بالاقتراب من الشارع، هذه الإشكالية يدركها الشاعر حكمة، ويعبّر عن خيبته بسبب هذا الواقع، إذ لا يجد المبدع من يحتفي بإنتاجه الإبداعي، كأن معاناته كانت من أجل لا أحد، حتى المرأة التي يكتب لها الشاعر شعره، ويضيء لها فوانيس قلبه، هي إما لا تفهم الشعر أو لا تأبه به، يقول: ( وأسألُ ضدي: أما زلتَ تقرأ أو تكذبُ الشعر؟ / قلتُ: لمن؟ / إنّ أنثاكَ لا تفهمُ الشعر، أو لا تحبُ فوانيسَ قلبكَ / قل لي: لمن؟! ).
جمع تكسير الأصابع إضافة جيّدة للمشهد الشعري في سورية، وهو حصيلة جهود كبيرة قام بها الشاعر خلال عشرة أعوام، ليقّدم للناس أدباً راقياً ينشد الحقَّ والخير والجمال، بغض النظر عن موقف المجتمع السلبي من الفن والأدب والثقافة.


عبد الكريم بدرخان