النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: شيعة العراق ..

  1. #1 شيعة العراق .. 
    محلل سياسي
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    382
    معدل تقييم المستوى
    19

    الكتاب : شيعة العراق
    المؤلف : اسحق نقّاش
    ترجمة : عبد الاله النعيمي
    منشورات المدى - الطبعه الاولى - 1996 .
    -----
    فهو عربي في نزعته
    مسلم في دعوته
    وجعفري في مذهبه .
    يريد العروبه للاسلام
    والاسلام للوحده
    والمذهب للهدايه .

    علي الخاقاني , شعراء الغري او النجفيات , الطبعه الثانيه .
    -----
    ثم يضيف المؤلف في " مدخل خاص بمناسبة الطبعه العربيه " .
    لقد نما اهتمامي بالكتابه عن الشيعه في العراق اثناء الحرب العراقيه – الايرانيه 1980 – 1988 ,
    حيث تملكتني , شان المراقبين الاخرين , الحيره وانا أرى ضراوة القتال الناشب بين شيعة البلدين .
    ويقول : لقد وضعت هذا الكتاب بصفتي مؤرخا ومراقبا ............
    ويقول : ان الطبعه العربيه الراهنه تمثل تمثيلا دقيقا الاصل الانجليزي المنشور مطلع العام 1944 .
    اسحق نقاش , 1 آب 1995 .


    ----------------------------------

    مدخل ..
    ان معرفتنا المكتسبه بالتلقي عن المذهب الشيعي الحديث , مستقاة بالدرجه الرئيسيه من العدد الكبير من الدراسات التي تبحث في الاسلام الشيعي الايراني والمجتمع الايراني .
    وفي حين ان هذه الدراسات تسلط ضوءا هاما على المذهب الشيعي الايراني فانها اثرت ايضا في فهمنا لطبيعة الاسلام الشيعي عموما , الذي أصبح متماهيا بالثقافه الايرانيه والقيم الاجتماعيه الايرانيه .
    كما ان الميل الى اغفال الخصائص الفريده للشيعه العرب , وخاصه في بلد باهمية العراق , يمكن ان يعزى الى ضآلة عدد الدراسات التي تعالج المجتمع الشيعي العراقي ومدن العتبات المقدسه .
    "" برأيي أن ما طرحه الكاتب هنا غايه في الدقه لفهم الاحداث ""
    يوفر الكتاب تصويبا لبعض الافتراضات الشائعه حول طبيعة الاسلام الشيعي في العراق , وفي مقدمتها الاعتقاد القائل بان المجتمع الشيعي العراقي تكوّن منذ زمن بعيد , وان المذهب الشيعي العراقي مصاغ وفق النموذج الايراني .
    ترتكز الدراسه على شيعة العراق خلال فتره من التغيير الواسع , بدءا بصعود النجف وكربلاء بوصفهما معقلي المذهب المذهب الشيعي منذ منتصف القرن الثامن عشر وحتى سقوط الملكيه العراقيه في عام 1958 .
    تعنى الدراسه بالمسائل التاليه :
    كيف تكون المجتمع العراقي وفي أي فتره ؟
    ما هو الاثر الناجم عن ظهور الدوله الحديثه على وضع القياده والطبقات الشيعيه العراقيه ؟
    ما هي التطلعات السياسيه الاساسيه لشيعة العراق ؟
    ما هي الاختلافات الاساسيه بين المعتقدات الثقافيه الذاتيه والقيم الاجتماعيه للشيعه العراقيين والايرانيين ؟
    ما هي المناحي التي يختلف فيها الاسلام الشيعي العراقي – الايراني , في اشكالهما التنظيميه ؟
    ما هي الاثار التي اسفر عنها اضعاف السلطه الماليه للمؤسسه الدينيه الشيعيه , وتراجع المصدر الرئيسي لقوتها الفكريه " المدرسه " على موقع العلماء الشيعه وقدرتهم على تعبئة الشعب للعمل السياسي في العراق الحديث ؟

    ما يزعمه هذا الكتاب في الأساس هو ان شيعة العراق تشيعت عموما في عهد حديث , وأن عملية التشيّع كانت نتيجة تطور حدث في الغالب خلال القرن التاسع عشر مع استقرار القسم الاكبر من عشائر العراق العربيه الرحل وتوجهها الى ممارسة الزراعه .
    وكان هذا التطور ايذانا ببداية عملية لتكوين دوله شيعيه في جنوب العراق , أجهضت في أعقاب الاحتلال البريطاني في عام 1917 .
    وكان ظهور النجف وكربلاء بوصفهما معقلين للمذهب الشيعي منذ منتصف القرن التاسع عشر , مهد الارض لعملية تكوين الدوله الشيعيه هذه .
    واتسم تطور الكيان السياسي وتوسعه بتوطين العشائر ثم تشيّعهم خلال القرن التاسع عشر . وتسبب الاستقرار في تفتيت الاتحادات العشائريه القديمه , وتغيير التوازن بين الجماعات الرحل والجماعات المتوطنه .
    وأسفر قبول العشائر بالمذهب الشيعي عن قيام دين موحّد أكثر ونظام قيم أشد تماسكا يضم السكان الحضريين في مدن العتبات المقدسه وأفراد العشائر في عمق أراضي هذه المدن , وزاد توطن أفراد العشائر وقبولهم بالمذهب الشيعي على السواء , من درجة التراتب وسلطة المؤسسه الهرميه الحاكمه ضمن العشائر .
    وأفضيا الى ظهور شخصيات جديده تؤدي وظائف اقتصاديه – اجتماعيه ودينيه بين العشائر , ونشوء طبقات من وجهاء الشيعه ونخبه شيعيه كان أعضاؤها يسيطرون على الموارد .
    والحق أن الهيمنه المتزايده التي مارستها النجف وكربلاء على عمق الاراضي التابعه لهما لم تتحقق من خلال الفتوحات بل من خلال كسب العشائر التي توطنت الى المذهب الشيعي والصلات الوثيقه التي اتسمت بها العلاقات بين المدينتين والعشائر .
    لكن محاولة المجتهدين لاقامة حكومه اسلاميه في العراق لم تتحقق , واجهضت عملية تكوين الدوله الشيعيه في أعقاب الاحتلال البريطاني ثم اقامة دوله سنيه في البلاد .
    بعقد مقارنه مع ثلاث حالات بارزه أخرى من حالات تكوين دول دينيه في الشرق الاوسط وشمال افريقيا خلال الفتره العثمانيه المتأخره , وهي الوهابيه في الجزيره العربيه ( 1745- 1818 و 1823 - ثمانينيات القرن التاسع عشر و 1902 – الحاضر ) والمهديه في السودان ( 1881 – 1898 ) والسنوسيه في ليبيا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين . وعلى الرغم من ان القيادات الدينيه في الحالات الاربعه , سعت الى استخدام الايديولوجيا الاسلاميه وسيله لتوحيد القبائل , كانت الحاله الشيعيه تختلف نمطيا عنها .
    ففي الحالات الثلاث الباقيه شملت بالدرجه الرئيسيه قبائل على اطراف الصحراء حيث كانت سيطرة الحكومه المركزيه سيطره اسميه , يضاف الى ذلك قيامها بالفتوحات في التوسع الاقليمي .
    في حين ان عملية تكوين الدوله الشيعيه , كانت بعد ان سيطر العثمانيون مباشره على العراق وأخذوا يحاولون توطين العشائر وزيادة المركزيه في البلاد , وايضا تحقق توسع التنظيم السياسي الشيعي بالدرجه الرئيسيه , من خلال تشيّع عشائر العراق المتوطنه " والسنيه اسما " , بالطرق السلميه ...



    الزعم الأساسي الثاني لهذا الكتاب ...

    هو ان تطور الاسلام الشيعي تطورا متباينا في العراق وايران خلال القرن العشرين كان يعكس الطابعين المختلفين من الأساس للمذهب الشيعي والمجتمع الشيعي في البلدين .
    وتتأكد أوجه التعارض بين المذهبين في الأنماط المختلفه للشكل الشعائري والتنظيمي الذي يرتديه المذهب في البلدين , وتكرست هذه الانماط بدورها في ظهور الدوله الحديثه . وتبين هذه الدراسه ان القيم الأخلاقيه والثقافيه الفريده للمجتمع الشيعي العراقي والايراني , كانت مبنيه في صلب شعائرهما وممارساتهما الدينيه . وتوضح الدراسه حقيقة ان الاسلام الشيعي العراقي والاسلام الشيعي الايراني قد اختلفا اختلافا كبيرا في شكلهما التنظيمي , وهي ظاهره تساعد على تفسير السبب في ان علماء العراق الشيعه لم يظهروا كعامل فعال في السياسه القوميه , وانهم لم يكونوا قادرين على "" تعبئة اعداد غفيره للعمل السياسي "" .
    لقد اصبح سكان ايران , بصفه عامه , شيعه بحلول القرن الثامن عشر بعد قيام الدوله الصفويه في 1501 .
    ومنذ ذلك الحين كان الاسلام الشيعي دين الدوله في ايران ( باستثناء فتره قصيره بعد الاحتلال الأفغاني السني لأصفهان في 1722 ) , وعموما كانت الدوله تدعم المذهب الشيعي والعلماء الشيعه حتى شطر كبير من القرن العشرين . يضاف الى ذلك ان للحياة الدينيه في ايران الحديثه جذورها في النشاط اليومي للمؤمنين الشيعه الايرانيين العاديين , وأبرزهم تجار البازار . والحق ان دارسي المذهب الشيعي الايراني أشاروا الى أن الدين هو الذي أبقى المجتمع الايراني موحدا طيلة قرون من الزمن , وان الضغوط والتصديقات لسلوك يتبع قواعد الاسلام
    الشيعي على الوجه المطلوب , كانت تنبع أساسا من الرأي العام الايراني . لذا توحي مشاركة الايرانيين الاعتياديين في تشكيل النشاط والايمان الدينييّن بان المذهب الشيعي في ايران الحديثه يمكن ان يعتبر "" نظاما من القيم الاقتصاديه – الاجتماعيه والدينيه "" التي انبثقت من داخل الواقع الاجتماعي ولم تفرض عليه .
    وعلى النقيض من هذه الخصائص , يوجد في جوهر المذهب الشيعي في العراق مجتمع كان نظام قيمه العشائريه
    العربيه القوميه يتغلف بالمذهب الشيعي وليس مشبعا به .
    وبخلاف كسب السكان الايرانيين الى المذهب الشيعي بدعم الدوله فان العمليه التي تكوّن بها المجتمع الشيعي العراقي كانت تعكس طبيعة العراق الحدوديه , وصعود النجف وكربلاء بوصفهما معقلي المذهب الشيعي في بلد كان من الممتلكات العثمانيه السنيه , وتشيع عشائر العراق المتوطنه في مرحله حديثة العهد نسبيا .
    وعلى الضد من الأصل الفارسي الاثني للأغلبيه العظمى من الايرانيين فان شيعة العراق عموما تميزوا بصفاتهم وقيمهم الأخلاقيه , العشائريه العربيه التي كانت تتبدى في شعائرهم واستمرت زمنا طويلا بعد قيام العراق الحديث . وعلى النقيض من التفاعل الوثيق بين تجار البازار والعلماء في ايران فان طبقات التجار الشيعه في العراق كانت عموما على غير استعداد لضخ الموارد الماليه في دعم المؤسسات والقضايا الدينيه .
    وتكرست الاختلافات بين الاسلام الشيعي في ايران والعراق بظهور الدوله الحديثه في القرن العشرين . ففي ايران عملت برامج المركزه والتحديث التي طبقها " رضا شاه وابنه محمد رضا شاه " , على الحد من سلطة رجال الدين ولكنها لم تهدمها بصوره حاسمه . وعلى النقيض من ذلك وجه قيام العراق الحديث كدوله يهيمن عليها السنه , ضربه موجعه الى موقع الاسلام الشيعي في البلاد . فلقد نجح حكام العراق السنه في اجتثاث الكثير من السلطه التي مارستها تقليديا المؤسسه الدينيه الشيعيه التي اتخذت من العتبات المقدسه مثل النجف وكربلاء مركزا لها . وقوضت الحكومه العراقيه موقع المدينتين بوصفهما مدينتي سوق صحراويه , وقلصت دخل رجال الدين الشيعه من النشاطات الخيريه والزيارات وحركة الجنائز ( ممارسة الشيعه في نقل موتاهم لدفنهم في المقابر المقدسه في مدن العتبات ) وعرقلت الحكومه دور مؤسسات التعليم العالي الشيعيه حيث فقد الكثير من مدارس النجف استقلالها الاقتصادي ووقعت تحت سيطرة الحكومه . كما أن قيام العراق الحديث اجتذب الكثير من الشيعه العرب الى بغداد , وظهرت الدوله العراقيه بوصفها مركز الهويه الرئيسي للشيعه . وتسببت سياسات الحكومات العراقيه السنيه المتعاقبه , "" يدعمها حكام ايران البهلويون "" , في اضعاف الصلات بين الشيعه في العراق وايران , وعجلت بانحدار المؤسسات الماليه والفكريه الشيعيه في العراق . ونشأ نوع مغاير من الاسلام الشيعي في العراق , بالمقارنه مع نظيره الايراني .
    ونتيجه لذلك ازداد الشيعه العراقيون والايرانيون تباعدا في القرن العشرين .
    ------------------------------------------------------------
    انصح المهتمين بالموضوع الشيعي الايراني البحث عن كتاب للمؤلف الاسلامي المصري " فهمي الهويدي "
    حول ايران وثورة الخميني , ايران من الداخل , فهو يعطي صوره حيّه عن ايران ما بعد الثوره .
    -----------------------------------------------------------
    يتبع ............
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد : شيعة العراق .. 
    محلل سياسي
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    382
    معدل تقييم المستوى
    19
    تكوين المجتمع الشيعي العراقي ..

    ارتبط الاسلام الشيعي منذ بدايته ارتباطا وثيقا بالعراق لأن العديد من الأحداث المكوّنه للتاريخ الشيعي وقعت هناك . ففي العام 661م , اغتيل علي بن ابي طالب , الخليفه الرابع والامام الشيعي الاول , في أحد مساجد الكوفه , وقتل الحسين بن علي , الذي طالب بالخلافه , مع صحبه في معركه وقعت في كربلاء عام 680 م . وأمضى العديد من الأئمه الشيعه الاثني عشر , شطرا , على الاقل , من حياتهم في العراق . وفي العراق توجد مدن العتبات الشيعيه الأربع , الأكثر قدسيه , وهي النجف وكربلاء والكاظمين وسامراء , ومنذ المراحل المبكره للتاريخ الأسلامي , كان الكثير من النشاط الأكاديمي الشيعي يمارس في مراكز العراق مثل الكوفه والحله وبغداد والنجف وكربلاء . وأخيرا كان العراق فيما مضى ارضا حكمتها سلالات شيعيه , أبرزها البويهيون ( 945 – 1055 ) .
    ولكن هل يمكن لهذا أن يفسر طبيعة وموقع الاسلام الشيعي في العراق كما نعرفه في بداية القرن العشرين ؟ احتسب الاحصاء البريطاني التقريبي الذي اجرى في 1919 , عددهم مليون ونصف نسمه من مجموع مليونين وثمانمائه وخمسون الفا عراقي , أي حوالي 53% من السكان . وعدّلت هذه الارقام في عام 1932 لتصبح زهاء 56% . والقسم الاعظم من شيعة العراق هم عرب . وكان الفرس يشكلون حوالي 5% والهنود أقل من واحد في المئه . وأنخفضت أعدادهم منذ ذلك الحين . ومع بعض الاستثناءات القليله فان شيعة العراق يعتنقون المذهب الشيعي الامامي , وهذا القسم من السكان الشيعه هو الذي تعنى به هذه الدراسه .

    العراق ... الارض الحدوديه

    على امتداد خمسة قرون بعد سقوط الدوله العباسيه في 1258م , لم تكن لدى العراق حكومه قويه بما فيه الكفايه لترميم منظوماته الاروائيه الواسعه فيما مضى , أو اخضاع الاتحادات العشائريه العربيه التي استحوذت على الريف المقفر الذي فقد بؤرته المدينيه .
    تزامن ظهور ايران الشيعيه الصفويه 1501 م , مع توطد اركان الامبراطوريه العثمانيه السنيه ثم محاولات السلطان سليم الاول ( 1512 – 1520 ) وسليمان القانوني ( 1520 – 1566 ) لبناء دولتهما كامبراطوريه عالميه . وأوجد هذا واقعا جديدا في العراق الذي أصبح ساحة حرب بين القوتين المتنافستين . وعلى الرغم من ان العراق اصبح ولايه عثمانيه بعد احتلال بغداد في اواخر 1533م فان الحكم العثماني للبلاد كان حتى القرن التاسع عشر حكما اسميا ناقصا في غالب الاحيان . وحتى اقامة النظام الملكي العراقي في عام 1922م كان الصراع العثماني – الايراني , على السيطره السياسيه والدينيه والاقتصاديه قد أحال العراق الى منطقه حدوديه مؤثرا بذلك على تركيب المجتمع الشيعي وتنظيم الاسلام الشيعي في البلاد . هذه المرحله الزمنيه اشتملت على فترتين من الاحتلال الايراني ( 1508 – 1533 ) و ( 1622 – 1638 ) .
    في نهاية القرن السادس عشر كان مجتمع العراق الشيعي عربيا على العموم . وعرّض ظهور ايران الصفويه سكان العراق الى مؤثرات شيعيه فارسيه . وكان تجار الفرس الشيعه قد جاءوا الى العراق لاول مره خلال فترتي الاحتلال الصفوي للبلاد , مستحوذين على قسم لا يستهان به من تجارة بغداد . وفي اوائل القرن السابع عشر , لم يكن هناك فرس بعد في البصره التي كان سكانها يتالفون بالدرجه الرئيسيه من العرب والاتراك . وفي ذلك الوقت كان هناك بضعة الاف من الفرس في مدن مثل النجف وكربلاء والكاظمين وبغداد , ولكن الكثير منهم هربوا الى ايران بعد الاحتلال العثماني الثاني لبغداد 1638 . كانت الجاليه الفارسيه في عراق القرن السابع عشر تتالف في الغالب من التجار وأفراد آخرين جاءوا الى البلاد بحثا عن فرص أقتصاديه . ولم يكن هناك عدد كبير من الطلاب والعلماء الفرس في العراق , لأن المراكز الاكاديميه الشيعيه الرئيسيه كانت في ايران .
    كان الاحتلال الأفغاني – السني لاصفهان في 1722 م , ومحاولات نادر شاه لتشجيع التقارب السني – الشيعي , ومصادرة الكثير من الاوقاف التي تدعم رجال الدين الشيعه في ايران , قد شردت المئات من عوائل العلماء الذين هرب الكثير منهم الى العراق ما بين ( 1722 – 1763 ) . وانتقل مركز الدراسات الشيعيه من ايران الى , كربلاء ثم النجف . وانتشرت اللغه الفارسيه انتشارا واسعا في كربلاء والنجف وبغداد والبصره . ولمدة ثلاث سنوات كانت البصره تحت سيطرة الزند , بعد أن قام كريم خان زند , حاكم جنوب غرب ايران , باحتلال المدينه 1776 م . وطبق الصلاه على الطريقه الشيعيه ومواعظ الجمعه الشيعيه , وصك عملات تحمل اسماء الائمه الاثني عشر . واستغل العلماء الفرس الذين هاجروا الى العراق , انعدام الاستقرار بسبب صعود المماليك في عام 1747 م , وما تلا ذلك من حكم العراق حكما عثمانيا غير مباشر دام حتى عام1831م . ففي كربلاء والنجف تمكنت العوائل الفارسيه من ان تطغى على العلماء العرب , ونجحت في السيطره على الدوائر الدينيه . وانتهى الصراع بين العلماء " الاخباريين " التقليديين والعلماء " الاصوليين " العقلانيين حول منهجية الفقه الشيعي بانتصار " الاصوليين " , وكان الكثير منهم من الفرس , واحتلوا مواقعهم المرموقه داخل المؤسسه الدينيه الشيعيه في العراق بعد انتصارهم . وبحلول منتصف القرن التاسع عشر كان العلماء الفرس يسيطرون على القسم الاعظم من الاموال الخيريه والمدارس الشيعيه مكتسبين بذلك سطوه عظيمه .
    بدأ الهنود يستوطنون في مدن العتبات المقدسه منذ اواخر القرن الثامن عشر , وبظهور دولة " اوذه " الشيعيه في شمال الهند 1722م , والعلاقه مع مدن العتبات المقدسه , لم يكن سيل الهنود العارم قد أخذ بالتدفق على مدن العتبات المقدسه الا ابتداء من القرن التاسع عشر , بعد قيام البريطانيين بضم مملكة " اوذه " , وفي ذلك الوقت وصل عدة أثرياء من أفراد عائلة " النوّاب " الملكيه من اوذه الى مدن العتبات المقدسه . مما اجتذب هذا مزيدا من الهنود . وبتناقص ثروة وتقديمات ال النوّاب بمرور الزمن زاد وضع الهنود فقرا , وصولا الى العام 1903 م , وحين قرر البريطانيون الغاء " الصندوق الهندي " الذي كان يعتمد على اموال خيرية اوذه . ازداد وضع الهنود ترديا واصبح من الصعب تمييز الهنود عن غير الهنود بين العناصر الاثنيه في مدن العتبات المقدسه , بصوره متزايده في السنوات اللاحقه .
    قدر عدد الفرس بثمانين الف فارسي في عام 1919 م وربما أكثر , وكانوا يتمتعون بوضع الرعايا الايرانيين , وكانوا سببا لتوتر العلاقات العثمانيه – القاجاريه ( اسلاف الصفويين 1794 – 1925 ) , وكان القناصل الايرانيين ومنذ العام اتفاقية العام 1875 م , يتمتعون بنفس امتيازات القناصل الاوروبيين في الامبرطوريه العثمانيه , ويتحكمون بالسلطه على الرعايا الايرانيين في قضايا القانون المدني والجنائي , والميراث . كما ثبتت الاتفاقيه اعفاء الرعايا الايرانيين من الضرائب التي يخضع لها الرعايا العثمانيون . وبرغم ان الاتفاقيه تنص على المعامله بالمثل الا ان الايرانيين استفادوا كثيرا منها . وتعكس الاتفاقيه ايضا السيطره الضعيفه للعثمانيين على العراق , وعدم رغبتهم في اندلاع حرب مع القاجاريين والذين وان كانوا لا يشكلون خطرا عسكريا حقيقيا على اسطنبول الا انهم انتزعوا من العثمانيين امتيازات لرعاياهم في العراق . كما كان ذلك يعكس محاولة اسطنبول لتهدئة الشيعه في العراق ازاء سياسة محمد علي التوسعيه من مصر , وفي مواجهة التغلغل الاوروبي المتعاظم ابان القرن التاسع عشر . كل ما سبق اعطى الشيعه الفرس افضليه على الشيعه العرب في العراق وفي مدن العتبات المقدسه , وجاءت الاتفاقيات لتعزز موقعهم الاقتصادي – الاجتماعي , وسهولة توافد الزوار , ونظّمت حركة نقل الموتى من ايران الى مدن العتبات المقدسه , وايضا جعل من الصعب على العثمانيين ان يمارسوا سيطره فعليه على النجف وكربلاء اللتين ظهرتا بوصفهما معقلي الاسلام الشيعي في العراق .
    يتبع ................
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد : شيعة العراق .. 
    محلل سياسي
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    382
    معدل تقييم المستوى
    19
    انا وفي اكثر من موقع اقوم بنشر دوري للكتب التي اقدمها هنا , وذلك لوجود مواقع مختصه فعلا بهذه المواضيع , وفي ما يتعلق بهذا الكتاب فقد اكد لي المتابعين العراقيين في تلك المواقع , انه كتاب اكاديمي علمي وصحيح ..
    ان الهدف الأساسي للكتاب هو , القول بان شيعة العراق المعاصرين , هم في أصولهم عرب من أهل السنّه , تحولوا منذ حوالي مئه وخمسين عاما الى المذهب الشيعي , ويحاول الكاتب اكاديميا , وليس دينيا , ان يحلل الاسباب التي أدت الى هذا التحول , فالتحول كان بفعل العوامل الاقتصاديه ووقوع " العراق العربي العظيم الى الأبد " , بين قوتين اقليميتين , الفرس والعثمانيين , واللتين تناوبتا على السيطره عليه , مدّة طويله من الزمن .
    وانا بالطبع لا أقصد من هذا التقديم القول بميزة للمذهب الشيعي على أهل السنّه , وانما اتبنى فكرة الكتاب في شرح اسباب التحول , لأقول ان شيعة العراق ليسوا فرسا , وانما من صلب العشائر العربيه المسلمه ..
    اذا الحرب في العراق , هي حرب بين المسلمين جميعا في مواجهة امريكا واسرائيل .
    اما القول بان الخلافات المذهبيه , تحت العباءة الطاهرة للاسلام على أنها مواضيع خلافيه , وان كانت هذه حقيقه , فأنا من دعاة ان نترك الخلاف كله لأهل الأختصاص , على ان يبقى سجالا واجتهادا في سبيل الوصول الى عباءه اسلاميه , تضم هذه الأمة جمعاء تحت دفء الايمان وعظمة التوحيد وسمو التسامح .
    وانا وان كنت اقدر رجال الدين على امتداد الاديان والمذاهب كلها , ولكنني لا أميل الى الأخذ بارائهم السياسيه فهي غير ملزمة بالنسبة لي , واتصرف وفق ما يجتمعون عليه في شؤون الدين والمذهب , ولكنني اترك ما لا يجتمعوا عليه , وانا حتما وبوضوح لا اتبع رجال الدين في أي طروحات , مهما عظم شأنهم ومرتبتهم وثبت علمهم , تدعوا الى تكفير المسلم الاخر , او تقول بغير الجهاد على طريق القدس وتحرير فلسطين ..
    ان هذا الكتاب هو ابعد ما يكون عن الجدل المذهبي الاسلامي , ولهذا اقوم بالتواقت وفي المواقع كلها بتقديمه بالتزامن مع كتاب هام ايضا هو " الحاكميه في الاسلام " , لأنني أعتقد أن ما نفتقده الان هو الفهم الاكاديمي لهذه الحركة السياسيه الدينيه على امتداد العالمين العربي والاسلامي , تاريخيا واسباب نشوئها وكيفية تطورها ..
    انا لا أنشر المذهب الشيعي , ولا اتكلم عن الشيعة عموما , ان الموضوع مختص بالتارخ الحديث لشيعة العراق , وانا ممن لا يميلون الى الجدل الديني في ما حدث , واسبابه ونتائجه , وانما اتجه دوما نحو مستقبل عربي اسلامي , واحدد العدو باسرائيل حتى تزول من الوجود , وامريكا ما دامت تحمي اسرائيل وترفع شعار الحرب على الاسلام ..
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد : شيعة العراق .. 
    محلل سياسي
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    382
    معدل تقييم المستوى
    19
    مدن العتبات المقدسه ..

    النجف ..

    يولي المؤمنون الشيعه احتراما دينيا عميقا لمدن النجف وكربلاء والكاظمين وسامراء, المقدسه التي تحدّد شكل تطورها بين القرن السادس عشر والقرن العشرين برغبة الدولتين العثمانيه والأيرانيه في السيطره على شؤون الشيعه في العراق .
    وكان الأبرز تأثيرا بينها " النجف " التي أخذت منذ أوائل القرن العشرين تمارس تأثيرا دينيا وسياسيا هائلا يتخطى حدود العراق بكثير . واذ تقع النجف على بعد حوالي 120 كم جنوب بغداد, فانها أفلتت من السيطره الحكوميه الفعاله طيلة شطر كبير من العهد العثماني . وكانت في اغلب الاحيان مقر المجتهد الشيعي الاكبر, ويوجد فيها مرقد علي بن ابي طالب, واجتذابه الكثير من الزوار الشيعه .
    واعتبرت مقبرة المدينه الكبيره ( وادي السلام ) أقدس وقمة مايتمناه المرء من الاماكن للدفن فيها بين المؤمنين الشيعه .
    تغيرت حظوظ النجف كثيرا بمرور الزمن, وكان من أشد مشاكلها, شح المياه, وانكشافها للغزوات المتكرره من العشائر العربيه, مشكلتين من أشد المشاكل حده على امتداد تاريخ المدينه حتى القرن التاسع عشر .
    ورغم اهتمام شاهات ايران وخاصه " طهماسب " بمشكلة المياه وشق قناه ثانيه للمدينه من الحله, لم تحل هذه المشكله . وهناك عريضه من مجهول موجهة الى السلطان العثماني في اواخر القرن السادس عشر يعرض المشكلتين ويقوا أنه لم يبقى في المدينه الا ثلاثون دار بينه خطيب الجمعه وسدنة الحضره وخدامها مع قله من الافراد الاخرين .
    ولاحظ الرحاله البرتغالي " بيدرو تيكسيرا " الذي زار النجف في عام 1604 ان المدينه كانت خربه تقريبا , وكان عدد السكان 500 شخص تقريبا . ورغم القيام بشق عدة أقنيه فانها كانت تهمل وتجف, حتى 1802 حين أنجز شق القناة الهنديه . وبمعاهدة " أرضروم ", بعد الحرب الايرانيه – العثمانيه (1821 -1823 ) وتحسن العلاقات النسبي , تحسن وضع المدينه لتتحول منذ اربعينيات القرن التاسع عشر الى الى المركز الاكاديمي الشيعي الرئيسي على حساب كربلاء التي تناقصت أهميتها . كذلك ساهمت القناة الهنديه في الاتصالات الاقتصاديه – الاجتماعيه والدينيه بين النجف والعشائر المحيطه معجلة بتشيعها .
    وعلى الرغم من ان عدد سكان النجف الشيعه لم يتجاوز الثلاثين الف نسمه, في اوائل القرن العشرين, فان تدفق الزوار كان يضاعف هذا العدد مرتين في أغلب الأحيان . ولم يشكل الفارسيون الا ثلث سكان, ويفسر موقع النجف على حافة الصحراء التأثيرات العشائريه القويه على المدينه . وقد وجدت سمات النجف هذه تجسيداتها في حقيقة أن عوائل عربيه هامه من العلماء في المدينه, نسبت أصولها الى عشائر مجاوره . وهكذا تكون عائلة " كاشف الغطاء " قد انحدرت من ال علي, احد فروع بني مالك التي تنتمي الى اتحاد المنتفق . والأكثر من ذلك أن النجف حتى عام 1918 كانت واقعه تحت نفوذ كتلتين عربيتين : الزغرت والشمرت وكان النجفيون يرجعون أصل تكوينهم الى العقد الاول من القرن التاسع عشر حيث كان المحاربون يجندون من بين سكان المدينه تحت قيادة المجتهد الشيخ جعفر كاشف الغطاء, لحماية المدينه من هجمات الوهابيين .
    كان الزغرت متحالفين مع عائلة كاشف الغطاء, في حين ارتبطت الشمرت بالملالي الذين كانوا سدنة مرقد الامام علي منذ اوائل القرن السادس عشر, وانتزعت الكتلتين المدينه من سيطرة العثمانيين خلال الحرب العالميه الاولى وتقاسموا السيطره على أحيائها الأربعه, ففي حين ان السيد مهدي وحجي عطيه وكاظم صبي من الزغريتييت حكموا أحياء الحويش والعماره والبراق, فان حجي سعد الشمرتي تولى ادارة حي المشرق . وتبوأ الشيوخ الأربعه هذا المركز, حتى 1918 حين تحطمت سلطتهم على أيدي البريطانيين .
    ويتضح طابع النجف العشائري من مضمون دستور " حيّ البراق " الذي وضع بعد ان تولى الشيوخ الأربعه ادارة المدينه في عام 1915 . وتحول ولاء ابناء العشائر التقليدي لعشيرتهم وشيخهم, في النجف الى ولاء متين يدين به سكان البراق الى حيّهم وشيخه كاظم صبّي . يضاف الى ذلك ان رابطة الدم والتشديد على الشرف والاشاره المتكرره الى ديّة القتيل بوصفها العنصر الذي ينبغي استخدامه في حل النزاعات كانت تبين مدى هيمنة الاعراف العشائريه على الروح المدنيه النجفيه حتى زمن متأخر هو القرن العشرين .

    كربلاء .. الكاظمين و سامراء .

    على النقيض من طابع النجف العربي القوي فقد اتسم تركيب كربلاء الاثني وثقافتها بوجود جاليه فارسيه كبيره جدا في المدينه . وفي مطلع القرن العشرين قدر عدد سكان كربلاء وكلهم تقريبا من الشيعه بحوالي 50 الف نسمه يشكل الفرس منهم 75 % على الأقل . وتقع كربلاء على بعد حوالي 55 ميلا جنوب بغداد .
    ولاحظ زوار غربيون انها لم تكن باي حال ترتدي مظهر مدينه عربيه بل كانت عمارتها وأسواقها تعكس التأثيرات الفارسيه . ويوجد في كربلاء مرقد الحسين, نجل علي والامام الشيعي الثالث, ومرقد العباس, أخ الحسين غير الشقيق . ويعرف الحسين بين المؤمنين الشيعه بانه" سيد الشهداء" لأنه قتل متحديا وراثة يزيد بن معاويه للخلافه . وقتل الحسين مع العباس ونفر من صحبه في معركه وقعت في سهل كربلاء عام 680 , وأصبحت المعركه واستبسال الحسين وجماعته الصغيره استبسالا بطوليا أهم حدث في التارخ الشيعي والميثولوجيا الشيعيه . وظهرت كربلاء بوصفها مركز التفاني, وخاصه للمؤمنين الشيعه الفارسيين . فالتقاليد تبارك ماءها وترابها, وتعد المؤمنين بالثواب والأجر من زيارتهم للمدينه ومن الدفن في مقبرتها (وادي الايمان) التي لا تفوقها قدسيه الا مقبرة النجف .
    ويبدو أن كربلاء تمتعت بامدادات من الماء أفضل نسبيا من النجف . أمر السلطان العثماني سليمان الأول العام بشق قناة الحسينيه لنقل الماء الى كربلاء, ولكن سنوات من الأهمال أسفرت عن شحة الماء في المدينه, وعلى غرار النجف, قيل عن كربلاء أيضا ان الزوار عزفوا عنها بالكامل تقريبا في أواخر القرن السادس عشر .
    ولم تتمتع كربلاء بامدادات منتظمه من الماء الا بعد بناء سد في صدر قناة الحسينيه شيده والي بغداد العثماني حسن باشا (1704 – 1723), وتساعد هذه التطوارات على تفسير السبب في ظهور كربلاء اولا بوصفها أهم مراكز الدراسه الشيعيه في حوالي العام 1737, وليس النجف . لتحل محل اصفهان التي تراجعت بعد الأحتلال الافغاني للمدينه ثم هجرة العلماء الفارسيين الى العراق .
    وخلال شطر كبير من الفتره المملوكيه كانت ادارة كربلاء بايدي " سنّه " من بغداد يعينهم المماليك, ومع ازدياد حكم المماليك ضعفا, نجحت تنظيمات محليه تدريجيا في تولي السيطره الفعليه على المدينه, ضامّه اليها ملاك الاراضي وعوائلها التجاريه . وتحالف الزعماء العرب المحليين مع علماء كربلاء, وكانت المدينه بحسب وصف تقارير بريطانيه "جمهوريه شبه أجنبيه ذات حكم ذاتي", مما أثار قلق العثمانيين الذين استأنفوا الحكم المباشر للعراق 1831 , وسعوا الى زيادة المركزية في البلاد . وأدت مقاومة كربلاء ضد العثمانيين الى قيام الوالي نجيب باشا باحتلالها العام 1843 . مما أسفر عن ثلاث نتائج رئيسيه :
    أولا , في حين تم اخضاع كربلاء , انصاعت النجف بسلام الى شروط نجيب باشا , مما سمح للمدينه بالاحتفاظ بموقعها الاقتصادي – الاجتماعي والسياسي .
    ثانيا , احتلال كربلاء ساعد النجف على الظهور بوصفها مركز العلم الشيعي الرئيسي منذ أربعينيات القرن التاسع عشر مع رحيل وانتقال الطلاب والعلماء اليها من كربلاء .
    ثالثا , في أعقاب الانباء التي بلغت ايران عن الاحتلال الدموي لمدينة كربلاء, مارس القاجاريون ضغوطا فعاله على الحكم العثماني لمنح الفارسيين في العراق حصانات . مما أدى الى تحطيم السطوه العربيه وازدياد النفوذ الايراني , لتقع المدينه تحت تأثير فارسي متزايد, وسيطرة العائلات الفارسيه " كمونه " على شؤون المدينه . حتى العام 1917 تاريخ سيطرة البريطانيين عليها .
    في حين كانت المدينتين الأخرتين: الكاظمين وسامراء بوضع مختلف نظرا لقرب الكاظمين من بغداد السنّيه, وسكان سامراء كلهم من السنّه تقريبا .
    الكاظمين , وتنبع أهميتها من ضريحها الذي يضم مرقد الامام السابع, موسى الكاظم, وحفيده محمد الجواد, الامام التاسع . وكان عدد سكان المدينه الواقعه على بعد ثلاثة أميال شمال غرب بغداد, قد قدّر في اوائل القرن العشرين بثمانية الاف نسمه سبعة الاف منهم من الشيعه . والقسم الاعظم منهم من العرب في حين كان عدد الفرس ألف . وتعزز توجه الكاظمين القوي نحو بغداد في عام 1870 عندما ارتبطت المدينه بالعاصمه بخط ترامواي تجره الخيول . وهكذا كانت سيطرة العثمانيين على المدينه أكبر منها في النجف وكربلاء .
    سامراء , وتضم مرقدي الامام العاشر, علي الهادي, وابنه الامام الحادي عشر, الحسن العسكري, كما ويعتقد أنها مسقط رأس الامام الثاني عشر, محمد المهدي, الذي يعتقد الشيعه بغيبته وعودته .
    تقع سامراء على بعد 66 ميلا شمال بغداد وكان عدد سكانها حوالي 8500 نسمه في اوائل القرن العشرين . وأغلبهم من السنّه قبل ان ينتقل المجتهد الكبير محمد حسن الشيرازي اليها من النجف العام 1875 .
    وأثار انتقال مجتهد شيعي كبير الى المدينه قلق العثمانيين الذين واجههم امتداد المذهب الشيعي بصوره مفاجئه الى المنطقه الواقعه شمال بغداد . والحق أن تدفق الأموال والطلاب الشيعه والزوار على المدينه ثم ممارسة الشعائر الدينيه علنا, عرّض السكان السنّه في سامراء الى تأثيرات شيعيه متزايده . ولا بد ان يكون دور الشيرازي في الاحداث التي أدت الى "ثورة التنباك" في ايران (1891 – 1892 ) قد أذكى مخاوف العثمانيين من حضور الشيعه المتزايد في هذا الجزء من العراق .
    ومنذ اواخر القرن التاسع عشر أخذ المسؤولون العثمانيون والعلماء السنه في العراق واسطنبول على السواء يوجهون نداءات متكرره الى اسطنبول للحد من انتشار المذهب الشيعي في العراق .
    أقام العثمانيون مدرستين جديدتين في سامراء أولهما (المدرسه العلميه السنيه) عام 1898 وسلمت ادارتها الى شيخ من شيوخ الطرق الصوفيه هو محمد سعيد النقشبندي . كما عين العثمانيون سنيا ليكون سادن المرقد الشيعي مشددين بذلك سيطرتهم على شؤون الشيعه في سامراء . وتضاءلت أهمية سامراء بدرجه كبيره بعد وفاة الشيرازي في عام 1895 . ففي غضون عام من موته رحل غالبية تلاميذه الكبار عن سامراء الى النجف التي أعادت فرض موقعها المتفوق . وحسم تدهور أحوال سامراء بانتقال تلميذ الشيرازي والمجتهد الهام المرزا محمد تقي الشيرازي من سامراء الى كربلاء في عام 1917 . وفقدت المدينه ما كان لها من امكانيه في أن تصبح معقلا شيعيا داخل العراق .
    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 رد : شيعة العراق .. 
    محلل سياسي
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    382
    معدل تقييم المستوى
    19
    تشيع العشائر .. 1 .
    ليس هناك دليل يشير الى ان الشيعه اقتربوا ذات يوم من تشكيل اكثرية السكان في العراق قبل القرن التاسع عشر بل وحتى القرن العشرين . وعلى الرغم من ان التشيع حدث في العراق طيلة التاريخ الشيعي فانه كان يقتصر بالدرجه الرئيسيه على المدن التي لم يكن يقطنها الا قسم صغير من السكان . ومن حين لاخر كانت بعض العشائر العربيه تكسب الى قبول المذهب الشيعي مثل بني سلامه والطائيين والسودان في الاهوار القريبه من خوزستان خلال سلالة المشعشع الشيعيه العربيه في القرنين الخامس والسادس عشر . ولم ترتفع نسبة الشيعه الى مستوياتها التي قدرت في 1919 و1932 بحدود 53 الى 56 بالمئه من السكان على التوالي , الا بعد تشيع القسم الاكبر من عشائر العراق العربيه السنيه اسما , على نطاق واسع خلال القرن التاسع عشر بالاساس .
    لقد كانت العشائر العربيه تشكل القسم الاعظم من السكان في جنوب ووسط العراق ابان الحكم العثماني , حيث كان الرحل وحدهم يشكلون نصف السكان في الجنوب حتى وقت متأخر هو عام 1867. ولغاية القرن التاسع عشر كانت عشائر العراق منظّمه في اتحادات رخوه كل اتحاد منها يعمل كوحده سياسيه وذات حكم ذاتي من نوع ما, وجدت ردا على تهديدات التشكيلات العشائريه الأخرى , وكانت هذه الاتحادات تقاتل من أجل الأرض وطرق التجاره بقيادة شيوخ كبار . وقد عززت الحملات التي كانت الحكومه تجردها ضد العشائر , روح الجماعه لدى هذه الاتحادات فزادت في تميز احداها عن الاخر . وكانت أقدم الاتحادات العشائيريه في جنوب العراق ووسطه خلال الفتره العثمانيه , المنتفق والزبيد والدليم والعبيد والخزعل وبني لام والبومحمد وربيعه وكعب .
    لقد نزح العديد من عشائر العراق الى هذا البلد من الجزيره العربيه فأبقت بذلك على اوجه شبه عديده مع مع عشائر الجزيره من حيث فضائلها وقيمها الاخلاقيه . وينسب أصل القسم الاعظم من عشائر المنتفق التي يقال انها وصلت العراق في مرحله مبكره من التاريخ الاسلامي , الى القبائل العدنانيه القديمه في الجزيره العربيه رغم ان البعض يدعي انتسابها الى القبائل القحطانيه والحميريه كذلك . وكان الزبيد قد هاجروا الى العراق بعد الفتح الاسلامي للبلاد في عام 634 م , وهم ينتسبون الى القبائل القحطانيه .
    وانبثق اتحادان اخران هما الدليم والبومحمد عن الزبيد , حيث تكون اتحاد عشائر البومحمد في اواخر القرن السابع عشر . كما يقال ان ربيعه وصلت الى العراق في حوالي فترة الفتح الاسلامي , وكانت لها صلات ببعض القبائل القديمه في الجزيره العربيه . وتدعي عشائر كعب انتسابها الى ربيعه . وينسب اصل العبيد الى القبائل الحميريه . ويعتبر الخزاعل وبني لام من أقدم القبائل الطائيه المعروفه في العراق , ويقال انهم وصلوا هناك في حوالي القرن الرابع عشر . وزاد عدد سكان العراق من العشائر في القرنين الثامن والتاسع عشر . فان فروعا من الشمر , ولا سيما الشمر طوقه وصائح , هاجرت من حائل الى العراق في اوائل القرن الثامن عشر .
    وكانت الاضافه الهامه الأخرى الى سكان البلاد من العشائر , هجرة فروع كبيره من بني تميم من نجد الى العراق في حوالي 1737 م . وكما سيتبين ادناه , فان خارطة العراق العشائريه اكتسبت شكلها النهائي في القرن التاسع عشر بعد نزوح فروع اخرى من شمر ( الجربه ) واتحادات عنزه وكذلك عشيرة الظفير من الجزيره بين 1791 و 1805 م بسبب ضغوط الوهابيين . وادعى العديد من عشائر العراق العربيه انتسابها الى هذه الاتحادات ومنها تكون القسم الاعظم من سكان العراق الشيعه ابتداء من اواخر القرن الثامن عشر .
    وفي العام 1869 اعد العالم السني البغدادي البارز ابراهيم الحيدري, قائمه بالعشائر التي تشيعت " مؤخرا " .
    باستثناء الخزاعل وكعب ( وبضمنها فرعها خزرج ) التي , حسبما يقول الحيدري , تشيعت في اوائل ومنتصف القرن الثامن عشر على التوالي , فان كل العشائر الاخرى في قائمته تشيعت قبل القرن التاسع عشر او خلاله . وكان الزبيد وبني لام والبومحمد , الاتحادات الرئيسيه التي تشيعت في قائمة الحيدري .
    يضاف الى ذلك ان القائمه تضمنت فروعا كبيره من ربيعه ( ومنها الدفافعه وبني عامر والجعيفر ) وبني تميم ( بمن فيهم اكبر فروعهم في العراق , وهم بني سعد ) , والشمر طوقة والدوّار والسواكن , كما اشتملت قائمة الحيدري على عشائر كثيره على امتداد القناة الهنديه وعشائر الديوانيه الخمس ( ال أقرع والبدير وعفك والجبور والشليحات ) التي كانت تعتمد في امداداتها من الماء على قناة الدغاره .وما يسند قول الحيدري ان الزبيد تشيعوا قبل القرن التاسع عشر او في اوائله تقرير المؤرخ المملوكي العراقي عثمان بن سند البصري . كما أقر العالم السني البغدادي في القرن العشرين , محمود شكري الألوسي , بتشيع العبيد ومعهم فروع من شمر وبني تميم قبيل القرن التاسع عشر او خلاله . وينبغي ان يضلف الى قائمة الحيدري اتحاد المنتفق الكبير الذي تشيع كله تقريبا في القرن التاسع عشر , باستثناء شيوخه من عائلة السعدون الذين ظلوا سنّه . وفي حالات عديده لم يكن التشيع كاملا . وهكذا انشقّت عشائر كثيره , مع اقامة النظام الملكي , على اسس طائفيه .
    رد مع اقتباس  
     

  6. #6 رد : شيعة العراق .. 
    محلل سياسي
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    382
    معدل تقييم المستوى
    19
    تشيع العشائر .. 2 .
    لعله ليس من المستغرب ان تتشيع فروع كبيره من الشمر والظفير وبني تميم التي وصلت الى العراق في القرن الثامن عشر , خلال القرن التالي . ولكن مايثير الاستغراب هو ان القسم الاعظم من اتحادات العراق العشائريه القديمه , وهي المنتفق والزبيد والدليم والبومحمد وخزعل وبني لام وربيعه وكعب , لم تتشيع الا ابتداء من اواخر القرن الثامن عشر وليس قبل ذلك . وكانت تطورات كبيره عده تقف وراء تشيع العشائر بسرعه وفي وقت متأخر نسبيا . وكان في جوهر هذه العمليه هجمات الوهابيين على النجف وكربلاء وظهور هاتين المدينتين بوصفهما مدينتي السوق الصحراويه الرئيسيتين في العراق , وتغير مجرى تدفق ماء الفرات . وسياسة العثمانيين في توطين العشائر وما رافقها من تعطيل النظام العشائري , وخلق ازمه كبيره بين رجال العشائر اجبرتهم على اعادة بناء هويتهم واعادة تحديد موقعهم على الخارطه الدينيه – الاجتماعيه للبيئه المحيطه بهم . ومما سهل تشيعهم انتشار الساده ( المتحدرين من نسب ارسول ) الذين خففوا من وطأة تفكك النظام العشائري في العراق . وكانت سعة التشيع تتفاوت من منطقه الى أخرى لأن العوامل انفة الذكر كانت على درجات متباينه من التأثير في الاهوار والفرات الاوسط وجنوبه وفي منطقة دجله .
    ويساعد ظهور الوهابيين على تفسير حملة العلماء في النجف وكربلاء لتكثيف عملية تشيّع قبائل العراق . فبحلول عام 1775 كان ابن سعود قوة في الجزيره العربيه , وأتاح دخوله الاحساء في عام 1795 امكانية مد نفوذه خارج حدود نجد . وقد دفعت ضغوط الوهابيين عشيرة الظفير واقساما من عنزه وعشيرة حرب ( بمن فيهم الجبور ) والشمر جربه , الى العراق . وقام المماليك بتشجيع عشيرة الشمر جربه القويه الى البقاء في العراق , ساعين الى تاليب هذه القبيله ضد ابن سعود وكذلك استخدامها اداة ضد واحد من أقوى الاتحادات العشائريه في العراق وهم العبيد . وكان الوهابيون قد غزوا العراق مرات عديده واغاروا على المنتفق والخزعل . وفرضوا الحصار على النجف مرتين ونهبوا كربلاء في عام 1801 . كما ان القوه الكبيره من مقاتلي العشائر , التي ارسلها الحاكم المملوكي سليمان باشا , مؤلفه من عشائر المنتفق والظفير والشمر وكعب , أخفقت في دحر الوهابيين . ولم تحجّم قوة الوهابيين الا في العام 1811 على يد محمد علي والي مصر .
    وعززت هجمات الوهابيين على النجو وكربلاء , الهويه الطائفيه للعلماء الشيعه وزادت دافعهم للضغط على العشائر لتتشيّع . وبخلاف المساجلات الاكاديميه السنيه – الشيعيه , التي لم تشكل خطرا ماديا حقيقيا على المذهب الشيعي , فان نهب كربلاء والهجمات على النجف أماطت اللثام عن انكشاف العلماء الشيعه في العراق حيث كانوا يفتقرون الى الجيش العشائري الذي يمكن تعبئته ضد مثل هذا الخطر على وجود المدينتين ذاته .
    وفتحت هجمات الوهابيين أعين علماء الشيعه على الخطر الداهم ابدا من قوة العشائر بصفه عامه والتهديد الذي تشكله عشائر العراق الرحل على مصادر دخلهم . ورفع هذا التهديد رأسه من جديد في عام 1814 خلال تمرد بعض العشائر العراقيه على الحكومه مدفوعه بتراخي سيطرة المماليك على المنطقه الواقعه جنوب بغداد . وكان المشاركون في التمرد من عشائر الزبيد والخزاعل وعشائر الشاميه والجزيره مع عشائر الظفير والشمر جربه والرواله . وتزامنت تحركات العشائر المهدده قرب النجف وكربلاء والحله والكاظمين مع احدى الزيارات الشيعيه السنويه الرئيسيه لمدن العتبات المقدسه . ولم يتمكن الاربعون الف زائر ايراني الذين قيل انهم كانوا في هذه المدن حينذاك , من مغادرتها الا بعد ان تراجعت العشائر امام الحمله التي جردها الوالي .
    لقد كانت هجمات الوهابيين وضغوط عشائر العراق على المدن الشيعيه , كابحا كبيرا على تطور هذه المدن . وأثار هذا بصفه خاصه قلق العلماء الفرس الذين هاجروا الى العراق بين 1722 – 1763 وكانوا يفتقدون الى القاعده الاقتصاديه – الاجتماعيه المتينه في البلاد . وكان تشيع القبائل من وجهة نظرهم ضروريا لتدعيم موقفهم في جنوب العراق والحفاظ على استقلالهم ازاء الحكومه السنيه في بغداد .
    يضاف الى ذلك ان الدين كان المورد الرئيسي لمدن العتبات المقدسه والقوة الاساسيه التي تحرك نشاطها الاقتصادي الذي كان يعتمد اعتمادا كبيرا على الهبات الخيريه والزيارات وحركة الجنائز من ايران . ولم تكن العشائر العراق الرحل مياله الى زيارة العتبات المقدسه وما كانت تعلق عليها أي اهميه دينيه اخرى , واذا كان العلماء الشيعه يدركون ذلك فانهم لربما اعتبروا تشيع القبائل ايضا فرصه لزيادة عدد من يمكن ان يكونوا مؤمنين ومتبرعين وزوارا محليين ينخرطون في ممارسة الشعائر الدينيه المرتبطه بزيارة العتبات المقدسه ويسعون الى دفن موتاهم في مقابر المدن المقدسه
    _________________
    رد مع اقتباس  
     

  7. #7 رد : شيعة العراق .. 
    محلل سياسي
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    382
    معدل تقييم المستوى
    19
    تشيع العشائر .. 3 .
    وكان قيام النجف وكربلاء بوظيفة مدن سوق صحراويه ومخازن حبوب في العراق قد جعل المدينتين قناة اتصال هامه بين العشائر . اذ كانت الرحله السنويه لعشائر العراق والصحراء السوريه والجزيره العربيه , الرحل , تدور حول موسمين . ففي موسم الأمطار كانت العشائر تتوجه نحو الرعي في المناطق الصحراويه ولكنها بين اوائل نيسان وأواخر تشرين الأول كانت توجد قرب المناطق الريفيه – المزروعه بحثا عن الماء والغذاء . وكان هذا يتزامن مع موسم حصاد القمح والشعير في جنوب العراق , حيث يبدأ في نيسان . وقبل منتصف القرن التاسع عشر كانت الحله سوقا عشائريه كبيره ومركزا للتبادل . وفي حين ان النجف كانت خربه تقريبا حتى القرن الثامن عشر فقد كانت لدى كربلاء امكانية الاضطلاع بهذا الدور حينذاك بسبب عمق اراضيها الأخصب نسبيا واصلاح قناة الحسينيه . ولكن , فاعلية النشاط التبشيري الشيعي لم تتحسن بصوره ملحوظه الا بعد الزيادة الكبيره للاراضي المزروعه حول النجف وكربلاء منذ القرن التاسع عشر نتيجة شق قناة الهنديه .
    لقد أعطت قناة الهنديه دفعه قويه للموقع الاقتصادي لمدينتي النجف وكربلاء اللتين ظهرتا بوصفهما مدينتي السوق الصحراويه الرئيسيتين في العراق . وتولت النجف القيام بدور السوق التجاريه للصحراء منذ القرن التاسع عشر حين جف شط الحله . وكانت حقول الرز الرئيسيه في العراق قد نشأت على امتداد قناة الهنديه , وخاصه بين طويريج والكوفه , وفي منطقتي الشاميه والسماوة القريبتين من النجف . وبحلول القرن العشرين كانت النجف قد فاقت كربلاء في أهميتها كمدينة سوق صحراويه . وبالاضافه الى موقعها كمدينة سوق صحراويه لبيع الحبوب والرز والتمور والأقمشه , كانت النجف مركزا لتجميع الصوف وجلود الأغنام والابل . وكانت تجتذب القبائل من الجزيره العربيه والصحراء السوريه , مثل فروع عنزة الرحل . وكانت القبائل تضرب خيامها في منطقه قريبه من المدينه تسمى " المناخه " حيث كان يجري الكثير من التبادل التجاري . وكانت كربلاء تتولى بالدرجه الرئيسيه تلبية حاجات الرحل من عشائر الشمر والعمارات وعشيرة بني حسن التي تمارس الرعي وتربية الحيوانات .
    وعمل ازدياد تفاعل النجف وكربلاء مع العشائر وخاصة خلال القرن التاسع عشر , على تمكين الدعاة الذين انطلقوا من هاتين المدينتين , من اشاعة الاسلام الشيعي بين ابناء العشائر بصوره أشد فعاليه بكثير من الفترات السابقه . ان شق قناة الهنديه هو الذي أسفر , عن اجتذاب عدد كبير من العشائر الى المنطقه الواقعه بين النجف وكربلاء , وبذلك تم تطوير العلاقات بين هاتين المدينتين والعشائر .
    بنيت قناة الهنديه التي مولت من حسن رضا خان , وزير " أوذة " الأول , في ثمانينيات القرن الثامن عشر , لنقل المياه الى النجف العطشى دائما . وأنجز بناؤها بعد عام 1803 ببعض الوقت . وتحسن تدفق الماء في القناة تحسنا كبيرا في منتصف القرن التاسع عشر بعد اجراء ترميمات واسعه , أيضا بتمويل من موارد شيعة الهنود .
    ولم تضمن قناة الهنديه ازدهار النجف في القرن التاسع عشر فحسب بل وأحدثت تغييرات مائيه وبيئيه كبيره في جنوب العراق ووسطه . اذ كانت القناة تتفرع عن الفرات في نقطة تبعد حوالي خمسة اميال جنوب المسيب . وفي الفتره الممتده من 1860 الى 1865 بدأت تستنزف ماء الفرات , وفي الفترة مابين 1865 و 1890 كانت قناة الهنديه تسحب القسم الاعظم من ماء النهر مغيّرة مجراه . ونمت قناة الهندية لتصبح نهرا يمتد حوالي 73 ميلا قبل ان يصب في بحيره قرب النجف ( بحر النجف ) . والسد الذي أقامه العثمانيون في عام 1890 لم يفشل في اعادة الفرات الى مجراه السابق فحسب بل وتسبب في توجيه كل مائه نحو الهنديه 1903 . ولقد أخل بناء قناة الهندية بالتوازن المائي التقليدي بين ضفتي الفرات الغربيه والشرقيه . فان أعالي الضفه الغربيه غمرت لتجعل الزراعه متعذره , فيما جفت المنطقه القريبه من الحله بصوره تدريجيه لأان مجرى شط نهر الحله أصبح ضيقا وبطيئا . وفقدت الحله موقعها كمركز زراعي وتجاري . وعلى النقيض من ذلك اتسع الارواء على امتداد قناة الهنديه , وأصبحت المنطقه المحيطه بها منطقة مزروعه بشكل حسن . وازدادت المساحات المرويه حول النجف زياده أكبر مع شق ثلاث قنوات أصغر في أواخر القرن التاسع عشر , موّلت القناة الاولى من حاكم كرمان الايراني والباقيتين من قبل العثمانيين .
    وأجبرت العشائر العديده في دائرة نفوذ الخزعل على هجر منطقة شط الحله , والاستقرار على امتداد قناة الهندية , مثل بني مالك ( وفروعها البني حسن وبني زريج وال علي وال فرج والعوابد والحميدات وال اسماعيل وال ابراهيم ) , وكذلك الشليحات وال فتلة والقريّط . وكان اجتذاب العشائر الكثيره الى المنطقه المتزايدة الخصوبه على طول الهنديه , بين كربلاء والنجف , قد كشف المستوطنين الجدد لتأثير المدينتين . وكانت النجف وكربلاء في موقع يمكنهما من القيام بدور العصب المركزي , وبث اشعاع من القوة الفعاله الى أفراد العشائر , أكثر من أي وقت مضى .
    رد مع اقتباس  
     

  8. #8 رد : شيعة العراق .. 
    محلل سياسي
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    382
    معدل تقييم المستوى
    19
    تشيع العشائر ..4 .

    ولكن على الرغم من النشاط الذي مارسه المبشرون نتيجة لحملة العلماء الشيعه من أجل اقناع العشائر لتتشيع وكذلك الاتصالات المتناميه بين النجف وكربلاء والعشائر , فان هذا النشاط على كثافته لا يمكن ان يفسر بالكامل سعة التشيع في القرن التاسع عشر ناهيكم عن تفسير استعداد العشائر لقبول المذهب الشيعي . ويزداد هذا جلاء ازاء حقيقة ان المصادر السنيه والشيعيه والبريطانيه تتفق على عدم وجود أي أثر تقريبا للمذهب الشيعي بين مربي الابل الرحل في العراق في اوائل القرن العشرين وعلى ان المذهب الشيعي لم ينتشر الا بين العشائر التي استقرت . والحق أن القبائل التي احتفظت , كقاعده , بطريقة الحياة الصحراويه بقيت سنيه بلا استثناء تقريبا حتى يومنا هذا .
    وبالنظر الى هذه الملاحظه يبدو ان حجم التشيع في القرن التاسع عشر لا يمكن ان يفهم كاملا الا بوصفه نتيجه غير مقصوده للسياسه العثمانيه في توطين العشائر . ففي العام 1831 استأنف العثمانيون ممارسة السيطره المباشره على العراق لتنتهي بذلك فترة المماليك . وبخلاف جهود المماليك لتحطيم العشائر بتوجيه ضربات اليها من حين الى اخر دون توفير نمط حياة بديل , فان الحكام العثمانيين الجدد شجعوا أفراد القبائل على الاستقرار والتوجه نحو ممارسة الزراعه . وكان مجهود الحكام يعكس رغبة اسطنبول في توطين القبائل لزيادة الانتاج الزراعي والعوائد المتحققه من الضرائب لادامة انخراط الامبراطوريه بصوره متزايده في الاقتصاد الرأسمالي العالمي .
    ان انعدام النظام الذي أعقب تفتيت البنيه العشائريه وانحسار سلطة الشيوخ السياسيه والعسكريه يساعدان على تفسير ظهور السراكيل ( من كلمة سركار الفارسيه وتعني رئيس العمل ) والساده بين العشائر التي توطنت واستقرت . فان أصل السراكيل والساده على السواء بين عشائر العراق يلفه الابهام ولعل ازدياد عددهم ونفوذهم , ان لم يكن ظهورهم في البدايه , قد ارتبط ارتباطا وثيقا باستقرار العشائر واعادة بناء النظام العشائري .
    وفي حين ان السراكيل قاموا من حيث الأساس بدور اقتصادي – اجتماعي فان الساده كانوا يؤدون وظائف دينيه واداريه كذلك داخل العشيره محفزين بذلك تشيع العشائر بقدر كبير .
    وليس هناك مؤشرات على ان الساده أو أي شخصيات دينيه أخرى , عاشوا بين عشائر العراق الرحل . ويصح هذا أيضا على قبائل الجزيره العربيه الرحل , التي لم يكن بينها أي شخصيات دينيه قبل قبولها بالمذهب الوهابي . وكان الساده العشائريون يوجدون بوفرة في المناطق الشيعيه المتوطنه لوسط العراق وجنوبه بصفه خاصه . وكانوا يدّعون انتسابهم الى علي , الامام الشيعي الاول , عن طريق زوجته فاطمة الزهراء ابنة الرسول . فبين عشيرة الشبانه في الاهوار , على سبيل المثال , كان الساده يشكلون نسبة كبيره قدرها 20 في المئه من السكان حتى في منتصف القرن العشرين .
    انتشر الساده بين عشائر العراق التي تحطمت بنيتها الاجتماعيه السابقه في مجرى عملية الاستقرار . ان انتقال العشائر من الترحال الى الاستقرار اوجد حاجه ملحه الى اليات اضافيه للتعامل مع التعقيدات الاقتصاديه – الاجتماعيه الجديده , وكذلك الى الخدمات الدينيه . لذا كان الساده محط انظار جميع أفراد العشائر التي استقرت وأصبحوا جزءأ لا ينفصل من المجتمع المتشظي فقد خفضوا من حدة التوتر داخل العشائر وفيما بينها .
    واذ ادرك الشيوخ انحسار سلطتهم وهيبتهم بين رجال العشائر , كانوا بحاجه الى الساده لاعادة النظام والاستقرار بين الوحدات العشائريه المجزأه لأن الساده كانوا أصحاب منزله مستمده من فئه كريمة النسب يمكن ان تعوض عن انحسار نفوذ الشيوخ . وغالبا ما كان الساده يقومون بدور الوكلاء السياسيين للشيوخ وكتبة رسائلهم , وحلقة الوصل مع العالم الخارجي .
    وكان العلماء السنه والمسؤولون العثمانيون يذكرون استراتيجية السلطان عبد الحميد , داعيا فيها الى وحدة المسلمين , بوصفها العامل الرئيسي الذي مكّن الشيعه من تدعيم موقعهم في العراق وارسال المبشرين الى العشائر . واشاروا الى غياب الدعاية العثمانية المضاده , والى العدد الصغير جدا من العلماء السنه الذين طغى عليهم نظراؤهم الشيعه في العراق . لقد فشل العثمانيون في الحد من نشاط المبشرين الشيعه لا بسبب قصور الاجراءات التي اتخذوها ولا بسبب افتقارهم الى القاعده الاجتماعيه في العراق , بل فشلوا أساسا بسبب سرعة وكثافة التشيع وخاصه خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر . ولم يفهم العثمانيون مدلولات تحول العشائر من الترحال والتنقل الى حياة الاستقرار , ولم يدركوا حجم التشيع ادراكا كاملا الا في وقت متأخر من القرن التاسع عشر .
    كما ذهل المسؤولون البريطانيون ايضا بسعة التشيع الذي استمر حتى فترة متأخره من القرن العشرين ولوحظ في العام 1917 أن العمليه ما زالت مستمره بكثافه وان هناك حالات من التشيع بين عائلة السعدون التي كانت تدعي انتسابها الى شريف مكة والتي كان أفرادها من أكبر شيوخ عشائر المنتفق..
    -------------------------------------
    بقيت اضافة وحيدة وأخيره ..
    رد مع اقتباس  
     

  9. #9 رد : شيعة العراق .. 
    محلل سياسي
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    382
    معدل تقييم المستوى
    19
    طبيعة التشيع ..
    لم يكن تشيع قبائل العراق المتسارع كاملا بأي حال من الأحوال , وبحلول القرن العشرين كان رجال العشائر العربية ما زالوا منقسمين على أسس طائفيه لأن التشيع شق طريقه عبر الاتحادات القبليه والعشائر .
    ويبدو ان المبشرين لم يستخدموا في مرحلة تشيّع رجال العشائر , أي طريقة محدده لأن قبول الاسلام , او قبول مذهب من داخله , لا ينطوي على أي عملية شكليه . والارجح ان ادخال الشعائر الشيعية والشرع الاسلامي , بين العشائر المستقرة , سهّل التشيع حين بدأ رجال العشائر يشاركون الفلاحين نظرتهم الى ما هو مقدس . ويمكن ان نفترض ان التشيع حدث على مراحل وكان في كل فترة يمتد ليشمل أي عدد بين أفراد عدّة فروع عشائرية كامله .
    وفي حين ان بعض العلماء السنة اعتبروا تشيع رجال العشائر ارتدادا عن المذهب السني , فان بعضهم الاخر نظر الى رجال العشائر على أنهم كانوا بالكاد مسلمين أصلا قبل تشيعهم .
    وقد يكون ان رجال العشائر في قبولهم بالمذهب الشيعي , سعوا الى التهرب من الجندية , او عملا من اعمال الاحتجاج من جانب رجال العشائر البسطاء على الفوارق المتسعه بين القطاعات الغنية والفقيره من الاتحاد العشائري . ومن المحتمل ان التشيع كان يعبر عن عمل احتجاجي ضد الحكومة من جانب رجال العشائر .
    ان تفكيك النظام العشائري الذي أوجد أزمة هوية بين رجال العشائر المتوطنين , والحاجه الى تحديد موقعهم على الخارطه الاجتماعيه لبيئتهم المحيطه , هو الذي يمكن ان يفسر دوافع رجال العشائر تفسيرا كاملا .
    وعلى هذا النحو كان التشيع رد فعل من رجال العشائر على الأزمة التي مرّوا بها في أعقاب انهيار تنظيمهم الاقتصادي – الاجتماعي والسياسي السابق .
    ولقد كان التشيع تعويضا عن خسارة رجال العشائر لطريقة حياتهم السابقه ومؤشرا على سعيهم الى الاستقرار .
    لذا كان التشيع واسطة حاول رجال القبائل من خلالها الاقدام على بداية جديده واعادة ترتيب هويتهم الدينيه والاجتماعيه المركبة .
    وكان لتطبيق الشرع الشيعي بين العشائر على أيدي الوكلاء الدينيين ( الموامنه ) . وكان هؤلاء يرسلهم كبار المجتهدين الذين يسكنون النجف وكربلاء . وبخلاف السادة فان الموامنه لم يكونوا من من أفراد العشائر . وبافتراضهم من خريجي المدارس الدينيه كان الموامنه مفوضين بتسوية أمور مثل الزواج والطلاق والميراث . كما قيل انهم ادخلوا ممارسة الزواج المؤقت ( زواج المتعه ) بين القبائل فأتاحوا بذلك للشيوخ والسادة الاثرياء امكانية الاقتران بعدد كبير من الزوجات . وكان الموامنه يقيمون المراسم الدينيه ويقودون مواكب العزاء في احياء ذكرى الحسين . واذ كانوا يقومون بدور المستشارين الدينيين للشيوخ فقد كانت تدفع لهم الاجور لقاء خدماتهم , من المساهمات العامه التي يقدمها رجال العشيرة .
    لقد سهّل تشيع القسم الاعظم من عشائر العراق على نطاق واسع خلال القرن التاسع عشر , توسع ما كان يوجد من كيان سياسي في جنوب العراق .
    ورغم ان طبيعة هذا الكيان السياسي ومؤسساته كانت لم تزل مبهمة في القرن التاسع عشر فان المجتمعين المجتهدين الشيعه قد صاغوا بحلول عام 1908 نظرية سياسية حددت شكل الحكم في الدولة التي كانت في تصورهم .
    -------------------------------------------
    ارجو ان اكون قد وفقت في الاضاءة على موضوع خلافي ومصيري في مستقبل العراق العربي العظيم ..
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. مقال: تركيا ضيعت اللبن في سوريا
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مجلة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11/10/2012, 10:35 PM
  2. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04/03/2012, 07:18 PM
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02/03/2012, 10:51 PM
  4. لأجل العراق وشعب العراق
    بواسطة الشاعر لطفي الياسيني في المنتدى الشعر
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 26/08/2009, 10:46 AM
  5. بيروت شيعت الروائي العربي سهيل إدريس
    بواسطة د.ألق الماضي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 09/05/2008, 02:17 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •