النتائج 1 إلى 12 من 46

الموضوع: السيرة الذاتية بين الشعر والنثر

مشاهدة المواضيع

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1 ملف عن السيرة الذاتية 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36
    السيرة الذاتية بين الشعر والنثر

    كثيرون استبعدوا إمكانية تحقيق و إنتاج سير ذاتية شعرية، وزعموا أن أدب السيرة الذاتية يعتمد الحقيقة والصدق في نقل تجارب الحياة الفردية، وأن الشعر يقوم بخلاف ذلك على التصور، والتخيل، والمبالغة، وعلى الصدق الفني إن لم نقل الكذب ، شأنه في هذا المنحى أقوى من شأن الرواية و القصة ، وطائفة ثانية تجاهلت أمر تلك الإمكانية، ولم تكلف نفسها عناء التفكير في مسألة السيرة الذاتية الشعرية، في حين نبهت طائفة ثالثة إلى و جود نماذج و جذور للسيرة الذاتية الشعرية في تراث الأدب العربي الإسلامي .

    و قد أثيرت مسألة السيرة الذاتية الشعرية كذلك داخل الأوساط الأدبية و النقدية الغربية ، بحيث أبدى فيليب لوجون (Philippe Lejeune ) في هذا الشأن ملاحظة خلاصتها أن أدب السير الذاتية النثرية يعرف كثرة في الإنتاج بخلاف أدب السيرة الذاتية الشعرية الذي لا تتجاوز الأعمال المنضوية تحته عدد الأصابع، وبالعودة إلى كتابات الناقد الفرنسي (Lejeune ) في موضوع تعريف السيرة الذاتية ، سنجد أنه قد حاول واجتهد مرتين في وضع حد أو تعريف لهذا الجنس الأدبي ، لكنه خلص في النهاية إلى صياغة حدود تعريفية تتجاهل الحد الشعري في هوية أدب السيرة الذاتية وتعريفه ، مع أنه أدرك عدم وجود أي مانع يحول دون توظيف و إدراج أبيات شعرية في السيرة الذاتية .

    والملاحظ أن معظم النقاد و الباحثين العرب اعتمدوا في كتاباتهم ما وضعه الناقد الفرنسي من تعريف للسيرة الذاتية واكتفوا به، و اعتبروه على ما يبدو معيارا و تعريفا شبه ثابت خاص بأدب السيرة الذاتية ، يستند إلى ثلاثة مرتكزات تقيم بناءه ، أما جورج ماي ( Georges May ) فيناقش مسألة السيرة الذاتية الشعرية بقسط من الحذر، بحيث إذا ما تفحصنا ما جاء به في هذا الشأن ، فإننا نلمس لديه نزوعا إلى إقرار الحد الشعري في تعريف السيرة الذاتية، وإن كان ميل الكتاب إلى النثر في تأليف سيرهم الذاتية أقوى من ميلهم إلى إنشائها شعرا .

    وإن كان جورج ماي ( Georges May ) لم يضع حدودا تعريفية دقيقة لأدب السيرة الذاتية ، كما حاول ذلك فيليب لوجون ( Philippe Lejeune )، فذلك لأنه أدرك بأن حدود التعريف النثرية عاجزة عن الإحاطة بجوهر وهوية السيرة الذاتية، ورأى من الأحسن أن يتخذ مفهوم النزوع المتسم بالمرونة عوضا عن مفهوم التعريف في شأن تحديد ماهية هذا الجنس الأدبي ، و ذلك تفاديا لما ينطوي عليه التعريف من تصلب وجزم، فهل نسلم بالتعريف الذي وضعه لوجون ( Lejeune ) للسيرة الذاتية ، المتمثل في كون هذا الجنس الأدبي، تبعا لحد من حدوده التعريفية ، حكي أو سرد استعادي نثري ؟ و أنه أدب ينتمي إلى النثر الخالص و لا علاقة له بالشعر ؟

    هل الحد الشعري الذي غيبه لوجون ( Lejeune ) أثناء تنظيره لأدب السيرة الذاتية قد أفقد التعريف الذي وضعه لهذا الأدب الكثير من مصداقيته ؟ ثم لو تم إدراج هذا الحد و الإقرار به في دائرة تحديد هوية السيرة الذاتية أكان سيكسب تعريف هذا اللون الأدبي مصداقية كبيرة ؟ للإجابة على هذه الأسئلة ، لا بد أن نتحرى عن حقيقة " السرد " أهو بالفعل قاسم مشترك بين مختلف الأجناس الأدبية النثرية فقط ؟ و إلى أي مدى يمكن أن نوظف " الشعر " في تأليف السيرة الذاتية ؟ .

    صحيح أن " السرد " أداة مخالفة لعنصر " الوصف " ، و خطاب يعتمد الحكي و القص الأدبي، لكن حدوده مفتوحة على الشعر ، بقدر ما هي مفتوحة على النثر، مما يدل على أن العملية السردية هي قاسم مشترك بين جميع الفنون الأدبية ، فليس كل الشعر وصفا حتى يتعارض مع السرد ؛ بل إن فيه من أثر هذه الأداة الحكائية و القصصية ما لا سبيل إلى تجاهله أو إنكاره، وليس كذلك كل النثر سردا حتى يتعارض مع الوصف ، ثم ليس كل الشعر العربي سردا حتى يتجرد من الوصف، فلا الشعر ولا النثر بإمكانهما الاستغناء أو التجرد عن أداتي: السرد و الوصف ، و الشعر لا ينطوي فقط على التخييل، والمبالغة، و الصدق الفني ، و إنما فيه من صدق الحديث، وحرارة العاطفة و الوجدان فيضا خالصا من كل زيف أو كذب، قد لا نعثر عليه في بعض الكتابات النثرية .

    لا شيء ، حسبما نرى ، يمنع السرد من الاقتران بالشعر ، إذ لا يحق لنا أن نحكم على عنصر السرد بأحادية انتمائه إلى النثر ، و لا أن نزعم و ندعي انعدام العلاقة التي تجمعه بالشعر عموما ، أو بالقصص الشعري الذاتي بوجه خاص ، فما قانون " السرد " إلا كل ما هو محكوم بمنطق الحكي و القص الأدبي، ثم إنه من العسير علينا أن نبرهن أو نجزم بصفاء السير الذاتية النثرية و براءتها من التخييل، والتمويه، والمبالغة، والكذب، لأن من يكتب سيرته الذاتية غير معصوم من الانحراف و الميل إلى مثل هذه العوارض و العثرات، سواء عن قصد أم عن غير قصد ، فقد يلجأ إلى مخيلته ليصل بين أجزاء و تفاصيل ذكرى معينة خلت و عفا عليها الزمن ، ثم إن الحياة الإنسانية هي أصلا مزيج من الحلم و الحقيقة، والواقع و الخيال .

    إننا نعثر في الشعر الجاهلي مثلا على حس ذاتي عميق ، انطوت عليه معلقات عدد من الشعراء، ويكفي أن نقرأ معلقة طرفة بن العبد المتوفى عام 70 قبل الهجرة / 550 للميلاد ، أو معلقة امرئ القيس المتوفى عام 80 قبل الهجرة / 565 للميلاد ، أو معلقة عنترة بن شداد المتوفى عام 22 قبل الهجرة / 600 للميلاد ن لنقف بجلاء على تجارب ذاتية في الحياة صاغها أصحابها شعرا، ولقد أتاح الشعر لهؤلاء الشعراء إنشاء سيرهم الذاتية تبعا للتقليد الأدبي السائد في عصرهم ، فهم بالفعل قد خلفوا للأجيال التي جاءت من بعدهم تواريخ فردية خاصة تعكس تفردهم بمقومات شخصية، وتجارب، وأذواق، ومواقف، وقناعات، وانشغالات .

    ثم إن بإمكان الشاعر أن لا يسكب تجاربه الذاتية أو قصة حياته في فضاء تخييلي مغرق في المبالغة وإسراف القول، على الرغم من كونه يدرك جيدا بأنه في مقام شعر ، يسمح له بنسج ما شاء من الصور الشعرية المنحوتة بالخيال ، و هذا يعني أن الأنا الشاعرة بإمكانها أن تلتزم مبدأي :"الصدق " و " الحقيقة " ، و عنصر الواقعية في سرد تاريخ حياتها شعرا، ونحن من هذا المنطلق نتساءل مع نبيل سليمان قائلين : هل بالإمكان التحدث عن شعر سردي، أو عن سردية شعرية، خاصة عندما يتم تشخيص معالم سردية في قصيدة معينة.

    إن هذه الملاحظة تزكي ما تناولناه بالحديث سلفا ، في مسألة أدب السيرة الذاتية الشعرية ، عندما أقررنا إمكانية توظيف الشعر في تأليف السيرة الذاتية، ومن نماذج السيرة الذاتية الشعرية في الأدب العربي الإسلامي القديم ، نذكر التائية الكبرى لصاحبها شرف الدين بن الفارض ( 576 - 632 هـ / 1181 - 1235 م )، و هي قصيدة سماها : (نظم السلوك ) ، قص فيها تجربته الروحية ، و ما لقيه من شدائد و معاناة في هذه التجربة، و لا شك أن الكم القليل من السير الذاتية الشعرية في تراث الأدب العربي الإسلامي، قد يعود من جهة إلى قوة الجموح الشعري، أو إلى الصعوبة التي تكمن في صياغة السيرة الذاتية شعرا من جهة ثانية، لأن على من يختار هذه الصياغة الأدبية أن يبذل جهدا مضاعفا لسرد تاريخه الخاص، بالمقارنة مع ما تتطلبه الصياغة النثرية في تأليف هذا التاريخ، مما دفع بكثير من الشعراء إلى كتابة سيرهم الذاتية نثرا، لكن هذا لايعني في شيء أن الشعر غير مؤهل لاحتضان السيرة الذاتية .

    وإذا كانت ميزة النثر كامنة في طاقته الاستيعابية لأدق تفاصيل التجارب الإنسانية، وفي بعض الحرية والسرد المتسلسل ، الذي يطمئن إليه مؤلف السيرة الذاتية ، فإن الشعر بدوره يستطيع أن يعكس التاريخ الخاص ، وقد سبق له قديما أن أدى وظيفة السيرة الذاتية ، و للباحث أن يلاحظ ما قد انطوى عليه الشعر العربي القديم من ملامح كثيرة لأدب السيرة الذاتية قبل أن يصير هذا الأدب لونا مستقلا من التعبير .
    فهل سنكون محقين وعلى صواب إن بادرنا إلى إعادة تعريف أدب السيرة الذاتية بقولنا : السيرة الذاتية جنس أدبي سردي، استرجاعي نثري أو شعري، يتولى الكاتب من خلاله تدوين تاريخه الخاص ؟

    د. أبو شامة المغربي
    التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي ; 22/02/2006 الساعة 10:14 PM
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. ما هي السيرة الذاتية لـ ( أ.د محمود حسني مغالسة)
    بواسطة رائد المعاضيدي في المنتدى سؤال
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 02/08/2010, 07:45 PM
  2. أدب السيرة الذاتية بين الشعر والنثر
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 210
    آخر مشاركة: 20/09/2009, 08:40 PM
  3. لمحات في أدب السيرة الذاتية
    بواسطة د.ألق الماضي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25/03/2008, 05:28 PM
  4. خطاب السيرة الذاتية فى نوار عين الصقر
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 28/02/2008, 05:10 AM
  5. وظائف أدب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 16/03/2006, 10:25 AM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •