عرض كتاب: الامازيغية، أراء وأمثال
سهام قورين

موقع: جريدة البيان الامارتية
التاريخ: 25 ابريل 2005



الكتاب: الامازيغية اراء وامثال

تأليف :محمد أرزقي فراد

الناشر: دار هومة ـ الجزائر 2005
الصفحات: 233 صفحة من القطع الكبير





مؤلف هذا الكتاب هو محمد ارزقي فراد كاتب وباحث واستاذ جزائري*أمازيغي*، وفي هذا الكتاب جسد أرزقي اهتمامه بالمسألة الأمازيغية التي يعتبرها من القضايا الجوهرية، مبرزا مدى صعوبته تبني هذا الطرح الهادئ الموضوعي في دائرة تميزت بالطرح التنافري للأمازيغية والعربية، وأثار التهم الخطيرة الموجهة للفئتين، منوها بضرورة إنقاذ الأمازيغية من الاستعمال اللاسياسوي لتفادي الانزلاقات المدمرة.

في الفصل الأول من الكتاب ركز ارزقي فراد اهتمامه على الأمازيغية وذلك بهدف تدعيم الحوار الهادئ، إذ يعتبر الأمازيغية من القضايا الفكرية المهمة والتي انفجرت لأول مرة في ربيع 1980 في العديد من ولايات الجزائر وسميت بالربيع الأمازيغي حيث منعت السلطات مولود معمري من إلقاء محاضرته في جامعة تيزي وزو (ولاية جزائرية) حول الشعر الأمازيغي وكان ذلك سببا في تفجير الأوضاع.

ويرى المؤلف أن الأمازيغية تحتاج لدراسة هادئة وموضوعية تنهي الصراع القائم بين أنصارها ومعارضيها، والسؤال المطروح هو من هم الأمازيغ؟ و من السؤال الذي سبق طرحه يجيب محمد ارزقي فراد أن الأمازيغ هم السكان الأصليون بمنطقة شمال إفريقيا التي تمتد من المحيط الأطلسي إلى ليبيا حيث اشتهروا في التاريخ (الرجال الأحرار) بالبربر والتي تعني التوحش والتخلف.ويضيف أن جوهر القضية ليس أصل الأمازيغ فالمهم هو الإنتاج والإبداع الثقافي الأمازيغي، فالحكمة تقتضي الاعتزاز بهذا التراث الشعبي، وفي رحاب الإسلام الذي يعتبر الركيزة الأساسية للأمازيغية.

ونفى الكاتب الاتهامات الموجهة للفتح الإسلامي في القضاء على الأمازيغية، وحسب تصوره فاللغة اللاتينية أول من أضر بها ويثبت أن الأمازيغ لم تفرض عليهم اللغة العربية بل أقبلوا على تعلمها لأنها لغة الإسلام الذي حررهم من العبودية والبيزنطية فتومرت(ابن البلد) مؤسس دولة الموحدين وكان يعلمهم التوحيد باللغة الأمازيغية وكان أول من ترجم الآذان للأمازيغية وأكد لنا محمد ارزقي فراد أن الأمازيغية تقرأ وتكتب مثل بقية اللغات في العالم،

فإلغاء وجودها موقف يتعارض مع النزاهة العلمية والموضوعية التاريخية، وحول طريقة كتابتها يرى الكاتب أنها قضية تقنية بحتة وستحل في الوقت المناسب وأعطى مثالاً للحروف اللاتينية فهي اختراع كنعاني وانتقل داخل أوروبا بواسطة الفينيقيين، زيادة على ذلك فمن المستبعد أن تتوحد الأمم بطريقة كتابة لغاتها مستقبلا.

اللغة تقاس باستقلالية مضمونها ومحتواها عن الآخرين وحسب قدرتهم على الإبداع فجحود وجود الأمازيغية موقف سياسي غير نزيه. وفي سياق آخر يبرز الصراع القائم بينها و بين معارضيها حيث أدى ذلك إلى نكران محتواها الثقافي والحضاري في استعمال مقولة «حضارتنا العربية الإسلامية».

وأشار المؤلف إلى الصناعات التقليدية المتمثلة في الثروة الصناعية والنباتية وكذا الحيوانية للمنطقة. وأعطى لنا مثالاً: الدكتور عبد المالك مرتاضي مختص في الأديب الشعبي الجزائري فهو لم يول اهتماما بالأمثال الأمازيغية رغم انها من صلب اختصاصه ويتهم الذين مارسوا الإلغائية والاقصاء إزاء الأمازيغية على أنهم الذين أعطوا الفرصة الذهبية للأجانب للعبث بحضارتنا وبتاريخنا لأن مصلحة الوطن تقتضي سحب البساط من تحت هؤلاء الأجانب وثانيا الأديب الطاهر وطار الذي يقول ان الامازيغية عريقة عراقة الإنسان القديم، وهي قضية مغاربية،

ويعتبر فراد أن الطرح الصحيح نجده عند المشرق العربي في الوقت الذي تقصى عندنا الأمازيغية في عقر دارها وبأقلام أبنائها. فالدكتور نور سليمان تطرق للأدب الشعبي في الجزائر بقسميه العربي والامازيغي ومن الفقرات التي شدت انتباه الكاتب (.... يشق الشعر الشعبي بالعامية والبربرية دراسة مستقلة....بأبحاث شاملة تعطي هذا الشعر حقه فلا يبقى أدبا مغمورا يطويه الإهمال والنسيان).

ـ أما باعث اللغة الأمازيغية مولود معمري في العصر الحديث فقد أعلنها بهدوء (على الإنسان المطالب بالثقافة العربية أن يدعم بحماس الثقافة الأمازيغية ).

ـ كما سلط فراد الضوء على ضرورة النهوض بالجزائر بانهاء الصراع الأهلي الثقافي وذلك بضرورة تبني الحوار ومادامت اللغتان الأمازيغية والعربية قد تعايشتا في وئام لقرون خلت تحت راية الإسلام فالمساس بالثوابت التاريخية حسب الكاتب سيؤدي إلى إفراط عقد الأمة الذي ستكون عواقبه وخيمة على البلاد.

وفي الجزء الثاني يبين لنا المؤلف موقف رواد الإصلاح من الأمازيغية في الجزائر وذلك في اختلاف التيارات المعتدلة منها والمتطرفة باختلاف أساليبها في طرح القضية، ويستعرض لنا موقف ابن باديس من القضية، ملخصا رأيه في اعترافه اعترافا مباشرا بالبعد الأمازيغي في الشخصية الجزائرية وذلك في حفاظ الأمازيغ على شخصيتهم إبان الحرب لقرون عديدة كالقرطاجيين والرومان والوندال والبيزنطيين ، والمعاني العميقة التي ت
ضمنها الطرح الباديسي للعلاقة بين العربية والأمازيغية هو احتواء الأمازيغية والتعبير عنه باللغة العربية.

ومن جهة أخرى استعرض لنا رأي البشير الإبراهيمي الذي انفرد بموقفه السلبي من القضية الذي يرى أن الأمازيغية انتهت بدخول الإسلام والمسلمين إلى شمال أفريقيا، مضيفا أن الأمازيغية لا تعدو أن تكون مرحلة سابقة للفتح الإسلامي نسخها الإسلام والعربية.

حسب محمد ارزقي فراد فإن ما يمكن استخلاصه من موقف رجال الحركة الإصلاحية أن الأمازيغية كانت في إطار تكاملي مع العربية والإسلام لكن بعد الاستقلال حدث العكس إذ إقصاء البعد الأمازيغي من الهوية الجزائرية وهذا في رأيه ما أدى إلى ظهور حركة أمازيغية تختلف مواقف أعضائها بين الاعتدال والتطرف. وذلك في عرضه لموقف مولود قاسم نايت بلقاسم من الأمازيغية والتي يعتبرها هذا الأخير من الأعلام البارزة في الساحة الفكرية فقد جمع بين الثقافة والسياسة.

وذلك في طرحه للبعدين الأمازيغي والإسلامي إذ لا يلغي أحدهما وعليه فهو يرفض الطرح الاقصائي للمتحمسين إلى درجة الغلو وللمعارضين لدرجة التنطع ـ ويؤكد لنا محمد ارزقي فراد أنه من الصعب تحديد موقف نايت بلقاسم لكن يستخلص أنه لم يكن معارضاً لها خاصة أن الإسلام يمجد تعدد الألسن.

وعن دسترة الأمازيغية التي اعتبرها الكاتب عودة للوعي الجزائري والمكسب الذي جاء تكريسا لنضال أجيال عديدة يزيد على 50 سنة، يقول ان أهم نتيجة ستترتب على دسترة الأمازيغية هي تكسر الحاجز النفسي وذلك بعودة الوعي بالهوية الجزائرية بكل أبعادها وإلزام الدولة بالعمل من أجل ترقية الأمازيغية وهي مهمة تحتاج لجهود العلماء وإبعادها نهائيا عن الطرح السياسوي ودعم التكامل بين اللغتين خاصة وأن وعاء الحضارة الإسلامية قد جمعهما منذ 14 قرنا.

ومن التصورات التي أدلى بها الكاتب حول ترقية الأمازيغية وهي تشجيع البحوث العلمية التي ستعطي الأمازيغية حقها دون المساس بريادة اللغة العربية. وبناء على المعطيات التاريخية الموضوعية التي تؤكد تعايش الأمازيغية والعربية في وئام طيلة القرون الماضية فإنه من الضروري أن تصب جهود ترقيتها وتطويرها في إطار الحضارة الإسلامية. وفي سياق آخر بين المؤلف أن عزوف الدولة الجزائرية عن التكفل بالأمازيغية قد أعطى الفرصة للحرف اللاتيني للتكفل بترقيتها.

أما عن تدريسها فإنه يستحسن ترك الحرية وعلى الدولة أن توفر وسائل تعلمها لمن يريد ذلك، وذلك بتوفر الوسائل التعليمية الضرورية وفي مقدمتها الكتب المدرسية وثانيا إبراز مظاهر الثقافة الأمازيغية التي تعتبر من المهام الأساسية للدولة إذ لابد من فتح محيط الأمازيغية عن طريق إدخالها بالتدريج للإدارة في المناطق الناطقة بها وذلك للمواطنين الذين لا يحسنون العربية والفرنسية خاصة في قطاع العدالة الحساس، فالامازيغية بتنوعاتها اللسانية هي قضية مغاربية قبل أن تكون جزائرية.

ومن زاوية أخرى ذهب بنا المؤلف إلى إشكالية كتابة الأمازيغية التي لها ثلاث طرق لكتابتها: حرف تيفيناغ والخط العربي والحرف اللاتيني. ومهما يكن من أمر فإن القضية الأمازيغية وجدت نفسها غداة الاستقلال في حالة سيئة لا تحسد عليها، يصفها الكاتب في مشهدين أولا أمازيغية الحرف اللاتيني وثانيا في أمازيغية الحرف العربي.

ففي حالة تبني كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني فسيؤدي ذلك إلى قطع الصلة بالحضارة الإسلامية لتنتقل إلى وعاء الحضارة الغربية. وخير مثال على ذلك تجربة مصطفى كمال أتاتورك في تركيا في مطلع القرن 20 عندما قرر تطليق الحضارة الإسلامية والارتماء في أحضان الحضارة الغربية وذلك بتغيير الكتابة التركية من الحرف العربي إلى الحرف اللاتيني فهذا ما يخشاه المؤلف من الكتابة اللاتينية للأمازيغية اي عزل منطقة القبائل وإخراجها من وعاء الحضارة الإسلامية.

ويضيف أن دعاة الأمازيغية بالحرف اللاتيني في صيغة مريحة يعود للدراسات التي أنجزها الفرنسيون التي أضحت بمثابة مراجع ومصادر لاستكمال الدراسات الكامنة بالأمازيغية.وهذا ما أدى إلى بروز نخبة من الأساتذة الباحثين الذين تكفلوا بترقية الأمازيغية. ويذكر في مقدمتهم مولود معمري. والدليل على ذلك نجاحه في فتح فرع للأمازيغية في جامعة الجزائر في مطلع السبعينات من القرن الماضي.

أما عن أمازيغية الحرف العربي، فالحرف العربي كان سباقا في احتضان الأمازيغية خاصة في عهد دولة الموحدين (القرن 12م) الذي عرف ترجمة القرآن الكريم إلى الأمازيغية على يد ابن تومرت، اضافة إلى تأليفه كتابي العقيدة والمرشد بالأمازيغية المكتوبة بالعربية مشيرا إلى أن هناك مؤلفات أمازيغية مكتوبة بالحرف العربي في مجالات الدين والعقيدة خاصة في واحات الصحراء بالجزائر وجزيرة جربة بتونس وجبل نفوسة بليبيا، وكان هدفها إيصال رسالة الإسلام إلى الشعب الأمازيغي بأقصر السبل.

وزيادة على ذلك ضعف الاهتمام بالكتابة الأمازيغية قد حال دون ظهور الأعمال الجادة التنظيرية التي تؤسس لقواعد اللغة لهذا ضلت الكتابة الأمازيغية بالحرف العربي محاولات فردية معزولة هدفها قضاء الحاجة وقد ظلت على هذا المنوال إلى ما بعد الاستقلال.

حسب فراد إشكالية الكتابة لا تبرر رفض الأمازيغية والإجهاز عليها ولكن يجب الحوار المثمر والنقاش الهادئ من أجل بناء أمة جزائرية عريقة ببعدها الأمازيغي الضارب في
عمق التاريخ وقوية بتنوعها الثقافي في اطارالحضارة الإسلامية.

وفي الفصل الأخير من الكتاب سلط اهتمامه على الأمثالالشعبية الأمازيغية التي يعرفها أنها شكل من أشكال التعبير الأدبي وتمثل جوهرالكلام، فالأمثال تجمع بين المعنى وصغر المبنى وذلك باستعمال الأسلوبين: التصريح،والتلميح وهي كثيرة التداول في حياة الأمم والشعوب، وأنها بمثابة قوانين اجتماعية،ويؤكد أنها لا تقل أهمية عن الكتابة التاريخية والمصادر المادية بما تتضمنه منفلسفة وتجارب مختلفة عن الواقع المعاش، ويضيف المؤلف ان انتشار المثل وأهميته فيحياة الشعوب قد حظي باهتمام الأدباء والكتاب المثقفين في العالم

ويشيرالكاتب ابن عبد ربه في كتابه المشهور (العقد الفريد) بقوله: (جوهر اللفظ، جلالمعاني.... نجزتها العرب وقدمتها العجم ونطق بها في كل مكان، وعلة كل لسان، فهيأبقى من الشعر وأشرف من الخطابة) وبهذا فقد خصص الفصل للأمثال الشعبية الأمازيغيةبالحرف العربي وأعطى المغزى والمعنى اللغوي باللغة العربية.

وفي الأخير بينلنا أن الأمازيغية عنصر من العناصر الأساسية المكونة للشخصية الجزائرية، بين الرفضوالقبول، ويختم كتابه بمقولة الدكتور عز الدين المناصرة (شاعر فلسطيني) يجب أنيتحول العالم العربي من صراع الهويات وتصادمها إلى مرحلة أسمى هي مرحلة التعايش بينمختلف الهويات

المصدر
جريدة البيان الاماارتية