النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: عشبة الخلود بين كلكامش والف ليلة وليلة

  1. #1 عشبة الخلود بين كلكامش والف ليلة وليلة 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    العمر
    53
    المشاركات
    4
    معدل تقييم المستوى
    0
    ( عشبة الخلود بين كلكامش وألف ليلة وليلة)

    ملحمة كلكامش نص رائع ,وتعتبر من أقدم الملاحم التي عرفها العالم ,مثل الإلياذة والاوديسة,وكلكامش ملحمة شعرية تطرح سؤالا شغل الإنسان ولا يزال وهو مسالة الموت والبحث عن الخلود, وموضوعها يدور حول كلكامش( البطل) ملك (اوروك او الوركاء) وهو ملك قوي متجبر خارق للعادة (ثلثاه اله وثلثه الباقي بشر) (1) وهذا الملك حكم اوروك حكما قاسيا جائرا وقد عاني الناس من ظلمه فاجمعوا علي أن يتوجهوا إلي الآلهة(اورورو) التي خلقت كلكامش ويتضرعوا إليها أن تخلق من هو اقوي منه ليقتله ,ففعلوا وخلقت لهم (انكيدو) قويا شديد البأس ونشا انكيدو في الغابة متوحشا مع الظباء والأسود والنمور,وذات يوم اتفق أن رآه صيادا مع الوحوش وقد اقبل وافسد اوجاره التي حفرها لتقع فيها الطرائد,فلما رأي خلقته المتوحشة وما فعله باوجاره خاف منه ,ورجع إلي المدينة واخبر أباه بما رآه من انكيدو المتوحش فقال له أن يشكيه إلي كلكامش وأمره أن يقول له أن يرسل معه بغيا لترويض انكيدو ففعل و أرسل معه كلكامش البغي ,فلما رآها انكيدو تعرت أمامه و أغرته اقبل نحوها فأنكرته الحيوانات ثم سارت البغي أياما تتردد عليه حتى تمكن حبه من قلبها وهجر حياة الوحوش وذهب معها إلي المدينة, ولما دخلها اشتبك مع كلكامش في مبارزة قوية ولما رأي كل منهما الأخر قويا أحبا بعضهما البعض ونشأت بينهما صداقة قوية, ثم بدآ في المغامرات فتوجها إلي غابة الأرز لقتل المارد (خمبابا) وقتلاه وعادا إلي اوروك فأعجب أهل المدينة بهما,ووقع حب كلكامش في قلب الآلهة (عشتار) وطلبته للزواج فرفض,ولما رفض طلبت عشتار من أبيها الإله(انو) أن يخلق لها ثورا سماويا يقتل كلكامش ففعل انو وخلق لها ثورا عجيبا وتصارع مع كلكامش وانكيدو فقتلاه , وازداد حب كلكامش لصديقه الخارق القوة وظن أن من تغلب علي الثور السماوي لا يستطيع أن يموت ,وما هي إلا أياما قلائل حتى بدا انكيدو يحتضر فقلق عليه كلكامش ولما مات بكاه كثيرا وأمر البنائين أن يجعلوا له تمثالا تعظيما له , وبدأت الأسئلة المقلقة تعصف بوجدانه, لماذا يموت الإنسان؟ وتخلد الآلهة؟ وما طريق الخلود؟ ولماذا لا يموت جده هو ( اوتو نبشتم), وبدا كلكامش في رحلة بحث مضني وشاقة فتوجه نحو جده ليسأله عن سر خلوده, ولقي في سفره أخطارا وأهوالا عظيمة ,ولما وصل إليه سأله عن سبب خلوده , فاخبره اوتو نبشتم أن سبب خلوده انه بعد الطوفان أمره اله الحكمة(ايا) أن يبني الفلك ليخلص بني البشر من غضب الإله (انليل)الذي قرر في لحظة غضب مجنونة أن يفني البشرية جمعاء,فلما علم (ايا ) بذالك أمر اوتو نبشتم فبني الفلك العظيم وخلص البشرية ,فاجتمع مجلس الآلهة بزعامة انليل وقرروا أن يكون اوتو نبشتم خالدا مثل الإله ,ولكن لا سبيل لاجتماع الآلهة مرة أخري لطلب الخلود لكلكامش, ولما قال له جده هذا الكلام بكي كثيرا فأشفقت عليه زوجة جده لما رأته من بكائه وما عاناه في سفره من أخطار ,فظلت تطلب من زوجها أن يعطيه الخلود حتى استجاب لها وقال له
    سأكشف لك عن سر من أسرار الآلهة
    يوجد نبات مثل الشوك ينبت في المياه
    وشوكه يخز يديك كما يفعل الورد
    فإذا ما حصلت يداك علي هذا النبات وجدت الحياة الجديدة.(2)
    ودله عليه فقطفه وعزم علي العودة إلي اوروك ليأتي به لأهل المدينة ليصيروا خالدين أما هو فسيدخره حتى يضعف وعندئذ سيأكله ليعود إلي شبابه وقوته الأولي ,وفي طريقه بعد رحلة طويلة وشاقة توقف عند بئر ليغتسل منها فشمت حية شذي النبات فخطفته وعاد كلكامش بالخيبة بعد أن وجد السر؟
    هذا ما قالته ملحمة كلكامش ومع ذالك يمكن ان نقرا النص قراءات عديدة لأنه نص ثري ,لكن الذي يهمنا هنا هو علاقته بألف ليلة وليلة وبالضبط (حكاية مغامرات حاسب كريم الدين ,خبر بلوقيا في الليلة رقم486)
    وهنا نقول إن كلا النصين متخيل أسطوري عجائبي غرائبي,ويشتركان شيئا ما في البنية الزمنية .فزمن كلكامش زمنا ليس عاديا وإنما هو زمن أسطوري ذالك أن غابة الأرز تمتد عشرة آلاف ساعة مضاعفة في كل الجهات,والزمن الذي قطعه كلكامش في السفينة كان احد أيامه يعادل شهرا وخمسة عشر يوما من السفر العادي,,وألف ليلة وليلة كما هو معروف نص غرائبي تحكيه شهرزاد كل ليلة علي الملك كي لا يقتلها والزمن فيها غير مألوف ,زمن خارق ,وفكرة الموت أساسية في النص لأنها هي المرتكز الذي يقوم عليه تماما كما في كلكامش ,وألف ليلة وليلة نص ثري متعدد المشارب متعالق مع نصوص كثيرة عربية وفارسية ويونانية وهندية ومسيحية لذالك لا غرابة إن لمسنا فيه شيئا من كلكامش وذالك في الليلة (486 حكاية بلوقيا التي حكتها ملكة الحيات علي حاسب كريم الدين ) (3) وهي : انه كان بمدينة مصر ملك من ملوك بني إسرائيل وله ولد اسمه بلوقيا,وكان هذا الملك عالما ورعا ولما حضرته الوفاة جمع أرباب دولته وأوصاهم علي ابنه,ولما مات جعلوه سلطانا عليهم ,وفي يوم من الأيام فتح بلوقيا خزنة من خزائن أبيه فوجد فيها صورة باب ففتحه ودخل فإذا هو بخلوة صغيرة وفيها عمود من الرخام الأبيض وفوقه صندوق من الأبنوس ,ففتحه فوجد فيه صندوقا آخر من الذهب رأي فيه كتابا ففتحه وقراه فوجد فيه وصفا للرسول صلي الله عليه وسلم وانه يبعث في آخر الزمان ومن تبعه كان من السعداء, والكتاب مستخرج من التوراة وصحف إبراهيم عليه السلام ,ولما قراه تعلق بحب سيد الأولين والآخرين وحكي الخبر لقومه وقال لامه انه سيسيح في الأرض بحثا عن الرسول حتى يجتمع به , وخرج بلوقيا سائحا إلي الشام حتى وصل إلي البحر وركب مركبا حتى وصل ألي جزيرة ونزل القوم الذين معه,فلما نزلوا ,جلس تحت شجرة ونام فلما أفاق لم يجد المركب فعلم أنها ذهبت عنه ,وبينما هو كذالك إذا بحيات مثل الجمال والنخل اقبلن عليه وهن يسبحن وسألنه ماذا يريد فاخبرهن انه سائح في طلب الرسول (ص) فاخبروه أنهم يعرفون الرسول(ص) وان اسمه مكتوب علي باب الجنة ,فلما سمع قولهن زاد تعلقه بالرسول ثم ركب مركبا أخري حتى وصل إلي جزيرة أخري فطلع عليها وتمشي فرأي فيها حيات كبارا وصغارا وفيهن ملكة الحيات , فاقبلن عليه وسلمن عليه وسألنه عن حاله فاخبرهم بأنه سائح في طلب الرسول فطلبت منه ملكة الحيات أن يبلغ سلامها للرسول (ص) إذا اجتمع به,ثم سار حتى وصل بيت المقدس فوجد فيه رجلا يسمي عفان وكان عالما بالتوراة والإنجيل والزبور وفي كتبه أن كل من لبس خاتم سيدنا سليمان عليه السلام انقادت له جميع المخلوقات ,وعنده أن سليمان لما مات جعلته الجن في تابوت وعدت به سبعة أبحر وتركت الخاتم في إصبعه ولا يقدر احد أن يصل أليه, ووجد في بعض كتبه أن هنالك عشبة عجيبة كل من أخذها ودقها ودهن بها قدميه فانه يمشي علي أي بحر شاء ولا يبتل ولا يقدر احد علي تحصيل ذالك العشب إلا إذا كانت معه ملكة الحيات ,ثم إن بلوقيا تعارف مع عفان وذهب معه إلي منزله واخبره بتعلقه بالرسول (ص) فقال له عفان اجمعني بملكة الحيات وأنا أجمعك بالرسول (ص) مع أن زمانه لا يزال بعيدا ,ولكن إذا تم لنا أن وجدنا ملكة الحيات ووضعناها في قفص وذهبنا بها ألي الإعشاب التي في الجبال فان كل عشب وطاناه يخبرنا عن منافعه , وهناك عشبة من وجدها ودقها ودهن قدميه بمائها يستطيع أن يمشي علي أي بحر,وعندما نأخذها نعبر الأبحر السبعة حتى نصل إلي مدفن سليمان عليه السلام ونأخذ الخاتم ونحكم كما نشاء ,وبعد ذالك ندخل بحر الظلمات ونشرب من ماء الحياة فيمهلنا الله تعالي إلي آخر الزمان فنجتمع بحمد(ص) ,فلما سمع منه قام معه وسافرا حتى وصلا جزيرة ملكة الحيات ,فوضع عفان قفصا فيه قدحين مملوئين خمرا ولبنا وتركاه شركا للحية واختفيا حتى لا تراهما , بعدها أقبلت الحية وشربت من القدحين ودخلت في القفص ونامت ,فتقدم عفان وأغلق عليها القفص ثم حملاها فلما استيقظت قالا لها أنهما لا يريدان بها إلا خيرا ومقصودهما أن تدلهما علي العشب الذي كل من دهن منه قدميه يمشي علي البحر ,ثم سارا إلي الجبال وكلما وطاوا عشبا يخبر بمنافعه حتى نطق العشب الذي يبحثان عنه فأخذا منه ما يكفيهما ثم دقاه وعصراه ماءا ودهنا به أقدامهما ومشيا وأطلقا الحية من القفص فلما خرجت سألتهما عن مرادهما فقالا لها نريد أن نعبر الأبحر السبعة حتى نصل مدفن سليمان عليه السلام ونأخذ خاتمه ,فقالت لهم مستحيل أن تصلا إلي خاتم سليمان لان الله خصه وحده به , وخير لكما أن تأخذا من العشب الذي من أكل منه لا يموت وهو بين تلك الأعشاب وهو انفع لكما من مرادكما المستحيل ,ثم أنهما لم يسمعا للحيه فسارا ودهنا قدميهما ومشيا علي البحر حتى عديا الأبحر السبعة فرأيا جبلا فقصداه وإذا بمغارة وعليها قبة عظيمة فدخلاها فإذا بتخت منصوب من الذهب مرصع بأنواع الجواهر وحوله كراسي عديدة ورأيا سليمان عليه السلام علي ذالك التخت والخاتم في أصبعه ,فتقدم عفان وأمر بلوقيا أن يردد الدعاء حتى يأخذ الخاتم ,ولما تقدم عفان إلي التخت طلعت حية عظيمة وزعقت عليه أن يرجع ونهرته فلم يسمع فنفخته حتى احترق وصار رمادا فلما رأي بلوقيا ذالك خاف خوفا شديدا واغشي عليه ,فأرسل الله جبريل عليه السلام إلي بلوقيا خوفا عليه من الحية فأيقظه ,فلما أفاق اخبر جبريل بما قاله له عفان وأنهما أرادا أن يشربا من ماء الحياة ليدركا الرسول(ص), فقال له جبريل ارجع إلي اهلك فان زمان الرسول(ص) مازال بعيدا وتركه جبريل فبكي بلوقيا ونزل من الجبل وبات في ذالك المكان ولما أصبح الصباح دهن قدميه ونزل البحر وسار ماشيا حتى وصل إلي جزيرة كأنها الجنة وساح فيها وعلم انه تاه في طريقه التي أتي منها أول مرة ,ورأي حيوانات كثيرة طلعت من البحر والبر فلما انصرفت دهن قدميه ومشي علي البحر الثاني حتى وصل إلي جبل عظيم فرأي وادا ماله آخر ووحوشا وسباعا وأرانب ونمور ,فطلع إلي الجبل وساح فيه من مكان لآخر حتى المساء وقد أحس بالجوع فصار يأكل من السمك الناشف الذي يقذفه البحر وبينما هو كذالك إذ اقبل عليه نمر يريد أن يفترسه,فدهن قدميه ومشي علي البحر الثالث حتى وصل إلي جزيرة ذات أشجار طيبة فاخذ من ثمارها واكل وظل يتفرج فيها عشرة أيام ,وبعد ذالك دهن قدميه ومشي علي البحر الرابع حتى وصل إلي جزيرة أرضها من الرمل الناعم وليس بها شجر أو زرع وفيها صقور كثيرة,فدهن قدميه ومشي علي البحر الخامس حتى وصل إلي جزيرة صغيرة وفيها أشجار غريبة ما رآها قط فتفرج فيها حائرا في ملك الله ,ولما جن عليه الليل صارت الأزهار تضيء في تلك الجزيرة كأنها النجوم فتعجب من كل ذالك ونام في تلك الجزيرة فلما كان الصباح دهن قدميه ومشي علي البحر السادس حتى وصل إلي جزيرة عجيبة فتمشي فيها وإذا بجبلين وعليهما أشجار كثيرة وثمار تلك الأشجار كرؤوس بني آدم ورأي بها فواكه تضحك وأخري تبكي وعجائب كثيرة فصار يتفكر في خلق الله ,وإذا بالبحر اختلط وطلعت منه بنات وفي يد كل واحدة منهن جوهرة تضيء مثل الصباح وهن يلعبن ويرقصن فتعجب منهن ولما أصبح الصباح دهن قدميه ومشي علي البحر السابع وبقي سائرا فيه شهرين ولم يري جبلا ولا جزيرة ولا واديا حتى قطع ذالك البحر وكاد يهلك من الجوع حتى وصل إلي جزيرة أشجارها كثيرة وإثمارها غزيرة فصار يتفرج فيها وإذا بشجرة تفاح آية للناظرين فمد يده ليقطف منها فنهره شخص قائلا له إن أكلت منها قسمتك نصفين وكان هذا الشخص مخيفا يسمي شراهيا طويلا طوله أربعين ذراعا بذراع أهل ذالك الزمان فلما رآه بلوقيا خاف خوفا شديدا ,وسال شراهيا بلوقيا عن خبره فاخبره فلم يمسسه وتركه يأكل فأكل حتى اكتفي ثم سار ولم يزل سائرا حتى سمع صياحا عظيما ورأي غبارا كثيفا فاقبل نحوه فإذا هو واد عظيم طوله مسيرة شهرين وإذا بناس راكبين خيولهم وهم في قتال شديد فلما رأوه توقفوا عن القتال وتعجبوا منه لأنهم ما رأوا احدا قط طوال حياتهم ,فصاروا يسألونه فاخبرهم انه آدمي وانه هائم في طلب محمد (ص) وقد تاه طريقه وعلم منهم أنهم من الجان وسألهم عن سبب قتالهم فاخبروه بأنهم في كل سنة يغزون بأمر الله تعالي الجان الكفار وان الذين يقاتلونهم هم الكفار و أنهم يسكنون الأرض البيضاء وجاؤوا إلي ارض شداد بن عاد غازين ومالهم شغل سوي التسبيح وان لهم ملكا يسمي صخرا وطلبوا منه أن يذهب معهم فسار معهم, ولما وصلوا تعجب من ملكهم وهو يري ما لم يره من قبل خياما عظيمة من الحرير الأخضر وبينها خيمة منصوبة من الحرير الأحمر مقدارها ألف ذراع وإطنابها من الحرير الأزرق وأوتادها من الذهب والفضة فلما رأي كل ذالك تعجب وسار نحو الخيمة العجيبة فسلم علي صخر ثم إن صخرا أكرمه وسأله عن خبره فاخبره انه هائم في طلب الرسول (ص) وطلب منهم أن يوصلوه إلي أهله فأرسل صخر معه من يوصله إلي حدود مملكته ووجد هناك رجالا ينتظرونه فأخذوه وساروا به حتى وصلوا إلي الملك براخيا فأكرمه وسأله متي فارق صخرا فقال له منذ يومين فاخبره براخيا انه قطع مسافة سبعين شهرا ,ثم سأله عن خبره فاخبره انه هائم في طلب الرسول(ص) ومكث عنده شهرين ثم ودعه وسار في البراري ليلا ونهارا حتى وصل إلي جبل عال وإذا بملك جالس يذكر الله تعالي ويصلي علي النبي(ص) فاقبل نحوه وسلم عليه وسأله الملك عن قصته فاخبره انه هائم في طلب محمد ,وسال بلوقيا الملك عن اللوح الذي بين يديه وعن اسمه فاخبره انه ميخائيل وانه مؤكل بتصريف الليل والنهار إلي يوم الدين فودعه وسار حتى وصل إلي مرج عظيم فيه سبعة انهر وأشجار كثيرة ,وإذا بشجرة عظيمة فوقها أربعة ملائكة يسبحون ويصلون علي النبي ثم سار حتى وصل إلي جبل قاف وإذا بملك عظيم جالسا يسبح الله تعالي ويصلي علي النبي (ص) فاقبل عليه وسلم فرد عليه السلام ثم سأله عن خبره فرد عليه بلوقيا انه هائم في طلب الرسول(ص) وسأله بلوقيا عن الجبل وعن شغله فقال له إن الجبل هو جبل قاف المحيط بالدنيا وان شغله هو انه إذا أراد الله أن ينزل قحطا او خصبا او زلزالا أو قتالا أو صلحا أمره بذالك فيفعله ثم سأله بلوقيا عن الجبال والاراضين والحوت والبحر العظيم والصخرة والحية العظيمة ثم ودعه وسار في اتجاه الغرب وإذا بشخصين جالسين عند باب مقفول فلما اقترب منهما انقلب احدهما ثورا والآخر أسدا وسألاه عن خبره فاخبرهما انه سائح في طلب الرسول(ص) وانه تاه في طريقه ثم سألهما بلوقيا عن أسمائهما وعن الباب فقالا له نحن حراس هذا الباب ومالنا شغل سوي التسبيح والصلاة علي الرسول(ص),فسألهما عن ما بداخل الباب فقالا له لا ندري فطلب منهما فتح الباب فقالا له لا مخلوق يستطيع فتح الباب إلا جبريل عليه السلام ,فتضرع بلوقيا إلي الله أن يبعث إليه جبريل فاستجاب الله له وفتح جبريل الباب فدخل فإذا ببحر عظيم نصفه مالح ونصفه حلو وحول البحر جبلان فسار الي الجبلين وإذا بملائكة يسبحون الله تعالي فسألهم عن البحر وعن الجبلين فقالوا له إن هذا مكان تحت العرش وهذا البحر يمد كل بحر في الدنيا ونحن نقسم هذا الماء ونسوقه إلي الأراضي , المالح للأرض المالحة والحلو للأرض الحلوة وهذان الجبلان خلقهما الله ليحفظا هذا الماء وبهذا أمرنا الله تعالي ثم أنهم سألوه عن خبره فاخبرهم وسألهم عن الطريق فأمروه أن يطلع علي البحر,فدهن قدميه ومشي علي البحر ليلا ونهارا وبينما هو كذالك إذا بشاب مليح يمشي علي البحر فسلم عليه ولما فارقه رأي أربعة ملائكة يسيرون بسرعة فتقدم إليهم وسألهم عن خبرهم فقالوا له نحن جبريل واسرافيل وميكائل وعزرائيل ونحن ذاهبون لأنه قد ظهر في المشرق ثعبان عظيم وقد خرب ألف مدينة واكل أهلها وقد أمرنا الله تعالي أن نرميه في جهنم ثم انه سار حتى وصل إلي جزيرة فتمشي فيها ساعة وإذا بشاب مليح والنور يلوح من وجهه فلما اقترب منه إذا به جالسا بين قبرين مبنيين وهو يبكي فاتاه وسلم عليه ثم سأله عن خبره فاخبره بلوقيا انه سائح في طلب الرسول (ص) ثم سال بلوقيا الشاب فاخبره أن اسمه (جان شاه )وقد لقي أهوالا ومصائبا كثيرة واخبره بقصته فتعجب بلوقيا من قصته ونسي ما لاقاه من مصاعب ثم ودع الشاب بعد أن سأله عن الطريق وسار, وكانت ملكة الحيات قد أرسلت إلي مصر حية عظيمة وأرسلت معها كتابا بالسلام علي بلوقيا لتوصله إليه ,فراحت تلك الحية وأوصلته إلي بنت شموخ وكان لها بنت في مصر فأخذت الكتاب وسارت حتى وصلت إلي مصر وسالت الناس عن بلوقيا فدلوها عليه وأعطته الكتاب وعلم إنها قادمة من ملكة الحيات فطلب منها أن تذهب به إليها فأخذته معها ,وكانت ملكة الحيات قد ذهبت إلي جبل قاف بجنودها وكان من عادتها أن تمكث هناك حتى يأتي الصيف,فلم يجدها بلوقيا ووجد بنتها فسألته عن حاجته فقال لها أريد منك أن تأتيني بالنبات الذي كل من دقه وشرب ماءه لا يضعف ولا يموت فقالت له أن يخبرها عن قصته فاخبرها ولما رأت اصراره وتعلقه بالنبات قالت له وحق السيد سليمان ما اعرف طريق ذالك العشب ثم أمرت الحية التي جاءت به أن توصله وقالت لها أوصليه إلي بلاده فأوصلته إلي المكان الذي كان فيه ,ثم انه سار حتى وصل إلي جزيرة ذات أشجار وانهار وأثمار كأنها الجنة ودار فيها فرأي شجرة عظيمة ورقها مثل قلوع المراكب وتحتها سماطا ممدودا وفيه جميع الألوان الفاخرة من الطعام وعلي تلك الشجرة طائرا عظيما من اللؤلؤ والزمرد الأخضر رجلاه من الفضة ومنقاره من الياقوت وهو يسبح الله تعالي ويصلي علي محمد (ص)فتعجب من ذالك وسأله عن خبره فقال له انه ساح في جميع أقطار الدنيا إلي أن من الله عليه بهذا المكان فاستوطنه وانه طائر من طيور الجنة وانه في كل ليلة جمعة تأتيه الأولياء الذين في الدنيا ويزورونه ويأكلون من طعامه وهو ضيافة من الله تعالي فأكل بلوقيا من طعامه وحمد الله ولما أراد أن ينصرف قال له الطير اجلس أنت في حضرة الخضر وإذا بالخضر عليه السلام فجلس وسأله الخضر عن حكايته فاخبره بكل ما جري له ثم طلب منه أن يوصله إلي أهله لأنه تعب كثيرا فقال له الخضر أن يدعو الله أن يأذن له في أن يوصله ففعل واستجاب الله لدعائه فذهب به الخضر حتى أوصله إلي داره ولما رآه أهله فرحوا به وبكوا وهناوه علي سلامته ,هذه هي حكاية بلوقيا وهي تختلف عن حكاية كلكامش من نواحي عديدة لكنها مع ذالك تتفق معها في عدة مستويات وهي
    اشتراكهما في المخاطرة ,فمثل ما عاني كلكامش في بحثه عن الخلود كذالك بلوقيا تعب هوالاخر في بحثه عن الرسول (ص) ثم إن كلاهما يبحث عن عشبة يكمن فيها سر الخلود ,وكلكامش دافعه للبحث عن الخلود هو ما تشكل في نفسه من وعي (بعد صدمة موت انكيدو) وما رآه من ضعف الإنسان كل ذالك ولد لديه إحساسا قويا بان يطلب الخلود لنفسه ليبقي ملكا قويا خالدا ولتبقي اوروك مثله هي الاخري خالدة , وكلكامش تطرح الموت في صورة وثنية ناسوتية الغاية منها هي الحياة الدنيا
    دون أن تهتم بالغاية من الحياة نفسها كما يتصورها المفهوم الديني الذي يجعل من الحياة وسيلة الغاية منها الحساب والجزاء في الآخرة ,وهو موقف يختلف فيه كلكامش مع بلوقيا ,لان بلوقيا ما طلب العشب ليخلد إلي الأبد وإنما أراد أن يدرك الرسول(ص) لتكتب له النجاة في الآخرة وكلكامش بعد أن وجد العشبة ضاعت منه ورجع بالخيبة وأدرك انه لا سبيل إلي الخلود ,إلا الخلود الذي جعله هو لانكيدو عند موته بإقامة التمثال رمزا لأعمال الإنسان الخالدة ,وبلوقيا عرف السر ولكنه ما توصل إلي العشبة وتاه كثيرا في طريقه ويختلف بحث بلوقيا عن بحث كلكامش إذ ان بحث بلوقيا بحث روحاني يتحرك في مدارات دينية أما كلكامش فبحثه مادي وجودي وخلفيته وثنية,وبالنسبة لنبوشتم الخالد والخضر عليه السلام فإنهما يلتقيان في كونهما خالدين وليس باستطاعتهما أن يمنحا الخلود لكلكامش وبلوقيا ,ورحلة كلكامش انتهت عند نبوشتم الخالد وبلوقيا عند الخضر الذي شرب من ماء الحياة ,والعشبة في كلكامش هي نفس العشبة في بلوقيا ,والحيات لها قوة وعلم اكبر من كلكامش وبلوقيا ,ذالك أن حية كلكامش هي التي قطفت منه النبات وحية بلوقيا أشارت عليه في البداية أن يأخذ العشب فلم يسمع منها وفي النهاية لم يجدها ووجد بنتها فلم تدله علي شيء,ويمكن أن نقول إن كاتب ألف ليلة وليلة ربما قرأ كلكامش وأراد أن يجعل سؤاله غير ملغي عقائديا دينيا مادام لغاية الاجتماع بالرسول (ص) الذي هو الغاية من الحياة الحقيقية باعتباره رسول الحق ودينه الإسلام هو الوسيلة للسعادة في الدار الآخرة , وما نجده في بلوقيا نجده عند جميع الديانات السماوية التي ألغت سؤال الموت وطلب الخلود أو علي الأقل قللت من حدته وذالك لان الدين لا يري الخلود إلا في الآخرة ثم أن الغاية من الحياة هي العمل في طاعة الله التي تفضي إلي الخلود في الجنة في الحياة الاخري ,
    وأخيرا نقول إن كلكامش وألف ليله وليلة طرحا سؤال الخلود كل منهما حسب رؤيته وان اختلفا في كيفية طرح السؤال والرؤية والخلفية المعرفية ,فأنهما قد اتفقا في استحالة خلود الإنسان جسديا وخلود أعماله (تمثال انكيدو في كلكامش وطلب الحق الذي هو (الرسول صلي الله عليه وسلم ) في بلوقيا ,ومع كل ذالك يبقي النصان ثريان وقابلان لعدة قراءات توليدية أخري.

    الهوامش

    ملحمة كلكامش طه باقر ,المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية ,موفيم للنشر الجزائر 1995 ص 5
    كلكامش ص 101
    ألف ليلة وليلة دار صادر بيروت لبنان الطبعة الثانية 2008 الجزء الأول حكاية مغامرات حاسب كريم الدين الليلة 486 ص 737وما بعدها إلي الليلة 499 والليلة 531 و532 و533.
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2  
    مشرف الصورة الرمزية هيا الشريف
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    مكة المكرمة
    العمر
    40
    المشاركات
    453
    معدل تقييم المستوى
    20
    اعتقد أن موضوعك أقرب لدراسة أدبية
    سـ انقله لمكان مناسب ليحظى بالاهتمام الجدير به

    حياك الله

    الله يرحمك ملء الأرض والسماء





    عساك للجنـة تقطـف بـــأياديـك
    ثمارها يا جـــــــــدي مـن كـل نـوع ِ
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. ببلوغرافيا ألف ليلة وليلة 1/ هدى قزع
    بواسطة د.هدى قزع في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 16/04/2015, 10:57 AM
  2. ألف ليلة وليلة خرافة أم حقيقة
    بواسطة خاشع ابن شيخ إبراهيم حقي في المنتدى إسلام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 22/12/2010, 11:26 PM
  3. بنية المتخيل في نص ألف ليلة وليلة
    بواسطة فيصل محمد الزوايدي في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08/10/2009, 01:18 PM
  4. من شعر الحكمة في ألف ليلة وليلة
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى الشعر
    مشاركات: 57
    آخر مشاركة: 30/05/2009, 06:59 PM
  5. ألف ليلة وليلة في بلاد الرافدين
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 17/08/2007, 06:42 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •