النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: حول الوعي النقدي عند الشابي

  1. #1 حول الوعي النقدي عند الشابي 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    العمر
    53
    المشاركات
    4
    معدل تقييم المستوى
    0
    حول الوعي النقدي لدي الشابي

    (إن العظماء من الشعراء يصبحون نقادا بطبيعة الحال) شارل بود لير

    (1)
    صوت حالم منفتح علي الوجود ,ووعي نقدي عميق بتخلف الأمة العربية وضرورة استيقاظها من بؤسها الذي ترقد فيه, ,إحساس قوي بجمود وضعف الأدب العربي هو الذي جعل الشابي يتساءل عن الرقي بهذا الأدب و مثلما نفذ في صميم الوجود بحثا عن المطلق ,عن حياة شعرية علي الأرض, , قدم لنا رؤية نقدية قيمة للأدب العربي في مسيرته الطويلة وهي رؤية تركت صدي فيما بعد في حركية الإبداع والنقد ,ويمكن أن نعتبرها البيانات الأولي لتأسيس شعر جديد يخرج جملة وتفصيلا عن الصنمية القديمة الرؤية البيانية التي طبعت الشعر العربي بروح الجمود والتخلف ووصمته بالموت .
    رؤية الشابي للشعر رؤية رؤوية عميقة تتوزع في مفاصل الحياة وتضيع في العالم ,لان الشعر توق إلي المطلق , قدسية ورسالة سامية والشاعر رائي كبير ونبي يكشف عن سر الحياة وبالتالي (الشعر العظيم المؤسس الحاضر بيننا فعل وجود هو الذي يفتح مجراه بعيدا عن الصنعة ويقي نفسه من الزخرف وينهض مأخوذا بقضايا الإنسان ومصيره (1)من هنا تكون أهمية الرسالة الشابية لان يصير الشعر فعل وجود بوحا وإحساسا وشعورا وتعبيرا عن الوجود لا شعرا للتكسب والمديح أو الرثاء
    شعري نفاثة صدري إن جاش فيه شعوري
    لا انظم الشعر أرجو به رضا الأميــــــــــر
    بمدحـــة أو رثــــاء تهدي لرب السرير(2)
    بعبارة أخري يعلن ضرورة الانفتاح المشروط علي الوجود الذي طرحه مارتين هايدغر(ما الذي يتم عمله في العمل الفني : انه انفتاح الموجود علي وجوده) (3)

    يا شعريا وحي الوجود الحي 000000000000000
    أبدا يحمل الوجود بما فيه كأن ليس للوجود زعيمه (4)
    (2)
    الشابي الشاعر الطموح في توقه إلي التجديد وبحثه عن الجمالية أدرك انه لابد من تأسيس وعي نقدي جديد لذالك اهتم بالعلاقة مابين الأدب والنقد (لان الأدب والنقد وجهان لعملة واحدة ,فإذا ضعف الأول ضعف الثاني ولا يمكن أبدا أن نتصور ازدهار أحدهما في ظل ضعف الآخر,ومن هنا فان الطرح السليم لقضايا النقد الأدبي ليس منفصلا عن طرح قضايا النص وذالك للصلات الترابطية التي تجمعهما في حقل ثقافي وإبداعي واحد.) (5)

    يقدم الشابي تصورا نقديا للشعر طوال مسيرته من العصر الجاهلي حتى عصر النهضة وهو يرمي بذالك إلي تأسيس وعي نقدي أدبي جديد,ونقطة الارتكاز التي بني عليها تصوره وتنظيره النقدي هي البحث عن الجماليات . في كتابه (الخيال الشعري عند العرب) يري
    الشابي أن الخيال الشعري العربي خيال ضعيف ويرد سبب ضعفه إلي عوامل عدة منها الوسط الطبيعي الصحراوي الجاف الغير مساعد علي تذوق الجمال وتفتح منافذ الخيال , فللمكان سر قوي في الإبداع والطبيعة الساحرة هي أمكنة العبقرية لان الإنسان يتوزع فيها, ولا يفتأ حالا فيها وأين خرير النهر وروعة الغاب وجمال وجلال البحر وصوت السواقي من الصحاري القفار والخلاء الموحش؟.
    العامل الأخر هو أن الروح العربية خطابية مادية لان إنسان الصحراء مشتعل وجدانيا دائما يهوي الحروب والحماسة ونظرته للأمور دائما مادية سطحية, العامل الثالث هوان العرب حينما شيدوا مدنية وحضارة عظمي لم ينقلوا آداب الأمم الاخري ولم يهتموا بها ولم يتفاعلوا معها, هذه المرتكزات الثلاثة هي التي جعلت الخيال الشعري باهتا ضعيفا وهو معه ما يمكن أن نقول إن علم الجمال عند العرب غير موجود في الثقافة العربية (لان معرفة العرب بالجمال لم تكن تتجاوز المعرفة الأولية الساذجة التي يشترك فيها الناس جميعا أو لنقل إنها لم تكن المعرفة الواعية(6) وربما يكون السبب كما يري البعض
    (أن الفلاسفة اتجهوا اتجاها كليا نحو شرح نظرية الفلاسفة الإغريق ولم يعملوا علي تأصيل لعلم الجمال 000000وقلدوا أرسطو وتبعا لذالك التقليد انكروا القوة التخييلية أو قللوا من أهميتها علي الأصح كما هو الحال عند ابن رشد ت 595 ) الذي قلل من هذه القوة بالنسبة للقوة المنطقية ,كان الفلاسفة المسلمون إذا يعتمدون علي العقل في كل شيء فأنساهم ذالك أن يتجهوا نحو التخييل لخدمة الجمالية بدءا من الفارابي ومرورا بابن رشد وانتهاءا بابن سينا وابن باجة وابن طفيل ,كلهم يقرون مع أرسطو أن الخير الاسمي لا يتم إلا بالعلم و التأمل .(7)ومسالة الجمالية فيها أراء كثيرة فهناك من يري أن معرفة العرب بالجمال وتذوقهم له تذوق ساذج وهناك من يري أن في الشعر العربي القديم جماليات عميقة وان مفهوم الجمالية نسبي (8) ويختلف من امة لاخري, فما يراه الأوربي روعة قد لا يكون بالضرورة كذالك بالنسبة للعربي أو الفارسي أو الهندي .

    (3)
    يربط الشابي الجماليات الأدبية بالخيال لذالك يري ضرورته للإنسان وانه لا يمكن أن يزول لان منشأه الغريزة ومصدره الطبع فهو حي خالد وان اللغة ستظل (في حاجة إلي الخيال لأنه هو الكنز الأبدي الذي يمدها بالحياة والقوة والشباب ولكنه مهما أمدها بالقوة والشباب فستبقي عاجزة عن استيفاء ما في النفس الإنسانية من عمق وسعة وضياء (9 ) والخيال عنده قسمان : الخيال الفني أو الشعري وهو الذي اتخذه الإنسان ليتفهم به سرائر النفس وخفايا الوجود ويعكس فلسفة وحياة وفيه تنطبع النظرة الفنية التي يلقيها الإنسان علي هذا العالم والخيال الفني والشعري يعنيان معني واحدا,والضرب الثاني هو الخيال الصناعي وهو نوع من الصناعات اللفظية ويسمي أيضا الخيال المجازي والمراد منه هو تجميل العبارة وتزويقها لا غير, والخيال الذي يريده الشابي في بحثه هو (الخيال الذي يتكشف عن نهر الإنسانية الجميل الذي أوله لا نهاية الإنسان وهي الروح وآخرة لا نهاية الحياة وهي الله 00000ذالك الجانب الذي يستلهم ويستوحي ويحيا ويشعر ويتدبرويفكر000اني أريد أن ابحث عند العرب علي ما سميته خيالا شعريا أو خيالا فنيا ) ( (10وقد درس الشابي الخيال الشعري من عدة محاور هي : الأساطير والطبيعة والمرأة والقصة , ,بالنسبة للأساطير العربية ركز علي الأسطورة الدينية لالتصاقها الوثيق بالروح الإنساني بشكل عام والعربي خاصة ولا حظ أنها لاحظ لها من وضاءة الفن وخصوبة الخيال كما نجد في الأساطير اليونانية,فكل ما عبده العرب وما اعتقدوه آلهة وحاكوا حوله أساطيرهم من:أساف ونائلة واللات و العزي والمشتري والشمس وأسطورة الغول والصدى والهامة وشياطين الشعر يبدو ضعيفا باهتا مقارنة بالأساطير اليونانية والسومرية يقول(ورأيي في هذه الأساطير هو أنها لا حظ لها من وضاءة الفن وإشراق الحياة وان من المحال أن يجد الباحث فيها ما ألف ان يجده في أساطير اليونان والرومان من ذالك الخيال الخصب الجميل ومن تلك العذوبة الشعرية التي تتفجرمنها الفلسفة الغضة الناعمة تفجر المنبع العذب,بل انه ليعجزه أن يلفي فيها حتى تلك الفلسفة الشعثاء الكالحة التي تطالعه في أساطير الاسكندناف, فالآلهة العربية لا تنطوي علي شيء من الفكر والخيال ولا تمثل مظهرا من مظاهر الكون أو عاطفة من عواطف الإنسان وإنما هي أنصاب بسيطة ساذجة ) ((11,وفي شعر الطبيعة يري أن الشعر العربي خال تماما من الشعر الذي يتغنى بمحاسن الكون ومفاتن الوجود ,لذالك لا نجد في الشعر الجاهلي والأموي أثرا للطبيعة لأنهما (خاليين أو كالخاليين من هذا الشعر الذي يتغنى بمحاسن الكون ومفاتن الوجود ويشيب بجمال الطبيعة وسحر الربيع أقول أو كالخالين لأننا نجد في شعر هذين العصرين شيئا من ذالك ولكنه نادر كل الندور ثم انه علي قلته وندوره لم يكن من هذا النوع الذي يشتعل خيالا وحسا ويأتلق جمالا وفنا) ((12أما العصر العباسي فقد طرأ فيه تحول في الشعر نتيجة انفتاح العرب علي غيرهم من الأمم والترف الذي عرفته الحضارة آنذاك ,وقد نشا شعر الطبيعة الجديد في البيئة العباسية (فأصبحنا نسمع من الأدب اصواتا لم تألفها أسماعنا من قبل فيها رقة وعذوبة , أصبحنا نسمع أبا تمام يقول:
    دنيا معاش للوري حتى إذا جاء الربيع فإنما هي منظر(13)
    إلا أن هذا الفن الوليد لم يتفشى في الأدب العباسي كما تفشي كثيرا في الأدب الأندلسي والسبب هو الطبيعة الاندلسية الساحرة ومع ذالك يسوق الشابي ملاحظة قيمة وهي (أن الفن الطبيعي في الأدب العباسي ابعد نظرا وأعمق خيالا وأدق شعورا منه في الأدب الاندلسي رغما عن أن الأدب الاندلسي احفل بهذا الفن من الأدب العباسي وغيره ورغما عن أن الأدب الاندلسي انصع ديباجة وارقي أسلوبا وأدق تصويرا ورغما عن أن البلاد الاندلسية اشد جمالا وأعظم روعة من البلاد الشرقية التي أنبتت ذالك الأدب العباسي الجميل فإنني لا أجد من صدق الشعور وقوة العاطفة عند البحتري وأبي تمام وابن الرومي ما لا أجده عند ابن خفاجة وابن زيدون وغير هذين من شعراء الأندلس) (14) ويعلل ذالك بان الأدب الاندلسي نشا في بيئة مترفة انصرفت فيها الأنفس إلي الشهوات ولم تنظر إلي الطبيعة كمصدر الهام وإنما رأت فيها متعة مادية آنية ,ومع أننا نلمس في الشعر العباسي والاندلسي أثرا للطبيعة إلا انه لم يكن عميقا في مجمله ولا باعثا لتحريك الوجدان باستثناءات قليلة عابرة لدي بعض الشعراء كقول البحتري:
    أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا من الحسن حتى كاد أن يتكلما
    وبالمقارنة مع نموذجين لشعراء غربين هما لامرتين وغوته ,نجد أن القطعتين التي ساقهما الشابي رائعتين وأعمق بكثير من النموذج العربي والسر في ذالك كما يقول هو أن (شعراء العربية لم يشعروا بتيار الحياة المتدفق في قلب الطبيعة إلا إحساسا بسيطا ساذجا خاليا من يقظة الحس ونشوة الخيال وهو ذالك الإحساس الذي تشاهدون أثره في شعر البحتري وابن الرومي وأبي تمام وبعض شعراء آخرين) (15)
    وبالنسبة لصورة المرأة في الشعر العربي يري الشابي أن نظرة الشاعر العربي إلي المراة نظرة منحطة لا تري فيها إلا متعا مادية جنسية ( وإذا فنظر الآداب العربية إلي المراة كنظرتها إلي الطبيعة أو ادني لا سمو فيها ولا خيال, وإنما هو مادي محض لا يكاد يري فرقا بين المراة والرداء وكاس الخمر ,فالمراة تتخذ لإشباع شهوات الجسد والرداء يقي الجسم هاجرة الصيف ويدفع عنه عادية الشتاء وكاس الخمر يتلهى بها في آناء الفراغ بل ربما سمت نظرة بعض الشعراء إلي الخمر حين لم تسم نظرته إلي المراة) (16)
    ومع ذالك يقر بان في الأدب العربي الحديث نظرة قدسية وهي نظرة جبران خليل جبران كما قدمها في أدبه الحي
    وبالنسبة للقصة يري الشابي أنها غير موجودة كفن مستقل في الشعر او النثرإذ لا نجد إلا مقاطع لدي عمرو بن ربيعة واليشكري وفي النثر رسالة الغفران ومع ذالك فلا حظ لها هي الاخري من الخيال.
    ( 4)
    يقدم الشابي أخيرا فكرة عامة عن الأدب العربي بأنه أدب مادي لا سمو فيه ولا جمال (000000000فانا إذا عندما أقول ذالك الرأي عن الأدب العربي لا ازعم انه لا يلائم أذواق تلك العصور ولا أرواحها ولكني أقول انه لم يعد ملائما لروحنا الحاضرة ولمزاجنا الحالي ولأميالنا ورغائبنا في هذه الحياة ,فقد أصبحنا نري رأيا في الأدب لا يمثله ونفهم فهما في الحياة لا نجده عنده0000000000000لقد أصبحنا نتطلب أدبا قويا عميقا يوافق مشاربنا ويناسب أذواقنا بما فيها من شوق وامل00000ولهذا فلا ينبغي لنا أن ننظر إلي الأدب العربي كمثل أعلا للأدب الذي ينبغي أن يكون ليس لنا إلا احتذاؤه ومحاكاته في أسلوبه وروحه ومعناه بل يجب أن نعده كأدب من الآداب التي نعجب بها ونحترمها ليس غير أما أن يسمو هذا الإعجاب إلي التقديس والعبادة والتقليد فهذا ما لا نسمح به لأنفسنا لان لكل عصر حياته التي يحياها ولكل حياة أدبها الذي تنفخ فيه من روحها القشيب,يجب علينا أن لا ننظر إلي الأدب العربي تلك النظرة المعجبة لا غير,حتى يمكننا أن نتخذ لنا أدبا قويما فيه ما في الحياة الحاضرة من عمق في الفكر وسعة في الخيال ودقة في الشعور,أما أن نتخذ الأدب العربي الذي عرفنا خلوه من مثل هاته الأمور مثلنا الاعلي الذي ننسج علي منواله فذالك هو الخمول وذالك هو الموت الزؤام ,لقد أصبحنا نتطلب حياة قوية مشرقة ملؤها العزم والشباب ,ومن يتطلب الحياة فليعبد غده الذي في قلب الحياة 00اما من يعبد أمسه وينسي غده فهو من أبناء الموت وانضاء القبور الساخرة لقد أصبحنا نتطلب الحياة ولكن لنعلم قبل ذالك أننا جياع عراة وان تلك الثروة الطائلة الضخمة التي تركها لنا العرب لا تشبع جوعنا ولا تسد خلتنا 0000ولا يغض من الأدب العربي شيئا انه مادي لا شيء فيه من عمق الخيال وقوة التصور,لان هذا منشؤه الروح العربية التي أملت هذا الأدب وألقت عليه هذا اللون الخاص ,وإنما الذي يغض منا معشر التونسيين هو أن نتخذ من هذا الأدب الذي لم يخلق لنا ولم نخلق له غذاءا لأرواحنا ورحيقا لقلوبنا لا نترشف غيره) (17) ويخلص الشابي إلي القول أن كل ما أنتجه الذهن العربي كان علي نفس المنظومة ليس له حظ ولا نصيب من الخيال الشعري ويعلل ذالك بان الروح العربية روح خطابية لان إنسان الصحراء مشتعل وجدانيا والشعر عنده خطب حماسية كما نجد في رثاء الحارث ابن عباد لابنه جبير الذي قتله الزير سالم ابو ليلي المهلهل في الحرب المعروفة التي جرت بين بكر وتغلب , وهي أيضا مادية لا تعرف الأناة في التفكير فضلا عن الاستغراق فيه ويرد الشابي بقاء هذه الروح في الأدب العربي إلي ثلاثة عوامل :العامل الوراثي ومفهوم الأدب عند النقاد وعدم إطلاع العرب علي آداب الأمم الاخري ,بالنسبة للعامل الوراثي يري أن العصر الأموي هو عصر عربي أصيل ظل متمسكا بطبع ومنازع وشعور الجاهلي ثم إن العرب لم يختلطوا بالأمم في هذا العهد وبالتالي لم يكن هناك فرق كبير في الشعر بين العهدين الجاهلي والأموي باستثناء الفن القصصي عند عمرو بن ربيعة وظهور ما يعرف بالشعر السياسي الذي ظهر نتيجة الصراعات التي عرفتها الدولة الأموية آنذاك وفي العصر العباسي نتيجة التحول الحضاري الذي عرفه العرب ودخول قوميات عديدة وحضارات مختلفة ظهر ما يعرف بالشعر الطبيعي و مع ذالك بقي المزاج العربي القديم حاضرا في الشعر ولم يستطع العهد العباسي أن يخرج عليه ونفس الشيء في الشعر الاندلسي مع اختلاف البيئة الاندلسية الساحرة والتي أثرت في الأدب العربي ولكن مع طول الزمن واحتكاك العرب بمختلف الأجناس أحس الشعراء بالحاجة إلي التعبير عن وجدان الأمة وبالتالي لم يجدوا غير أن يرجعوا إلي النموذج الجاهلي ,ولم يكن التجديد في هذا العهد في الجذور وإنما كان في الأوزان العروضية والأساليب وبالنسبة للعامل الثاني مفهوم الأدب عند النقاد لم يفهم النقاد الأدب كعلم وجماليات وإنما فهموه في إطار الضروريات لفهم الدين ومعرفة معاني القران الكريم والسنة وهو ما يفسر كثرة الدراسات اللغوية في هذا العهد الأمر الذي زاد من قوة التمسك بالقديم واعتباره النموذج الاعلي, أما العامل الثالث فهو أن العرب لم يطلعوا علي آداب الأمم الاخري مع أنهم اطلعوا علي الفلسفة والطب والحقول العلمية الاخري إلا أنهم لم يترجموا الأعمال الأدبية ولم يعتنوا بها ربما يكون تعصبا لأدبهم أو جهلا أو خوفا من سلطة النقاد التي تري النموذج الاعلي في القديم .


    ( 5)
    هكذا نري أن الشابي الشاعر الموهوب وهو يدعو ويؤسس لنموذج حداثي في الشعر العربي, يؤسس لوعي نقدي جديد وذالك بمراجعة قوية للشعر بمختلف اعصره واثبات فقره والدعوة إلي نبذه والخروج عليه , طرح الشابي قضايا جوهرية في خطابه النقدي من أهمها ضرورة التخلي عن الرؤية القديمة لمفهوم الشعر لان الشعر لم يعد كما كان ,إذ أصبح رسالة وفلسفة وجماليات تخاطب الذات والإنسان وتسائل الوجود بحثا عن المطلق,وفي تقييمه للتراث دعوة للمراجعة وضرورة الانفتاح علي الآخر لان كل أدب كما يقول غوته (بحاجة إلي أن يلتفت إلي الخارج) والشابي بذالك يطمح إلي يقظة الأمة العربية فما لم تنهض الأمة فلن يكون هناك أدب حي يعبر عنها بصدق , يبقي السؤال هل وفق الشابي في الملائمة بين تنظيره النقدي وتجربته الشعرية؟ ثمة المشكلة الحقيقية فمن الصعب أن تتوافق طموحات العبقري مع منجزه ,هناك من يري أن الشابي اخفق ووقع مشروعه في اعتي مآزقه (00000 أما إذا عدنا إلي ديوان أغاني الحياة فانه بامكاننا أن ندرك بيسر أن الشابي كان من ابرز الشعراء الذين أسهموا في إنتاج المنجز الفني الرومنطيقي, وشرعوا في التغيير الفعلي لنمط الكتابة عند العرب ,ولكن نصوصه لم تسلم من ظاهرة الانسراب ,انسراب النموذج القديم في صميم النص الجديد وتعطيلها له وفق نسق بموجبه بدا الشاعر مطموس الملامح ذائبا صوته في صوت غيره ,حتى لكأنه رجع أو صدي لأصوات أخري تتجاذبه وتتنازعه ثم يأتي احدها ليحتويه) (18)

    الهوامش:
    الشابي منشقا الكتابة بالذات بجراحاتها محمد لطفي اليوسفي سراس للنشر تونس 1996ص86و87
    أغاني الحياة مختارات بوبها وقدم لها محمد لطفي اليوسفي سراس للنشر تونس 1996ص33
    اصل العمل الفني مارتين هايدغر ترجمه عن الألمانية الدكتور أبو العيد دودو منشورات الاختلاف الجزائر الطبعة الأولي 2001ص55
    أغاني الحياة ص84
    بنية الخطاب النقدي حسين خمري منشورات اتحاد الكتاب الجزائريين بدون تاريخ ص9
    مفاهيم جمالية في الشعر العربي د محمد مرتاض ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر1998ص47
    مفاهيم جمالية في الشعر العربي محمد مرتاض ص37و38
    مفاهيم جمالية في الشعر العربي محمد مرتاض ص35و36
    الخيال الشعري عند العرب أبو القاسم الشابي سراس للنشر1998ص22
    الخيال الشعري عند العرب الشابي ص 24
    الخيال الشعري عند العرب الشابي ص28
    الخيال الشعري عند العرب الشابي ص38
    الخيال الشعري عند العرب الشابي ص46
    الخيال الشعري عند العرب الشابي ص50و51
    الخيال الشعري عند العرب الشابي ص58و59
    الخيال الشعري عند العرب الشابي ص66
    الخيال الشعري عند العرب الشابي ص96
    كتاب المتاهات والتلاشي في النقد والشعر محمد لطفي اليوسفي سراس للنشر1992 تونس ص115
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2  
    مشرف الصورة الرمزية هيا الشريف
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    مكة المكرمة
    العمر
    40
    المشاركات
    453
    معدل تقييم المستوى
    20
    اعتقد أن موضوعك أقرب لدراسة أدبية
    سـ انقله لمكان مناسب ليحظى بالاهتمام الجدير به

    حياك الله

    الله يرحمك ملء الأرض والسماء





    عساك للجنـة تقطـف بـــأياديـك
    ثمارها يا جـــــــــدي مـن كـل نـوع ِ
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. قراءة في معالم الخطاب النقدي للدكتور محمد بن سعد بن حسين
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 31/07/2018, 12:49 PM
  2. جائزة أبو القاسم الشابي
    بواسطة فيصل محمد الزوايدي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01/07/2009, 07:06 PM
  3. أبو القاسم الشابي
    بواسطة محمدالعروسي العقاب في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 17/06/2009, 12:53 AM
  4. التقدم ونهج الفكر النقدي
    بواسطة د. تيسير الناشف في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 12/02/2008, 10:57 AM
  5. بين العمل الأدبي العربي والمنهج النقدي
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26/04/2006, 01:05 AM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •