للأسف هذا هو النص الكامل لهذا القصيد
المقتضب والمختصر بأكثر المواقع وربما جميعها.
ماذا أصابك يا وطن
أنا من سنينًا لم أره
لكن شيئًا ظل في قلبي زمانًا يذكره
" عمي فرج "
رجل بسيط الحال لم يعرف من الأيام شيئًا
غير صمت المتعبين
كنا إذا اشتدت رياح الشك
بين يديه نلتمس اليقين
كنا إذا غابت خيوط الشمس عن عينيه
شيئٌ في جوانحنا يضل .. و يستكين
كناإذا حامت على الأيام أسراب
من اليأس الجسورنراه كنز الحالمين
عيناه غارقتان في سأم السنين
وذقنه البيضاء تحمل ألف حلمٍ للحيارى الضائعين
كم كان يمسك ذقنه البيضاء في ألمٍ
و ينظر في حقول القمح
و الفئران تسكر من دماء الكادحين
لم يبق في الحقل الجميل سوى الثعابين العتيقة
تنفثالسم الدفين
لم يبق غير قطائع الغربان
تنعى الموت في الزمن اللعين
لم يبق فوق شواطئ النهر الحزين
سوى العناكب... و الطحالب و الأنين
كم كان يبكي ...
كلما أكلت جيوش الملح قوت الجائعين
" عمي فرج "
قد كنت أعرف وجهه المعجون من شوق الليالي
و المواويل القديمة والحنين
دمه بلون النيل حين يجيئ مختالاً
يشق الأرض تصرخ في رباها الخضر
أصوات الجنين
بيديه مسبحة وفي قدميه خُفٌ
عَلَّم الدنيا طقوس الصبر في الزمن الضنين
من ألف عام ...كان يمشي فوق نهر النيل
يسمع عن حكايا السارقين...
سرقوه جسمًا ثم روحًا..
ثم أصبح غنوة خرساء...
تحكي عن مآسي الراحلين
كم عاش يشرب من ماء وطين
قد كان آخر عهده بالحلم
حين يجيئ شهر الصوم
بالتمر الملوث بالتراب...
يسد جوع الصائمين
" عمي فرج "
يوماً تقلب فوق ظهر الحزن
أخرج صفحةصفراء إعلاناً بطول الأرضِ
يطلب في بلاد النفط بعض العاملين
همس الحزين وقال في ألم :
أسافر .. كيف يا الله
أحتمل البعاد عن البنية ..والبنين
لم لا أحج...فهل أموت ولا أرى
خير البرية أجمعين
لم لاأسافر...كلها أوطاننا
و لأننا في الهم شرق...
بيننا نسب و دين
لكنه وطني الذي أدمى فؤادي من سنين
ما عاد يذكرني .. نساني
كل شيئ فيك يا مصر الحبيبة
سوف ينسى بعد حين...
أنا لست أول عاشق نسيته هذه الأرض
كم نسيت ألوف العاشقين
وطني سينساني !!!
قد كان يذكرني إذا لاحت وجوه المعتدين
قد كان يذكرني إذا حلت مواسم زرعنا
فيجيء يسرقها و يتركنا حيارى جائعين
حاربت يوماً في صباي فعاش مرفوع الجبين
رغم أنف الظالمين
قد مات ابني في سبيلك يا وطن
كفنته في مهجتي ورسمته وشماً على صدري
أبا الهول العتيق... يرد كيد الغاصبين
أنا لم أسافر في حياتي مرة
كانت حقول القمح في عينيه
نهاية كل هذي الأرض
كانت ظـُلـّة ُ الصفصاف
أوسع من سماء الكون
كانت مصر في قلبي بلاد العالمين
و مضيت يومًا كي أرى وجه النبي
سافرت من أجل النبي
كم طفت حول الكعبة الغراء
أدعو الله أن يشفي فؤادي من حنيني للوطن
قد كنت ألمحه على الأستار مسجونًا
كوجه العدل في هذا الزمن
كان الحنين يفيض في نومي
فألمح أهل بيتي كل جيراني
و زرعي .. و السكن
طيف الحنين يثور في قلبي
فيجري في عيوني ألف نهر من دموع
كانت حقول القمح تصرخ في ضلوعي
أن أطلال المزارع تشتهيك
و حضنها الخالي يُسائِلُك الرجوع
" عمي فرج "
قد حان ميعاد الرجوع إلى الوطن
وطن ... وطن ...
عدنا إلى حضن الوطن
الكل يصرخ فوق أضواء السفينة
كلما اقتربت خيوط الضوء..
عاودنا الشجن
وجه الوطن ...
في كل جزء في الحنايا ظل يسكن
و يورق كلما عصفت بأيامي المحن ..
أهواك يا وطني
فلا الأحزان أنستني هواك و لا الزمن
" عمي فرج "
وضع القميص على يديه
و صاح يا أحباب لا تتعجبوا
إني أشم عبير ماء النيل فوق الباخرة
هيا احملوا عيني على كفي
أكاد الآن ألمح كل مئذنة ٍ
تطوف على رحاب القاهرة
هيا احملوني كي أرى وجه الوطن ...
دوت وراء الأفق فرقعة
أطاحت بالقلوب المستكينة
و الماء يفتح ألف باب
و الظلام يدق أرجاء السفينة
غاصت جموع العائدين
تناثرت في الليل صيحات حزينة
و تسمرت عيناه فوق الشاطئ الموعود
راوده حنينه ...
كانت تلال الموج تحمل صرخة
مكتومة الأنفاس يخفيها أنينه
" عمي فرج "
قد قام يصرخ تحت أشلاء السفينة
رجل عجوز ...
في خريف العمر يا أبناء..من فيكم يعينه
رجل عجوز ...
في خريف العمر من منكم يعينه
رجل عجوز ... آه يا وطني
أمد يدي نحوك ثم يقطعها الظلام
وأظل أصرخ فيك ...أنقذنا حرام
بالله أنقذنا حرام...
وتسابق الموج الجبان ...
واسودت الدنيا وانتفض الموت
ليروي قصة البسطاء
في زمن التخاذل والتنطع والهوان
وسحابة الموت الكئيب
تلف أرجاء المكان
توارى العمر ... و انتحر الأمان
" عمي فرج "
بين الضحايا كان يغمض عينيه
و الموج يحفر قبره بين الشعاب
و على يديه تطل مسبحة ...
و يهمس فيها بعتاب :
الآن يا وطني أعود إليك
توصد في عيوني كل باب
لم ضقت يا وطني بنا
..لم ضقت يا وطني بنا
قد كان حلمي ...
أن يزول الهم عني عندبابك
قد كان حلمي
أن أرى قبري على أعتابك
الملح كفنني
وكان الموج أرحم من عذابك
و رجعت كي أرتاح يوماًفي رحابك
وبخلت يا وطني بقبريحتويني في ترابك
فبخلت يوما بالسكن
والآن تبخل بالكفن !!
ماذاأصابك يا وطن ؟!
ماذا أصابك يا وطن ؟ ! ...
قصيـــدٌ كبير لشاعر أكبر
الشاعر / فاروق جويدة
