لفلوبير عبارة شهيرة هى " أنا مدام بوفارى " ، بمعنى أنه عندما نتحدث عن مدام بوفارى ، فإنه كان يتحدث عن نفسه . والمؤكد أنى لست موجوداً خارج أعمالى . ما أكتبه يتضمن وجهاً من وجوه حياتى : قراءة ، مشاهدة ، تجربة ، إلخ . من الصعب أن أجد ذلك فى كل ما كتبت ، مع أنى أجد نفسى فى الكثير مما كتبت . أجد ناساً عرفتهم ، التقيتهم ، صادقتهم ، عايشت خبراتهم وتجاربهم ، ولحظاتهم الهانئة والمأساوية ، أجد العديد من الأماكن والأزمنة التى اتصلت بحياتى ، بصورة وبأخرى . لاحظ الناقد " لاكان " فى دراسة له عن الكاتب الفرنسى الشهير أندريه جيد أن تفصيلات السيرة الذاتية لحياة الكاتب ومنمنماتها ، تشكل بعداً أساسياً فى أعماله الفنية [ لا يخلو من دلالة قول همنجواى ، أنا لا أعرف إلا ما رأيته ] . وأتصور أن هذا هو الدور نفسه الذى تشكله سيرتى الذاتية فيما كتبته ، وأكتبه ، من أعمال . أذكر حين أنهيت قصتى " القرار " مفاجاة القصة لى بأن الشقة التى اختارها الراوى للإقامة بعيداً عن مشكلات أخوته ، هى الشقة نفسها التى أمضيت فيها طفولتى وصبلى إلى بداية العقد الثالث ، فى الطابق الثالث ، البيت رقم 54 شارع إسماعيل صبرى بالإسكندرية . وأتذكر قول باشلار : " إن البيت الذى ولدنا فيه بيت مأهول ، وقيم الألفة موزعة فيه، وليس من السهل إقامة توازن بينها ، إذ هى تخضع للجدل ، فالبيت الذى ولدنا فيه محفور بشكل عادى ، وفى داخلنا ، إنه يصبح مجموعة من العادات العضوية " , ولعلك لاحظت شبهاً واضحاً بين الكثير من الشخصيات التى قدمتها فى أعمالى ، ذلك لأن معظم هذه الشخصيات تعبير ـ بدرجة وأخرى ـ عن شخصية الكاتب نفسه .
القصة يجب أن تكتب نفسها . فعل الكتابة اكتشاف . أرفض التصور بأن الكاتب يبدأ قصته وهو يعرف تماماً صورتها النهائية . القصة تكتسب ملامحها وقسماتها أثناء ولادتها . قد يأتى المولود فى صورة غير التى كان يتوقعها الفنان . قد تبين القصة ، أو الأحداث ، عن ملامح ربما لم تخطر فى باله . كاتب القصة يختلف عن كاتب السيناريو ، فى أن الثانى عنده قصة جاهزة ، فهو يحول القصة إلى مشاهد . وفى كل الأحوال ، فإن كتابة القصة ينبغى ألا تخضع للمنطق الصارم ، للعقلانية التى قد تفقدها تلقائيتها . الفنان مطالب بأن يخفض صوته إلى حد الهمس ، حتى يتحقق الإيهام بالواقع ، ولا يتحدث الفنان نيابة عن شخصياته .
أحياناً ، أبدأ فى تصوير الشخصية ، ولها فى مخيلتى ملامح محددة ، ثم تذوى الملامح التى تصورتها أثناء عملية الكتابة ، لتحل ـ بدلاً منها ـ ملامح أخرى ، فتأتى الشخصية مغايرة ـ سلباً أو إيجاباً ـ لكل ما تصورته . وربما بدأت فى كتابة عمل ما وفى داخلى وهم أنى أمتلكه ، أعرف البداية والنهاية . فإذا بدأت فى الكتابة ، أسطر قليلة أو كثيرة ، لم أعد سوى أداة للتسجيل . القصة تكتب نفسها ، كأنها الأمواج التى تذهب بالقارئ إلى شواطئ لم يكن يتوقع ربانه الوصول إليها . وكما يقول سيمينون : " أنا لا أعرف فى البداية ماذا سيحدث لأبطالى بعد قليل ، فإذا عرفت ذلك ، انتابنى السأم والملل . أنا لا أكتشف الوقائع دفعة واحدة ، بل أقع عليها وأنا أنتقل من فصل إلى آخر ، وكأنى أحكى قصتى لنفسى لا للآخرين " . وبالتأكيد ، فإن ما أريده بعد أن أتم كتابة عمل ما ، يختلف عن الصورة التى كتبته بها فعلاً ، تغيب شخصيات وأحداث وأماكن كنت أتصور أنها أساسية ، لتحل بدلاً منها شخصيات وأحداث وأماكن كانت مختفية فى تلافيف الذاكرة ، ثم ظهرت فى وقت لم أحدده . انطلاقات الشعور لا تعرف الترتيب ولا المنطق ، ولا يحدها زمان ولا مكان ، فهى أشمل من كل زمان ومكان ، يختلط فيها الماضى والحاضر واستشرافات المستقبل . لم يبدأ همنجواى أياً من رواياته على أنها رواية ، لم يجلس إلى الورق ـ ذات يوم ـ ليكتب رواية ، لكنه كان يبدأ كل ما كتب على أنه قصة قصيرة ، قد تنتهى بالصورة التى أرادها ، وقد تطول فتصبح رواية . وقد بدأت روايتى من أوراق أبى الطيب المتنبى باعتبارها قصة قصيرة ، لكن اتساع القراءة فى الفترة التاريخية وسع كذلك من بانورامية الصورة التى يجدر بى تناولها ، فتضاعفت الصفحات القليلة ـ كما كنت أعد نفسى ـ إلى ما يزيد عن المائة والخمسين صفحة . وكانت تلك اللحظة ـ مجموعتى القصصية الأولى ـ كتاباً أولياً ، يتكون من ثمانى قصص ، هى أقرب إلى الاسكتشات ، أو الرسوم التخطيطية ، لأعمال أشد اقتراباً من فن القصة القصيرة ، أشد اقتراباً من النضج . باختصار ، فقد وشت تلك اللحظة بطموحاتى بأكثر مما رسخت تلك الطموحات . وكان على بعدها أن أعطى لنفسى إجازة ، أعيد خلالها تثقيف نفسى ، وأعيد النظر فى أوراقى ، وأناقش إعجابى بالأساتذة الذين قرأت لهم : هل يقف عند حد الإعجاب ، أو أنه يمتد ـ أحياناً ـ إلى التأثر والتقليد ؟ وهل الكتابة الروائية والقصصية هى الفن الذى ينبغى أن أخلص له بالفعل ؟ وإذا كانت الصرامة القاسية التى ألزم بها أستاذنا نجيب محفوظ نفسه فى مجال الكتابة الإبداعية ، هى المثل الأوضح ، والأقرب ، بين أساـذتى من الأدباء العرب ، فإن الصرامة القاسية نفسها كانت مثلاً لى فى السيرة الذاتية لأديب فرنسا الأشهر جوستاف فلوبير [ 1821 : 1880 ] . رفض فلوبير تكرار التجربة الأدبية ، أو التأثر برؤى وتجارب الأخرين ، جعل همه أن يفرز أسلوباً مميزاً ، طابعاً أدبياً يسم أعماله ، وشغله ـ فى الوقت نفسه ـ وجوب الانطلاق فى كل إبداعاته من تجربة حسية عميقة ، فلا يكتفى بالقراءة أو الإنصات ، إنما هو يعانق الناس والأشياء ، يتعرف فيهم وفيها ـ بصورة مباشرة ـ إلى شخصيات وأحداث عمله الأدبى ، أياً تكن طبيعة ذلك العمل ، وبصرف النظر عن المكان الذى ينتسب إليه ، وينطلق منه . وبالقدر نفسه الذى تمنيت أن أكتب عملاً ملحمياً ، رواية أجيال ، أو نهر ، مثل ثلاثية نجيب محفوظ ، فقد تمنيت أن أكتب عملاً عبقرياً مثل مدام بوفارى التى أنفق فلوبير فى كتابتها لأكثر من عشر سنوات . ألتزم بالصرامة التى تبلغ حد " الرهبنة " ، أشاهد ، أتعرف ، أقرأ ، أحاول الاستيعاب والهضم والفهم والتفهم ، وتقديم محصلة ذلك كله فى أعمال فنية . وحتى الآن ، فإن العمل ـ أى عمل ـ يشغلنى ، وأفكر فيه ، حتى يدفعنى ـ فى لحظة يختارها ـ إلى كتابته . جاوزت هذه الفترة فى الأسوار ثمانى سنوات ، واقتربت فى أعمال أخرى من الفترة نفسها ، فى حين أن " المتنبى " ألحت كفكرة ، ثم ألحت فى الميلاد ، بما لا يجاوز بضعة أيام ، لكن الأحداث امتدت ، وتشابكت ، فصارت القصة القصيرة قصة مطولة ، أو رواية .
كانت المتنبى روايتى الثالثة . شدنى فى سيرة الرجل ما كان يتناوب حياته من أمل ويأس ، حتى لقى مصرعه ـ بصورة مأساوية ـ فى دير العاقول ، لكننى اخترت من حياة المتنبى ما يجعله شاهداً على الحياة فى مصر أعوام إقامته فيها ، وإن ارتكزت إلى مقولة كروتشى " التاريخ كله تاريخ معاصر " ، بمعنى أن التاريخ هو رؤية للماضى بمنظار الحاضر ، وفى ضوء مشكلاته ، وكان ذلك هو الباعث أيضاً لكتابتى روايات أخرى : إمام آخر الزمان ، اعترافات سيد القرية ، زهرة الصباح ، قلعة الجبل ، ما ذكره رواة الأخبار من سيرة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله . وجدت فى استعادة التاريخ إضاءة لأحداث معاصرة .
***
أعترف أنى أحاول ـ ما أمكن ـ أثناء كتابة العمل ، ألاّ أسيطر على الفكرة بصورة مطلقة . تخف قبضتى على العمل ، أترك له تلقائيته . أختلف فى باعث تقدير برسى لوبوك لرواية تولستوى " الحرب والسلام " ، وأنه كان " يعرف تماماً أين يذهب ، ولماذا ، وليس أى شيء فى أية لحظة يشير إلى أنه لا يمتلك السيطرة الكاملة المحكمة على فكرته ( صنعة الرواية ص 37 ) . ثمة قول " لا وجود فى الحلم لشيء اسمه الضمير ، فالقاتل قد يقدم فى الحلم على السرقة أو القتل أو الاغتصاب ، وهو لا يبالى أو يستشعر ندماً . ويقول فولكت : " لا تعرف الغرائز الجنسية فى الحلم أى نوع من الكبح ، فلا حياء ولا رادع ولا منطق ، بل إن الأشخاص الآخرين أيضاً الذين يراهم فى الحلم ، كثيراً ما يكونون فى صورة أخلاقية مريعة " . وفى قصة " رحلة بورين " لأندريه جيد لا يدرى بورين : هل ما يحياه هو رحلة حقاً أم لا ؟ . يقول : نحن ربما نعيش حلماً ، إنه خداع ، فليست هنا رحلة أصلاً " . وفى روايتى الصهبة لم أعن بتدبر السؤال : هل كان ما جرى حقيقة أم حلماً ؟.. وفى البحر أمامها تطمئن نجاة إلى تردد زوجها الراحل على البيت ، وتستغنى به عن الآخرين ، أما نجم وحيد فى الأفق فهى تنطلق من اختلاط المشاعر والرؤى والتصورات . الإحساس بالحياة والحلم يكاد يكون واحداً ، ثمة رابط كبير بينهما ، بحيث ينتفى الخلاف ، أو عدم التشابه . وكما يقول بورخيس فإن الحياة وسيلة للحلم ، أو وسيلة للحياة . مع ذلك فإنى حين أدعو لأن يكتب العمل الأدبى نفسه ، لا أقصد أن تنطلق القصة ، أو الرواية ، فى تهويمات ، أو تفقد المعنى ، أو تلجأ إلى الغموض والتلغيز ، ذلك لأن تسلح الفنان بثقافة موسوعية سيفيده ـ ولو فى النظرة النقدية المتأملة الأخيرة ـ فى تبين قيمة ما كتبه ، سلباً وإيجاباً .
***
الكثير من أعمالى يبدو فيها البطل واضحاً ، مسيطراً ، لا يفارقنا منذ بداية العمل إلى نهايته ، نتعرف إلى ملامحه النفسية ـ والجسمية أحياناً ـ وظروفه الاجتماعية والثقافية ، ونوازعه ، وأفكاره ، وآرائه . وعلى العكس من ذلك ، فإن بقية الشخصيات تعانى الشحوب ، لأنها تؤدى أدواراً مساعدة تعمق من دور البطل ، توضحه ، تجسده ، تثريه . والحق أنى لم أكن أعرف أن هذا هو ما تعتمده ـ فى الأغلب ـ الحكايات الشعبية ، فقد حاكيت إذن تكنيك الحكاية الشعبية ، دون تعمد !. وعموماً ، فإنى أفضل أن أقدم من ملامح الشخصية ما يساعد على التعرف إليها ، على فهمها . أحترم الميراث الإبداعى الروائى الذى يمتد عشرات الأعوام ، أتفهم قول همنجواى إن الرواية مثل كتلة جليدية عائمة فى البحر ، ثلثاها مغمور فى الماء ، فأنا أكتفى برسم الملامح التى تهب الشخصية بلا ثرثرة ، ولا زيادات مقحمة ، ولا كلام مرسل ، أو سرد ممل . أصور الشخصية لأضيف إلى الرواية وليس لمجرد تصوير الشخصية فى ذاته . وأحياناً ، فإن وصف الكائنات قد يقتصر على تقديم الدلالة الاجتماعية ، أو النفسية ، أو يصبح رمزاً ، أو معادلاً لما يمور به داخل الشخصية من انفعالات .
ولعل فى مقدمة ما أعنى به أثناء الكتابة : تلك اللحظة التى يبدو فيها العمل قد انتهى ، فهو فى غير حاجة إلى حذف أو إضافة ، أو تدخل من أى نوع . أستطيع نقله على الآلة الكاتبة [ الكومبيوتر ] باعتباره مسودة نهائية ، أدفع بها إلى المطبعة ، وأنتظر ـ مطمئناً ـ آراء القراء والنقاد . أتذكر قول جراهام جرين : " هنالك لحظة فى الكتابة ، عندما يصل المرء إليها يشعر بأن الطائرة ، بعد أن قطعت ممراً طويلاً ، معبداً ، قد أقلعت ، وخرجت قليلاً عن السيطرة . عانيت طويلاً من تلك المشاعر التى لم تكن ـ بالتأكيد ـ مقصورة على ، لعلها المشاعر نفسها التى عاناها العديد من الأدباء ، والتى تدفعه إلى الهمس لنفسه : فلننتظر قليلاً ، أو : أنا لست على استعداد ، أو : إن تصورى لم ينضج بعد ، أو : إننى لم أجد بعد النغمة المطلوبة ، إلخ .. وكل التعبيرات للشاعرة الوسية الشهيرة " فيرا أنبر " ، فهى قد عانت تلك المشاعر إذن . وذات يوم ـ لا أذكر إن كانت قد سبقته إرهاصات ، أم أنه كان وليد اللحظة ـ قررت أن أتخلى عن التردد والوسوسة ، أن أنهى الإضافة والحذف والتعديل ، وأبدأ فى " تبييض " كومات الأوراق التى كتبت فى مدى سنوات وسنوات ، بخط ردئ للغاية ـ هو خطى ! ـ فهى لا تزيد عن مسودات يصعب أن تفتح مغاليقها إلا لكاتبها . المشكلة التى عبّرت عنها الشاعرة الروسية ، لما بلغت السن التى كان على الزمن أن يراعى فيها بكل عناية " فى هذه المرحلة من الحياة ، ينبغى على المرء ألا يقول : سأفعل كذا أو كذا يوماً ما ، بل عليه أن يفعل ما يجب عمله فوراً ، وإلا أصبحت عبارة " يوما ما " ، مطلقة وأبدية . وكان نقل " المسودات " على الآلة الكاتبة / الكومبيوتر هو الفعل الآنى الذى كان علىّ أن أحرص عليه . لم يكن ثمة سبيل آخر لمواجهة كومات الأوراق التى تكاثرت ، وتضخمت ، حتى أنى كنت أبذل جهداً فى تذكر بعضها .
***
يقول ألان روب جرييه : " إن القصة هى التى تبتدع أسسها الخاصة " . التكنيك وسيلة لنقل معنى العمل الفنى إلى القارئ ، كلما أجاد الفنان اختياره ، كان ذلك فرصة لتقديم أقصى قدر من المضمون ، أوالتكنيك الذى أكتب به عملاً ما ، هو سر يستغلق حتى علىّ شخصياً . العمل يفرض صورته وأسلوبه وطريقة تناوله . من الصعب تفسير ذلك فى ضوء رؤى فنية أو نقدية محددة . ثمة العديد من الاعتبارات التى ربما غاب بعضها عن الكاتب نفسه . أحياناً ، يغيب الوجود المستقل للزمان أو المكان ، فهما وحدة متكاملة ، ليس ثمة عقدة ولا حبكة ، وربما لا تتخلق رواية ـ بالمعنى التقليدى ـ على الإطلاق . لا أعنى إهمال الشكل ، فالشكل مهم جداً ، ذلك لأن الفرق كبير ـ ذكرت هذا المثل فى مقدمة كتابى مصر فى قصص كتابها المعاصرين ـ بين شكوى فى رسالة ، وقصة فى رسالة ، مقابلاً لوعى الفنان الحاد بقضايا مجتمعه وعصره ، والتزامه بالتعبير عنها . ومع أن حقيقة وجود القاص تبدو واضحة لنا ، فإنه يميل إلى البقاء فى الظل كما لو أنه أطل من نافذة ، يشاهد العالم من تحته ، فجاءت شخصيته مجسدة فى ساحة مضاءة ، دون أن يتبين القارئ ملامحه بدقة . وكما يقول كيتس ، فإن " الفنان الأصيل هو الذى لا يفرض شخصيته عليك ، لأنه هو نفسه بلا شخصية " . ويذهب هنرى باير إلى أن من نقاط الضعف فى الرواية الفرنسية تلك المراقبة الشديدة للذات ، والتى تصل إلى حد تسلط الروائى على شخصياته ، لكن الفرنسيين أصبحوا يضيقون بتلك الشخصيات التى يكبلها الفنان بأفكاره ، دون أن يترك لهم حرية التصرف والمغامرة الذاتية . أزعم أنى كنت مؤمناً بذلك الرأى قبل أن أقرأه ، وقبل أن أقرأ لهنرى جيمس الرأى نفسه ، وإن زاد فدعا إلى اختفاء الفنان من عمله . الفنان مطالب بأن يخفض صوته إلى حد الهمس ، حتى يتحقق الإيهام بالواقع ، ولا يتحدث الفنان نيابة عن شخصياته ، وعلى حد تعبير فلوبير ، فإن الفنان فى عالمه الروائى صاحب القدرة على كل شيء ، رغم أنه لا يكشف عن ذاته . لعلى أتفق كذلك مع الرأى الذى يؤكد أن " كل القواعد التى توضع لفن ما ، إنما توضع لتخرق .. إن الشكل ينبثق من التجربة انبثاقاً طبيعياً . وعلى العكس ، يكون مقلداً بقدر ما يحاول أن يصب التجربة فى قالب جاهز مصنوع مسبقاً " ( الحياة ـ 28/11/1989 ) .
(يتبع)