النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: حديث القبور ؟! - قصة قصيرة

  1. #1 حديث القبور ؟! - قصة قصيرة 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    السعودية
    العمر
    54
    المشاركات
    66
    معدل تقييم المستوى
    15
    حديث القبور
    قصة قصيرة
    كتبها : أحمد كمال
    ( فيلسوف القصة )
    في نفس المكان ، وإن اختلف الزمان ، (( كافيتريا )) السوق الكبير ، حيث الزحام ، واختلاط الأقدام ، وتلاصق الأجساد ، واسمع من بين الضجيج ، صوت نواح ، واستعطاف ملاك ، سبق وسمعته ، ولم أرق له ، اندفعت نحو الصوت يرشدني ، أزيح من أمامي كل ما يعطلني ، حتى وصلت ، نفس الطاولة ، نفس الأشخاص ، وإن اختلفت الأسماء ، وملامح الوجه ولغة اللسان ، تبكي ابنته ، ويضربها بقسوة ، بعد أن طوحت بغير مقصد كوب العصير ، فانقضضت عليه أمنعه ، وقد أصابه ذهول ، وراح يبحلق في كأني مجنون ؟! إلا إنه وقر شيب لحيتي ، وطعن سني ، فرحت أقول بتوسل وخضوع :
    - لا تستقو على الضعيفة ، فيصبح الندم رفيقك ، حتى نهاية الخليقة .
    فنظر إلي وقد ساده هدوء ، وخشع قلبه للدمع المسكوب ، من نبع عيني المغمور ، ثم رحت أقول :
    - أتوسل إليك أمسك .... ولا تفقد ابنتك من أجل كوب عصير ؟!
    فملأ الرجل خضوع ، ودعوته ليسمع قصتي ، وابنته في حضرتي ، أزدناها بكوب آخر من العصير ، ورحت أقص عليه قائلاً :
    - قبل أن يشيب هذا الرأس ، كنت جالساً في نفس المكان ، معي زوجة ، وعندي ابنة ، أهداهما إلي الرحمن ، فطوحت ابنتي من على الطاولة نفس كوب العصير ، أخذتني العزة ، والطغيان ، ولطمتها بعنفوان ، فأصاب المسكينة ارتجاج ، وركضت بها إلى المستشفى ، لكن قد فات الأوان .
    ولم أتمالك نفسي فرحت أجهش في بكاء ، وتفيض دموع الندم ، والحسرة ، من عين الكبرياء ، وهو يواسيني ، ولما تمالكت نفسي رحت أمسح بيدي دموعي ، التي حفرت من غزارتها خدودي ورحت أكمل قائلاً :
    - لم أصدق ما جرى ، وأدركت عظيم قسوتي ، وحجم حقارتي ، وكيف أني بررت لنفسي استخدام فرط قوتي ، مع فلذة كبدتي ، بدمع الفراق غسلتها ، وبرموش العين كفنتها ، وبروحي القبر أنزلتها ، وهمست في أذنها ، وأنا أمسح بيدي على وجهها ، إني لن أتركها أبداً في هذه الظلمات ، وسأبقى معها حتى يأتيني الممات ، وبقيت على العهد أيام ثلاث ، وأنا أقيم على مشهد قبرها ، وأحضر لها الماء والطعام ، وأقسمت لها أني سأغنيها ، عن مر الحاجة ، وذل السؤال ؟ ولما أصابني إرهاق ، عدت إلى المنزل أختطف بعض الارتياح ، وهيهات ، هيهات ، فوجه بنيتي راح يطاردني بإلحاح ، وودت لو قطعت اليد التي طاوعتني ربما أرتاح ، فعدت إلى قبرها ، وكلي لهفة واشتياق ، وإذا بالطعام قد نفذ ، والشراب راح ؟! ووجدت على القبر منقوشاً كلام ، أريد منك يا أبي بعض الحاجيات ، فرحت أصيح لبيك بنيتي ، وأحضرت ما تريد ، وصرت أزورها كل أسبوع ، وأجد على القبر نفس الكلام المنقوش ، أبي بدأت المدرسة ، أحضر الكتب والكراسة ، وقلم ومحاية ، ولا تنس ممشطتي ، والمرآة ، وأنا تملأني سعادة ، صدق حدسي ، بنيتي تحيى تحت التراب ، ورحت ألبي ما تطلبه ؟!
    ومصمص الرجل شفتيه ساخراً ، وفي عينيه نظرة المكذب ، لكني رحت أكمل وأقول :
    - وكبرت بنيتي ، وانتقلت من مرحلة إلى مرحلة ، وأنا آتيها بكتبها ، وعاماً وراء عام ، كانت دائماً تنجح في الامتحان ، وتجتاز كل السنوات ، وتنقش على القبر ، أريد هدية ، فقد طلعت الأولى ، وأنا أحلق بجناحين من السعادة ، وأصيح بنيتي لا تزال موجودة ، ويمر عام ، وراءه عام ، وطلباتها تكبر ، وتزداد ، ولا أجد في سبيل تحقيقها أي شقاء ، أو ذرة من عناء ، حتى ذهبت إليها يوماً كما هو معتاد ، فلم أجد نقش على القبر ، ولا أي كلام ، فصرت كالمجنون ، أبحث عن رسالتها المنقوشة ، ربما في أي مكان ، وإذا ببنية أمامي شابة ، في قوامها ملفوفة ، كأنها بنيتي ، ولكنها ليست كذلك ، قبلتني على رأسي ، وهدتني وردة جميلة ، وشكرتني قائلة ( أنا يتيمة ) وأدركت الحقيقة ، وأن بنيتي قد ماتت ، وأنني ربيت اليتيمة ، وكفلت بعدها سبعمائة يتيمة ، وكلهن الآن موقرات في بيوتهن ، ولا أدعي أني كفرت الخطيئة ، فخطيئتي بحجم حبي لبنيتي ، وحبها ليس له في قلبي حد !!
    وإذا بكوب العصير من جديد يطيح ، ويفيض على الطاولة ، ويلطخ الثياب ، وكاد الرجل أن يصيح ، فارتمت الطفلة في أحضاني ، ولفت ذراعاها حول رقبتي باستغاثة ، ولكن كانت الدموع التي تنهمر من عيني الأب المفتون ، تبرد قلبه ، وتزيل الغشاوة ، فراح يصيح بفرحة وسعادة :
    - فداءك يا بنيتي تريليون كوباً من ا لعصير !!
    ومسح بيديه على شعر بنيته ، حتى ارتمت في أحضانه ، وبقى دفيء صدرها ، وحلاوة ملمس ذراعها ، حول رقبتي ، وكأن روح ابنتي ، باتت تحوطني ، فربما سامحتني ؟؟!!
    تمت ،،،،
    أحمد كمال سالم
    إنسان حر وحر وحر
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: حديث القبور ؟! - قصة قصيرة 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    المشاركات
    21
    معدل تقييم المستوى
    0
    استاذ أحمد الحياة كلها عبر ومواحظ .. ولكن من يتعظ في وقتنا وهذا الزمن .. لك مودتي
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد: حديث القبور ؟! - قصة قصيرة 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    السعودية
    العمر
    54
    المشاركات
    66
    معدل تقييم المستوى
    15
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الجبار الحمدي مشاهدة المشاركة
    استاذ أحمد الحياة كلها عبر ومواحظ .. ولكن من يتعظ في وقتنا وهذا الزمن .. لك مودتي
    ربما كنت صادقاً يا أخي وليس معنى هذا أن نتوقف عن التذكرة ؟!
    شكراً لمرورك الكريم
    مودتي
    أحمد كمال سالم
    إنسان حر وحر وحر
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. التفضيل في حديث القبور الدثر
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى إسلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 16/07/2014, 10:26 PM
  2. الأجداد لا يحبون القبور
    بواسطة سيومي خليل في المنتدى فسيفساء المربد
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 13/08/2009, 10:26 PM
  3. قصيدة بعنوان: صمت القبور...
    بواسطة محمد الصالح الغريسي في المنتدى الشعر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 20/01/2009, 09:38 AM
  4. ابن عباس ونبّاش القبور
    بواسطة عماد ابو رياض في المنتدى إسلام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 20/09/2008, 01:51 PM
  5. قصة قصيرة " يحدث ذلك كل صباح "
    بواسطة محمد عبده العباسي في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 22/01/2008, 09:18 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

عرض سحابة الكلمة الدلالية

ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •