بسم الله الرحمن الرحيم
( حكم أداء الصلاة المكتوبة على الكرسي)
لفضيلة الشيخ خاشع حقي
انتشرت في هذه الأيام ظاهرة ( الصلاة على الكرسي) في أكثر المساجد بدعوى أن المصلي عاجز عن أدائها قائماً فهل له أن يؤديها على تلك الصفة أو الهيئة...!؟.
تعالوا نناقش هذا الأمر بشيء من التفصيل مع الأدلة النقلية والعقلية:
أشهر حديث في هذا الموضوع قوله عليه الصلاة والسلام ( صلّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب...) ، ومنطوق الحديث أن المصلي له ثلاث حالات:
1- أداء المكتوبة قائماً ، 2- فإن عجز عن القيام فقاعداً 3- فإن عجز عن القعود صلى على جنب.
هذه هي الحالات الثلاث التي نص الحديث وليس فيه ( الصلاة على الكرسي) ، وهنا نسأل المجيزين لها على الوضعية المذكورة أي ( على الكرسي):
1- ترى هل كان الرسول عليه الصلاة والسلام عاجزاً أو غافلاً عن النطق ( بالصلاة على الكرسي) إذا لم يستطع المصلي أداءها قائماً ؟.
2- هل ورد في أقوال الصحابة أو أفعالهم أو التابعين ومن جاء بعدهم مروراً بالفقهاء الأعلام و الأئمة المجتهدين العظام وإلى ما قبل بدوّ هذه الظاهرة نص أو قول أو فعل يفيد جواز الصلاة ( على الكرسي) وخلال هذه العهود المختلفة والعصور المتطاولة....؟
ألم يكن الصحابة في ( صلاة التروايح) في المسجد النبوي يعتمدون على العصي من طول القيام ولا يعتمدون على الكرسي...؟!
والتراويح – كما معلوم – من النوافل التي يجوز فيها القعود وإن كان قادراً على القيام دون حرج أو أثم.
فلنتأمل في حياة الصحابة في هذا الأمر طويلاً فإنهم زرع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوصانا بالاقتداء بهم فقال : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).
وحذار أن تستخفنا الراحة البدنية أو الجسدية التي ننالها بالصلاة( على الكرسي) ، ترى كم ينالهم من المشقة في وقوفهم في التراويح وفيهم الشيخ الكبير و المريض وذو الحاجة...!
لكنهم لما وجدوا فيها برد قلوبهم وراحة نفوسهم وزاد أرواحهم ولذة أبدانهم أدوها واقفين لا قاعدين، رزقنا الله الاقتداء بهم.
ما على المصلين ( على الكراسي) إلا أن يراجعوا حساباتهم مع أنفسهم وإيمانهم فيؤدوا الفرائض قائمين ما استطاعوا لا ما استراحوا.
فاتقوا الله يا مصلون واقبلوا على العبادة بهمة عالية وإرادة قوية ولا تتعللوا بالأخذ بالأخف والأريح ما دمتم قادرين على القيام ولو بشيء من المشقة، وارتاحوا بالصلاة لا منها ، وتذكروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أقمها ي بلال وأرحنا بها ) ولم يقل :
وأرحنا منها...!
3- هل المجيزون الصلاة ( على الكرسي) مجتهدون أو أهل للاجتهاد ؟ وبأي دليل أجازوا الصلاة على تلك الهيئة التي لم يأت ذكرها في الحديث المنصوص عليه؟.
(( ولا اجتهاد في مورد النص )) والصلاة ( على الكرسي) تختلف عن الصلاة قاعداً فهي هيئة ووضعية مستحدثة ومبتدعة في أهم عبادة من عبادات الإسلام...!
4- ترى هل كان الفقهاء المجتهدون خلال عهودهم التي اختلفت باختلاف الأماكن والعصور غافلين عن هذا الحكم أو ( الكيفية) ولم يخطر على بال واحد منهم حتى ظهر هؤلاء فرأوهم مقصرين في هذا الحكم أو غافلين عنه ، أم كانوا ملتزمين نص الحديث ؟ والكراسي موجودة في أيامهم ( في دورهم ومجالسهم وأماكن محلاتهم) بل هي موجودة في عصر النبي عليه الصلاة والسلام وما قبل عصره منذ أيام نبي الله ( سليمان بن دواود) كما جاء في القرآن الكريم وربما قبل ذلك...! فوجوده قديم سواء في الجزيرة العربية أو عند الشعوب الأخرى...!
أرى أن ( أداء الصلاة على الكرسي) بدعة ظاهرة في الدين كما يبدو من تعريف البدعة التي تعني( أمراً مخترعاً في الدين يضاهي الشريعة الإسلامية)
والصلاة ( على الكرسي) أمر مخترع في العبادة وهيئة غريبة لا تتفق ونص الحديث المار الذكر وهو وضع خارج عن صريح الحديث و منطوقه.
كما لا يندرج تحت قوله تعالى :" فاتقوا الله ما استطعتم" لأن النبي عليه الصلاة والسلام بيّن لأمته ما باستطاعة المصلي أن يفعله إذا عجز عن أداء الصلاة قائماً بقوله الآنف الذكر وبقوله الآخر ) صلوا كما رأيتموني أصلي ) وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم قائماً ثم عجز عن القيام في مرضه الأخير فصلى قاعداً ( لا على الكرسي).
وإذا كانت الآية مجملة فقد جاء الحديث مبيناً لها كما في قوله تعالى:( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيل) ، فبيّن النبي عليه الصلاة والسلام الاستطاعة ( بالزاد والراحة) كما في قوله : ( من ملك زاداً وراحلة تبلغه بيت الله الحرام فلم يحج فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً ) وأحاديث أخرى بهذا المعنى.
وأخشى ما أخشاه أن تنقلب المساجد إلى الشبه بالكنائس التي يصلي فيها أصحابها ( على الكراسي) وقد أمُرنا بمخالفتهم.
ثم أن غالبية المصلين ( على الكرسي) من العوام يقلد بعضهم بعضاً وربما استطاب بعضهم بالجلوس على الكرسي لأنه أكثر راحة لا أنه عاجز عن القيام أو الوقوف – وهذا مخل بصلاته – لأنه ترك ما هو قادر علي وإن ناله شيء من المشقة واختار ما يريحه لا ما يستطيعه والفرق واضح والحديث ينص على ) فإن لم يستطع...) فضلاً عن أنه يضيق على المصلين ويجعل صفوفهم غير منتظمة ولا مستوية، واستقامة الصفوف في الصلاة واستواؤها من الصلاة ذاتها ومن تمامها.
وخلاصة الكلام:
إن المصلي عليه أن يصلي حسب استطاعته لا حسب راحته وكما يحلو له ، قائماً ما أمكن فإن عجز عن القيام فقاعداً ولكن لا( على الكرسي) ، كما يجلس في بيته ويأخذ الهيئة أو الوضعية التي تريحه في قعوده ولا تشق عليه لكنه في هذه الحال يجعل سجوده أخفض من ركوعه وإن لم تلمس جبهته الأرض وإن كان ماداً رجليه نحو القبلة فإن ذلك لا يضر ولا ينقص من صلاته للآية الكريمة ( فاتقوا الله ما استطعتم) ، فإن عجز عن القعود صلى على جنب جاعلاً رأسه إلى الغرب ورجلي نحو الشرق وصدره باتجاه القبلة ويومئ إيماءً.
هذا ما تبين لي ، والله أعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل والحمد لله رب العالمين
الشيخ خاشع ابن الشيخ إبرهيم حقي العلواني.