سرخان والماسورة :القصة الحقيقية لأول مرة

[ماجد عرب الصقر]

قليلون هم الكتاب والمثقفون العرب الذين يعرفون حقيقة بطل قصيدة الشاعر العربي التقدمي والمناضل توفيق زياد أبا الأمين رئيس بلدية الناصرة المحتلة منذ العام 1948م،ذلك ان رائعة الشاعر :"سرحان والماسورة"التي تم تلحينها وغنائها من قبل فرقة العاشقين الفلسطينية،أمست تتردد على ألسنة الأطفال والشباب العربي خاصة في المناطق العربية التي تواجه الغزو والإحتلال كما في فلسطين ولبنان والعراق .
إن سرحان هو الإسم الحركي لقائد ثورة الفلسطينيين العرب في منطقة "بيسان" في العام 1936 والتي عرفت بالثورة الفلسطينية الكبرى التي كادت أن تحقق الإستقلال الفلسطيني لولا مراهنة الدول العربية السبع آنذاك على دور سياسي لدولة الإحتلال بريطانيا! مما أجهض الإضراب الفلسطيني الطويل!
سرحان هو القائد الشهيد حسين علي ذياب درويش الزبيدي من قبيلة عرب الصقر التي كانت تقطن منطقة جنوب مدينة بيسانوالتي كانت تمتهن تربية المواشي والزراعة معا وعرف عن ابنائها نزعتهم الوطنية والعروبية والإستقلالية،إذ إنخرطوا مع القائد العربي الفلسطيني الإستقلالي "ظاهر العمر الزيداني" حاكم المنطقة من عكا حتى مدينة صور اللبنانية،وساهموا معه في إقامة مايمكن تسميته أول دولة عربية فلسطينية مستقلة ،وصل فيها الأمن وألأمان درجة غير مسبوقة في كل المنطقة إلى درجة أن المرأة الجميلة كانت تقطع البلاد دون أن يتعرض لها رجل!
تتحدث القصيدة الرائعة لتوفيق زياد أن سرحان استشهد في معركة نسف أنبوب النفط العربي الذي يخدم بريطانيا،إلأ أن الصحيح أن الشهيد لم يصب بأذى في هذه المعركة بل واصل نضاله وشارك مع مجموعة من الفدائيين من أبناء قبيلته في عدة معارك طاحنة مع الإحتلال البريطاني البغيض الذي هتك أعراض الفلسطينيين وأعطى أرضهم لعصابات صهيون!
من المعارك الكبيرة التي خاضها القائد الشهيد سرحان أو حسين العلي معركة نهر العاصي -نهر صغير وقصير قرب بيسان-عندما أعلمه أحد عيونه المتجولة في المنطقة عن إستحمام سرية من الحيش البريطاني في بركة من ماء النهر تحرسها دبابة على برجها جندي ورشاش ثقيل!
تحرك الشهيد بسرعة مع ابناء عمومته الصقور بعد ان وضع خطة يتولى بموجبها هو قنص الجندي على برج الدبابة ثم الإستيلاء على رشاشه ليصار بعدها إلى رش رؤوس الجنود بالرصاص وهم يسبحون ،حيث قتل اكثرهم برصاص البنادق الألمانية التي كان يفضلها الثوار وقتل الباقين غرقا من جبنهم وهلعهم!
كان سرحان بدويا ماهرا في القتص ،إذ كان في صغره يرعى الماشية ويستخدم "خرطوش"أهله في قتل الضباع والذئاب التي تهاجم قطيعه ،وكثيرا ماكان يصيد العصافير والحمام مما أكسبه شهرة واسعة في دقة الإصابة والقنص ،أهله لاحقا كي يتقدم على رفاقه في قيادة سرايا الجهاد.
ومن المعارك الأخرى العظيمة التي لم ينشر عنها إلأ الآن ،إغتيال الشهيد القائد حسين العلي لمدير المستعمرات الصهيونية في بيسان المدعو "حاييم":كان سرحان يعلم ويسمع عن القصص التي تمجد وتعظم المسدس الذي يحمله "حاييم"والذي يقع بين المسدس الشخصي والرشاش الصغير ،والذي قد يكون الوحيد من طرازه في فلسطين آنذاك!
أقسم سرحان أمام فدائييه لبقتلن "حاييم"بطلقة واحدة من بندقيته الألمانية مستغلا براعته في القنص! حيث كمن له غربي نهر الأردن ببضع مئات من الأمتار على جانب الدرب الترابي الذي يربد مدينة بيسان بالنهر!زما أن وصلت سيارة "حاييم" على بعد مائة متر من الكمين حتى دوت طلقة سرحان من شباك السيارة لتغور في عنق "حاييم"،تلا ذلك إنقضاض سرحان على مسدس القتيل!
وكان القائد الشهيد يعتمد في نقل تقاريره وإستلام مساعدات السلاح من مركز قيادة الثورة في دمشق ،على شاب صغير العمر قليل الجسد ،عظيم القلب هو الفدائي المرحوم عبدالرحمن نويران الصقر ابو خالد الذي كان يقود قافلة البغال من أطراف بيسان إلى دمشق في ليلة واحدة ،ويعود محملا بالأسلحة والمؤن والملابس،وكان يرتدي نظارة زجاجية سميكة تظهره كطبيب ،وكلما سأله عابر سبيل أو جاسوس حدود عن عمله يقول ابو خالد عن نفسه أنه:دكتور! فذهب اللقب عليه حتى وفاته في نهاية السبعينيات من القرن الماضي في مخيم الحصن بالردن ثم مايزال اللقب يطلق على ذريته القاطنين في بلوك 4 في المخيم ذاته حتى هذه اللحظة!
وقد أخبرني الشيخ عبدالله رراشد المرشد الصقور ابو سليمان _عمره الآن تسعون سنة أو يزيد- ويقطن في بلوك 4 في مخيم الحصن أنه كان في الخامسة عشرة من عمره عندما إشترك في المعركة التي أستشهد فيها القائد سرحان في جبينه مواجهة مع سرية لجيش الإحتلال البريطاني باغتتهم فجأة في أحد بساتين بيسان!