في يوم 9 غشت 2009 ، حلت الذكرى الأولى لغياب شاعر فلسطين الكبير محمود درويش، وهي المناسبة التي أغتنمها لكي أهديَ إخواني المربديين رائعته: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة" ، مع الترحم على روحه الطاهرة .
ــــــــ

يعتبر محمود درويش علامة بارزة في إرساء وتطوير قصيدة التفعيلة (على الخصوص)، في الشعر العربي المعاصر .
وقد اشتهر، في بداياته كواحد من فرسان شعر المقاومة، إلى جانب سميح القاسم وتوفيق زياد وسليم جبران وغيرهم ، فارتبط شعره ارتباطا وثيقا بالقضية الفلسطينية ، إلى الحد الذي جعل شاعرَنا يتضايق ، بعض الشيء من ذلك، وكان يجتهد في أن ينتبه القراء والنقاد ومتلقي شعره، إلى جانب الموضوع/ القضية، إلى فنية شعره وشعرية قصائده، وإنسانية ثيماته... وكأنه كان يريد أن يقول لنا: " إن الشعر الرديء لا تسمو به القضية" ! وله أيضا صيحة مشهورة، في وجه النقاد عندما صرخ، منذ ما يقرب من أربعة عقود : "ارحمونا من هذا الحب القاسي"، لأن النقد كان يرحب ويحتفي بحماسة كبيرة، بشعر المقاومة (كمضمون)، ويتغاضى ربما عن هناته، ولا يلتفت كثيرا إلى جماليات الشعر وفنيته ...
ما ميز شعر محمود في العقدين الأخيرين من حياته، إضافة، إلى حرصه المتواصل على تطوير التجربة والارتقاء بجمالياتها، تأمله العميق وحواره الراقي مع الموت، بعد تجربته المتكررة مع جراحة القلب . وهو الذي يخاطب الموت (في الجدارية) قائلا :

"هَزَمَتـْك يا موتُ الفنونُ جميعُها،

هَزَمَتك يا موتُ الأغاني في بلادِ الرافدينِ،
مسلـَّة ُ المصري، مقبرة ُ الفراعنة،
النقوشُ على حجارةِ معبدٍ . هَزَمَتك
وانتصَرتْ وأفـْلـَتَ من كمائِنِكَ الخلودُ،
فاصنعْ بنا، واصنع بنفسِك ما تـُريدُ..." .

وما ميز محمود درويش أيضا تفاؤله وحبه للحياة ، رغم المآسي والأحداث الجسام التي عرفتها القضية الفلسطينية، ورغم داء القلب الذي اضطره إلى إجراء ثلاث عمليات جراحية عليه، أدت الأخيرة إلى وفاته) .

رحمة الله على محمود درويش، وإليكم إخواني شعره المتفائل :


"على هذه الأرض ما يستحق الحياة" .
ـــــــــــــ

تردد إبريل،
رائحة الخبز في الفجر،
آراء امراة في الرجال،
كتابات اسخيليوس،
أول الحب،
عشب على حجر،
أمهات يقفن على خيط ناي
وخوف الغزاة من الذكريات .
على هذه الأرض ما يستحق الحياة،
نهاية أيلول،
سيدة تدخل الأربعين بكامل مشمشها،
ساعة الشمس في السجن،
غيم يقلد سربا من الكائنات،
هتافات شعب لمن يصعدون إلى حتفهم باسمين
وخوف الطغاة من الأغنيات .
على هذه الأرض ما يستحق الحياة .
على هذه الارض سيدة الأرض،
أم البدايات،
أم النهايات:
كانت تسمى فلسطين،
صارت تسمى فلسطين .
سيدتي، أستحق لأنك سيدتي،
أستحق الحياة .


ــــــــــــــ
م.حجاجي