الجزيرة - المحرر الثقافي :

بعد ما يقارب ثلاثة عقود من الزمن يعيد الأديب الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن محمد الفيصل إحياء الشاعر الأموي الصِّمة بن عبدالله القشيري ليكون متداولا سائراً كما كان عام 1401هـ عندما نشر النادي الأدبي بالرياض هذا الديوان ونفدت جميع نسخه؛ فتعالت أصوات الأدباء والمثقفين تطالب بإعادة طبع الديوان، فهو المرجع الوحيد والفريد لشعر الصمة فقد استقصاه وجمعه د.الفيصل من بطون أمهات الكتب ومن المخطوطات وأمضى في تنقيحه أياماً وليالي طوالاً وهو صاحب الخبرة الواسعة في مجال التحقيق والتدقيق التاريخي ولعل مجلدات شعر القبائل التي أصدرها د.الفيصل قبل عقود تشهد بذلك في مقدمتها شعراء بني قشير في الجاهلية والإسلام حتى آخر العصر الأموي في مجلدين، وشعراء بني عقيل وشعرهم في الجاهلية والإسلام حتى آخر العصر الأموي جمعاً وتحقيقاً ودراسة في مجلدين، وشعراء المعلقات العشر في مجلدين، وغيرها من الكتب الثقافية والأدبية التي أثرى بها الساحة التي تربو على العشرين مؤلفا.

ويشير المؤلف إلى أهمية الديوان وجدارته بالدراسة والتحقيق بقوله: (ديوان الصمة بن عبدالله القشيري جدير بالاهتمام وتقريبه إلى يد القارئ، فشعر الصمة من الشعر المحبب إلى النفس، لأنه شعر وجداني، نابع من أعماق النفس، فهو إما غزل في ريا أو تذكر للوطن (نجد)، وما يتخلل الغرضين من وصف يسترسل فيه الشاعر، وهو من لوازم الغزل والتعرف على الوطن، فالديوان خال من المدح ومن الفخر ومن الرثاء أما الحكمة فقد ترد في الغزل أو الحنين إلى الوطن، فالديوان يترجم كلمة شعر إلى واقع يعيشه القارئ من أول بيت إلى آخر بيت، فالتجربة الشعرية تتوافر في القصائد لأن الفن العالي للشعر يقدم نفسه للقارئ قبل أن يبحث عنه.

ويؤكد د.عبدالعزيز أسباب اختياره لديوان الصمة وخصه بالدراسة عندما يقول: (وعملي في ديوان الصمة يتوافر في جمع الشعر وتحقيقه وشرحه وهذه الأمور الثلاثة تحدد الموضوع، فأهمية الموضوع تتكئ على جودة شعر الصمة وسيرورته في مؤلفات الأدب والنحو والبلاغة واللغة والتفسير وكتب الحب العذري، وشرح الشواهد التي ترد في التفسير والنحو، فالاتجاه إلى هذا العمل مرتبط بالعناية بتراث الأمة، بالإضافة إلى معرفتي لبلاد الشاعر، وربط الشعر بالمكان حيث أقف على التجربة الشعرية لدى الشاعر بسهولة، فأنظر إلى الأعلام التي نظر إليها- هذا هو الشيء الذي يتميز وينفرد به الدكتور الفيصل من بين المؤرخين والأدباء فكل شيء يكتب عنه يربطه بواقع المكان الفعلي فهو ليس كالذي يكتب عن مكان أو بلد شاعر ما وهو لا يعرف عنها شيئا وهذا الأمر له ارتباط وثيق بالدلالات الشعرية التي قد ترد في قصائد الصمة أو غيره بالإضافة إلى خبرة د.الفيصل الواسعة والعريقة في مجال التحقيق والتمحيص - وأسير في المكان الذي جال في ذاكرته فأسترشف شعور الشاعر، وأعيش معه، فالهدف من نشر هذا الشعر هدف سام يندرج تحت العناية باللغة العربية ونشر الشعر الجيد ليقرأ ويستفاد منه، وتستقر شواهده في ذاكرة كل محب لشعر القرن الأول بكل ما فيه من قوة وكمال، وقد حرص المحقق على توافر المعلومات الموثقة، والمنهج الموافق لعرف المحققين في عصرنا هذا، فقد جعل الأمرين نصب عينيه فلا يبتعد عن المنهج ولا ينسى التوثيق.

وقد صدر الديوان بتمهيد يشتمل على نسب الصمة، وبلاده التي نشأ فيها وقصة زواجه من ابنة عمه ريا التي لم تكتمل، ورحلته إلى الشام ثم الانضمام إلى جيوش المجاهدين في سبيل الله، ووفاته في طبرستان، كما يشتمل على ديوانه الذي أشار إليه ابن النديم. وأوردت القصائد والمقطعات بعد التمهيد، وعملي في جمع الشعر وتحقيقه وشرحه هو عمل المحقق الحريص على تراث أمته، فقد بحثت عن ديوان الصمة الذي أشار إليه ابن النديم فلم أعثر عليه، بالرغم من الاستقصاء، وتتبع فهارس المخطوطات، والاطلاع على الكثير منها، ولذلك لجأت إلى جمع هذا الشعر من هذه المصادر المخطوطة والمطبوعة. ومنهجي في التحقيق هو الاعتماد على المصادر القديمة. إلا إذا كان جل القصيدة أو المقطعة في مصدر لم يكن الأقدم فإني أقدمه، فذكر المصادر بحسب قدمها والثقة فيها، وإذا نسيت بعض أبيات القصيدة لشاعر آخر ذكرته، معتمدا على المصدر الذي نسب البيت أو الأبيات للشاعر الآخر، ثم أذكر الأبيات التي ذكرتها المصادر بدون عزو.

وإذا اختلفت الرواية بين مصدر وآخر فإنني أذكر الاختلاف، فالرواية المثبتة هي رواية المصدر الأقدم أو المصدر الذي تتوافر فيه القصيدة أو أكثر أبياتها، أما الروايات الأخرى فأثبتها في القسم الأخير من التخريج وهو المعنون بالاختلاف في الرواية.

ويشير المؤلف إلى منهجه في ترتيب القصائد والمقطعات عندما يقول: (وقد رتبت القصائد والمقطعات هجائياً مع ذكر بحر القصيدة والإشارة إلى رقمها، وجعلت شرح الألفاظ والتعريف بالأعلام والقبائل والأماكن بعد الشعر مباشرة، ولم أهمل الشعر بل أوردته مضبوطا بالشكل.

وشعر الصمة ليس بالكثير ولكن صعوبة جمعه تكمن في توافره في كتب التراث المختلفة، فكتب النحو وحدها تكون مجموعة كبيرة، فكيف بكتب اللغة والتفسير وشرح شواهد التفسير وشرح شواهد النحو إلى غير ذلك من الكتب المختلفة، ومن الصعوبات التي واجهتها الترتيب الزمني للقصائد والمقطعات، فالوصول إلى زمن قول القصيدة أو المقطعة أمر صعب، فهذا التعتيم الزمني حجب المناسبات التي تساعد القارئ على الاتصال بالشاعر في زمن قول القصيدة أو المقطعة.

وبعد: فالديوان نشره النادي الأدبي في الرياض سنة 1401هجرية: أي قبل أكثر من ربع قرن، السؤال عن توافره مستمر مما دفع المحقق إلى إعادة نشره والله الموفق).

ويقع ديوان الصمة في مائة وثلاث وستين صفحة من القطع المتوسط وهو في مجلد فاخر الأمر الذي ييسر على مقتنيه الاحتفاظ به لمدة طويلة جداً، فالشكر موصول لمؤلف الكتاب الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن محمد الفيصل على نشر الطبعة الثانية من هذا الديوان الذي سد ثغرة كبيرة على الباحثين في مجال التراث والأدب.





المصدر