قرأت في كتاب "المبهج" لابن جني في شرح أسماء شعراء الحماسة- هذه الجملة من الكلام المتميز، فوجدت فيها موضوعا بلاغيا، فأحببت أن يشاركني فيه الإخوة والأخوات لعله يكون موضوع تفاعل وإثراء بيننا!
****
فإن قيل: قد ثبت بما قدمته وأخرته حال الأعلام في انقسامها واختلاف حالها في أنفسها، وحال ما علقت عليه وعبر بها عنه، ولكن خبرنا من بعد عن الحاجة إلى وقوع الأعلام في تصاريف هذا الكلام!
قيل: إنما وضعت الأعلام لضرب من الاختصار وتنكب الإكثار، وذلك إن الاسم الواحد من الأعلام قد يؤدي بنفسه تأدية ما يطول لفظه ويمل استماعه؛ ألا ترى أنك إذا قلت: كلمت جعفرا- فقد استغنيت بجعفر عن أن تقول: الطويل البزاز الذي نزل مكان كذا وكذا، ويدعى ولده كذا، ومبلغ تجارته كذا، ويلبس من الثياب كذا، ويتعاطى من كذا كذا، إلى ما يطول ذكره، ثم لا يستوفى؛ لأنه لا يمكنك في التفصيل أن تذكر جميع أحواله التي تخصه، ولعلك أنت أيضًا إنما تعرف القليل منها، فكان ذلك يكون مؤديًا إلى الاطالة وربما لم يستوف الغرض والبغية.
فلما رأوا ذلك كذلك أنابوا عن جميعه اسمًا واحدًا علمًا يغني عن الإطالة والملالة وقصور المعنى مع حسور المنة، ولهذا قال أصحابنا: إن الأعلام لا تقيد. يريدون بذلك أن الاسم الواحد من الأعلام يقع على الشيء ومخالفه وقوعًا واحدًا، ولا يقال: إن أحدهما حقيقة، والآخر مجاز؛ ألا ترى أن زيدًا قد يقع علمًا على الأسود كما يقع علمًا على الأبيض، وعلى القصير كما يقع علمًا على الطويل. ويجوز أن توقعه علمًا على السواد والبياض وقوعًا واحدًا حتى لا يكون أحد الضدين أولى به من صاحبه.
وليس كذلك الأوصاف ولا أسماء الأجناس من حيث كان كل واحد منهما مقيدًا؛ ألا ترى أن الطويل لا يقع عبارة عن القصير كما يقع زيد عبارة عن الطويل والقصير موقعًا واحدًا لا مزية لأحد الأمرين به على صاحبه؟
والأجناس أيضًا مقيدة؛ ألا ترى أن رجلًا يفيد صيغة مخصوصة، ولا يقع على المرأة من حيث كان مقيدًا. وزيد يصلح أن يكون علمًا على الرجل والمرأة، وكذلك ثوب وكوز وكرسي ونحو ذلك كله مفيدًا.