عنوان البحث
دراسة كتاب
يتيمةُ الدَّهْر في محاسنِ أهْلِ العَصْر
للثعَالبـي






مخطَّط البحث
1- ترجمة المؤلِّف.
2- موضوع الكتاب.
3- تقسيم الكتاب ومحتواه.
4- غرض المؤلِّف من كتابِه.
5- تأليف الكتاب.
6- منهج المؤلِّف في كتابه.
7- خصائص الكتاب:
آ- ندرة النقد
ب- اختلاف الترجمة في الطول والقِصَر
ج- تضمن الكتاب مختارات من النثر إضافةً إلى الشعر.
د- التأنُّق في العبارة.
هـ- غلبة الاختيارات الغزلية.
و- كَثْرة المجون.
ز- قلة التراجم والأخبار.
ح- تقديم المؤلِّف شعراء الشامّ وتحيُّزه لهم.
8- كتبٌ سبقت اليتيمة.
9- كتبٌ تلتِ اليتيمة.
10- طبع الكتاب.
11- تقييم الكتاب.
12- نموذج من الكتاب.

يَتيمَةُ الدَّهْر في محاسِنِ أهْلِ العَصْر
للثعالبي
ترجمة المؤلِّف: (350 – 429 هـ)
هو أبو منصور عبد الملِك بن مُحمَّد بن إسماعيل الثَّعالبيّ. وُلِدَ في نيسابور سنة 350 هـ.
و(الثعالبي) نسبةً إلى خياطة جلودِ الثَّعالبِ وعملها. قيل له ذلكَ لأنه كانَ فرّاءً.
قال ابن بسّام صاحب كتاب ((الذخيرة)) في حقّه:
((كان في وقته راعي تلعات العلم، وجامع أشتات النثر والنظم، رأس المؤلفين في زمانه، وإمام المصنّفين بحكم قرانه، سار ذكره سير المثل، وضُرِبَت إليه آباط الإبل، وطلعت دواوينه في المشارق والمغارب طلوع النجم في الغياهب. وتواليفه أشهر مواضع، وأبهر مطالع، وأكثر راوٍ لها وجامع من أن يستوفيها حدّ أو وصف أو يوفيها حقوقها نظم أو رصف)). اهـ
وقال فيه الباخرزي:
((إنَّ الثعالبي هو جاحظ نيسابور، وزبدة الأحقاب والدهور، لم تر العيون مثله، ولا أنكر الأعيان فضله)) اهـ
وذُكِرَ له طرفٌ من النثر والنظم فمن شعره ما كتبه إلى الأمير أبي الفضل الميكالي:

لك في المفاخر معجزاتٌ جمّةٌ
بحران: بحرٌ في البلاغة شابه
وترسل الصابي يزين علوّه
كالنور أو كالسحر أو كالبدر أو
وإذا تفتّق نور شعرك ناضراً
أزجلت فرسان الكلام ورضْتَ أفـ
ونقشت في فص الزمان بدائعاً

أبداً لِغيركَ في الورى لم تُجمَعُ
شعر الوليد وحسن لفظ الأصمعي
خطّ ابنُ مُقلَةَ ذو المحلّ الأرفع
كالوشي في بردٍ عليه موشّع
فالحسن بين مرصّع ومصرّع
ـراس البديع وأنت أمجد مبدع
تزري بآثار الربيع الممرع



وله من الكتب (يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر) وهو أكبر كتبه وأجمعها. وفيه يقول أبو الفتوح نصر الله بن قلاقس الإسكندري:
أبياتُ أشعارِ اليتيمهْ
ماتوا وعاشَت بعدهمْ
أبكار أفكارٍ قديمَـهْ
فلذاك سُمِّيَت اليتيمَــهْ


وله أيضاً (فقه اللغة وسرّ العربية) و(سحر البلاغة وسرّ

البراعة) و(من غاب عن المطرب) و(مؤنس الوحيد) و(التمثيل والمحاضرة) و(النهاية في الكناية) و(ثمار القلوب) ومصنّفات أخرى جمع فيها أشعار الناس ورسائلهم وأخبارهم.
كانت وفاته -رحمه الله- سنة 429 هـ.(1)
موضوع الكتاب


:
يحوي هذا الكتاب بينَ دفّتيه اختياراتٍ شعرية ورسائلَ فنية وأخباراً أدبية لِشعراء وأدباء من القرن الرابع وصدر من القرن الخامس مرتّبة بحسب الأماكن والأصقاع التي كانت تمتدّ عليها رقعة الدولة العربية الإسلاميّة.
وهذه الحِقبَة على ما فيها من التفرُّق والتمزُّق تُعَدّ أزهى حقب الزمان في العلوم والفنون.(1)
تقسيم الكتاب ومحتواه:
وندع الكلام هنا لِصاحب الكتاب فقد قال في ديباجته:
(( ثم إنَّ هذا الكتاب المُقَرَّر ينقسم إلى أربعة أقسام يشتمل كل قسم منها على أبواب وفصول:
القسم الأول: في محاسن أشعار آل حمدان وشعرائهم وغيرهم من أهل الشام وما يجاورها ومصر والموصل والمغرب ولمع من أخبارهم.
القسم الثاني: في محاسن أشعار أهل العراق وإنشاء الدولة الديلمية من طبقات الأفاضل وما يتعلق بها من أخبارهم ونوادرهم وفصوص من فصول المترسلين منهم.
القسم الثالث: في محاسن أهل البال وفارس وجرجان وطبرستان وأصفهان من وزراء الدولة الديلمية وكتابها وقضاتها وشعرائهم وسائر فضلائها وما يُضاف إليها من أخبارهم وغرر ألفاظهم.
القسم الرابع: في محاسن أشعار أهل خراسان وما وراء النهر من إنشاء الدولة السامانية والغزنية والطارئين على الحضرة ببخارى من الآفاق والمتصرفين على أعمالها وما يستطرف من أخبارهم وخاصةً أهل نيسابور والغرباء الطارئين عليها والمقيمين بها ))(2)
ولاختصاصنا بالقسم الأول من الكتاب نعود إليه مفصّلين فقد جعله عشرة أبواب:
- الأول: في شعراء الشام وتفضيلهم على شعراء سائر البلدان، وقد خصَّ هذا الباب بذِكر الأدلّة على تفضيلهم والسبب في تبريزهم.
- وفي الثاني: جاد بطرائف من أخبار سيف الدولة وملح من أشعاره، ويظهر أنه كان متأثراً به شديد الحب له إذ أشاد بذكره والثناء عليه.
- وفي الثالث: ذكر أبا فراس وعُنِيَ بأشعاره فجمع منها جملةً صالحة هي أغلب ديوانه ثم قسّمها أقساماً بحسب معانيها وأفرد لِقصائده الروميات قسماً خاصاً ثم ختمه بمزدوجته الطردية.
- وفي الرابع: ذكر آل حمدان وأشعارهم وطائفةً من شعراء الشام فعَدَّ فيه أربعة عشر شاراً جلّهم من المغمورين.
- وأفرد الباب الخامس لأبي الطيب المتنبي وتوسّعَ فيه جداً.
- وفي السادس: ذكر الشعراء الثلاثة: النافي والناشئ والزاهي.
- وخصَّ السابع بأبي الفرج الببغاء.
- وفي الثامن: ذكر الخليع الشامي والوأواء الدمشقي وأبا طالب الرقي.
- وفي التاسع: عمد إلى ملح أهل الشام ومصر والمغرب والأندلس وطرف من أشعارهم ونوادرهم فعدّ خمسةً وستين شاعراً.
- وفي العاشر: أورَدَ أشعار الموصلين ولكنه خصَّ السري بقسم كبير منه ثم ذكر الخالدين أبا بكر وأبا عثمان وأتبعَهما بأبي بكر بن الخباز وعبيد الله البلدي وبذلك يتم القسم الأول من الكتاب.

غرض المؤلف من كتابه:
كان الثعالبي مُعجَبَاً بأشعار معاصريه أيّما إعجاب حتى وصف تلك الأشعار بأنها:
(( تكاد تخرج من باب الإعجاب إلى الإعجاز، ومن حدّ الشعر إلى السحر ))(3)
وقد خُشِيَ أن يكون للشعراء السابقين على عصره إثبات جمعها علماء الأدب من عيون الشعر وفنونه ولا يكون لِشعراء عصره مَن يتصدّى لِمثل ذلك فنَدَبَ نفسه للاضطلاع بهذا العبء.
وقد أشار المؤلِّف في مقدمة كتابه إلى هذا فقال:
(( وقد سبق مؤلّفو الكتب إلى ترتيب المتقدمين من الشعراء والمتأخرين وذكر طبقاتهم ودرجاتهم وتدوين كلماتهم والانتخاب من قصائدهم وتطوعاتهم فكم من كتابٍ فاخِر عملوه وعِقْد باهر نظموه لا يشينه الآن إلاّ بنو العين عن إخلاق جدته وبلى بردته ومج السمع لمردداته وملالة القلب من مكرراته وبقيت محاسن أهل العصر التي معها رواء الحداثة ولذّة الجدة وحلاوة قرب العهد وازدياد الجودة على كثرة النقد غير محصورة بكتاب يضمّ بنشرها وينظم شذرها ويشد أزرها ولا مجموعة في مصنف يقيد شواردها ويخلو فوائدها ))(4)
تأليف الكتاب:
صنَّف المؤلف كتابه مرتين؛ الأولى سنة 384 هـ وهو في مقتبل الشباب، وقد كتبه في مدة تقصر عن إعطاء الكتاب حقّه ثم أعاد النظر فيه أخرى وغيرَّ ترتيبه وجدّدَ تبويبه حتى ارتضى له الرصف الذي نجده عليه اليوم.
يقول في المقدمة:
(( وقد كنت تصدَّيتُ لعمل ذلك في سنة أربع وثمانين وثلاثمئة والعمر في إقباله والشباب بمائه فافتتحته باسم بعض الوزراء مُجرياً إياه مُجرى ما يتقرَّب به أهل الأدب إلى ذوي الأخطار والرتب، مقيماً ثمار الورق مقام نثار الورق وكتبته في مدة تقصر عن إعطاء الكتاب حقه.
ولا تتسع لتوفيته شرطه فارتفع كعجالة الراكب وقبسة العجلان وقضيت به حاجة في نفسي وأنا لا أحب المستعيرين يتعاورونه والمنتسخين يتداولونه… فاختلست لمعة من ظلمة الدهر وانتهزت رقدة من عين الزمان واغتنمت نبوة من أنياب النوائب وضِفة من زحمة الشوائب واستمررت في تقرير هذه النسخة الأخيرة وتحريرها من بين النسخ الكثيرة بعد أن غَيَّرتُ ترتيبها وجددت تبويبها وأعدّت ترصيفها وأحكمت تأليفها ))(1)

منهج المؤلف في كتابــه:
يشرح المؤلف منهجه في مقدمة كتابه فيقول:
(( والشرط في هذه الأخرى -نسخته الأخيرة- إيراد لبّ وجبة القلب وناظر العين ونكتة الكلمة وواسطة العقد ونقش الفص مع كلام في الإشارة إلى النظائر والأحاسن والسرقات وأخذ في طريق الاختصار ونبذ من أخبار المذكورين وغرر من فصوص فصل المترسلين يميل إلى جانب الاقتصار فإن وقع خلال ما أكتبه البيت والبيتان ممّا ليس من أبيات القصائد ووسائط القلائد فلأن اللام معقود به والمعنى لا يتم دونه ولأنّ ما يتقدمه أو يليه مفتقر إليه أو لأنه شعر ملك أو أمير أو وزير أو رئيس خطير أو إمام من أهل الأدب والعلم كبير ))(2)
خصائص الكتاب:
ونلحظ في الكتاب الأمور الآتيــة:
1- ندرة النقد:
فقد اقتصر جُلُّ عمل الثعالبي على ذكر ما اختاره من النظم والنثر وما يتصل به من أخبار دون نقد له إلا في القليل النادر، ومن هذا القليل ما فعله عندما أورد أبياتاً لأبي فراس الحمداني كان آخرها:
وصرنا نرى أن المُتارِكَ محسن
وأنَّ خليلاً لا يضرّ وصول

فقال: كأنّه مأخوذ من قول المتنبي:
إنّا لَفي زمن تَرْك القبيح به
من أكثر الناس إنعامٌ وإفضالُ(3)

2- اختلاف تراجمه في الطول والقصر:
فبينما نراه يستفيض في أشعار أبي فراس والمتنبي نراه يقتضب في ذكر شعراء آخرين كما هي الحال في ترجمته لأبي قاسم الشظمي(1) يقول الثعالبي فيه:
(( قال يصف نمرقة رآها بجنب سيف الدولة:
نمرقة منها استعا
فيها لِمن يبصر من
كأنها دارت على
ر الروض أصناف المُلَحْ
ريش الطواويس مُلَحْ
سمائها قوسُ قُزَحْ(2)



3- تضمَّنَ الكتاب مختارات من النثر إضافة إلى الشعر:
فقد جعل لرسائل الكتّاب نصيباً في كتابه إلى جانب الشعر. ومن ذلك فاذكره في ترجمته لأبي الفرج عبد الواحد الببغاء يقول الثعالبي:
(( كتب إلى سيف الدولة يذكر منصرفه من بعض الغزوات ظافراً إلى الثغر ومقامه على ابن الزيّات صاحبه وقد عصى عليه وأخذه إياه وانكفاءه بعد ذلك إلى حلب:
الرياسة -أيد الله سيدنا- حلة مرموقة ومرتبة مرموقة يتفاضل الناس فيها بقدر الهجم وينالونها بحسب مراتبها من الكرم فما تدرك إلا بالسماح ولا تملك إلا بأطراف الرماح ولا تتقمَّص إلا بالحمد ولا تخطب إلا بلسان المجد فكل من أدركها طلباً واستحقها بأفعاله لقباً من غير الدخول لسيدنا تحت شرف التعبُّد ورقّ الإخلاص لا التودُّد فقد حرم الكمال وعدل عن الحقيقة إلى المحال))(3)
4- التأنُّق في العبارة:
فقد حرص المؤلف في كتابه على جمال الصياغة فقلّ أن يخلو كلامه من محسن بديعي.
ولعل هذه الطريقة في الكتابة هي التي كانت ذائعة في ذلك العصر ومن ذلك ما كتبه في ترجمته لأبي محمد الحسن بن علي بن وكيع التينسي قال:
(( شاعر بارع وعالم جامع قد بحث في إبانه على أهل زمانه فلم يتقدمه أحد في أوانه وله كل بديعة تسحر الأوهام وتستعبد الأفهام فمن ملح شعره وغريب قوله قوله من قصيدة مربعة:
رسالة من كلف عميد
بَلنّه الشوق مدى المجهود
حياته في قبضة الصدود
ما فوق ما يلقاه من مزيد(4)

5- غلبة الاختيارات الغزلية:
فقد أضحى الغزل المادة الأولى في الكتاب وكأنَّ الشعراء لم يطرقوا سوى هذا الغرض، ولهذا الحق الحيف بأغراض أخرى لم يعرض لها المؤلف إلا نزراً. ولعل عذر المؤلف أنه أراد أن يعكس تلك الظاهرة التي لقيت رواجاً على ألسنة الشعراء في ذلك العصر.
ومن أشهر هؤلاء الشعراء أبو الفرج محمد بن أحمد الغساني الدمشقي الملقّب بالوأواء، ومما ذكر الثعالبي له قولــه:
قالت وقد فتكت فينا لواحظها
وأسبلت لؤلؤاً من نرجسٍ وسقت
إنسانة لو بدت للشمس ما طلعت
كم ذا أما لقتيل الحب من قود
ورداً وعضّت على العَنَّاب بالبرد
من بعد رؤيتها يوماً على أحدِ(1)


6- كثرة المجـون:
من مثل ما نجده في المختار من شعر أبي الرقَعْمق وأبي القاسم الواساني وابن لَنْكَك وأبي الحسن السلامي وابن سُكَّرة الهاشمي وابن الحجاج وغيرهم.
ولا أريد أن أُجاري الثعالبي في فعلته بل سأترك هذه الدعوى عطلاً من البينات فمن شكّ فيها فليعد إلى الكتاب بنفسه ليستوثق مما أقول.
ولقد اعتذر الثعالبي لنفسه في مطلع حديثه عن ابن الحجاج عما ذكره في كتابه من المجون فقال: ولولا أنَّ جد الأدب جدّ وهزله هزل -كما قال ابراهيم بن المهدي- لصنعت كتابي هذا عن كثيرٍ من كلام من يمد يد المجون فيعرك بها أذن الحزم ويفتح جراب السخف فيصفع بها قفا العقل، ولكنه على علاته تتفكَّه الفضلاء بثمار شعره وتستملح الكبراء نبات طبعه وتستخف الأدباء أرواح نظمه ويحتمل المحتشمون فرط رفثه وقذعه)(2)
7- قلّة التراجم والأخبار:
لم يعن المؤلف بجمع أخبار من تعرَّضَ للاختيار لهم من الشعراء والأدباء مما يتضمَّن نشأتهم ومواليدهم ووفياتهم وتصرّف الدهر بهم بل إنه لم يتعرَّض في بعضهم إلا لاختيار عدة أبيات وقعت له أو سمعها من بعض الرواة كما في ترجمته لأبي قاسم الشيظي التي مرت معنا من قبل.
فالكتاب إذاً لم يوضَع في تاريخ الأدب والشعر ولا كان الغرض منه تأريخ حياة الأدباء والشعراء ولكنه وضع في صميم الأدب ولبابه فهو يُعنى بالقول أكثر مما يُعنى بحال قائله.
8- تقديم المؤلّف شعراء الشام وتحيّزه لهم:
ومن أولى علامات تحيّزه لهم أنه ابتدأ بهم كتابه وأول باب حبَّرَهُ كان في فضلهم على شعراء سائر البلدان يقول فيه:
(( لم يزل شعراء عرب الشام وما يقاربها أشعر من شعراء عرب العراق وما يجاورها في الجاهلية والإسلام.. والسبب في تبريز القوم قديماً وحديثاً على من سواهم في الشعر قربهم من خُطَط العرب ولا سيما أهل الحجاز وبعدهم عن بلاد العجم وسلامة ألسنتهم من الفساد العارض لألسنة أهل العراق لمجاورة الفرس والنبط ومداخلتهم إياهم ولمّا جمع شعراء العصر من أهل الشام بين فصاحة البداوة وحلاوة الحضارة ورزقوا ملوكاً وأمراء من آل حمدان وبني ورقاء وهم بقية العرب والمشغوفون بالأدب والمشهورون بالمجد والكرم والجمع بين أدوات السيف والقلم وما فهم إلا أديب جواد يجب الشعر وينتقده ويثيب على الجيد منه فيجزل ويفضل انبعثت قرائحهم في الإجادة فقادوا محاسن الكلام بألين زمام وأحسنوا وأبدعوا ما شاؤوا ))(1)

كتُب سبقت اليتيمة:
لم يكن الثعالبيُّ أول من اهتمَّ بتراجُم الشعراء المحدثين وأشعارِهم، بل سبقَه إلى ذلك جماعةٌ منهم:
1- المبرّد (286 هـ): صنَّف كتاب الروضة.
2- وهارون بن عليّ بن المنجّم (288 هـ): صنَّفَ كتاب البارع فجمع فيه أخبار 161 شاعراً محدثاً أولهم بشّار بن برد، وآخرهم محمّد بن عبد الملك بن صالح.
3- وابن المعتزّ (296 هـ): ألّف كتاب طبقات الشعراء المحدثين، وبدأه بابن هرمة فبشّار بن برد، وختمه بتراجم بعض الشواعر من الجواري مثل عِنان جارية الناطفي، وعُرَيْب جارية المأمون، وفَضْل الشاعرة (1).
كتُبٌ تلتِ اليتيمة:
أصبح كتاب اليتيمة مثلاً نسج المؤلفون على منواله كتباً كثيرة منها:
1- دمية القصر و عصرة أهل العصر: للباضرزي ( 467 هـ).
2- الذّخيرة في محاسِن أهل الجزيرة: لابن بسّام الأندلسي (542 هـ).
3- زينةُ الدّهر في لطائف شعراء العصر: للحُظَيْري (568 هـ).
4- خريدة القصر وجريدة العصر: للعماد الأصفهاني (597 هـ)(2).
طبع الكتاب:
استدرك الثعالبي ما فاته في كتاب اليتيمة من تراجم ونصوص، فألَّف ذيلاً أسما: تتمّة اليتيمة، نشره عبّاس إقبال في طهران سنة 1353 هـ.
أما كتاب اليتيمة فقد طُبعَ مرّات عديدة وكل طبعاته غير محقَّقة وغير مفهرَسة، منها طبعة بعناية محمد محي الدين عبد الحميد نُشرتْ في مصر سنة 1956 م، وهي الطبعة التي اعتمدْتُها في دراستي لهذا الكتاب، وثانية جمعتْ بين اليتيمة وتتمتِّها في خمسة أجزاء طُبعتْ في بيروت سنة 1983 م بعناية مفيد محمَّد قُمَيْحة( 3) ، وثالثة ضمت اليتيمة وحدها في أربعة أجزاء طُبعت في القاهرة سنة 1934 بمطبعة الصاوي.
تقييم الكتاب:
تُعدّ اليتيمة كتاباً ثميناً قارب حدّ الشمول في ذكره لأدباء القرن الرابع الهجري وما اتصل به، ويبقى العمدة لمن أراد البحث في أدب هذه الحقبة، ولولاه لبقيت أخبار أولئك الشعراء والمنشئين وأقوالهم مبدَّدةً غير مضمومة في كتابٍ يجمع شملها ويضمّ نشرها ويقيّد شواردها.
ومما يؤخَذ على المؤلِّف في هذا الكتاب أمران:
الأول: تحيُّزه لشعراء الشام وما حولها: فإنه زعم أن أهل العراق قد فسدت سلائقهم لمجاورتهم الفرس فإن شيئاً من مثل هذا قد وقع لأهل الشام لمجاورتهم الروم البيزنطيين.
والآخر: كثرة المجون في كتابة كثرة مفرطة أخلّتْ بما اشترطه على نفسه من الاقتصار على لبّ اللبّ وحبّ القلب وواسطة العقد.
ولقد كان الثعالبيُّ في كتابه خلا هذين الأمرين محلِّقاً لا يُشقُّ له غبار.
نموذج من الكتاب:
أبو الفتح بن عثمان بن جنّي النحويّ اللغويّ
هو القطب في لسان العرب، وإليه انتهتْ الرياسة في الأدب وصحب أبا الطيّب دهراً طويلاً وشرح شعرَه ونبَّهَ على معانيه وإعرابه، وكان الشعرُ أقلّ خلاله لعظمة قدره وارتفاع حاله، فمن ذلك قوله في الغزل:
غزالٌ غيرُ وحشيٍّ
رآهُ الوردُ يجني الور
فشمَّ بأنفه الرَّيْحا
وذاقتْ ريقَهُ الصَّهْبا
حكى الوحشيُّ مقلتَهُ
دَ فاستكساهُ حلَّتَهُ
فاستهداهُ زهرَتَهُ
ءُ فاختلستْهُ نكهتُهُ

وله:
أيا دارَهمْ ما أنتِ أنتِ فلا أتَوا
وجودُ المنى ألاّ يُكاثِرَ بالمُنى
منْ كانَ في الدُّنيا أشدُّ تصوُّراً
ولا أنا مُذْ سارَ الرّكابُ أنا أنا
ونَيْلُ الغنى ألاّ يُكاثِرَ بالغِنى
تجدْهُ عنِ الدُّنيا أشدُّ تصوُّنا(1)

نرى في هذا النصّ قلّة الاختيارات الشعرية، فلم يتجاوز ما اختاره الثعالبي لابن جنّي الثنتين. في حين لا نرى فيه شيئاً منء نقدٍ أو توضيح.
ونرى أيضاً حرصَ المؤلِّف على جمال العبارة واعتماده على المحسِّنات اللفظية.
أما غلَبَةُ الغزَل فيما اختاره الثعالبيُّ من أشعارِ ابنِ جنّي فواضحةٌ لا تحتاجُ إلى تدليل.
وما ذكره من الترجمة قليلٌ لا يكفي للتعرُّفِ على ذاك الرجل، بيدَ أن الكتابَ لم يوضَع في التراجم والأخبار ولا كان هذا مما أراده المؤلِّفُ لكتابه.
المصادرُ والمراجع:
1- الثعالبي: يتيمة الدهر في محاسنِ أهل العصر، القاهرة، مصر، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد.
2- ابن خلّكان: وفيّات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، دار الثقافة، بيروت، لبنان، د. إحسان عبّاس.
3- الزركّلي خير الدين: الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، طبعة 8، 1989م.
4- الصدّيق حسين: مقدّمة في نظرية الأدب العربي الإسلامي، منشورات جامعة حلب 1994 م.
5- فاخوري محمود: مصادر التراث والبحث في المكتبة العربية، منشورات جامعة حلب، 1989.
تمت بعونه تعالى.