أفلام هندية متوقعة



نشر الموضوع في جريدة الزمان بالعدد 3361 في 2/8/2009



كاظم فنجان الحمامي

ستتسارع إيقاعات الحملات الدعائية كلما ارتفعت سخونة الانتخابات القادمة, وستغص مدننا بعروض الأفلام الهندية المملة, التي ضجر منها الجمهور, بعد أن تحولت حياته إلى لعبة من العاب السينما السياسية, ومن المتوقع تكرار العروض نفسها مرة أخرى عبر الوسائل المتاحة, في المدن والأرياف, وسيعاد عرضها بالحوار والسيناريو والإنتاج نفسه, ويتواصل بثها خارج الصالات المغلقة, مع احتمال تغيير طفيف في توزيع الأدوار الرئيسية على أبطال الأفلام. وستستعيد التكتلات السياسية ذاكرتها المفقودة. لتكتشف من جديد إنّ في العراق آلاف القرى المنسية, ومئات التجمعات السكانية المتناثرة في الأرياف, والمتروكة في جوف الصحراء. فيركبونها حصانا جامحا يصهل بالدعاية الانتخابية لهم. وسيتذكر أبطال العملية السياسية إنّ في العراق أناسا مازالوا يعيشون تحت خط الفقر, وإنهم كرهوا الحياة, وانقطع رجائهم بالمستقبل الموعود. ويأسوا من تحقيق أحلامهم البسيطة كربطهم بشبكة المياه العذبة, وتجهيزهم بالطاقة الكهربائية, وتزويدهم بالدواء والغذاء. .
ومن المتوقع أن تُنتهك شوارعنا, وتتحول إلى معارض صاخبة, تعج بملصقات الأفلام الانتخابية المعادة, فتشوه الساحات والمباني الحكومية, وتجتاح الحواجز الإسمنتية, وتمتدلمساحات شاسعة, بحجم بؤسنا ,وشقائنا, وعذاباتنا, وأحزاننا, وآلامنا, ومآسينا المزمنة. وسيكتشف المواطن البسيط إنّ معظم العبارات المكتوبة على الملصقات الانتخابية مقتبسة من إعلانات المنتجات الغذائية الجاهزة, ومن العبارات المطبوعة على علب المحارم القطنية, وأغلفة الإطارات المطاطية, وتذاكر الخطوط الجوية. من مثل: (معنا تشعر بالأمان), و ( صدق – دقة – جودة), و (غايتنا إرضاؤكم), و (أنتم مصدر ثقتنا), و (اختياركم لنا دلالة على حسن ذوقكم), وشعارات أخرى من مثل: (الجنة تحت أقدام الأمهات), و (صاحب صديقك سنة وبعد السنة جربه).
ومن المتوقع أن يتظاهر المرشحون بالوطنية والشفافية, والصدق والأمانة والعدالة والمسئولية والورع والتقوى. إلى آخره من المفردات المسروقة من معجم النزاهة والقيم الأخلاقية السامية, التي تظهر المرشح وكأنه حامي الديار, وأبو زيد الهلالي, والمنقذ المرتقب, وبطل الفلم الذي سيحلق بنا في أجواء ملائكية تفيض بالنبل والعفة والطهارة.
وسيشاهد أبناء القرى المبعثرة أفلاما هندية مثيرة, يتقمص فيها بطل الفلم شخصية الرجل الشهم, والنشمي, وصاحب النخوة والمروءة, فيلقي عليهم الخطب الخنفشارية الرنانة, ويردد على مسامعهم الشعارات الطنانة, ويتباكى أمامهم على تصدع طبقة الأوزون, وتداعيات القضية المصيرية. ومن المؤكد انه سيتعمد التقليل من الانجازات التي حققتها الحكومة, والتشكيك بأداء بعض الوزارات, بهدف كسب ود الناخبين, والتأثير عليهم, واستغلالهم. وسيشترك بعض شيوخ العشائر في ادوار الكومبارس مدفوعة الثمن, والمخصصة لتضليل الفقراء, وحشد الأصوات المؤيدة لأبطال الأفلام الجديدة. .
ومن المتوقع أن يشاهد أبناء المدن أفلاما حنقبازية, يتظاهر فيها البطل بالكرم والسخاء, والجود والعطاء, فيوزع عليهم الجلكانات الجديدة, والفوانيس النفطية, والبطانيات الرخيصة. وربما يتحول البطل إلى مهرج يتنطط هنا وهناك في سيرك الاستعراضات الكاذبة, التي سأم منها الجمهور, ومل من متابعتها, وأصابه الغثيان من كثرة تكرارها بالسيناريو نفسه. واغلب الظن إن أبناء الأرياف مازالوا يتمتعون بروح الدعابة والنكتة, وسيستخفون بعروض الأفلام الانتخابية المعادة, ويسخرون من تكرار الأساليب الدعائية المبتذلة. ثم إنهم لن ينسوا صفعات الأيام المرة التي تجرعوها غصة بعد غصة. فلن ينجرفوا مع زيف الشعارات الخداعة. وسيستفيق الناس على وخزات الذاكرة الممتلئة بلقطات الأفلام الملونة السابقة, وأحداثها المؤلمة. ومن المؤكد إنهم سينظرون إلى المستقبل بعين المسؤولية, والإحساس الوطني العميق, ويحسنوا الاختيار الصحيح بحيادية صادقة, ويتسلحوا بالأيمان في سعيهم الجاد نحو إرساء أسس العدالة والإنسانية, وتحقيق الوئام المبني على إشاعة روح المحبة والتسامح والتفاهم والتلاحم بين مكونات المجتمع العراقي, وحشد كل الجهود في سبيل بناء العراق الحر المتماسك القوي. ومن الله العون والتوفيق. .