قصيدة الجذور
الفن والرؤية
عند الشاعر ممدوح السكاف
الناقد:علي الصيرفي

1 - أين توجد أسس الشعر ؟.
وكيف يمكن أن يتعامل الشاعر مع هذه الأسس ؟..................
وهل من الصعوبة أن يتصور الشاعر غيظ الوساوس ،التي تزيد من عذابه؟ حيث يصارع بكل ما لديه من قدرات وإرادة ،وأحيانا ترتد صراعاته زجاجاً محطماً ضد فكرة تعود بوصفها قوة لا تقهر والشاعر المميز" ممدوح السكاف" يعمل في هذا المجال ،وخير دليل ( قصيدة الجذور ) التي يصنع كلماتها و يأمل أن تكون المنفذ من خلال طقوس يقوم بها ومن خلال حركات فنية خارجية أو خفية حركات تدل على الدخول في العمق واصلة حتى الجذر وتأكيد الغضب ،ورفض الرداء الموسوم بالقهر، وسموم الموت والاعتقاد بالظفر ..!
- لااعتراف أو رعاف للمصير
وكان يحرك نابض الإعصار
يا نابضا لهوفا من جني التذكار
كانت في منارته يواقيت المحار
تغط هاجعة على سيف رصيف
من صدى التيار .
إنه يتحدث عن الفكرة الثابتة في الشعرية عن قوة تعيش في ساحة الشعور عنده إنه الإحساس ضمن المجال المفتوح أمامه ،والوحيد الذي يتلمس هذا اللا معقول الكثير الوقوع على أرض الواقع في صحراء ترمده ،و انسيابات انفعالاته المرهفة إنه يبحث عن يقين عقلي ومعرفي يستبعد منه الأفكار المعبأة بالترهل والخزي ،حيث أن تنوع المؤثرات تثير عذاباته وهو يستعمل النفحة الشعرية في البحث عن مخارج لظروف كثيرة تبرئ ساحة الشعور عنده ،فهو لا يكشف عن قاطع طريق يكذب أو متهم لم يرتكب جرما ،بل يناقش مشكلة الوجدان الحر ،وهو يحترم رفضه للكثير من الموجدات ،حيث يحق للشاعر أن يتظاهر بما ليس فيه وهو حق من حقوق حريته فاستعماله لكل المعطيات القديمة ،والتواصل مع الأجداد ،من خلال ذلك المورث الرائع والصور والرموز البعيدة الغور، تبدو كأنها ضرب من الإرث المتوافر عنده والموجود في عمق ثقافته المتنامية دون تمييز في جدلية صوفية عميقة الرؤية ،فكل كلمة لها معنى عميق بالنسبة ،للأديب المبدع وثقافته تكشف عن معرفته بالموروث ،وكل الطرق التي ترعرع في أحضانها فهو من موروث ناصع الرؤية والمفهوم ،ويتربع في حقيقته ضمن طهر يتلازم مع انقسامات الإشكال وتوزع الزوايا ،فكل شيء يحدث كما لو كان في أعماق الأجيال من ذكريات أجدادهم ،فهو يستعمل هذا التراث في الصور ذاتها ،والرموز العميقة المفهوم لينتهي إلى حيث يعمل عقله الشعري في وصف الأشياء في أعماق الإنسان ،فهو يؤثر في الظل والخلفية من شعورنا ولا يلبث أن يرتحل من مؤثر إلى آخر ،فالمرأة ملهمة العبقرية عنده ،وتعود إلى حقيقتها ووضوحها في شاعرية (الأديب السكاف ) ويدرك حقيقة ارتباطها بالحرية ومدى حصانة هذه الحرية بوجود المرأة الهدف.
أو تذكرين الليل يملكنا بظلمته
ونملكه بضوءينا
استفاق العطر من ثدييك حين لمست
عصفورين او قمرين
من عسل الشعاع
يشع في لغة على لغة الفراشة
هل نسيت كلامها السحري
يندف كالرذاذ على فمي
2 - إنه يرى الشعرية هي الموضوع الأهم بالنسبة إليه، مثلما العالم هو موضوع للآخرين فهو يدرك إحساسه كموضوع لرؤياه لا بوصفه وجهة نظر يتكون بوجودها ،بل يرى بأن شعره هو الموقف والإرادة والمنتهى فمن هنا نراه ،يصبح مغتربا عن الموجودات التي تتحلل أمام ناظريه فهو كبير في بعد رؤيته يبتعد عن الدونية في المعطيات ،ويفكر بنظرة تحمل كل الجدية ،فالوجدانية تجعله يميل نحو الارتباك والخجل من المقذوفات التي تسقط فوق الساحة الشعرية ،فيرتفع عن تلك المهترئات ،وينأى بنفسه في خريف يأتي بعده سيل من الفكر، لتزهر به بساتين رياضه الشعرية الرائعة، فالأديب شاعر يعي معنى الكلمة على النحو الذي يكون المنسوب الذي يفصله عن الآخر, فهو يفلت من أن يكون موضوعاً لهذا الآخر بل تجعله شاعريته يحل كل الخلافات العالقة مع غيره, حيث عليه أن يكون واعياً لكل ما يحيط به من علاقات , فالمتاهات الفكرية ، و عوالم الأسرار تخيم في كل مكان في عالمه مما يخلق نطاحات كثيرة التنافر تبرز في اكتشافات الشاعر لهذه العلاقات التي تفرض طابع التناقض المحيط به، حيث لا مهرب من التحول إلى التخيل فهو يحاول الهرب نحو الحب و من خلال الحب , يوزع إنسانيته للكل دون هوية أو انتماء , فصوفيته الرائعة التنقل تخلق منه عارفاً يحمل أسرار الشعرية بقدسية العابد السالك طريق الترحال وهل ننكر هذه الروحانية المملوءة بالإنسانية عند الشاعر, حيث نلمسها مجسدة به, و هي لون من ألوان علاقاته الشعرية بالمعنى الضيق لهذه ( الكلمة) فالشعرية عنده هي حب يفهم من السياق, إنه حب العابد لكل المؤشرات المرموزة:
أسقط كالنبوءة في دنى مطر على مبشر.
يبشرهم يبشرهم
يبشرنا.
و أذيع من أنبائها
نبأ البيادر في قموحة عطفها...
أعطافها صبحا على عشاقها
ينضون عنها ثوب عافية
إنه أكثر الناس قلقاً فهو يحاول أن يحافظ على الإنسان وحده, لأنه مطلبه الأول و الأعلى، و أول ما يهتم به فهو يرى الأفقر، و الأشد تألماً, و لا يرى الأغنى والمنعم ، فهؤلاء هم الغوغاء التافهون و هذا احتقار واضح لكل المعايير الأخلاقية التي يرفضها الأديب وأما أولئك الذين يسيطرون على المصير الإنساني, فهو يملك القدرة على امتطاء ظهورهم والتخلص منهم لأنهم يمثلون الفئة التافهة من التطلعات الإنسانية ...
و ما هجرت شواطئنا
قامت في مياه القرب
آجلها فعاجلها
صرير من أنين القيد
ينفض عن معاصمها
صدى صدأ صموت
3 - إنه استبصار للحقيقة حيث لا يمكن أن يكون إبداع أو تقدم ما لم تظهر نوايا الناس كافة فالخطر يكمن في أنك لن تجد ضميراً يمكن أن يتجاوب بنقاء كامل, و نحن نعرف أنه يسهل التلاعب بكلمة الضمير، و الشاعر لا يتخذ أي عذر ، فضروب السلوك البشري متنوعة تتجاذب و تتنابذ في الكثير من المواقف، و تجعل من المرء قادراً على التحلل من التزاماته الأخلاقية أما الشاعر فلا يوجد من يقدر على زحزحته عما أقره فمهمته محفوفة بالمخاطر و ينبغي عليه أن يتحدى الرعب القائم في أخلاقياتٍ يحاول فضحها, و الواقع أن الشاعر يواجه خياراً فهو يستطيع أن يكون في مأمن إذا قبل بالمعايير الأخلاقية المتواجدة على الساحة، ويسلك في ممراتها حيث تكون هذه المعايير خارجية ومفروضة عليه, لذلك يحاول أن يتخلص من هذه الممكنات كي لا يقع في خطر الجمود , و هذا الرفض يذكرني بالشاعر "مصطفى خضر" و رفضه و إدمانه على هذا الرفض لأنه يرى الذات الساقطة غير الأصيلة تتميز بالثرثرة وتهد يم التبصر, و تطول رؤية الأديب ممدوح السكاف حيث يخاطب بطريقة غريبة ( التزام الصمت) وهو يفعل ذلك لأنه ينادي من عمق رؤيته تجمعات وطنه ليبين إمكاناتهم و يصور مضمون فكرهم.
و لو خالجت أو خا تلت موتك
في خليجك أو نشيجك.
يرتضي عني حياتي
من يبابك أو خرابك
هل يبددني ابتداؤك أو
نهايات انتهائك و انتهائي
من زوالي أو محالك.
لقد تغلب الشاعر بالطبع إلى حد ما خلال تجربته على كل ما يخلط الأشياء و انتقل إلى تحريك الخيال و الرغبة إلى المعرفة, فإسقاط المعاني يدل على الفهم و انتقاله من خلال أفعال التأويل الرائعة في تكوين بقاع الأفق الشعري عنده فنسمع صوتاً يحرك مشاعر الأعماق الملتهبة بالحنين و التطلع و الصمود , مما يجعل عنده إطاراً مرجعياً لكل الأفعال التي يحركها في تخيله الشعري فتجربته الشعرية تميل إلى ضم كل الأشياء إلى عالمه, و هذا بالمقابل زعم على أن هناك طرقاً متعددة لفهم ما يريده الشاعر:
أرهف التأويل للمعنى
و بالمعنى مع المعنى
تهدج في لقاء الأرض
بالمحراث.
هامت في منائرنا
دياجي مصرع الشهداء
يا جمال أجمل من جمال
الزورق الوطني هودجك
المحصّن بالحصانة
أنت من أهدى البحار
وسامه و غرامه
جسداً تجسد بالجنون من التراث (القصيدة)
4 - إنها لغة قوية ينبغي أن نضعها في اعتبار فكر الأديب الذي يميل إلى التكرار الأصيل من الأفعال حيث ينتقل في صورة جميلة من جيل إلى جيل, فالتذكر حركة واحدة مع التكرار و في اتجاهين متعارضين، فما يتكرر إلى الخلف هو الشعرية التي تدفع بنا إلى الأمام, و هذه الرؤية بالغة الغموض حيث تظهر الأفكار مستعادة من فعل الإيمان الذي تتخذ منه لحظة القرارات عند الشاعر، حيث يستعيد في هذه النهاية علاقته مع الآخرين، وهي الأهمية المدفوعة إلى حقن المفاهيم الأخرى بمناقشته للتاريخ, و هي عملية لتكرار الصوفية في حلول الفيض في حالة الإلهام، فيستشرق النور الموحي لحالة يهيم فيها الشاعر عبر برازخ الصوت و الصدى , فالمرئي يختلف عن الرائي، و الرؤية تختلف عن الكشف والاتحاد يصدّق ما يحمله القلب من غصات و مسامحات فهو يعمل على خلق التوازن في كل المقدمات , و يلعب دور الصادق في خلق الجملة الشعرية المملوءة بالحقوق, و هذه الملاحظات توحي إلى علاقة الشاعر بآراء المجتمع من حوله, و هي توحد الدراية الأصيلة للتاريخ حيث يكون الموجود ممكناً بزمانيته التي تملأ بنشوتها جاذبية الفهم وإمكان الاختيار والعمل على تصميم الذات بانفتاحها في حركة مسارات الماضي للدخول في مستقبل جديد.
أو تشرع في شراع
من عزيف الرعد
أو عصف لبرق الوقد
و العثرات
أشرعة الولادة
أينعت تجني مواسم
خصبها البحري
كان الله يختال اختيالاً
في أناشيد النشيد
المستريح :confused:
و يتم تحديد الرؤية عند الشاعر بوضوح اللغة التي يتناولها فمن غير المقبول أن يكون من الممكن القيام بأي نوع من التفكير بدون اللغة التي تعمل على فهم أفكارنا المكتوبة, وحتى التفكير التأملي الذي يتطاير من قبل الأديب على شكل رموز تدل على حجم المعاناة و التأصيل الذي يرنو إليه في تجذير كل موروث النهوض به, فالقصيدة التي تندفع من نبضات معرفة الأديب تدفع لغته إلى تضمين الفكر المتقدم الذي يمكن أن يكون في متناول الآخرين وقد يكون من المفيد أن ننظر إلى البناء الداخلي للغة وتماسكه المنطقي الذي يحاول من خلاله بناء العالم فهو يهتم باللغة بوصفها أكثر الظواهر اهتماماً بالعلاقات البنائية الداخلية , و يركزشعريته على الكلمة المنطوقة بوصفها تهتم بالإنسان وتعبر بالصوت و الإيماء, و تنتمي إلى الواقع بمعناه الكامل الذي تحل به الكلمة المكتوبة محل الحديث المتداول فاللغة دائماً حاضرة, وهي في كثير من الأحيان, توضح الأشياء التي تحتاج للكثير من التوضيح, وهي تنبع من شعرية تتماوج عبر افتراضات كثيرة يعمل الشاعر على إثباتها و تأكيد مصداقيتها, وإن تقدم الشاعر قد اعتمد على جمعه لعناصر لغوية كثيرة ضمها إلى عالمه و بذلك نجده قد اكتشف ما فيها من جماليات فعرف كيف يستخدمها في عالم يسير نحو التعقيد حيث يبدو كل شيء يرتبط بتعدد العوامل و تنوع الصيغ، فتصور العالم شيء مفترض سلفاً في رؤية الشاعر.