استقصاء المعاني
نتناول هنا في عدد من الجلسات بعض الأمور التي تفيد الأدباء والكتاب للتميٌز بين المعاني الدقيقة والتي تغيب عن ذهن الكثيرين.
وهي قد جمعتها من بين صفحات دفاتري التي قد علا عليها الغبار نحاول نفضها من جديد ونقدمها لكم علها تصوب مؤشر الوصول للمعنى في السير معاً للمعرفة .
ونذكر أن الشيخ الشعراوي قد بين في تفسيره كثيراً من هذه الأمور التي تساعد على فهم معاني القران الكريم، وإذا جهل المرء هذه الدلالات فقد يفهم المعاني بشكل خاطئ ومن هنا تكمن حلاوة وقيمة اللغة العربية
وكذلك نذكر الشيخ الكبيسي جزاه الله خيراً كثيراً إذ قد نهج النهج ذاته
ولمزيد من الفائدة للمتخصص فعليك بدروس الدكتور فاضل السامرائي على قناة الشارقة

وأذكر راجياً من الأخوة إذا وجدوا خطا في الآيات أن يرسلوا لي التصحيح فوراً وجزاهم الله كل خير

والله المستعان

...................................

الجلسة الأولى :
يقول الشاعر:
ولقد أمر على اللئيم يسبني.........فمضيت ثمت قلت : لايعنيني



فالمعنى الدقيق لعلى هنا هو الاستعلاء المجازي وكلمة المجازي تدلك ضمنا على المعنى
والمجازي يقابله حقيقي فمثلاً:" أمسكت بزيد" هنا معنى الباء هو الإلصاق الحقيقي
ولو قلنا مررت بزيد فهنا الإلصاق مجازيومعنى الجملة ألصقت مروري بمكان يقرب من مكان زيد"
إذاً معنى الأداة على هي للاستعلاء المجازي وطبعا كان من الأولى أن يأتي به للإلصاق المجازي مجرورا بالباء فيقول"ولقد أمر باللئيم"




"ذهب الله بنورهم" البقرة 7
أي أذهب الله نورهم
فمثلا حين تقول ذهبت بزيد أي أذهبته
"ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض" البقرة 251

وهنا الباء للتعدية والأصل في الجملة ولولا دفع الله الناس بعضا
كقولك صككت الحجر بالحجر
والأصل صك الحجر الحجر
........................
"بسم الله الرحمن الرحيم"


أيأبدأ مستعينا باسم الله"
لأن العمل لا يتأتى على الوجه الأكمل إلا بها

.................................................. .....
تقول عاقبت زيدا بإهماله
أي بسبب إهماله
ونحو قوله تعالى إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل البقرة 54


أي بسبب اتخاذكم العجل
ونحو قوله تعالى" فكلا أخذنا بذنبه" العنكبوت 40
أي بسبب ذنبه
...............................
نقول كثيرا في محادثاتنااذهب بأمان الله" أيمع أمان الله"
أو مصاحبا بأمان الله فالباء هنا للمصاحبة
ونحو قوله تعالى"قيل يا نوح اهبط بسلام منا" هود48

أي مع سلام منا

ونحو قوله تعالى وقد دخلوا بالكفر المائدة 61
أي مع الكفر أو مصاحبين به
..........................................
يقول تعالىولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة" آل عمران 123



أي : في بدر
.............................
فليت لي بهم قوما إذا ركبوا..........شنوا الإغارة فرسانا وركبانا


وهنا الباء تأتي بمعنى بدل أي : ليت لي بدلا منهم
ألا ترى أنه يصح أن تقول" فليت لي بدلا منهم قوما موصوفين بأنهم إذا ركبوا شنوا الإغارة فرسانا وركبانا"




" الجلسة الثانية""

"نعيد التذكير هنا أن هذه المقتطفات هي للإطلاع وليست للمناقشة لأنها أراء عدد من النحاة من مثل ابن هشام والأخفش وسيبويه وغيرهم وقد قدمناها لتوسيع الأفق لما فيها من فائدة في استقصاء المعاني
وأسأل الله العلي القدير حسن المتابعة وحسن الفائدة لكم ولي .
.................................................. ......
" "ويوم تشقق السماء بالغمم" الفرقان 25
"



"ويوم تشقق السماء بالغمم" الفرقان 25
أي عن الغمم
وتفيد المجاوزة

............................................
"ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك" آل عمران 75
" "ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك" آل عمران 75
"


أي على قنطار
ومعنى على هنا للاستعلاء
ونحو قوله تعالى وإذا مروا بهم يتغامزون المطففين 30

طبعا هنا يتبين لنا أنه من معرفة المعنى الحقيقي للآية عن طريق معرفة معنى الأداة الدقيق تتضح الصورة لنا وبالتالي تفسير الآية الصحيح
ونذكر كما هو معلوم للكثيرين أن القران يفسر بعضه بعضا
و نذكر مثالا على ذلك هنا فكيف تأتي للنحوي أن يعرف أن الباء في الآية أعلاه"وإذا مروا بهم يتغامزون" بمعنى على
وذلك بدليل قوله تعالى في موضع ثان وإنكم لتمرون عليهم مصبحين" الصافات 137

وهذه الأمور دقيقة جدا فلا تقيس هذا القياس أخي فتقع فيما لا تعرف وبالتالي ينعكس ذلك على التفسير وما هذا القياس إلا لأهله وأهل العلم

..................................................

"عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا" الإنسان 6
"


أي :" يشرب منه فهي هنا للتبعيض بمعنى من
كقول الشاعر :
شربن بماء البحر ثم ترفعت...............متى لجج خضر لهن نئيج

أي شربن من ماء البحر
وبه قال الإمام الشافعي وأبو حنيفة رحمهما الله في قوله تعالى وامسحوا برءوسكم المائدة 6

وذهب ابن هشام فيما تقدم إلى أن الباء فيهن للإلصاق
وذهب آخرون إلى أن الباء في آية الوضوء للاستعانة والتقديرامسحوا رؤوسكم بالماء
............................................

قال تعالى"وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن" يوسف 100
"


أي وقد أحسن إلى"
قيل: إن بعض النحاة يضمنون الفعل" أحسن" معنىلطف" فتكون الباء على بابها أي : قد لطف بي لأن لطف" يعدى بالباء"
............................................
"وكفى بالله شهيدا" الفتح 28
"


والمعنى" اكتف بالله شهيدا"

وذكر ابن هشام أنكفى" هنا بمعنىأجزى وأغنى والتي لا تزاد الباء في فاعلها تكون متعدية لمفعول به واحد قال الشاعر:
قليل منك يكفيني ولكن..............قليلك لا يقال له قليل
"


وهنا ورد الفعل"يكفي" بمعنى"يجزي" و"يغني" متعديا لمفعول به واحد
ولذلك لم تزد الباء في فاعله.
وقد ورد في بيت للمتنبي زيادة الباء في فاعلكفى" المتعدية إلى مفعول به واحد في قوله:

كفى ثعلا فخرا بأنك منهم...............ودهر لأن أمسيت من أهله
وخرج البيت للضرورة
لأن الباء لا تزاد في فاعلكفى" الذي بمعنى أجزى و" أغنى وهو متعد لواحد .


واعرج هنا لأفيد بعض الشعراء الذين يخرجون بعض سقطات أشعارهم بالضرورة
وأذكر كلاما للأستاذ محمود فاخوري مؤلف كتاب سفينة الشعراء وهو كتاب في العروض

حين كان بعض الشعراء يبرر سقطات شعره بالضرورة
فكان يقول أن المتنبي وغيره من الشعراء الكبار من تجوز له الضرورة لأنه عالم باللغة و لا يستعصي عليه الوزن والعروض فهو لولا أن ضاقت به السبل لم يلجا للضرورة
أما أنتم الشعراء المبتدئون فلا يحق لكم ذلك لأنكم غير متمكنون من فنكم .






"تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض" البقرة 253"

"وقوله تعالى" وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم" الرعد 6

وهنا على للاستعلاء المعنوي


أي مع ظلمهم
.................................................. .
"إذا رضيت علىّ بنو قشير..............لعمر الله أعجبني رضاها

قال الشاعر:
أي إذا رضيت عني


وهنا جاءت للمجاوزة لأن الأصل في رضي أن يتعدى بـ عن لا بـعلى كما في قوله تعالى" رضي الله عنهم ورضوا عنه" البينة 8
.....................................
"وقوله تعالى لقد رضي الله عن المؤمنين الفتح 18

وقال الكسائي : حُملرضي" على نقيضه سخط فانه يتعدى بـ على ومن سنن العرب أن يحملوا الشيء
على نقيضه كما يحملونه على مثله ونظيره.

يقول الشاعر:
علام تقول الرمح يثقل عاتقي...............إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت ؟

علام: كلمة مؤلفة من حرف واسم فالحرف هو على والاسم هو ما الاستفهامية وقد حذفت
ألفها كما تحذف مع كل جار نحو قوله تعالى فبم تبشرون الحجر 54


ووقف النحويين عند هذا البيت شاهدا على وقوع تقول" بمعنى تظن معنى وعملا
ولتنظر أخي كيف يستنبط النحويون القواعد بالرجوع إلى شعر ما قبل عصر الاحتجاج
.....................................
وتأتي على مرادفة للباء
كقوله تعالى حقيقٌ على أن لا أقول على الله إلا الحق الأعراف 105


أي : بألا أقول وقد قرأ أبيّ بالباء .
...........................
غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها........تصلّ وعن قيض بزيزاء مجهل

والبيت في وصف قطاة وفرخها

غدت من عليه: أي طارت من فوقه
تم ظمؤها: كملت مدة صبرها عن شرب الماء.
تصل: تصوت من أحشائها لشدة العطش .
عن قيض: عن قشر البيض
زيزاء : أرض غليظة موحشة
مجهل : أرض مقفرة

الشاهد من عليه إذ جاءت" على" هنا اسما بدليل دخول حرف الجر عليها
وقال الأصمعي أن معنى على هنا هو فوق



"الجلسة الثالثة"




""5"" قال تعالى" ولكم في القصاص حياة" البقرة 179

فالحياةفي القصاص" :ليس لها مكان حقيقية وإنما تدرك في العقل ف في ظرفية مجازية

ومن أمثلة الظرفية المكانية المجازية قولك" جلست في الدار" و أدخلت الخاتم في إصبعي"
وأدخلت القلنسوة في رأسي"
فالأصل أدخلت إصبعي في الخاتم" و : أدخلت رأسي في القلنسوة"


وهنا حين تراجع هذين المثالين أي سينتابك قليل من العجب لما نتكلم به ولا نحس حقيقة المعنى
وربما ستتخيل أنك تحمل خاتما ثم تضعه في إصبعك أو تحمل قلنسوة وتدخلها في رأسك
فان طال تخيلك فاعرف أن الفكرة راقت لك واعرف أنك عسير الخيال
...........................................
""5"" قال تعالىقال ادخلوا في أمم" الأعراف 38


أي : مع أمم وقيل التقدير : ادخلوا في جملة أمم فحذف المضاف .

ومنه قوله تعالى فخرج على قومه في زينته" القصص 79

أي مع زينته"
.................................................


""5"" في الحديث الشريف" دخلت امرأة النار في هرة حبستها

أي بسبب هرة حبستها
وهنا الجار و المجرور متعلقان بحال من فاعل دخلت".
.........................................

""5""و لأصلبنكم في جذوع النخل" طه 71

أي على جذوع النخل ومنه قول الشاعر :
هم صلبوا العبدي في جذع نخلة..................فلا عطشت شيبان إلا بأجدعا

هنا في وردت للاستعلاء بمعنى على وهذا عند الكوفيين
.
أما عند البصريين فيجعلون ذلك تجوزا بأن يشبهوا المصلوب
لتمكنه من الجذع بالحال في الشيء
فهو من باب الاستعارة المكنية
.
وقيل : كان فرعون يشق الجذع ويضع الشخص فيه.
فانظر أخي لهذا الاختلاف وكل صحيح بتقديره


لكن ليس لك أن تقدر على أهوائك إنما بما وافق علم النحو وما سار عليه النحاة
................................................
""5"" قال تعالى" فردوا أيديهم في أفواههم" إبراهيم 9


أي إلى أفواههم
............................................

""5"" قال تعالى فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل التوبة 38

أي : فما متاع الحياة الدنيا بالقياس إلى الآخرة وميزانها إلا قليل.
وهنا في للمقايسة
................................................
5"" قال تعالى" وقال اركبوا فيها


أي اركبوها فالفاء زائدة
"/"


الجلسة الخامسة




--------------
قال تعالى" وخلق الإنسان ضعيفا" النساء 28


والمعنى هنا وخلق كل إنسان ضعيفا
وكذلك إن الإنسان لفي خسر العصر 2
.............................................
زيد هو الرجل علماً


إذ المعنى : زيد هو كل الرجال علما أي : اجتمعت فيه كل صفات الرجال الحسنة في العلم أي هو الكامل في هذه الصفة
ولذلك تسمى كل هذه الكمالية

..................................................
من أنصاري إلى الله آل عمران 52


أي من أنصاري مع الله

وقالت العرب الذود إلى الذود إبلٌ
أي إن القليل مع القليل كثير


" والأمر إليك النمل 33
أي لك

وقال بعضهم : بل هي هنا لانتهاء الغاية وتقدير الآية : الأمر منهٍ إليك
.................................................. ......
فلا تتركني بالوعيد كأنني...........إلى الناس مطلي به القار أجرب

أي كأنني في الناس أجرب


وهنا إلى بمعنى في
وقال ابن مالك: يمكن أن يكون منه قول الله تعالى ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه النساء 87
أي في يوم القيامة
..............................................

ونذكر هنا أن استعصاء المعنى على الذهن مدعاة لتفسيره الخاطئ
فمثلا شطر البيت التالي أيُسقى فلا يروى أليّ ابن أحمرا"
:

حيث وقعت إلى هنا بمعنى من
والمعنى يصبح
أيسقى ابن أحمر فلا يروي مني

ويختلف في إعراب ابن هنا لأن ابن يتنازعه فعلان
هما يسقي ويروي
فالكوفيون يرون أن العامل هو الفعل الأوليسقي وعليه تكونابن" نائب فاعل .
والبصريون يُعملون الفعل الأقرب وهو يروي وعليه تكون ابن فاعلا له .



..................................................
قال الشاعر أبي كبير الهذلي :
أم لا سبيل إلى الشباب وذكره..................أشهى إليّ من الرحيق السلسل


أي أشهى عندي من الرحيق
جاءت إلى الجارة بمعنى عند فكأنه قال وذكر الشباب أشهى عندي من الرحيق السلسل .
.......................................