ذاكرة الأشياء..

[سما اللامي]

سحبَ قميصه الأسود المعلق على المِشجب و ارتدى معطفه الطويل، الأسود أيضاً، بنطاله - الجينز- الذي أكلت أطرافه الشوارع الإسفلتيه، حذاءه الأسود الذي يمضي ليلهُ معه، يلمعهُ و يتحدَّث إليه، و في بعض الأحيان يطلب رأيه في الخواطر التي يكتبها! ، جمعَ أوراقه بشيءٍ من الإستعجال، وضعها بين كتبهِ الجامعية التي تأبطها و هرول مسرعاً إلى الخارج، أقفلَ باب شقته التي لا تسع سوى سرير و طاولة و ثلاجة صغيرة لا تكفي إلا لعلبة - بيبسي – و صحن صغير فيه الغداء المجمد، مسجلة صغيرة ارتمت عند طرف الشباك الكبير، تكومت عندها شرائط أم كلثوم و عبد الحليم حافظ و ناظم الغزالي.



الشارعُ موبوء بصمت بارد لا يملأ هذا الخواء سوى صوت المطر و وقع خطاه المتناثرة على قارعة الطريق.

بدأ النهار يسحبُ خصلَ الليلِ عن جبينهِ و لكنَ الشمسَ لم تشرق بعد، في هذهِ اللحظات الأخيرة من الفجرِ تفزعُ الملائكةُ و الشياطين معاً، هي الحدَّ الفاصل بين الخيرِ و الشَر، يتخللها الرعبُ و الترقب في وجوهِ هؤلاء المُعلقينَ على شرفاتِهم، الذينَ لم يناموا أمسهم، نسماتٌ من الهواءِ البارد تداعبُ جبهته التي تحدَّت صلف المطر و وقاحة العمارات التي وقفتْ وقوفَ الأشباح لتغطي النهرَ الغريب، تلك الجبهة العارية إلا من خصلاتِ الشعرِ الأسود المتمرد و قدر قد خُط عليها بماءِ الإغتراب الطويل.



يتمتع بصوت خطاه التي تخترق اسفلت الجسر لتصل الى قاع النهر، يقاطعهُ صوتُ الرياح و حفيفُ الشجر الذي شمَّرَ عن سوقِه في الضفةِ الأُخرى.

زرعَ أمانيه على الجسرِ للَّها تُثمرُ بأملٍ جديدٍ أو تموتُ من بردٍ لحين رجوعه.


.
.
.
.
يتبع

[لماذا تركت الحصان وحيدا]

حييت سفحك عن بعد فحييني يادجلة الخير يا ام البساتين
الجواهري

كلام جميل
بارك الله بك