رشا كردي: المبالغة في الفصل بين المرأة والرجل داء سيسرطن الأدب كله!




تهاني السالم - جدة

صحيفة المدينة ـ 16 ربيع الأول1430





نشأت في بيت شغوف بالعلم والأدب، رسالتها في الأدب أن توضح القيم الإسلامية والدفاع عن الدين الإسلامي ببيان الحرف العربي الفصيح الذي تنزل به القرآن الكريم، الأستاذة رشا بنت عبد اللطيف كردي. تنشر نتاجها الأدبي في مدونتها الخاصة ولها نشاط واسع على شبكة الانترنت باسمها الصريح وباسم (نقيّة) «الرسالة» حاورتها لتقف معها على الأدب الإسلامي اليوم والشعر على وجه الخصوص والتصنيفات الجديدة التي تطرق أسماعنا في الأدب «نسائي وذكوري» ومقومات النقد الهادف وغيرها من المحاور التي نطالعها في ثنايا هذا الحوار:



النشأة وأثرها


نشأتِ في بيت علم ودعوة فهل أثرت هذه النشأة على حياتك؟ وكيف ذلك؟

لا شك أن للنشأة أثرها على كل إنسان فكيف بالأديب؟ كان والدي -رحمه الله- محبّا للعلم والأدب حريصاً على غرس حبهما في نفوس أبنائه، لكنه توفي -غفر الله له- وأنا أدرج في عامي الخامس، فغاب عني توجيهه وتعليمه وإن كان طيفه الحبيب يزورني كثيراً، وأثره على بيتنا باقٍ ما بقينا، ومكتبته العامرة هي أثمن ما ورثنا عنه. فضلاً عن دور والدتي من بعده في تقوية الصلة بيني وبين الكتاب والقلم حتى نشأت وحبهما في دمي. فجزاها الله عني خير ما يجزي والدا عن ولده!



الملكة الفكرية والثقافية


ما الذي برأيك يساهم في تكوين الملكة الفكرية والثقافية لدى الشاعرة؟ وما أبرز الكتب التي قرأتيها وتنصحين الفتيات باقتنائها؟

القراءة من أبرز ما يسهم في تكوين الملكة الفكرية والثقافية لدى الإنسان بشكل عام، لأنها تسافر به بين خلاصات العقول وزُبَد الأفهام، كاسرة حواجز الزمان والمكان. ولئن كان هذا شأنها مع الإنسان فهو مع الأديب أولى. فلا غنى للأديب عن القراءة، فهي التي تصقل بنانه وتشحذ بيانه، ولن تهطل حروفه قبل أن ينهل من معين القراءة ويعلّ. ثم عليه أن يمارس الكتابة، ويجرّب قلمه في كل ميدان حتى يُحكِم سبر أغوار قلمه ويضع يده على مواطن القوة والضعف لديه؛ فيُبرز محاسنه، ويئد مساوئه.


ثم عليه أن يكون ميزان حكمه على حرفه دقيقاً، فلا يعرض على قرائه إلا أطايب نتاجه مما يستحق وقتهم وجهدهم. لا يحقر حرفه باسم التواضع، ولا ينشره في الناس هزيلاً غثاً لا يسمن ولا يغني من فكر، وليبتغ بين ذلك سبيلا.

أما ما أنصح بقراءته فمنه : كتاب الكامل للمبرّد، فقه اللغة للثعالبي، وحي القلم للرافعي، فيض الخاطر لأحمد أمين، إضافة إلى دواوين الشعراء المبرزين على مر العصور.


مكانة القصيدة اليوم


إلى أي مدى فقدت القصيدة فعاليتها في هذا الزمن المعلب؟

يظلّ للقصيدة سحرها ومكانها المرموق بين القوالب الفنية، وإن لم تزدد فعاليتها اليوم فلا أراها فقدت شيئاً منها. وأذكر أني قرأت رأياً يقول: إن القصة قد سحبت البساط من تحت القصيدة فأصبحت القصة اليوم ديوان العرب. وهو قول يفتقر إلى دليل وقد يكون حكماً فردياً!
لا شك أن فن القصة قد بدأ يأخذ مركزه في الأدب لكن للقصيدة لونها الذي لا يشبه أي لون آخر، ولها مكانتها، لاسيما وهي تواكب كل عصر بتعدد أوزانها وأشكالها، ومرونة خصائصها الفنية.


بين الورقية والرقمية

بين الكتابة الورقية والكتابة الرقمية ثوابت ومتحولات، كيف تتقاطع لديك؟

تلتقي الكتابة الورقية بالرقمية في الثوابت ثم تستقل الرقمية بمتحولات خاصة بها، تتلاءم مع طبيعة قارئ الانترنت وأجواء المواقع الالكترونية بشكل عام. ولكن تظل أدوات الكتابة واحدة هنا وهناك، فأهمها الإلمام بقواعد اللغة العربية، والقدرة على الصياغة الصحيحة، والأسلوب الجذاب، مع الدقة في اختيار اللفظ والبعد عن الحشو.

لكن الكتابة الالكترونية تتحرر أحيانا من مقص الرقيب وطابور الانتظار فأصبح بإمكانك أن تنشر كلمتك في لحظة ولادتها مهما كان توجهها ومستواها، وستجد لها قراء خارج نطاق المكان.

وقد عرفت العالم الورقي وتوطدت علاقتي به قارئة أولاً ثم كاتبة أحياناً حيث نشرت بعض قصائدي في الصحف والمجلات المحلية. لكني سأعترف بالفضل للعالم الرقمي الذي احتوى انطلاقة القلم حال إجفاله وتعثره وتولى تدريجياً تعريف القارئ بصاحبة القلم أو (لوحة المفاتيح) التي تقبع خلف هذا المعرف.

الفصل في الأدب!

بات الفصل ما بين الأدب النسائي والأدب الرجولي أمراً قائماً في هذا العصر، فما موقفك حياله؟


الفصل بين المرأة والرجل بات يشكل هوَساً في الآونة الأخيرة، وانتقلت العدوى إلى الوسط الأدبي أيضاً! ورأيي أن المبالغة فيه أصبحت داءً أتمنى أن يُستأصل قبل أن يسرطن الأدب كله! وقبل أن تنتقل عدواه إلى سائر الفنون! ولا عجب لو سمعنا غدا عن موسيقى نسائية وأخرى رجالية، ورسم نسائي ورسم رجالي، وتصوير نسائي وآخر رجالي ...الخ

الأدب سمو والسمو لا يعرف جنساً! والأدب حياة ولا فرق في الحياة بين رجل وامرأة. والأدب رسالة تتعدى حدود اللون والجنس والعرق لتبلغ الآفاق.

كما أن الإسلام ربّانا على أن «من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة» وعلى أن «النساء شقائق الرجال».


الأدب الإسلامي والأدب الحداثي ما الرابط بينهما؟ وكيف ذلك؟


الرابط بينهما هو ذاته الرابط بين المشرق والمغرب، من أحدهما تشرق الشمس ومن أحدهما تغرب.


الأدب الإسلامي


نقرأ من كتاباتك: (يخطئ كثيرون حين يفهمون الأدب الإسلامي على أنه الفن الذي يتحدث عن الإسلام بوعظ، أو إرشاد، أو حث على اتباع الفضائل والحقائق المجردة في العقيدة فحسب) فهلا شرحت لنا هذا الرأي؟


عُرّف الأدب الإسلامي بأنه: التعبير الفني الهادف عن وقع الكون والحياة والإنسان على وجدان الأديب وفق التصور الإسلامي الصحيح للخالق -عزّ وجلّ- ومخلوقاته. وهذا التعريف يوضح سعة الأدب الإسلامي وشموليته لكل ما يعتمل في نفس الأديب المسلم ما دام مؤطراً بإطار التصور الصحيح للكون والحياة والإنسان كما ورد في الشرعة الغرّاء.

فحين يكتب أديب عن عواطفه ووجدانه، أو ينقل جانبا مشرقاً أو مظلماً في مجتمعه، أو يلتقط صورة من الكون حوله، فهو يكتب في نطاق الأدب الإسلامي، ولا يتطلب وسم الأدب بالإسلامية أن يدور حول الوعظ والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو استنهاض الهمم والجهاديات، ولا يقلل هذا من مكانتها وكونها رافدًا مهماً من روافد الأدب الإسلامي.

وجهة نظر أخرى بقصيدة النثر!


عندما سئلت عن قصيدة النثر في حوار سابق ذكرت أنها «مسخ بين الشعر والنثر. غارق بين شطّين! لا جزيرة الشعر أدرك ولا النثر. وما أكثر الغارقين!» ألا ترين أن هذا هجوم على قصيدة النثر، خاصة أن الأدب بحر وكل إنسان يقدم حرفه الأدبي وفق قالبه المحبب لنفسه؟

هذه وجهة نظري تجاه هذا القالب الطفيلي دون قصد الهجوم على روّاده ومحبّيه. وأرى في اسمه (قصيدة النثر) فضلاً عن ملامح، ذبذبة بين الشعر والنثر وانتهاكا لخصوصية كل منهما وكأن الشعر شرط لجمال الحرف وتقديره وقبوله حتى نُلبس النثر ثوب الشعر قسراً!

ليس كلّ مزج ودمج مستساغ! وكما أن للشعر جماله، فللنثر جماله أيضاً. وليس شرطاً أن يرتدي الحرف بزّة الشعر ليتألق ويسطع. ها هي القوالب النثرية الأخرى تجد قبولها دون أن تتمسّح بذيل بردة الشعر لتصافح المتلقي!

لكل إنسان الحق في أن يقدم حرفه الأدبي وفق القالب المحبب إلى نفسه. وقد يخلط بين قالبين بشكل ممجوج أو مقبول. أو يخترع قالباً جديداً لم يُسبق إليه. لكن من حق المتلقي أيضاً أن يحكم على ما يقرأ وفق تصوّره وذائقته!
العامية وسمة الإبداع!

قلت مرة: «العامية بنظري عقبة كؤود تحول دون وسم العمل بالإبداع!» فما السبب في تفشي العامية وتذوقها لدى العامة؛ هل هو قصور من شعراء الفصحى أو رابطة الأدب الإسلامي أم ماذا؟ وهل أن كل عمل عامي لا يمكن أن يوسم بالإبداع؟ ولماذا؟

العامية موجودة ومنتشرة لكن للفصحى ألقها وحضورها ومحبوها وستظل لها مكانتها ما دام القرآن يتلى، وليس فشو العامية ذنب الفصحى ولا أهلها. لا شك أن واجبنا جميعاً العمل على أن تنتشر الفصحى وتكون لغة القلوب والعقول والفنون ونفخر بها كونها اللغة التي اصطفاها الله لتتنزل بها معجزة العالم الكبرى: القرآن الكريم.

أما ما ذكرته عن العامية فهو وجهة نظري وذائقتي الخاصة التي لا ألزم بها أحداً. وكثيراً ما يعرض علي عمل أدبي فأرفض نقده لأنه بغير لغة القرآن!


مقومات النقد الهادف


النقد مرآة العمل الأدبي، فما مقومات النقد الهادف؟

كثير من الناس ينقد اليوم بلا أدني مقومات للنقد، فهو يظلم النص بنقده سواء مدحه أو ذمه!

ومن أهم مقومات النقد الهادف: سعة الأفق وعُمق النظرة، والدقة والوضوح، والموضوعية وأعني بها القدرة على عزل الذوق الشخصي البحت عن الحكم على نص بالجودة أو الرداءة، والتمكن من أدوات الكتابة والنقد، والاهتمام بإبراز إيجابيات النص ومزاياه وعدم الاقتصار على ذكر العيوب."