المادة اللغوية: أمّ

وأمّا الهمزة والميم فأصلٌ واحدٌ، يتفرّع منه أربع أبواب، وهي الأصل، والمرجِع، والجماعة، والدِّين، وهذه الأربعة متقاربة، وبعد ذلك أصولٌ ثلاثة، وهي القامة، والحين، والقَصْد، قال الخليل: الأُمّ الواحدُ والجمع أمّهات، وربما قالوا أمٌّ وأمَّات. قال شاعرٌ وجَمَع بين اللّغَتين:
إذا الأُمَّهات قَبَحْنَ الوجوهُ *** فرَجْتَ الظّلامَ بأُمّاتِكا
وقال الرَّاعي:
* أمّاتهُنّ وطَرْقُهُنّ فَحِيلا
وتقول العَرَب: "لا أمَّ له" في المدح والذمّ جميعاً. قال أبو عبيدة: ما كنتِ أمّاً ولقد أمَمْتِ أُمُومةً. وفلانةُ تؤمُّ فلاناً أي تغذوه، أي تكون لـهُ أمّاً* تغذوه وتربيّه. قال:
نؤمُّهُمُ ونأْبُوهُمْ جميعاً *** كما قُدَّ السُّيورُ من الأديمِ
أي نكون لهم أمهاتٍ وآباءٍ. وأنشد:
اطلُبْ أبا نَخْلةَ من يأبوكا *** فكلهم ينْفِيك عن أبيكا

وتقول أمٌّ وأمّةٌ بالهاء. قال:
تَقَبّلتَها من أُمَّةٍ لَكَ طالما *** تُنُوزِعَ في الأسواقِ عنها خِمارُها
قال الخليل: كلُّ شيءٍ يُضّمُّ إليه ما سواه مما يليه فإنّ العربَ تسمّي ذلك الشيءَ أُمّاً. ومن ذلك أُمُّ الرأس وهو الدّماغ. تقول أممْت فلاناً بالسيّف والعَصا أمّاً، إذا ضربته ضربةً تصل إلى الدماغ. والأميم: المأموم، وهي أيضاً الحجارة التي تُشْدَخ بها الرؤوس؛ قال:
* بالمنْجَنيقاتِ وبالأمائِمِ
وأُمُّ القرى: مكّة؛ وكلُّ مدينةٍ هي أمُّ ما حولها من القُرى، وكذلك أمُّ رُحْمٍ([50]). وأمُّ القُرآن: فاتحة الكتاب. وأمُّ الكتاب: ما في اللّوح المحفوظ. وأمّ الرّمح: لواؤه وما لُفَّ عليه. قال:
وسلبنَ الرُّمْحَ فيه أُمُّهُ *** مِنْ يدِ العاصي وما طال الطِّوَلْ([51])
وتقول العَرَبُ للمَرأَة التي يُنْزَل عليها: أمُّ مَثْوىً، وللرّجُل أبو مَثْوىً. قال ابن الأعرابيّ: أمَّ مِرزَم الشَّمال، قال:
إذا هو أمسى بالحَِلاءَة شاتياً *** تُقَشِّرُ أَعْلى أَنفِهِ أُمُّ مِرزَمِ([52])
وأم كلْبَةٍ الحمَّى. ففيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لزيد الخليل: "أَبْرَحَ فتىً إنْ نجا مِنْ أُمِّ كَلْبة". وكذلك أمُّ مِلْدَم([53]). وأمُّ النُّجوم: السّماء. قال تأبّط شرّاً:
يرى الوَحْشَةَ الأُنس الأَنيسَ ويهتدي *** بحيث اهتدت أُمُّ النُّجومِ الشّوَابِكِ
أخبرنا أبو بكرٍ بن السُّنِّى([54])، أخبرنا الحسين بن مسبّح، عن أبي حنيفة قال: أُمُّ النجوم المجرّة، لأنّه ليس مِنْ السماء بقعَةٌ أكثرَ عددَ كواكبَ منها، قال تأبَّطَ شرّاً، وقد ذكرنا البيت. وقال ذو الرُّمّة:
بشعثٍ يَشُجُّون الفَلا في رؤوسهِ *** إذا حَوَّلَت أُمُّ النُّجومِ الشَّوابِكِ
حوَّلت يريدُ أنّها تنحرِف. وأمُّ كفاتٍ: الأرض. وأمُّ القُراد، في مؤخّر الرُّسغ فوق الخُفِّ، وهي التي تجتمع فيها القِرْدان كالسّكُرُّجة. قال أبو النجم:
* للأرض مِنْ أُمِّ القُرادِ الأَطحلِ([55]) *
وأمُّ الصّدى هي أُمُّ الدِّماغ. وأم عُوَيفٍ: دويْـبّةٌ منَقّطة إذا رأت الإنسان قامت على ذنَبها ونشرت أجنحتها، يُضرَبُ بها المثلُ في الجبن. قال:
يا أُمَّ عَوفٍ نَشِّري بُردَيْكْ *** إنّ الأميرَ واقفٌ عليكْ
ويقال هي الجرَادة([56]). وأمُّ حُمارِسٍ([57]) دويْـبّة سوداء كثيرة القوائم. وأم صَبُّور: الأمرُ الملتبِس، ويقال هي الهضَبَة التي ليس لها منفذ([58]). وأمّ غيْلان: شجرةٌ كثيرة الشوك([59]). وَأُمُّ اللُّهيم: المنِيّة. وأمُّ حُبَيْنٍ: دابّة. وأمُّ الطّريق: مُعظَمه. وأمُّ وَحْشٍ: المفازة، وكذلك أُمُّ الظِّباء. قال:
وهانت على أمِّ الظباء بحاجتي *** إذا أرسلت ترباً عليه سَحُوق([60])
وأُمُّ صَبَّار: الحَرَّة([61]) قال النّابغة:
تُدافِعُ النّاسَ عَنَّا حينَ نَرْكَبُها *** من المَظالم تُدعَى أُمَّ صَبّارِ
وأمُّ عامرٍ، وأم الطريق: الضَّبع. قال يعقوب: أمُّ أوعالٍ: هضبة بعينها. قال:
* وأمَّ أوعالٍ كَهَا أَو أَقْرَبا([62]) *
وأُمُّ الكفّ: اليدِ. قال:
* ليس له في أُمِّ كفٍّ إصبَعُ *
وأمُّ البَيض: النّعامة. قال أبو دُؤاد:
وأتانَا يَسْعَى تفرُّشَ أمِّ الـ *** بيض… ([63])
وأمُّ عامرٍ: المفازة([64]). وأمّ كليبٍ([65]): شجيرة لها نَوْر أصفر. وأمُّ عِرْيَط: العقربُ. وأمُّ النّدامة: العَجَلة. وأمّ قَشْعَمٍ، وأمُّ خَشّاف، وأمّ الرَّقوبِ، وأمُّ الرَّقِم([66])، وأمُّ أرَيق، وأمّ رُبَيْق، وأمُّ جُنْدَبٍ، وأمّ البَليل، وأمَ الرُّبيس([67])، وأم حَبَوْكرَى، وأمّ أدرصٍ، وأمّ نآدٍ، كلها كُنَى الدّاهية. *وأمّ فَرْوة: النَّعجة. وأمُّ سُوَيد وأمّ عِزْم: سافلة الإنسان. وأمُّ جابر: إيادٌ([68]). وأمُّ شَمْلَة: الشَّمال الباردة. وأُمُّ غِرْس: الرَّكية([69]).
وأمُّ خُرْمانَ: طريق([70]). وأم الهشيمة: شجرةٌ عظيمة مِنْ يابس الشّجَر. قال الفرزدق يصفُ قِدْراً:
إذا أطْعِمَتْ أمَّ الهشيمة أرْزَمَتْ *** كما أرزَمَتْ أمُّ الحُِوَارِ المجلَّدِ([71])
وأمُّ الطعّام: البَطْن. قال:
ربيَّتُه وهو مثلُ الفرخ أعْظَمُهُ *** أمُّ الطعَامِ ترَى في جِلْدِهِ زَغَبَا([72])
قال الخليل: الأمَّة: الدِّين، قال الله تعالى: {إنّا وَجَدْنا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف 22]. وحكى أبو زيدٍ: لا أمَّة له، أي لا دينَ له. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زيد بن عمرو بن نُفَيْل: "يُبْعَثُ أمَّةً وحْدَهُ".
وكذلك كلُّ مَنْ كان على دينٍ حقٍّ مخالفٍ لسائر الأديان فهو أمَّة. وكلُّ قوم نُسبوا إلى شيءٍ وأُضيفوا إليه فهم أمَّة، وكلُّ جيل من النّاس أمّةٌ على حِدَة. وفي الحديث: "لولا أنّ هذه الكلابَ أمّةٌ من الأمم لأمرْتُ بقتلها، ولكن اقتُلُوا منها كلّ أسوَدَ بَهيم". فأمّا قولـه تعالى: {كانَ النّاسُ أمّةً واحِدَةً} [البقرة 213]، فقيل كانوا كفّاراً فبعثَ اللهُ النبيّين مبشّرين ومنذرين. وقيل: بل كان جميعُ مَنْ مع نوحٍ عليه السلام في السفينة مؤمناً ثمّ تفرقوا. وقيل: {إنَّ إبراهيمَ كانَ أُمَّةً} [النحل 120]، أي إماماً يُهتدَى به، وهو سبب الاجتماع. وقد تكون الأمَّة جماعة العلماء، كقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الخَيرِ} [آل عمران 104]، وقال الخليل: الأمّة القامَة، تقول العَرَب إنّ فلاناً لَطويل الأُمّة، وهم طِوال الأمَم، قال الأعشى:
وإنَّ مُعاويَة الأكرَمِينَ *** حِسانُ الوُجوهِ طِوالُ الأمَمْ
قال الكسائيّ: أمَّة الرجل بَدَنه ووجْهه. قال ابن الأعرابيّ: الأمّة الطاعة، والرّجلُ العالم. قال أبو زيد: يقال إنّه لحسَنُ أمّة الوجْه، يغْزُون السّنّة([73]). ولا أمّة لبني فلانٍ، أي ليس لهم وجه يقصِدون إليه لكنهم يخبِطُون خَبْط عَشْواءَ. قال اللِّحيانيّ: ما أحسن أمّته أي خَلْقه. قال أبو عُبيد: الأمّيّ في اللغة المنسوبُ إلى ما عليه جبلة الناس لا يكتُب، فهو [في] أنّه لا يكتُبُ على ما وُلِدَ عليه. قال: وأمّا قول النّابغة:
* وهلْ يأْثَمَنْ ذو أمَّةٍ وهو طائِعُ([74]) *
فمن رفَعه أراد سنّة ملكه، ومن جعَله مكسوراً جعَله دِيناً من الائتمام، كقولك ائتم بفلان إمّةً. والأمة في قوله تعالى: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف 45]، أي بعد حين. والإمام: كلُّ من اقتُدِي به وقُدِّم في الأمور. والنبيُّ صلى الله عليه وسلم إمام الأئمة، والخليفة إمام الرّعية، والقرآن إمام المسلمين. قال الخليل: الإمّة النّعمة. قال الأعشى:
* وأصاب غزوُكَ إمّةً فأزالها([75]) *
قال ويقال للخَيطِ الذي يقوّمُ عليه البِناءُ إمام. قال الخليل: الأمامُ القدّام، يقول صدرُك أمامُك، رَفَعَ لأنّه جعَله اسماً، ويقول أَخوك أمامَك نصب لأنه في حال الصفة، يعني به ما بين يديه، وأمّا قول لبيد:
فَغَدَتْ كِلاَ الفَرْجَيْنِ تَحْسَبُ أَنّه *** مَوْلَى المخافةِ خَلْفُها وَأَمامُها
فإنه ردَّ الخلف والأمام على الفرجين، كقولك كلا جانبيك مولى المخافة يمينك وشِمالُك، أي صاحبها ووليّها، قال أبو زيد: امض يَمامِي في معنى امض أمامي. ويقال: يمامي وَيمامتي([76]). قال:
* فقُلْ جابَتي لَبيّكَ وَاسمَعْ يمامتي([77]) *
وقال الأصمعيُّ: "أمامَها لقِيتْ أَمَةٌ عَملَهَا" أي حيثما توجّهَتْ وجدَتْ عملاً. ويقولون: "أمامك ترى أثَرَك" أي ترى ما قدّمْت. قال أبو عبيدة: ومن أمثالهم:
* رُوَيْدَ تَبَيَّنْ مَا أمَامَةُ مِنْ هندِ([78]) *
يقول: تثبّتْ في الأمر ولا تَعْجَل يتبيَّنْ لك. قال الخليل: الأَمَم الشيء اليسير الحقير، تقول: فعلت شيئاً ما هو بأمَمٍ ولا دُونٍ. والأمم: الشيء القريب المتناوَل. قال:
كوفِيّةٌ نازحٌ مَحَلَّتُهَا *** لا أَمَمٌ دارُها ولا صَقَبُ([79])

قال أبو حاتم: قال أبو زيد: يقال أمَمٌ أي [صغيرٌ، و([80])] عظيم، من الأضداد. وقال ابن قميئة في الصغير:
يا لَهْفَ نفسِي على الشّباب ولم *** أَفقِدْ به إذْ فَقَدْتُه أمَمَا([81])
قال الخليل: الأمَم: القصد. قال يونس: هذا أمْرٌ مأمُومٌ يأخذ* به الناس. قال أبو عمرو: رجل مِئَمٌّ أي يؤمُّ البلادَ بغير دليل. قال:
* احذَرْنَ جوّاب الفلا مِئمَّا *
وقال الله تعالى: {ولاَ آمِّينَ البَيْتَ الحَرَامَ} [المائدة 2]، جمع آمٍّ يؤمُّون بيتَ الله أي يقصدونه. قال الخليل: التيمُّم يجري مجرى التوخّي، يقال له تيمّمْ أمراً حسَناً وتيمّموا أطيب ما عندكم تَصدّقُوا به([82]). والتيمُّم بالصَّعيد من هذا المعنى، أي توخَّوْا أَطيبَه وأَنظَفَه وتعمّدوه. فصار التيمُّم في أفواه العامة فعلاً للتمسُّح بالصعيد، حتى يقولوا قد تَيمَّم فلان بالتُّراب. وقال الله تعالى: {فَتيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء 43، المائدة 6]، أي تعمَّدوا. قال:
إن تكُ خيلي قد أُصيب صميمُها *** فعمداً على عَيْنٍ تيمّمْتُ مالِكا([83])
وتقول: يمّمتُ فلاناً بسهمي ورُمحي، أي توخّيته دونَ مَن سِواه، قال:
يمّمتُه الرُّمحَ شزْراً ثم قلتُ لـه *** هذه المرُوَّةُ لا لِعْبُ الزَّحاليقِ([84])
ومن قال في هذا المعنى أمّمته فقد أخطأ لأنه قال "شزْراً" ولا يكون الشّزر إلاّ من ناحية، وهو لم يقصد به أمامه. قال الكسائي: الأمامة الثمانون من الإبل([85]). قال:
فمَنَّ وأعطانِي الجزيلَ وزادَني *** أُمَامَةَ يحدُوها إليَّ حداتُها([86])
والأمّ: الرئيس، يقال هو أُمُّهم. قال الشّنْفَرى:
وأمّ عِيالٍ قد شَهدتُ تَقُوتُهم *** إذا أطعمَتْهم أَحْترَتْ وأقلَّتِ([87])
أراد بأمّ العيال رئيسَهم الذي كان يقوم بأمرهم، ويقال إنّه كان تأبّط شراً.



معجم مقاييس اللغة - ابن فارس
الجزء الأول