النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: أوهاج الشعر بين الوهم والحقيقة - حسن النيفي

  1. #1 أوهاج الشعر بين الوهم والحقيقة - حسن النيفي 
    شاعر سوري- مشرف الصورة الرمزية مصطفى البطران
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    الدولة
    في بساتين القلوب
    المشاركات
    1,133
    مقالات المدونة
    5
    معدل تقييم المستوى
    19
    أوهاج الشعر بين الوهم والحقيقة
    ما يميز الحركة الشعرية المعاصرة هو نزوعها نحو التنوّع والتباين , إن على المستوى أشكال الكتابة وإن على مستوى المضامين الشعرية , ولئن كان الأمر يُعدّ مصدر ثراء وخصوبة على المستوى الإبداعي , فإنه من جهة أخرى يكشف عن تناقض حادٍّ , ربما وصل في بعض الأحيان إلى حدّ التطرف , وبخاصة فيما يتعلق نفهم آليات التفكير الحداثي في الأدب عامة , وفي الشعر على نحو خاص 0
    فثمة من يرى أنه لا يمكن أن تقوم للحداثة الشعرية قائمة إلا على أنقاض الموروث , فراح يكرّس جهده نحو العبث بقواعد اللغة بحجّة تفجير طاقاتها , ومضى يتهم البلاغة العربية بالعقم الجمالي , والأوزان الخليلية بالكوابح التي تحول دون تحقيق الإبداع 0
    وفي الوقت ذاته , بدا ينظر إلى أيّ منجز ثقافي غربي بعين الإكبار والإجلال , بغض النظر عن فحوى هذا المنجز , فقط لاعتباره الأفق الوحيد الذي يمنح يمنح الشاعر هواء المعاصرة , وأصبحنا نواجه كل يوم في الصحف والمجلات والكتب تشكيلات شعرية لا تُعرف لها ملامح ولا حدود , وبالتالي أصبح الشعر في شطر كبير منه بعيداً عن الذائقة العربية 0
    ولئن أبدى القارئ أو السامع بعض التذمر أو النفور إزاء هذا الضرب من الشعر , فحتماً سوف يُتهم بأنه صاحب ذوق تقليدي قديم , ولا يملك الثقافة التي تمكنه من سبر تلك النصوص والتماس منابع الجمال فيها , وأن عليه إن أراد تذوق القصيدة الحديثة أن يتجرد من كل القيم الجمالية والذوقية والفنية العربية , حتى يُسمح له بالعبور إلى بوّابة الحداثة الشعرية 0
    ولكن في الطرف المقابل ثمة من يرى في القصيدة الحديثة عنصراً ثقافياً دخيلاً , بل فكرة استعمارية شيطانية تندرج تحت مفهوم ( الغزو الثقافي ) الذي يمارسه الغرب للنيل من الهوية القومية , والمضي في تشويه الذوق والاعتداء على حرمات اللغة والأعراف الأدبية الموروثة , وبالتالي يصبح في نظر أصحاب هذا الاتجاه , أيّ تفاعل مع ثقافة الآخر نوعاً من الخيانة والتآمر على الثقافة والدين والتراث 0
    ولعله من الطبيعي وفقاً لهذا الاتجاه , أن يصبح مقياس الإبداع هو التشبث بكل ما هو قديم بغثه وسمينه , فما هومميز ونفيس بالنسبة لهؤلاء , إنما يستمد نفاسته من قِدمه لأنه غدا بالنسبة إليهم قيمة رمزية قد لا تختلف كثيراً عن القيم الدينية 0 وهكذا تصبح القصيدة الحقيقية الجديرة بالاهتمام هي التي تحقق شرطي الوزن والقافية , إضافة إلى الوضوح , أما مقوّمات الإبداع الأخرى , فربما تأتي أولا تأتي 0 وهكذا أصبحنا نرى العديد من القصائد التي يدعي أصحابها الأصالة , هي في حقيقتها لا تتجاوز المنظومات العلمية القديمة 0
    ولا شك أن سبب هذا التناقض في المواقف ليس أمراً عرضياً عائداً إلى اختلاف المشارب الثقافية فحسب , وإنما السبب , فيما أتصور يكمن في آليات التفكير والتصورات العقلية لكلا الطرفين 0الأمر الذي يجعل الخلاف منزاحاً من المستوى المعرفي والثقافي إلى المستوى الإيديولوجي , لذلك نرى أن كل طرف يحارب الآخر بسلاح الإيديولوجيا ولا يحاوره ضمن القنوات التي تحترم شرعية الاختلاف , وتعلي من شأن أحقية التباين المعرفي , فالقائلون بالحداثة يتهمون خصومهم بالرجعية والتخلف , وأصحاب تيار الأصالة يتهمون التيار الأول بالكفر والتآمر على الأمة والتهمتان معاً إيديولوجيتان 0
    وتأسيساً على ذلك يمكن القول بكل يقين : إن كلا الفريقين مغالٍ وبعيد عن الموضوعية ويكاد كلا الطرفين يجهل الآخر ولا يريد فهمه بل يريد إقصاءه ولا أبالغ إن قلت : إنّ قسماً كبيراً من مناهضي الموروث يجهلونه , وربما في أحسن الأحوال فهموا من التراث ما حددوه وما أرادوه مسبقاً وكذلك فإن قسماً كبيراً من مناهضي الحداثة يجهلون فحواها , ولم تتجاوز قراءاتهم كتباً محدودة جداً فقراءة كل طرف للآخر هي قراءة موجّهة محددة الأهداف مسبقاً 000 إنها بلا شك قراءة مؤدلجة 0
    ولئن كانت دروع الإيديولوجيا يمكن أن تعدّ في ظروف تاريخية معينة عاملاً هاماً من عوامل تحصين الذات وعاصماً لها على المستوى النفسي من الانهيار إلا أنّ النتيجة سوف تكون عكسية بلا شك على المستوى المعرفي والحضاري وعلى مستوى تطور الوعي 0
    لا أدعي في هذا السياق أني سآتي بجديد على صعيد هذا الموضوع , ولا أدعي أني سأقول الكلام الفصل , فهذا ليس من شأني , بل من شأن الفلاسفة ومنتجي الأفكار , ولكن حسبي أنْ أؤكد على أنّ الحداثة ليست ظاهرة ثقافية لها تجلياتها الأدبية فحسب بل هي مشروع اجتماعي ثقافي متكامل وأنّ مجمل الأفكار والتصورات الحداثية لا تستمد قيمتها الحقيقية من ذاتها كمفاهيم مجرّدة , وإنما تكتسب فحواها وجوهرها من خلال انتظامها في النسق الاجتماعي والثقافي للمجتمع , وكذلك من خلال قابليتها لأن تكون مُنتجاً ثقافياً ملائماً لإعادة الصياغة والتوافق مع الأنساق الثقافية والاجتماعية للمجتمع العربي الإسلامي 0
    وكذلك فإنّ الأصالة ليست في إضفاء صفة التقديس على ما هو غير مقدّس ، فالفكر الذي ينتجه الكائن البشري منه ما يولد ميتاً ومنه ما يزول بزوال مبررات نشأته , ومنه ما يبقى على امتداد أحقاب من عمر البشرية 0
    إنّ الفكر الأصيل والثقافة الأصيلة إنما تكمن أصالتهما في قدرتهما على الاستمرارية والتجدد والانبعاث , لذلك لا غرابة إنْ قرأنا نصوصاً شعرية جاهلية وأحسسنا بحيوية ونشوة إزاءها , وأحسسنا أنها ما زالت تمتلك القدرة على التغلغل في أعماقنا بعيداً , فنحكم عليها بالقول : إنها تُضمر قيماً إنسانية غاية في الرفعة والنبل , وربما قرأنا نصوصاً شعرية كُتبت للتوّ , ولكن لا نحسّ حيالها بأيّ رعشة أو نبض إنساني على الرغم من أنها تدعي العصرنة والتحديث 0
    لعلي أردت من وراء ما تقدم أن أؤكد على أنّ التجديد والأصالة في الأدب عامة وفي الشعر على نحو خاص , لا تتحققان من خلال التطرف الإيديولوجي ولا في الانحياز الأعمى لشكل فني دون سواه ذلك أنّ آفاق التجديد والإبداع واسعة وهي أوسع بكثير من المواقـــــــــع التي يتحصن بها البعض ولعل المتتبع لحركة الشعر المعاصر منذ أربعينيات القرن العشرين , سيدرك بلا شك أنّ جيـــــــــل الرواد في حركة الحداثة الشعرية ( السياب ونازك الملائكة وعلي أحمد باكثير , ثم صلاح عبد الصبور وخليل حاوي وغيرهم ) هم شعراء مبدعون مجددون , وقد لامست إبداعاتهم الشعرية عمق الوجدان العربي , ولم يشعر القارئ يوماً بغرابة إزاء إبداعاتهم الشعرية على الرغم من الشكل الشعري الذي اتبعوه ( الشعر الحر ), وكذلك بالمقابل نجد أنّ نفراً من الشعراء ممن عاش في الفترة الزمنية ذاتها من أمثال ( عمر أبو ريشة والجواهري والبردوني ونديم محمد وبدوي الجبل وغيرهم ) وهؤلاء شعراء مبدعون مجددون , علماً أهم آثروا الشكل الخليلي الموزون المقفى للتعبير عن تجاربهم الإبداعية 0
    إذن كلا الفريقين مجدد ومعاصر ولا يمكن لأحدهما أن يلغي الآخر , بل إن هذا التجاور في الأنماط الشعرية هو إثراء للحياة الأدبية , وكما أنّ محمود درويش شاعر مبدع مجدد , كذلك عبد الرزاق عبد الواحد شاعر مبدع مجدد على الرغم من تباين الأشكال الفنية لديهما , بل إنّ من الشعراء من كتب قصيدة التفعيلة إلى جانب القصيدة الموزونة المقفاة , وأبدع في الاثنتين معاً كالشاعر نزار قباني مثلاً 0
    ما أريد الوصول إليه بإيجاز شديد هو أنّ الإبداع الحقيقي إنّما يتأتى من الموهبة المتألقة والفكر الوقّاد والثقافة العميقة الواسعة , وليس من التهويمات والطلاسم التي لا تنم إلا عن خواء ذهني , على الرغم من اتشاحها ببراقع الموضة الحديثة 0

    بقلم الأستاذ الشاعر حسن النيفي
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: أوهاج الشعر بين الوهم والحقيقة - حسن الني 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    سلام الله عليك

    أشكر الأستاذ مصطفى البطران على هذا النقل الجميل

    لكني أرى أن الموضوع لم يلامس تفاصيل الخلاف بين تيارين
    وفي الحقيقة إن وضع تيار الحداثة في مواجهة مع التيار الأشمل هو ظلم صريح
    ذلك أنها تعبر عن شريحة أو فئة تتغير مصطلحاتها ومفاهميها وقواسمها المشتركة يوماً بعد يوم
    بل تتهاوى أجناسهم الأدبية بألسنتهم ( كما يسمونها قصيدة النثر)
    ثم من جهة أخرى
    ماذا قدمت الحداثة من جديد لم نجده في تراثنا
    من الناحية العقدية: الكفر ( لقسم من الحداثويين ) وما أكثر الزنادقة في التراث
    من الناحية البلاغية: شملت كل تفاصيل وأدوات الشعراء من تشبيه واستعارة وكناية بكلمة واحدة هي الصورة
    من الناحية الموضوعية: كسروا المقدمات التقليدية وقد فعلها أبو نواس وغيره


    ما الجديد الذي قدم إن كنت أرى كثير من الحداثوين قد سرق أساليب أي نواس وامتد لجمل للحلاج وابن عربي وغيرهما

    ثم ادعى أنه مبتكر حداثي صعلوك جديد

    سرني قول أحدهم في أمسية حضرتها في حلب قوله وهو يقول أنها شاعر حداثي: أنا أميز بين الحداثة المؤمنة والحداثة الكافرة

    بمعنى قد ميز قسم منهم أن رفض التراث الديني والأدبي والثقافي والأخلاقي هي درجة بين بعض الحداثيين
    فسارع للتنصل

    ولعمري قد أفلح

    الموضوع طويل
    لكني أهمز همزة لدراسة البنية النفسية لهؤلاء الأشاوس وقد طفحت الفحولة في خطابهم وقد تلمست بشكل واضح مفهوم الصراع وقد تسرب لفكرهم

    والصراع هو مفهوم متجذر في الثقافة الغربية قديمها وحديثها
    تفاصيله الصراع مع الله ومع النفس ومع الناس
    أعراضه الواضحة بالنسبة لي:

    1-التناقض بين المسلمات وبلسان الحداثي ذاته.
    2- المرارة والألم العميق( وهي نتيجة طبيعية للتناقض والصراع).
    3- النكوص الذاتي وهذا يفرز فلسفة لا واقعية وأداوت فنية لا واقعية كالتهوميات والأحلام الفنية والهلوسة الأدبية التي ولدت الصور المغلقة وبذلك يتضح الدافع النفسي الحقيقي لهذه الأدوات.
    4- تضخم الأنا الظاهرة في الفحولة الأدبية .

    هذا ما توصلت إليه وأرى أننا بحاجة لمزيد من الرفق مع حالات نفسية مثل هذه
    لا أقول أن نفتتح جمعية للرفق بالحداثيين ، بل عيادة أدبية حنونة الحضن مثل حضن أمة الأدب العربي الأصيل
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. إلا الشعر يا مولاي
    بواسطة عطاء في المنتدى الشعر
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 17/10/2010, 08:17 PM
  2. حسن النيفي عتاب و شفافية
    بواسطة الامير الصيادي في المنتدى الشعر
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 16/04/2009, 12:57 PM
  3. نصائح طبية بين الوهم والحقيقة ..
    بواسطة د.ألق الماضي في المنتدى الواحة
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 06/02/2009, 08:30 PM
  4. تفسيرالقرآن الكريم والحقيقة العلمية
    بواسطة السيد مهدي في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 01/03/2008, 12:43 PM
  5. الوعي العربي .. القاعدة وبلاك ووتر ..والحقيقة الغائبة
    بواسطة علاء ابراهيم في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08/01/2008, 03:38 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •