النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: شجون طفلة ـ (حصــريـا)

  1. #1 شجون طفلة ـ (حصــريـا) 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية بنور عائشة
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    239
    معدل تقييم المستوى
    18
    قصة: شجون طفلــة

    بقلم/ بنور عائشة ـ عائشة بنت المعمورةـ

    رذاذ المطر يغسل القرية بأكواخها وأحواشها، ويغير ملامح الحزن إلى فرح يسكن القلوب البائسة .. رذاذ المطر ينساب على زجاج النافذة، ويأخذ شكل الالتواء والتدحرج ليستقر في الزوايا والدوائر المحفورة تحت النافذة.
    وحيدة تنظر من النافذة وتنهمر دموعها..حبا .. ألما.. حيرة ..صراخا يتعالى في جوفها، لا أحد يسمع هذا الأنين غير اسم بعيد هجرها إلى غير رجعة.. ودعته قاطعة المسافات دون أن تلتفت إليه وتلوح بيدها حتى لا ينساها ..نساها الزمان وجرحتها الأيام وكان الدمار والسجن بالإعدام أبدي.
    أخذت الحبل وربطته حول رقبتها وهي ترتعش..علقت نفسها بنفسها ..ظنا منها أن ذكراها تنسي من طالبوها بالرحيل .. كانت الأغنية الوحيدة التي ترددها في صمت هي السكوت مهما كان، ويبقى صراخها يشتد ونحيبها يزداد وخوفها يكبر مع أحلامها الليلية دون أن يحس بها طارق الباب أو فاتحه .. لحظة ولادة أو لحظة موت بطيء تسامى في نظر البريئة التي حكمت عليها الحياة بالإعدام شنقـا.
    رذاذ المطر لم يتوقف .. مازال على الزجاج يأخذ شكل الالتــواء والتدحرج.
    مر بذاكرة وحيدة شريط آلامها وهي تضع رجلاها فوق الكرسي الخشبي لترميه حينما تتأكد من شد الحبل جيدا ..
    وحيدة امرأة من هذا الزمن الداعر .. امرأة لرجل لم يكن ككل الرجال .. امرأة العذاب والألم ..إنسانة تريد أن تعيش فتنتحر في خشوع تام وعلى شفا حفرة من نار يوقظها هاجس مرعب لماذا أنت بالذات؟
    تصمت وتتنهد وتترك حياتها في صمت إلى الأبد .. لا ترغب في توديع أحد.. وأيا من كان ؟ المهم امرأة مذعورة .. امرأة تسأل ويغيب عنها السؤال وتجد دائما سؤالا أكبر من وجودهــا.
    ـ أحبك ؟
    تحاور نفسها بألم شديد يسكنها وتقول:
    ـ تحبني ملكا أم أمة تلبي كل الرغبات .. أنا أيها الرجل إنسان له قيمة ..قيمة معنوية لا مادية .. جسد تجلده من حين لآخر ، ويصفع منك بقسوة وإذلال؟
    ـ لم تدرك أن الإدراك ينظم الأحاسيس ويكملها بصور وذكريات مرتبطة بالواقع، فلقد كان عندك الإحساس مجرد لذة ألم تدركها للبحث عن أشيائك وتعذيبي؟ هي صورة للضياع وعدم القدرة على فعل أي شيء؟
    امرأة هربت من البيت خوفا من السياط تاركة وراءها صغارا يسألون ..ماما.. ماما..
    وحيدة ترسل آخر شظية من شظايا اللهب المحترق في صدرها لتقول:
    كنت صغيرة .. كانت في يدي دمية أحبها كثيرا ولا أبرح مكانا إلا وهي معي.. في ليلة ما و في زمن ما وفي بيت ما وفي قرية ما .. نهضت مفزوعة من النوم ..في هلع شديد على صراخ وبكاء ونواح امــرأة لا أعرفها.. كان عمري تسع سنوات.
    جلست تلك المرأة عند مدخل الباب .. كانت الليلة مظلمة .. باردة ومخيفة.. أمي وأبي يهدآن من روعها، وبقيت جاثمة في مكاني وبعيدة عنها ..ثوبها ممزق وشعرها الأسود متدل على كتفيها والدم ينزف من أعلى حاجبيها.. تبكي .. تبكي بمرارة .. بألم وهي تضع يدها على الجرح وتنظر إلى الدم القاني .. بكيت معها وكنت أتسأل:
    ـ ما بها يا ترى؟
    ـ من فعل بها كل ذلك؟
    الأمر الذي حز في نفسي وبقي راسخا في ذهني لماذا المرأة تضرب حتى الموت؟
    بكيت بحرارة وأنا أرى معها طفل صغير يبكي هو الآخر وبيده قطعة خبز .. هرعت إلى فراشي وأخذت دميتي التي كنت أحبها والتي أهدتني جدتي زينب في أول زيارة إلى المدينة الجميلة .. أمزقها .. أمزقها..
    مزقتها .. رميت برجل هنا ويد هناك .. كان المنظر مرعبا .. كنت لا أعرف شيئا سوى أن هذه المرأة ضربها زوجها ضربها عنيفا وطلقها.. فقط من أجل أن يتزوج بمن أراد .. مثلما قالت وقولته هي:
    ـ الشرع حلل لي أربعة؟
    طلقت المرأة وشرد الأبناء وتشتت الأسرة وبقيت أثار الضرب عالقة بجسدها وفي ذاكرتي .. فقط ذاك ما تذكرت من قسوته وتأكد لي أن هناك الكثيرات ممن يضربن بعنف شديد.
    قال يوسف:
    ـ الرجال يضربون زوجاتهم .. هذه سنة الحياة؟
    قلت:
    ـ يظن أنها رجولة وقوة وكبرياء ؟ بل هو ضعف وقسوة واستبداد، ولم أواصل الجدل العقيم بيننا .. وفي قرارة نفسي قلت:
    ـ المرأة محقورة ذاك ما قالته نساء العصر؟
    آه لو تدركن نساء الجبال و الخيام .. آه لو تعملن عملهن ؟ لو تلبسن لباسهن؟ آه لو تصبرن صبرهن على تحمل الشدائد .. كل هذا من أجل أبنائهن و بيوتهن؟
    آه لو يعرفن مثلكن المحاكم وملفات الطلاق المكدسة .. ماذا يفعلن؟
    سألت أبي :
    ـ أين هي رقية؟
    فأجابني:
    ـ لقد رحلت إلى السماء .. بعيدا؟
    ماتت رقية بعد ذاك الضرب الشنيع .. ماتت وتركت أبناءها يحملون ذكرى الضرب وموت أمهم .
    وحيدة تصارع الألم والأنين لتموت في صمت بعدما زحزحت بقدمها الكرسي وضغطت على الحبل الملفوف حول رقبتها.. تشخر شخرة الموت العنيف .. فتجد الدموع لتغسلها وكفنها رذاذ المطر وقبرها دمى ممزقة تحتضنها في جوف الأرض؟
    لا تزال الابتسامة حزينة كحزن أبناء رقية في ليلة ما .. وفي زمن ما..وفي قرية ما..
    قيل أن المدينة الني زارتها وحيدة لأول مرة لشراء الدمية هي اليوم سجنها، بل قبرها يزار مرة في العام...
    رذاذ المطر لم يتوقف مازال على الزجاج يأخذ شكل الالتواء والتدحرج .

    ّ المادة منشورة في المجموعة القصصية " مخــالب" للكاتبة .

    نشرت بمجلة الإذاعة سنة 1993
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: قصة / شجون طفلة ـ بنور عائشة ـ (حصــريـا) 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية دجلة الناصري
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    177
    معدل تقييم المستوى
    18
    ماتت رقية بعد ذاك الضرب الشنيع .. ماتت وتركت أبناءها يحملون ذكرى الضرب وموت أمهم .
    وحيدة تصارع الألم والأنين لتموت في صمت بعدما زحزحت بقدمها الكرسي وضغطت على الحبل الملفوف حول رقبتها.. تشخر شخرة الموت العنيف .. فتجد الدموع لتغسلها وكفنها رذاذ المطر وقبرها دمى ممزقة تحتضنها في جوف الأرض؟
    لا تزال الابتسامة حزينة كحزن أبناء رقية في ليلة ما .. وفي زمن ما..وفي قرية ما..
    قيل أن المدينة الني زارتها وحيدة لأول مرة لشراء الدمية هي اليوم سجنها، بل قبرها يزار مرة في العام...
    رذاذ المطر لم يتوقف مازال على الزجاج يأخذ شكل ألالتواء والتدحرج .

    .....


    وقفت تحت سماء الكلمات فاغرقني رذاذ المطر بالآلم والشجون ..
    وتناثرت الدموع من التأوه للحقيقة المره .
    مبدعه حد الروعه سيدتي ...
    مودتي.......
    دجله الناصري ..
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد: شجون طفلة ـ (حصــريـا) 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية عائده محمد نادر
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    368
    معدل تقييم المستوى
    16
    الزميلة القديرة
    بنور عائشة
    همومي كثيرة .. وزادت هما آخر
    كنت أتخيل وحيدة
    ووجهها الذي تلون وتألمها
    وكم وحيدة في عالمنا بنور
    كم امرأة مثلها تتجرع الألم فقط لأنها لاتريد ترك أولادها عرضة للألم
    أشكرك على طرحك
    موضوع يستحق المعالجة منا
    تحياتي لك وودي
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد: شجون طفلة ـ (حصــريـا) 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية بنور عائشة
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    239
    معدل تقييم المستوى
    18
    تحية معطرة بأريج الكلمات الصادقة والمعبرة عن مدى سموكم ورقي حسكم. دجلة وعائدة وكل محترق بالكلمة..........


    صدقا القصة واقعية ومؤلمة نشبت خيوطها احتراقا بداخلي منذ نعومة أظافري ولم تستطع مخيلتي نسيانها ..منذ ذلك الوقت أصبحت مهوسة بعالم فضيع اسمه عالم المرأة والمعاملة اللاإنسانية .

    تعيش المرأة في عصرنا هذا ..عصر المادة قهرا نفسيا وجسديا رهيبا ..قد لا يعمم لكن الأغلبية الساحقة تعاني في الأسرة أو في المجتمع والتي لم يسلم منها حتى الطفل البريء.


    أقدر تجاوبكما مع النص القصصي وأقدر غهتمامكم الكبير بعالم الكتابة ..

    إنني متابعة دوما لتلك الحروف الرقيقة المعبرة والصادقة .


    دمتم أعزاء وأحباء ,


    عائشة
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. إنتل زيون
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى حاسب
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09/10/2012, 09:32 AM
  2. طفلة أمي
    بواسطة زهرةالايام في المنتدى الرسائل الأدبية
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 13/02/2009, 11:31 AM
  3. سجون الاهية
    بواسطة هديل الرافدين في المنتدى الشعر
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 15/01/2009, 09:38 PM
  4. سمير القنطار خارج سجون الاحتلال
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 24/06/2008, 10:18 AM
  5. طفلة أنت
    بواسطة د.مقبل العمري في المنتدى الشعر
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 02/01/2008, 10:39 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •