كلمة حول القصة:
في تجوالي بين أسطر القصص ، أبحث دوماً عن عقلية القاص
هذه العقلية تصطاد من الواقع وتعمل فيه ثم تقدمه من جديد للمتلقي
وفق ما أعرفه أن النقد يثمن من خلال العمل عقلية القاص
ليدرك كنزه الثمين إذا لم يكن يتلمس هذا الكنز الفني( ربما يحسه ولا يدركه)
ثانياً ندفع كل قاص لمعرفة جمال العمل الفني الحقيقي
رغم أن هذا الكنز الفني هو موهبة ربانية
ودفعنا لغيره من القصاص ربما حضهم على البحث عن كنزهم الفني الحقيقي
لا جرياً وراء الزائف من الأدوات
فن القصة القصيرة جداً
قد شاركت معنا بعض الأعمال في هذا الفن
وكانت قصص موضوع
ولا يكفي أن يقدم القاص المجتمع للقارىء مكتوباً
بل عليه أن يعمل أدواته الفنية ومحاكمته القصصية لهذه المادة
كما عليه أن يقدم المجتمع للمتلقي من زاوية جديدة
لم ألمس جيداً أدوات القاص الفنية مع فن خطير مكثف كفن القصة القصيرة جداً.
وبعضها كان يفتقد بساطة هذا الفن العميق.
وقفت عند أميزها :
محمود عادل باذنجكي
قصص قصيرة جداً:
مع الظل الرمز والتباعد المقصود والغاية هي السطوع
رغم أن القصة بدأت بمحاولة للتجاوز ، وهذه الكلمة ستحسب حتماً في انعكاس دلالتها تقاطعاً مع دلالات كل كلمة في القصة ، بمعنى أن زيادة الكلمات غير العضوي قد يحدث تضارباً في الدلالات مؤثراً سلباً على القيمة الإيحائية الكلية.
محاولات خلق المعادل الموضوعي شابه بعض التكلف فيما أرى ، لعل التقاط المعادل الفني من الواقع يعبر عن عقلية قصصية متصيدة ، لكنها بحاجة لبساطة الأمثال في صياغتها، رغم عمقه وشدة دلالته.
أحب أن أذكر ونحن في مقام هذا الفن أن جذور هذا الفن ضاربة في تراثنا ، لا حباً مني في تأصيل أي فن عرفه العرب فحسب، لكن إيماناً نقدياً أن هذا الفن لن يرتقى ما لم نصله بجذوره ونستمد خلاصة عبقرية العرب وبراعتهم فيه، فما الملح والنوادر و حكايا الظرفاء إلا تنوعاً جميلاً لهذا الفن ، بل لعلي أذهب أبعد من ذلك وأذكر ورود هذا الفن في القرآن الكريم والحديث الشريف.
قال الله تعالى : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 258 البقرة
استهلال تشويقي " ألم تر" وحوار وشخصيات وحبكة وتصعيد ثم قفلة وخلاصة في قالب فني قصير جداً
وكذلك هي في الحديث الشريف:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب. شديد سواد الشعر. لا يرى عليه أثر السفر. ولا يعرفه منا أحد. حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فاسند ركبتيه إلى ركبتيه. ووضع كفيه على فخذيه. وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتقيم الصلاة. وتؤتي الزكاة. وتصوم رمضان. وتحج البيت، إن استطعت إليه سبيلا" قال: صدقت. قال فعجبنا له. يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر. وتؤمن بالقدر خيره وشره" قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: "أن تعبد الله كأنك تراه. فإن لم تكن تراه، فإنه يراك". قال: فأخبرني عن الساعة. قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" قال: فأخبرني عن أمارتها. قال: "أن تلد الأمة ربتها. وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان". قال ثم انطلق. فلبثت مليا. ثم قال لي: "يا عمر! أتدري من السائل؟" قلت: الله ورسوله أعلم. قال: " فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم"." صحيح مسلم ص 24
استهلال القصة هنا استهلال غرائبي ، من خلال وصف الشخصية التي دخلت المجلس، فهو رجل غريب عنا ورغم ذلك فلا يرى عليه آثار السفر،وكأنه خرج من غرفة من غرف المسجد ، ولعل وصف هذه الشخصية هو وصف دقيق يجذب ويشد فالرجل رغم أنه شديد سواد الشعر، فثيابه شديدة البياض ، وهنا هذا التباين الشكلي يسمى في تقانات القص الحديث بالمصغرة، والمصغرة وصفٌ ما متقدم، يوحي بأحداث قادمة من خلال إيحاء فني، كما كان في هذه الصورة المتباينة شدة سواد الشعر وشدة بياض الثياب ، وكان تصرفه بعد ذلك غريباً فهو يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يصدقه ، فلماذا كان يسأل وهو العارف بالأمر ، وتفضي النهاية أنه جبريل نزل ليعلمهم دينهم في أسلوب علمي يتبع في كل المناهج العلمية في الوقت الحالي وهو السؤال الذي يستفز الملكات العقلية بحثاً عن الجواب ، فقدمت القصة بذلك مادة فنية بديعة الجوانب بعيدة الأهداف عميقة الفكرة قوية الحبكة جميلة الطلعة.
والقصة في الحديث الشريف تستلهم أدواتها من القرآن الكريم ، وتمتد عنها.
القصة القصيرة
شرفة الدار
نهى رجب محمد
تبدأ القصة باستهلال القاصة:
ابتسامته تضيء شرفة الدار، نكاته الطريفة تملأ أجواء الجلسة بروح مرحة، يتوسطالحديث كنورس قائد، تنجذب إليه نجمات السماء فتسهر تطارحنه النقاش.كان قريبا في الشبه من والدي، ولكن حداثة سنه ومشاركته لنا السمر الليلي والمذاكرة والطقوس البيتية الصغيرة جعلته بمثابة أخ كبير."
وتنتهي ا لقصة بهذه الخاتمة"
طواه الزمن في صفحاته بعيدا عن ذاكرتي وانغمست في يومياتي بين أبنائي ومن حين لآخرأسأل عنه فيردون: هو بخير (وليس من رأى كمن سمع). والآن عندما علمت أنه مريض وربما موشك على الرحيل (لا يوجد من يقول الحقيقة لحبيب غائب) لم أدرك ماذا أفعل غير أن أنظر من شرفة الدار وأعد نجمات السماء وأظن أن إحداهن نجمتي التي تنتظرني أن أصعدإليها وأمسك بها مثلما كان يحكي لي وأنا صغيرة."
من ناحية فنية فقد تناولت القصة زمناً طويلاً قد لا يتناسب مع بناء القصة القصيرة ، وهذا الزمن الطويل قد يكون أصلح للقصة الطويلة أو لفن الرواية التي تتناول السيرة كاملة.
لكني أرى أن القصة هنا لم تتناول الأحداث الطويلة عبر زمن طويل، بل تناولت الإحساس الذي ظل ملازماً للبطلة وكأنه البارحة وبقيت تحلم أن تعد نجمات السماء كما قالت تختم قصتها" لم أدرك ماذا أفعل غير أنأنظر من شرفة الدار وأعد نجمات السماء وأظن أن إحداهن نجمتي التي تنتظرني أن أصعدإليها وأمسك بها مثلما كان يحكي لي وأنا صغيرة"
شيء ما جذبني لهذه القصة لذا فقد وقفت عندها
فمن ناحية أسلوبية كان أسلوب القاصة جميلاًً منساباً مع معنى القصة العام، فالشعرية طافحة منه متجلية في انفلات الإحساس بالذات المتمزقة الضائعة الهائمة، بدا ذلك واضحاً في صيغ الاستفهام والتعجب والهروب للعالم الجواني والأحلام بحثاً عن النجم الغائب ، أقف مثلاً عن تركيب كهذا " وأعد نجمات السماء"
فهل هناك نجمات غير نجمات السماء ، ربما هو النجم الأجمل كان في سماء قلبها بل والنجم الوحيد.
قد استهلت القصة بالنجم وختمته به وربما كان عنوان القصة الأمثل ، حين تنام النجوم.
صفاء التصوير كان حاضراً في ذهن القاصة ، لم تصطنع صوراً وتتكلف صنعة جاءت صورها التي جلبتها من الذاكرة دافئة موحية تشدنا حقيقة نحو هذا البطل النجم ، ربما لم يكن دافئاً لولا اهتمام البطلة وإحاطته بهذه الهالة
نحن اليوم نرى بعين القاصة، قد يقترب منا البطل وقد نعرفه يومياً لكننا لا نراه نجماً إلا بعين البطلة
هذه العين الشفافة التي تصل للروح ، والتي يجب أن نتعلم مثلها النظر حتى الروح، وقتها سنعرف أن هناك نجوم غير نجوم السماء.
الدرس الأخير عبد الله الطليان
لا أعرف كنت أظن -وربما أريد- أن ينهي القاص قصته ب حتى قرع جرس الحصة معلنا نهايته ، عوضاً عن " حتى قرع جرس الحصة معلنا نهايتها"
القصة هنا ربما تشابه قصة نهى رجب في أنها قصة حالة وليست قصة حدث
رغم أن زمن القصة هو زمن قصير ينتهي بانتهاء القصة، لكنه في الحقيقة زمن طويل بل ربما كان أطول وقتاً مر على الأستاذ إنه زمن الانتهاء...انتهاء الخدمة، القصة تناولت حدثاً طويلاً مر بالأستاذ وهو التدريس هذا الحدث بالطبع ليس مناسباً للقصة القصيرة ، لكن الزمن النفسي يختلف طولاً وقصراً مع الزمن الحقيقي ، وبذلك نرمي جانباً قواعد القصة القصيرة الجامدة ونأخذ بروحها
أقف في هذه القصة عند مصغرات فنية :"
الغرفة المظلمة التي تفتقر إلى النظام والترتيب فخزانة الملابس ذات الأبواب الخمسةكان اثنان منها مشرعين تصدران صريرا عند إغلاقهما وفي إحدى الزوايا طاولة مسندة إلىالجدار هجم عليها الغبار فأود بريقها ولمعانها يعلوها مرآة ذات برواز خشبي أصابهاشرخ في طرفها فغدت كحال الأرض التي أصابها الجدب"
الصرير عند الإغلاق هل هو صرير انتهاء الخدمة، والغبار الذي وأد بريق الطاولة هل هو غبار الزمن، والشرخ الذي أصاب البرواظ أو أخيراً الجدب.
صرير وغبار وشرخ وجدب
أربع مصغرات متلاحقة تدل دلالة عميقة، بحور من حزن وأسى تطل منها
لكني كنت أرى أنها استهلال القصة الحقيقي الذي كانت يجب أن تبدأ به عوضاً عن الاستهلال الذي بدأت به وهو :" ضوء الشمس يتسلل ببطء يعلن قدوم النهار وانحسار الظلام لتبدأ معركة البحث عن الرزق وهو متدثر في فراشهغارق في نوم عميق فاقد الإحساس بما حوله، شخيره يتردد في الغرفة بلا انقطاع معزوفة على وتيرة واحدة لا تتغير.."
وكثيراً ما يغفل القصاص قيمة فنية الاستهلال الموحية المحرضة على قراءة النص.
معنى القصة هو الضياع والرحيل وهو يشابه معنى قصة شرفة الدار لنهى رجب
وهو يضيف قاسماً مشتركاً جديداً بينهما
لكني أرى طريقة المعالجة اختلفت
في قصة شرفة الدار كان الدخول للعالم الجواني والهروب للأحلام طريقة في تخفيف الألم وضياع الحلم.
أما قصة الدرس الأخير فهي من عنوانها تختم القصة بجرعة من الألم تتركها كما هي- يقرع الجرس معلناً نهاية مرحلة تعليمية بكل جمود وبرود، بالطبع نحن هنا لا نعالج قضية اجتماعية وليس ذلك مدار حديثنا
بل نحن نتناول هذه القضية من الزاوية وبالطريقة التي تناولها القاص.
" ادخل إلى الفصل وراح يتفحص وجوه طلبته في صمت كانت نظراته تحمل الوداع سعل وكح وامسك الطباشير ورفعه ابالقرب من عينه فقال في نفسه لن أمسكك ولن أكون في حاجة إليك بعد اليوم لقد قضيتمعك عمري وأنا كل يوم أداعبك بين أناملي خط درسه على السبورة وشرع في شرحه حتى قرع جرس الحصة معلنا نهايتها
"
لا أنسى أن أضيف قيمة جميلة للنص وهي التكثيف الموحي
الخيال البعيد
هبة الله محمد
قصة الخيال البعيد قصة حدث بدأت بخيال واهم متصاعد حتى انكشف في نهاية القصة ببعد مخيلة البطل
وخوفه من الرجل الذي يلاحقه ظناً منه أنه رجل مخيف يلاحقه لسبب من الأسباب بينما تبين في النهاية أنه مرسال يحمل نقوداً من والده.
القاصة تحمل بين طياتها موهبة حقيقة لكن ما ينقصها هنا في القصة هو الصدق التعبيري ، فالذهنية واضحة في نسج تفاصيل القصة وهذه النسج هو بمتناول كل كاتب، نحن نحث القاصة على حياكة ألحان فكرها وتجربتها وقرائتها للعالم واقعياً كان أم متخيلاً ، ولتكن هذه القصة ومثيلاتها درساً جيداً وناجحاً في كتابة القصة,
أخيراً أقول من ناحية شكلية احتوت هذه القصة على أركان القصة القصيرة من ناحية القصة في الزمن وتناول حدث واحد مستقل، البداية فالتصعيد والتأزم ثم تنحل خيوط القصة.
الخالة سعاد :
نهوضاً بمساحة التكثيف في القصة من جهة وزيادة ترابط بنيانها العضوي، لا بد من تقليل الاستعانة بالروابط فكثرة استعانة القاص بها يضعف تماسك الجمل بعكس ما يظن.
فكثرة استعمال أحرف الجر وأحرف العطف والأسماء الموصولة بحاجة وبدون حاجة يفكك تماسك النص بدل أن يزيده عضوية.
أرى أن نخفف منها في نص الخالة سعاد
القصة كذلك قصة حالة تتناول كياناًَ إنسانياً يحاول العقل القصصي أن يوصل للقارىء تفاصيل هذه النفس البشرية من خلال سرد تفاصيل واقعية منتقاة بعناية من الواقع
لكني أجد اختلافاً في أسلوب المعالجة والذي اتسم بالكثافة في قصة نهى رجب وقصة عبد الله الطليان
وقدرة أعمق على اختزال هذه التفاصيل التي توصلنا لهذه الحالة الإنسانية.
عائدة محمد نادر
جلس يستريح
القصة ختمت ب :"رحماك إلهي .. ألا ينتهي الموت في هذا البلد أبدا.. ألا ينتهي "
هذه النهاية هي نهاية تقريرية مباشرة وغير فنية فيما أرى ، والعمل الفني له خطاب فني مخالف للخطاب الفكري المتداول في المقالات أو الخطب الذهنية أو الحوارات اليومية.
واستهلت القصة بـ :"بوجوده غير المرئي .. جال..((ملك الموت )) بفضاء السوق المكتظ بالناس"
بوجوده غير المرئي إضافة لا تقدم جديداً للقصة أو لنقل للجملة ، الاشتغال على الجملة يعرفنا بعقلية القاص ويعرفنا كذلك على أدواته
كذلك لننظر إلى هذه الجملة:"وحرارة الجو تزداد سخونة كلما ارتفعت شمس الظهيرة"
فما توحي بنسجه القاصة أمر بديهي
نحن بحاجة لنسج فني جديد
القصة هي قصة موضوع هنا
ونحن في عرفنا النقدي لا نعطي علامة للفن بحكم موضوعه
لا فاصل فيما أرى بين الموضوع وأسلوب عرضه
فالأسلوب الفني الناجح هو موضوع ناجح والعكس بالعكس
الموضوع الذي يجذبنا هو الموضوع الفني
أما ما نراه فربما تقليد للموضوع الفني
ورد في القصة أسلوب فني وهو التصوير وفنية أخرى وهي عرض مشاعر ملك الموت
لكن مشاعر وتصرفات ملك الموت لم تعرض من زاوية جديدة
بل عرضت من زاوية بشرية نعرفها وكأنه بشر مثلنا، لو عرضت من زاوية أخرى ربما كنا سنتمتع بهذا الفن أكثر منه كما هو الآن.
أخيراً قصة مريم خليل الضاني
مــارد
رغم أن القصة تجاوزت عدد الأسطر المقبولة في شروط المسابقة
لكن ذلك ربما كان لأن الحوار امتد من بداية القصة حتى نهايتها ( تقريباً)
وحين يأخذ كلام كل شخصية سطراً سنرى حتماً عدد السطور يزيد بهذا الشكل
بمعنى سنقبل هذه القصة ضمن المسابقة .
ليس للسبب المذكور بل لأن القصة تتمتع بأدوات فنية تدل على عقلية قصصية واضحة
التصوير وتناول المفردات الواقعية بتمكن ، كذلك تغير الخطاب من الغائب للمخاطب ينوع أشكال السرد في القصة ويمنحه حيوية أكثر
الموضوع هو موضوع رابط روحي لا يمكن أن ينفصل حتى ولو انفصل الرابط الظاهري الشكلي
رغم ذلك يبقى هذا الرابط الشكلي هو الرابط الحقيقي وهو الباب نحو الرابط الروحي
وبذلك ندخل للكلام حول موضوع القصة والذي لا يهمنا كما قلنا بالقدر الذي يهمنا طريقة معالجة القاصة له
طريقة نقد هذه القصة سيكون حتماً مختلفاً عن ما تقدم
وباعتبار أن الموضوع تماهى بالفن سيكون النقد متماهياً كذلك
تبدأ القصة مع أم تحادث أطفالها وهي تقترب من زوجها
فيظهر لها شبح زوجها السابق
ويبدأ الصراع الدرامي بينهما من خلال الحوار المتناوب
لكنه لا يصل لحل
بل يبقى معلقاً
كنا سنقبل هذه النهاية مع قصة الحالة
لكنها هنا ليست بقصة حالة ، والثوب الذي لبسته يفضي بذلك
لعلنا نقف عند مقولة هامة في القصة وهي :
اقتباس:
من الجنون أن نستسلم لهذه الحبال الروحية التي تربطنا . كلانا متزوج . قدرنا أن نفترق ، فلم يصرّ كل منا على أن يحيا حياتين في آن واحد ؟ .
هذه المقولة الأساسية للقصة والتي كانت النهاية يجب أن تترجمها
لكنها انتهت بغير هذا الشكل :"
اقتباس:
ألصقتُ رأسي بصدره وأصغيتُ إلى نبضات قلبه ، لكن ثمة صوت مبهم يمتزج بالنبض ، صوت بعيد خفيض كأنه قادم من قاع بئر . الصوت يعلو بالتدريج ويستحيل نداءً ملحا ً.رفعتُ رأسي فرأيتك جالساً على حافة السور ! ."
سأقف كذلك عن هذه الجملة:
اقتباس:
تبدين شديدة الإعياء ! . هوني عليك ، بعد أيام قلائل ستضعين حملك بالسلامة .التصقتُ به بقوة وتنفستُ بعمق فتفتحت في نفسي براعم الطمأنينة . همستُ له : ـسامي خبئني بين ضلوعك هناك بعيدا .... بعيدا عن هذا العالم .
ستضعين الحمل
تراه هذا الحمل المنتظر المرتقب بين الزوجين لم يأت بعد
وربما القصة تشير أن الأم التي تلد طفلين وتنتظر الثالث هي أم عقيمة أن تلد
الرابط الحقيقي بينها وبين زوجها الثاني
وبذلك تخرج إلينا مقولة هذه القصة الحقيقة والتي غابت عن البطلة
بذلك تقع القصة في مأزق فني يعيق وصول المقولة الأساسية لها
ويعيق تقابل النهاية مع مرادها وهو أن تصل للشكل الطبيعي لزواجها الثاني
إن لم نقل لشكله الشرعي
في النهاية كانت القصة رغم ذلك جميلة وتوحي بقاصة جيدة.