مشاهدة نتائج الإستطلاع: مسابقة المربد الأدبية

المصوتون
15. هذا الإستطلاع مغلق
  • ممتازة

    12 80.00%
  • جيدة

    1 6.67%
  • لا بأس

    2 13.33%
إستطلاع متعدد الإختيارات.
النتائج 1 إلى 12 من 18

الموضوع: مشاركات قسم القصة

العرض المتطور

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1 الجدران 
    كاتب الصورة الرمزية عبد المنعم جبر عيسي
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    833
    معدل تقييم المستوى
    17
    الجدران
    محكمة .. !
    كلمة واحدة ، هتف بها حاجب المحكمة ، يقف الحضور ، يعلو الصمت كل الوجوه ، وكأن علي رؤسهم الطير ، يدخل رئيس المحكمة ، ومن خلفه باقي أعضاء هيئتها الموقرة ، يجلسون في أماكنهم ، فيجلس جميع من في القاعة ، يبدأ القاضي نظر القضايا التي يعج بها ( الرول ) .
    إنه في يوم .... / .... / 2003 م المبارك ، وبمقر محكمة ( كوم حمادة ) الجزئية ، برئاسة السيد المستشار / ..... وعضوية كل من السيد المستشار / ...... والسيد المستشار / ....... وسكرتارية السيد / ....... للنظر في القضايا الوارد ذكرها بجدول الجلسة .
    وكان يجلس وسط الحضور ، يضايقه الزحام ، يقتله همس المحامين .. الذين لم يعد يثق فيهم ، حتي ضاق ذرعا بصوت انفاسهم .. روائح تبغهم .. يسمع أحاديثهم عن قسوة قاضي ( الأثنين ) وشدته ، لاحظ ارتباك البعض منهم أمامه .. تشفي فيهم .. وأحس بالشماتة تملأ نفسه تجاههم ، حمد الله أنه لم يوكل واحدا منهم للدفاع عنه ، كان يشعر بأن لديه القدرة علي الدفاع عن نفسه ، وتوضيح وحهة نظره .
    تأمل ملامح القاضي ، كانت تنم عن قسوة وشراسة ، تساءل بينه وبين نفسه :
    - هل سيتمكن فعلا من ذلك ؛ أم أنه .. و..
    ثم بتر خواطره ، دق قلبه بقوة وعنف ، وقد أحس أن اللحظة قد اقتربت ، وأن الحاجب سوف يهتف باسمه فورا .. أحس أن قدميه ستخزلانه .. دهش من نفسه : لم لم يهرب هذه المرة كعادته ؟
    تذكر والدته الحبيبة ، تذكر أنه خرج صباحا دون أن يخبرها بحقيقة وجهته .. ربما خوفا علي مشاعرها ؛ أوثقة في قدرته علي اقناع عدالة المحكمة بسلامة موقفه ، وبراءة ساحته .. للمرة الثانية تساءل بينه وبين نفسه :
    - هل أحسن بتصرفه هذا ، أم أخطأ ؟ أم كان من الأفضل له أن يصارحها لكي تكون علي بينة من الأمر ؟ كان يشعر أنها نقطة ضعفه الوحيدة ، وتمني لو انتهي من هذا الكابوس قبل أن تعرف به !
    تذكرها .. وهي تودعه صباحا ، كانت تنظر إليه بخوف ، لعلها كانت تشعر بمعاناته ، وأنها تراه للمرة الأخيرة .. أتراها أحست بما يدور داخله ؟ هل كانت تحس بخوفه وإحساسه بالضياع ؟
    يشعر بخوف هائل يغمر كيانه ، وكانت الحياة - علي اتساعها - ضيقة مظلمة أمام ناظريه ، يحس بانقباض قلبه يحيل حياته إلي جحيم .. يحس بنفسه تتكسر علي جدران المحكمة الرخامية ؛ وهو يسمع صوت الحاجب يشق صمت القاعة هاتفا بإسمه ، يقف .. يتحرك مترنحا بإتجاه المنصة ، يوقفه شرطي غليظ الجثة والملامح :
    - أنت ......؟
    يومئ برأسه أن نعم ، يجره الشرطي نحو المنصة ، يشير إلي القاضي هاتفا :
    - المتهم يا سيدي !
    * * *
    ربما غاب عن الوجود لحظتها ، ارتسم الماضي أمامه بكل أحزانه ، تداخلت أمام عينيه كل الحقائق .. اختلفت معالم الأشياء .. تدافعت في مخيلته المعاني .. تمني لو لم تلده أمه ، يشعر أنه أشد الناس شقاء في هذا الوجود .. أيمكن أن يكون بريئا ؟ أم أنه مدان من قمة رأسه وحتي أخمص قدميه ؟ يكاد يشعر بابتسامات المحامين وشماتتهم ، تؤلمه سخرياتهم .. يري القاضي في شكل جلاد يقتص منه ، يعاقبه علي جريمة لم يقترفها ..
    لكن ..
    هل وجد بنفسه القدرة علي التحدث للقاضي ؟ هل قال شيئا ؟ هل دافع عن نفسه ؟ أم خانته شجاعته وفصاحته ، فانهار وخارت قوته ؟
    ربما لم يلحظ تلك النظرات التي شيعته ، تلك الآهة المكبوتة في العيون ، وقد اقتادوه بغلظة إلي قفص الإتهام ، ليجد نفسه أخيرا بين المشبوهين ومعتادي الإجرام ، يتأكد أن للحياة وجه آخر قبيحا ، يشعر بالحزن يتغلغل داخله ، يسري تحت جلده .. يبحث عن بقايا نفسه .. ذاته .. رغبته السابقة في المقاومة ، يرغب في الصراخ .. بل .. يرغب في البكاء .. يحس بمرارة الهزيمة تملأ حلقه .. تدمر بقاياه ..
    * * *
    أيعقل كل هذا ؟!
    أم أنه يعيش حلما كئيبا وكابوسا رهيبا ، يتمني الخلاص منه ؟ يتأمل وجوها تحيط به ، تغمره بنظراتها التي يراها بشعة .. يعجب لضحكاتهم .. سخرياتهم من كل شئ .. أراد أن يصرخ فيهم .. أراد أن يقول شيئا .. خانته شجاعته للمرة الألف .. لم يدر من أين جاءه كل هذا الجبن ؟
    يسترجع ذكريات الماضي ، يستعرض كل ما مر به ، يحاول تذكر شئ معين كان يشعر أنه بحاجة لتذكره ، هل فقد ذاكرته أيضا ؟ أم فقد احساسه بوجوده ؟ أم رغبته في ال .... ؟ يتوقف فجأة .. وقد مزق صوت الضحكات هدوء نفسه ، سمعهم يقولون :
    - ألا يقول شيئا ؟ ألا يتحدث ...؟
    يذوب داخل نفسه ، يشتد التصاقه بها والتفافه حولها .. يدرك أنه لم يكن حاسما في يوم ما ، كان يهرب من كل الناس .. في كل اللحظات .. بل في أشد اللحظات حاجة للمواجهة ..
    هل كان يوما هو .. نفسه .. أم أن كل ما حوله يجبره علي حماقاته ؟ هل عاش ما مر من عمره ، أم أنه سرق منه ؟ أرغم علي أن يكون غير ذاته .. والضحكات ماتزال تملأ رأسه .. تضغط أحاسيسه .. تحتل أركانه . . كان يتمني أن يحسم أمرا .. أو يقرر شأنا ..
    كان يرغب في أن يعلو صوته بقاعة المحكمة .. ليقول إنه برئ .. وأنه أجبر علي التواجد في هذا المكان .. لكنه لم يستطع .. لعلها طبيعته .. أو عادته ..
    أخيرا قرر أمرا ..
    وما تزال الضحكات تجلجل في المكان .. لتحيل حياته إلي سجن رهيب داخل سجنه ..
    يقرر أن يهرب من جديد .. !
    يتأمل جدرانا خرسانية تحيط به ..
    يقرر أن يحطمها .. !
    يتذكر كلمات كانت أمه تقولها له .. كانت تصف رأسه فيها بالصلابة .. والعناد .. يتأمل تلك الوجوه التي تحيط به .. لم يشعر في هذه اللحظات ، أن ضحكاتهم قد توقفت تماما .. وأن عيون أصحابها معلقة به الآن ..
    بإنتظار خطوته التالية..!
    س ت ا ر
    لا يختلف الرواة فى أن أمه زارته ظهر اليوم التالى ، بسجن مركز ( كوم حمادة ) ، حيث لاحدود لامتهان الانسان ... وابتسمت له ، لتخفف عنه وترفع من روحه المعنوية .. ثم بدا بعد ذلك أنها كانت أشد حاجة لمن يسرى عنها ويخفف ، ويرفع من روحها المعنوية ... فقد عادت الى بيتها مساء نفس اليوم ، وماتت .. مخلفة فى قلبه جرحا قد لا يندمل !
    -------

    أفراح القمة .. !
    يوم جديد .. أشرقت شمسه في قوة وعنفوان ، لتجدد أملا عانقه طيلة سنوات حياته ، طالما حلم به وعاش له .. وانتظر اللحظة التي يتحقق فيها ، لتكون بدايته الحقيقية ، ومنطلقه إلي دنيا الراحة والأمان ، ويبدو أنه آن لحلمه الكبير أن يتحقق .
    فقد عاني كثيرا لكي يقنع عائلته الكبيرة بضرورة الجلوس لمناقشة تسوية الخلافات فيما بينهم ، وبحث سبل لم شمل العائلة ، في منعطف جديد وخطير يتطلب التوحد .. بعد طول خلاف وشقاق وقطيعة .. أي هدف نبيل يسعي الآن لتحقيقه ؟ تنامي إلي أذنيه صوت التلفاز في صالة البيت ، وهو يذيع أخبارا عن لقاء القمة ، الذي تتزين له سماء القاهرة ، بين القادة والزعماء العرب ، لمناقشة التطورات الجارية في المنطقة ، واعتداءات العدو الإسرائيلي المتواصلة ؛ في أكثر من صعيد علي أرضنا العربية المحتلة ، وسبل احتواء الخلافات العربية العربية .. استبشر خيرا بهذا الخبر الذي يدعو للتفاؤل ، في صباح جميل يعيشه .. وحلم كبير يسكن جوارحه .
    وخرج متعجلا في طريقه لهذا اللقاء ، كان يبدو غريبا وسط زحام الشارع ، يمضي بخطواته المتثاقلة المترنحة ، وكأنه يحمل فوق كتفيه أحزان العالم أجمع ، في طريقه للقاء أمضي العمر في انتظاره ، ليس فقط لإحساسه الذي لا يفارقه بالوحدة .. بل لرغبته الملحة في التوحد مع آله وذويه .. خاصة أنه لا يري سببا لهذه القطيعة ، ولا ما يدعو لكل هذه الفرقة والخلاف .
    يتذكر طفولته التي عاشها معذبا .. هل غابت عنه ذكري والده لحظة ؟ كان شبه معاق ، يملك أرضا ككل الفلاحين في قريته ، باعها قيراطا وراء قيراط ليعيش ، فلم يكن قادرا علي الكسب ، باع جزءا منها في شبابه ليتزوج من أمه ، كان يرغب في أن يعيش حياته ككل البشر .. يحلم بمستقبل أفضل .. يتذكر أعمامه .. كانوا دائما في خلاف مع والده ، وشجار لا يكاد ينتهي ، ولأتفه الأسباب .. لم يتصور أن هناك أخوة يمكن أن يختلفوا إلي هذا الحد ، أو يصل العداء بينهم كما وصل بين أبيه وأعمامه .
    لقد علمه أبوه مكارم الأخلاق ، غرس فيه الكثير من القيم ، التي يحس بها الآن قيدا يكبل حركته ، وتمنعه من أن يكون مثلهم .. وأنها كانت سببا في شقائه .. كان - رحمه الله - رجلا طيبا .. ينادونه الناس بالشيخ ، وأبدا لا تغيب عنه ذكري أمه .. الطيبة الصابرة .. بملامحها القروية المغرقة في البساطة ، عانت كثيرا مع والده سنوات الحصار ، خاصة بعد أن باع آخر سهم من أرضه .. كافحت .. تاجرت .. فعلت المستحيل لتنهض بأسرتها .. وتؤدي دورها في الحياة .. كانت تجأر بالشكوي - أحيانا - عندما تضيق بها السبل .. وكان الوالد يبكي عجزا .. وهو يحلق في سماء دنياه وحيدا .. كطائر جريح !
    وتوفي الوالد في ساعة ما .. ويوم لا يكاد يذكر تفاصيله .. ما تزال كآبته ترتسم علي ملامحه .. حتي لحظات الكارثة لم تحرك مشاعر الأخوة الأعداء ، ولم تزدهم إلا بعدا .. كانوا يتنصلون من أي مسؤلية تجاهه حتي لو كانت أدبية معنوية لن تكلفهم شيئا .. كيتيم وقاصر لا يملك من حطام الحياة أي شئ .. ورغم ذلك قامت الأم بدورها .. وأدت رسالتها ما وسعها الجهد .. حتي أفضت إلي ربها .
    كانت الحياة أقسي وأصعب من أن تواجهها الأم وحدها .. بضعفها وكينونتها .. لعل الأب استراح من حياة الشقاء ، لتبدأ رحلة الأم .. فتحملتها صابرة محتسبة وراضية .
    يدهش لهذه القرابة .. الجيرة .. التي تبدو خالية من أية حقوق ولا تلتزم بأية واجبات .. وقد خلت القلوب من الرحمة ، لم يكن للحزن طعم محدد أو شكل مميز في الحياة ، تذوقته الأم وحدها - بل تجرعته - حتي النخاع .. عاني مثلا منتشرا بين العامة ، يرفضه من داخله : ( الأقارب عقارب ) .. سأل عنه عمته ( نفيسة ) في إحدي زياراتها :
    - هل تطير العقارب يا عمتي ؟
    صحكت الأم بقوة لأول مرة .. وهي تقول :
    - كانت تبقي مصيبة !
    كانت العمة ( نفيسه ) سيدة فاضلة .. تزورهم خلسة متسللة ، حتي لا يراها أو يغضب منها باقي الأعمام .
    ولم يدر ساعتها أن للعقارب ذلك الخطر الرهيب ، ولا البغض الكامن في النفوس .. ومن المؤكد أن خطرها سيتضاعف عشرات المرات ، وربما مئات أو آلاف عندما تطير .
    وما زال يواصل خطواته وسط الزحام ، محلقا بسلطان خياله في سماء طفولته الزاخر بالأحداث .. المتفجر حزنا وألما .. لم يدركه بكل هذه التفاصيل إلا عندما شب عن الطوق ، وبدأ في فهم الأمور علي حقيقتها ، لم يحسه إلا بعد إحساسه الكبير باليتم .. بفقده للأم .. التي كانت تملأ عليه حياته .. وبرغم كل ما حدث ، كان علي استعداد واضح للتسامح والصفح .. التجاوز عن كل إسائة .. تناسي كل الآلام .. إصلاحا لذات البين .
    وفي طريق العودة كان محبطا ، بعد أن بلغته أخبار فشل قمة أولاد العمومة .. أحس بكراهيته الشديدة لكل العقارب .. بكل أشكالها وألوانها .. وأقنعتها .. وزيفها .. شرها الغير مبرر .. وقرر في فورة غضبه وانفعاله قتالها ، والعمل بكل قوته علي منعها من الطيران ، بل وسلبها حياتها إن أمكن .. ثم اجتاحت المظاهرات الشعبية الغاضبة الشوارع في كل العواصم العمومية ، منددة بوحشية العدو ومطالبة بقتاله .. ورافضة ما توصلت إليه القمة من قرارات ، لا تتجاوز حد الشجب والإستنكار ، أحس بنفسه رغبة تجددت لرفض قراره الأخير .. وتبقي أحزان القلب كما هي .. هم الإنسان علي عاتقه .. ووجدها أيضا فرصة للإلتحام - من جانبه - بكل تلك ( الأقارب ) .. الثائرة .. المصممة علي القتال .. والمطالبة بالإنتصار .. !



    ( حكايا مبتورة - مرشحة للمسابقة )
    " أعود في المساء ؛ مفعما بالحكايا .. أعانق ملامح تشقي ، زرعت بداخلي الأمل ، أحبها .. "
    { غلاف }
    تلك هي قريتي ، تقبع ها هنا في أحضان النيل ؛ الذي يحيطها من جهتي الشرق والشمال ، ويتجاوز الرياح البحيري حدها الغربي ، ليعزف الماء في حياة الجميع أنشودة من الجمال .. يتكرر رتم الحياة فيها بشكل يومي لا نمله أبدا .. فها هي السماء تظلنا بصفائها وزرقتها الخلابة ، وتلك الأرض تقلنا ولا تبخل علينا من خيراتها ، وما زالت الشمس تسطع كل صباح ؛ لتذكرنا بمن وهبنا الحياة ، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة ، والناس كما هم منذ آلاف السنين ، يعملون بكل جد واجتهاد ، ويعودون في المساء ، حيث تمتد بهم جلسات السمر إلي وقت متأخر ، حتي حكايا السمر هي هي لم تتغير ، قد تعانق الخرافة بعض أحداثها ، لكننا نصدقها أحيانا ، وقد تؤثر في وجداننا وحياتنا ، والشوارع ما تزال تعج بالحركة ؛ تنبض بالحياة .
    { سقطة }
    الحياة في ظل الحقول الخضراء الممتدة ؛ لها مذاق مختلف .. حيث الطبيعة الريفية البديعة ، والهواء العذب النقي ، والوجوه البسيطة ذات الملامح السمراء ، التي صبغتها الشمس بلون الكد والعمل ؛ يبدأ بعد صلاة فجر كل يوم وينتهي عند المغيب .
    وكنت قد بدأت في التنقل بين الحقول ، لاستكشاف المكان .. أحسست بجمالها الفريد ، أسرتني الأشجار بلونها الأخضر .. بجمال فروعها وتشابكها الأخاذ .. أسكرني هواؤها العذب ونسيمها العليل .. سحرني جمال الطيور الملونة والفراشات ..
    مزقت هدوء المكان أصوات شجار وتعارك .. دهشت لها .. بينما جاء صوت عمي ( عبد البر ) ضاحكا :
    - إنه الشجار اليومي المعتاد .. والصداع الدائم .. !
    ورأيت ابتسامات الجميع ونحن نعدو وسط الحقول بإتجاه مصدر الصوت .. ورأيت شابين يتشاجران ، عرفت أنهما ( نبيل سيد أحمد ) و ( رمضان المتولي ) .. وكان ( نبيل ) صخما طويلا ، بينما ( رمضان ) علي العكس تماما من هذا ، كانا متشابكين .. تعثر ( رمضان ) وسقط أرضا ، وسط صرخات غريمه :
    - أنت ميت .. ميت .. سوف أقتلك .. !
    لكن المفاجأة حدثت أسرع من البرق ، فقد نجح ( رمضان ) في الإفلات من قبضة غريمه ، وانقلب الأمر رأسا علي عقب ، حيث نجح في اعتلائه وبدأ يسدد له اللكمات ، التي بدت وكأنها لا تؤثر في عدوه اللدود ضخم الجثة .. كانت مفاجأة مذهلة ومفارقة مضحكة .. وانتهي الشجار وسط ضحكات الفلاحين ، في روتين يتكرر كل يوم .
    { تعارف }
    كان ( أحمد ) ابن عمي قد قرر أن يصطحبني معه إلي الحقل ، لكي يعلمني أصول الفلاحة والعمل بالفأس ، ويدربني علي فنون الزراعة وأساليب الري .. حتي أتمكن في مستقبل أيامي من العمل كفلاح ابن فلاح ابن فلاحين ، ( ولم أدر ساعتها إن كنت سأفلح في هذا العمل ، فلم يكن لفشلي في هذا العالم نظير ) .
    بداخل عشة من القش ربط ( أحمد ) البهائم .. وقدم لها بعضا من حزم الحطب الجافة لتأكل .. كانت الحقول خالية وقتها من الزراعات الخضراء ، بعد أن انتهي موسم الحصاد ، وبدأ الفلاحون استعداداتهم لموسم جديد من الزراعة .
    افترش ( أحمد ) حصيرا قديما مرتقا أمام العشة ، ثم جلس وأخرج خبزا وقطعا من الجبن من لفافة كانت معه .. وجلسنا نأكل .. ثم أمرني بجمع بعض أعواد الشجر الجافة وجلس ليعمل الشاي .. وسرعان ما تجمع عدد من الجيران حول النار ، انتظارا لشرب الشاي وتبادل أطراف الحديث .. في طقس يومي يتكرر كل صباح .
    وكان ( أحمد ) ابن عمي مرحا ، جذاب الحديث وكنت أحبه .. وسرعان ما تعرفت علي بعض جيرانه في الحقل ، عمي ( عبد البر ) صاحب الساقية الوحيدة ، لم يكن يملك غيرها وكان يؤجرها لمن يريد ري أرضه ، مع جاموسة تديرها .. والعم ( السطوحي ) .. والعم ( حسنين مدبولي ) ، وكانا من أصحاب الأراضي .. وغيرهم تعرفت عليهم تباعا ..
    { ف ش ل }
    وسرعان ما انتهت دقائق الفطور وشرب الشاي بسرعة لم أعتدها ، وكنت مستمتعا بما أري وأسمع ؛ من وجوه أحببتها وحكايا تجذبني ، ونوادر لا مثيل لجمالها ، ليبدأ العمل الشاق ، تحت لهيب الشمس الحارقة .. وبدأت معه بالإحساس بفشلي يطاردني ، ( وكان هذا الإحساس قد بدأ - حقيقة - في أول زياراتي للحقل ، كنت أيامها طفلا صغيرا .. عندما خرج ( أحمد ) بصحبة مواشيه صباحا ، وحاول أن يركبني علي حمارته ، لم أتمكن من حفظ توازني عليها ، وسقطت من الناحية الأخري .. غضب مني ( أحمد ) وكشر في وجهي ، وأمرني بركوب الحمارة وحدي .. واضطررت تحت وطأة الخوف منه أن أحاول .. وكان فشلي ذريعا .. فركب ( أحمد ) الحمارة في قفزة واحدة ، ثم مد يده وأركبني خلفه ، وهو يضحك من خيبتي ) .
    أذكر أيضا أن حياتي السابقة لم تكن حافلة بالأحداث ، حتي أنني عشت محنتي وحيدا .. ووجدتني أعود مضطرا إلي هنا ، تساؤل كبير بدا لي في العيون ؛ عن سر هذا الرجوع ، لم أكن لأجرؤ علي الإجابة عليه ، لطالما أحزنني أن تمضي حياتي علي وتيرة واحدة ، أعيشها مترنحا بين ذكريات الصبا ؛ وأحزان المشيب .. أنا من جعل منها حكايا ألم لا تكتمل .. لم أتعلم أن أقف بعد كل سقطة ، حتي صباح يومي الأخير ..
    ثم سمعت الصوت مدويا ، لأفيق من خواطري مرغما :
    - العم ( السطوحي ) سقط في ساقية ( عبد البر ) .. !
    كانت الكلمات مروعة ، تعني بكل بساطة أن حياة الرجل في خطر ..
    { المفاجأة }
    وأسرعت بكل قوتي بإتجاه الصرخة ، وعندما وصلت إلي هناك كان الجميع قد سبقوني : ( أحمد ) .. عم ( حسنين ) .. والعم ( عبد البر ) .. الذي كان خائفا جزعا .. لا يدري ماذا يفعل أو كيف يتصرف ..؟ بدا منهارا ، وقد أمسك بخطام الجاموسة بكل قوته لمنعها من أي حركة .. وكان العم ( السطوحي ) يرقد علي الأرض مستسلما للمصير ، وقد علقت ثيابه بين تروس الساقية ، وبدا لي للوهلة الأولي أن ثمة دورة أخري للجاموسة قد تودي بحياته ، وتدفع برأس المسكين بين التروس الحديدية الكبيرة للساقية ، لتحطمه بكل سهولة .. وبدا الأمر أيضا محزنا .. حيث كانت الجاموسة في موقف صعب لا تحسد عليه ، ترمق صاحبها بتوسل .. فلم يكن هناك من سبيل إلا فك ارتباطها بالساقية ، وهو ما يودي بحياتها أيضا ويدفع بها إلي بئر الساقية ..
    { عبد البر }
    وبدا للجميع لحظتها أنه ليس هناك من سبيل لإنقاذ العم ( السطوحي ) إلا بالتضحية بالجاموسة أو الساقية !
    وارتسمت المحنة بكل أبعادها علي ملامح ( عبد البر ) ، عندما أحس بالخطر الذي يتهدد أسرته‎ ‎‏ بكاملها .. وبدا وكأنه يستعد للنزال .. فثار وانتفخت أوداجه غضبا .. ( أذكر أنه لم يكن بحياتي الكثير من الخيارات ، ولطالما أحسست برغبة كبيرة في الثورة .. القتال .. لكن نفسي كانت دائما تهرب مني .. تعاندني ، كنت أفتقد دائما روح ( عبد البر ) وقدرته القتالية ،
    ‏(‏ للقصة بقية )

    لم أنس لحظة أنني تركت ساحة نزالي بالقاهرة ، بعد أن عشت مثل هذه المحنة ، وعدت إلي قريتي لا ألوي علي شئ ، لكم تمنيت أن أكون يوما ( عبد البر ) .. وليس صاحبته ... ) .. وجاء صوته معبرا عن شدة حنقه :
    - من قال أنه ليس هناك من خيار ثالث ؟!
    ثم أفلت الخطام ، ودفع بيده بين ثيابه ، أخرج مديته الحادة .. وسط ذهول وصمت الجميع !
    التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي ; 12/12/2008 الساعة 09:50 PM
    moneim
     

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات قسم القصة
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مسابقة المربد الأدبية الرابعة
    مشاركات: 37
    آخر مشاركة: 15/03/2010, 04:15 AM
  2. مشاركات قسم الشعر
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مسابقة المربد الأدبية الرابعة
    مشاركات: 29
    آخر مشاركة: 14/03/2010, 04:26 PM
  3. مشاركات قسم الشعر
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مسابقة المربد الأدبية الرابعة
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 05/12/2008, 11:18 AM
  4. نقد مشاركات المسابقة
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مسابقة المربد الأدبية الرابعة
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 22/12/2007, 12:05 AM
  5. مشاركات مسابقة المربد (( قسم القصة))
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مسابقة المربد الأدبية الرابعة
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 01/12/2007, 04:11 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •