ملاحظة :
القصيدة لا تعبر بالضرورة عن رأي ناقلها الفقير لله
جلال الصقر ..
و لذلك أعتذر إن كان فيها ما لا يعجب الكثيرين
خصوصا و ان هذه القصيدة قد أحدثت ضجة كبيرة
في وقتها و أسالت كثيرا من الحبر و نتجت عنها مقاطعات
و كثير من الأحداث .
الشعر يهجو مهرجان الشعر
د. محمود السيد الدغيم
لندن : الجمعة – 8 – تشرين الأول/ أكتوبر – 1993م
نشرت هذه القصيدة في صفحة الإبداع في مجلة أخبار الأدب في القاهرة يوم السبت – 23 – تشرين الأول سنة 1993م، وفي ذلك اليوم حضرت ندوة من ندوات المهرجان في فندق كميت في القاهرة، وكان مقرر المحاضرة الدكتور عبد القادر القط، وبع المحاضرة توفي الدكتور علي شلش يرحمه الله، وتم اختصار المهرجان من ثلاثة أيام إلى يوم ونصف اليوم، ويوم الأحد هاجمت القصيدة صحيفة الأهالي المصرية اليسارية، ومجلة روز اليوسف، وتصدت لهم جريدة الشعب، وأصدر الشعراء بيانا ضد القصيدة، ونشرته أخبار الأدب يوم السبت في 30 تشرين الأول / أكتوبر سنة 1993م، وفي ذلك اليوم كنت في جامعة المنيا للمشاركة في ندوة الرحالة في العصور الوسطى، وفي يوم الأحد 31 من الشهر قدمت بحثي حول الرحلات المخطوطة والمطبوعة، وفي يوم الإثنين أول تشرين الثاني/ نوفمبر قمنا بزيارة قبور الأشمونين وتونا الجبل جنوب المنيا، ثم عدنا إلى المنيا، ومنها إلى القاهرة، وانتقلت إلى فندق إدارة الإمداد والتموين في مدينة نصر بالقاهرة يوم الجمعة الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر، وبدأ توافد المشاركين في ندوة إتحاد المؤرخين العرب: الحضارة الإسلامية وعالم البحار، وفي يوم الاثنين 8 تشرين الثاني/ نوفمبر قدمت بحثي حول البحرية العثمانية منذ تأسيسها حتى نهاية عصر السلطان سليم الثاني، واختتم المؤتمر، وفي صباح يوم الثلاثاء غادرت الفندق في مدينة نصر ونزلت إلى مركز القاهرة. وغادرت القاهرة يوم الجمعة 12 تشرين الثاني/ نوفمبر عائدا إلى لندن.
شعر، د. محمود السيد الدغيم
وَقَفْتُ أَسْأَلُ نَهْرَ النِّيْلِ: مَا الْخَبَرُ؟
فَقَاْلَ: يَاْ صَاْحِبِيْ لِلشِّعْرِ مُؤْتَمَرُ
وَأَجْهَشَ النِّيْلُ وَانْصَبَّتْ مَدَاْمِعُهُ
عَلاْمَةَ الْحُزْنِ لَمَّاْ سَيْطَرَ الْكَدَرُ
فَمْا امْتَلَكْتُ دُمُوْعِيْ حِيْنَ خَاْطَبَنِيْ
وَقَاْلَ: يَاْ صَاْحِ إِنَّ الشِّعْرَ يَحْتَضِرُ
فَقُلْتُ: يَاْ نِيْلُ مَنْ يَاْ نِيْلُ مَثَّلَنَاْ
فَقَاْلَ: شَرُّ دُعَاْةِ الشِّعْرِ لَوْ شَعَرُوْا
جَاْؤُوْا إِلَيْنَاْ بِأَسْمَاْءٍ مُزَوَّرَةٍ
فَشَوَّهُوْا صُوْرَةَ الآدَاْبِ وَانْتَشَرُوْا
وَمَثَّلَ الشَّاْمَ أَقْزَاْمٌ يُعَمْلِقُهُمْ
عُقْمُ الزَّمَاْنِ، فَلاْ وَزْنٌ وَلاْ صُوَرُ
فَقُلْتُ: لُبْنَاْنُ مَنْ يَاْ نِيْلُ مَثَّلَهُ؟
فَدَمْدَمَ النِّيْلُ حَتَّىْ عَمَّنِي الضَّجَرُ
وَقَاْلَ صَمْتاً أَتَاْنَاْ مِنْ شَقِيْقَتِهِ
مُمَثِّلٌ بَاْرِعٌ، بَلْ كَاْذِبٌ أَشِرُ
مُزَوَّرُ الْجِنْسِ وَالتَّجْنِيْسِ جَنَّسَهُ
أَعْدَاْءُ لُبْنَاْنَ كَمْ أَمْثَاْلَهُ بَذَرُوْا
فَغِيْلَ لُبْنَاْنُ، وَاغْتِيْلَتْ ثَقْاْفَتُهُ
لَمْ يُجْدِ لُبْنَاْنَ إِقْدَاْمٌ وَلاْ حَذَرُ
فَقُلْتُ: يَاْ نِيْلُ اِكْشِفْ عَنْ جَرَاْئِمِهِمْ
أَرْجُوْكَ يَاْ نِيْلُ عَمَّنْ شِعْرَنَاْ عَقَرُوْا
عَنِ الَّذِيْنَ تَمَاْدَوُا فِيْ غِوَاْيَتِهِمْ
وَأَعْيُنَ الشِّعْرِ وَالآدَاْبِ قَدْ نَقَرُوْا
نَقْرَ الْغُرَاْبِ وَنَقْرَ الْبُوْمِ سَلَّطَهُمْ
مَنْ لاْ تُؤَدِّبُهُ الآيَاْتُ وَالسُّوَرُ
فَقَاْلَ لِي النِّيْلُ كُفَّ الْهَرْجَ يَاْ وَلَدِيْ
وَارْحَلْ بِشِعْرِكَ إِنَّ الشِّعْرَ يَنْحَسِرُ
فَالْقَاْئِمُوْنَ بِأَمْرِ الشِّعْرِ يَنْقُصُهَمْ
صَقْلٌ وَفِكْرٌ لأَنَّ الْعِلْمَ يَنْدَثِرُ
كَمْ أَقْلَقُوْنَاْ بِأَشْعَاْرٍ مُزَوَّرَةٍ
وَأَزْعَجُوْنَاْ بِمَاْ خَاْرَتْ بِهِ الْبَقَرُ
فَأَقْعَدُوا الشِّعْرَ بَلْ قَصُّوْا جَوَاْنِحَهُ
وَكَفَّنُوْهُ وَحَتَّىْ قَبْرَهُ حَفَرُوْا
وَأَقْبَلُوْا زُمَراً مِنْ كُلِّ زَاْوِيَةٍ
لِيَدْفِنُوْهُ وَلاْ يَبْقَىْ لَهُ أَثَرُ
لِذَاْكَ جَاْؤُوْا لِكَيْ يَنْعَوْا بِمُؤْتَمَرٍ
هَذِي الْوَفَاْةَ الَّتِيْ فِيْ أَمْرِهَا ائْتَمَرُوْا
فَقُلْتُ: يَاْ نِيْلُ هَلْ فِيْ مِصْرَ مَقْبَرَةٌ
لِلشِّعْرِ وَالنَّثْرِ؟ كَيْفَ اسْتَفْحَلَ الْخَطَرُ
أَجَاْبَنِي النِّيْلُ: إِنَّ الْجَهْلَ دَاْهَمَنَاْ
وَأَعْتَمَ اللَّيْلُ لاْ شَمْسٌ وَلاْ قَمَرُ
وَقَاْئِدُ الرَّكْبِ أَعْشَىْ لَيْسَ يُنْقِذُهُ
إِلاَّ الْبَصِيْرُ، فَمَنْ ذَاْ عِنْدَهُ بَصَرُ؟
أَعْمَى الْبَصِيْرَةِ وَالإِبْصَاْرِ نَاْقِدُنَاْ
وَنَاْثِرُ الشِّعْرِ أُمِّيٌّ وَمُنْحَدِرُ
قَوَاْرِضُ الشِّعْرِ قَدْ أَفْنَتْ هَيَاْكِلَهُ
غَاْبَ الْقَرِيْضُ وَغَاْبَ الْعِلْمُ وَالْفِكَرُ
وَالْعَاْقِرُوْنَ خُيُوْلَ الشِّعْرِ بَجَّلَهُمْ
نَهْجٌ لَئِيْمٌ جَهُوْلٌ أَهْوَجٌ نَخِرُ
فَعَكَّرُوْا صَفْوَ مَاْءِ النِّيْلِ مَا اكْتَرَثُوْا
بِالصَّفْوَتَيْنِ فَغَاْصَتْ فِي الطَّمِي الدُّرَرُ
وَعَاْمَ فَوْقَ مِيْاْهِ النِّيْلِ مَاْ كَتَبُوْا
فَدَنَّسَ النِّيْلَ مَسْعُوْرٌ وَمُسْتَعِرُ
غَاْبَ الْفُحُوْلُ عَنِ الْمَيْدَاْنِ أَبْعَدَهُمْ
هَذَا الْمُخَنَّثُ لاْ أُنْثَىْ وَلاْ ذَكَرُ
مُخَنَّثُوْنَ دُعَاْةُ الشِّعْرِ فِيْ زَمَنِيْ
لاْ يَخْدَعُوْنِيْ إِذَاْ مَاْؤُوْا، وَإِنْ زَأَرُوْا
قَدْ أَحْدَثُوْا ثَاْلِثَ الأَجْنَاْسِ جِنْسَهُمُ
يُصَفِّقُوْنَ إِذَاْ مَاْ حُقِّقَ الْوَطَرُ
يُصَفِّرُوْنَ فَتَصْفِيْرٌ وَتَصْدِيَةٌ
فِيْ نَدْوَةِ الشِّعْرِ والشُّعَاْرُ قَدْ صَفَرُوْا
يُزَمِّرُوْنَ كَمَاْ يَحْلُوْ لِزَمْرِهِمُ
يُطَبِّلُوْنَ خِفَاْفاً كُلُّهُمْ نَوَرُ
وَيَرْقُصُوْنَ إِذَاْ غَنَّىْ لَهُمْ عَوَضٌ
صَوْتاً تَمِيْسُ عَلَىْ أَنْغَاْمِهِ الْغَجَرُ
وَيُطْرِبُ الْحَشْدَ جُنْكِيٌّ وَرَاْقِصَةٌ
وَيُقْرَعُ الطَّبْلُ لَمَّاْ يُنْقَرُ الْوَتَرُ
فَيُقْتَلُ الشِّعْرُ وَالأَوْزَاْنُ قَاْطِبَةً
وَيُهْمَلُ اللَّحْنُ، وَالأَحْدَاْثُ تَنْهَمِرُ
وَيُصْبِحُ الْجَاْهِلُ الأُمِّيُّ نَاْبِغَةً
كَأَنَّهُ شَاْعِرُ الْقُطْرَيْنِ يَاْ بَشَرُ
يَاْ نَاْسُ يَاْ نَاْسُ !! إِنَّ الشِّعْرَ فِيْ خَطَرٍ
كَاْدَتْ عَلَيْهِ سَمَاْءُ الْفِكْرِ تَنْفَطِرُ
حَدَاْثَةُ الشِّعْرِكَاْنَتْ شَرَّ مُحْدَثَةٍ
وَالْمُحْدِثُوْنَ بِفَنِّ الشِّعْرِ قَدْ غَدَرُوْا
سَكَّتْ مَسَامِعَنَا جَوْراً رَطَاْنَتُهُمْ
وَأَزْعَجُوْنَاْ فَلاْ عِطْرٌ وَلاْ ثَمَرُ
"يُبَرْبِرُوْنَ" بِأَشْعَاْرٍ مُتَرْجَمَةٍ
سَطَاْ عَلَىْ نَصِّهَاْ "فُرْسَاْنُنَا الْحُمُرُ"
"يُشَبِّحُوْنَ" إِذَاْ جَاْعُوْا وَإنْ شَبِعُوْا
يُهَرِّبُوْنَ فَفِيْ تَهْرِيْبِهِمْ ظَفَرُ
مَهْمَاْ يُسَتَّرُ بِالأَسْتَاْرِ مُبْتَذَلٌ
رَوَاْئِحُ الشِّعْرِ عِنْدَ النَّشْرِ تَنْتَشِرُ
سَيُخْنَقُ النِّيْلُ بِالأَشْعَاْرِ إِنْ زُرِعَتْ
فِيْ ضِفَّتَيْهِ وَيَفْنَىْ مِثْلَ مَنْ غَبَرُوْا
فَقُلْتُ: يَاْ نِيْلُ لاْ تَعْبَأْ بِمَاْ لَغَطُوْا
لاْ تَرْضَخَنَّ، وَقَاْوِمْ إِنَّهُمْ زُمَرُ
أَيُرْهِبُوْنَكَ بِالأَوْهَاْمِ يَاْ أَمَلِيْ
وَنَحْنُ فِيْكَ مَدَى الأَيَّاْمِ نَفْتَخِرُ؟؟
فَقَاْلَ: بَلِّغْ إِلَى الْعَاْصِيْ تَحِيَّتَنَاْ
رَغْمَ الْحِصَاْرِ، وَأَعْلِنْ: إِنَّنَاْ خَفَرُ
وَقُلْ لِدِجْلَةَ: إِنَّ النِّيْلَ أَعْلَنَهَاْ
حَرْباً ضَرُوْساً عَلَىْ مَنْ ضِدَّهُ شَهَرُوْا
مَدَاْفِعَ الشِّعْرِ وَانْصَبَّتْ قَنَاْبِلُهُمْ
فَوْقَ التُّرَاْثِ فَثَاْرَ الْمَاْءُ وَالْجُزُرُ
سَيَجْرِفُ الْمَاْءُ، مَاْءُ النِّيْلِ شِعْرَهُمُ
"رُوْغِيْ جَعَاْرُ" وَوَلِّيْ إِنَّهُمْ جَعَرُوْا
فَقُلْتُ: يَاْ نِيْلُ شُكْرًا، سَوْفَ يُسْعِدُنِيْ
جَرْفُ النِّفَاْيَاْتِ حَتَّىْ تُمْلأَ الْحُفَرُ
فَقَاْلَ: إِنَّ ذَوِي التَّهْرِيْجِ فِيْ خَطَرٍ
أَمَاْ رَأَيْتَ طَوَاْلَ الدَّهْرِ كَمْ خَسِرُوْا؟
"رَأْسُ الْمَآثِمِ" "ظِلُّ الْجَهْلِ" فِيْ زَمَنٍ
صَاْغَتْ ثَقَاْفَتَهُ الأَعْجَاْمُ وَالْخَزَرُ
شَوْقِيْ لِشَوْقِيْ، وَسَاْمِيْ لاْ يُعَاْدِلُهُ
شَوْقٌ يُطَوِّقُهُ الْهُجْرَاْنُ وَالْكَدَرُ
أُوْلَئِكَ الصِّيْدُ أَبْنَاْئِيْ، وَشِعْرُهُمْ
لَحْنُ الْحَيَاْةِ، سَقَىْ أَجْدَاْثَهُمْ مَطَرُ
عَيْنُ الْقَرِيْضِ، وَعَيْنُُ الشِّعْرِ مَاْ نَطَقُوْا
إِلاَّ تَثَنَّىْ عَلَىْ أَشْعَاْرِهِمْ شَجَرُ
وَالآنَ تَأْتِيْ ضِبَاْعٌ كَيْ تُمَزِّقَهُمْ
مِنَ الأَعَاْجِمِ لاْ قَيْسٌ وَلاْ مُضَرُ
فَقُلْتُ: يَاْ نِيْلُ لاْ تَعْبَأْ بِمَاْ هَرَفُوْا
سَيَـغْرُبُوْنَ، لَقَدْ مَادَتْ بِهِمْ سرُرُ