الإمامُ الشَّعبىُّ
قال الشيخ أحمد فريد :
كان ( نحيف الجسم ، عظيم القدر ، جبل من جبال العلم وإمام من أئمة التابعين ، أدرك ما يقرب من خمسين صحابيا ، وكانت له حلقة عظيمة فى وجود أكابر الصحابة رضى الله عنهم ، رآه ابن عمر رضى الله عنهما ، فقال : كأنه قد شاهد معنا ، ذو دعابة وذكاء ، يرغب الملوك فى قربه ، ويحتاج الجميع إلى علمه .. ) .
وذكر الذهبى فى سيره عن ابن عائشة قال : وجه عبد الملك بن مروان الشعبى إلى ملك الروم ـ يعنى رسولا ـ فلما انصرف من عنده قال : يا شعبى أتدرى ما كتب به إلىَّ ملك الروم ؟ قال : وما كتب به يا أمير المؤمنين ؟ قال : كنت أتعجب لأهل ديانتك كيف لم يستخلفوا عليهم رسولك . قلت : يا أمير المؤمنيين لأنه رآنى ولم يرك . أوردها الأصمعى وفيها قال : يا شعبى إنما أراد أن يغرينى بقتلك . فبلغ ذلك ملك الروم فقال : لله أبوه ، والله ما أردتُ إلا ذاك .
اسمه ومولده :
هو : عامر بن شراحيل ، وقيل : ابن عبد الله بن شراحيل بن عبد الشعبى أبو عمرو الكوفى .
ولد لست سنين خلت من خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، على المشهور ، وأمه من سبى جلولاء ، وجلولاء قرية بناحية فارس كانت بها الواقعة المشهورة ، التى انتصر فيها المسلمون على الفرس ، وهى فى العراق اليوم تسمى ( السعدية ) .
وقيل ولد سنة احدى وعشرين .
قال ابن سعد : كان الشعبى ضئيلا .. نحيفا .. ولد هو وأخ له توأما .. وقال الحاكم أبو عبد الله : وكان الشعبى توءما ضئيلا ، فكان يقول : إنى زوحمت فى الرحم .
وعن ليث قال : رأيت الشعبى وما أدرى ملحفته أشد حمرة أو لحيته .
من أساتذته رحمه الله :
روى عن على ، وسعد بن أبى وقاص ، وسعيد بن زيد ، وزيد بن ثابت ، وقيس بن سعد بن عبادة ، وقرظة كعب ، وعبادة بن الصامت ، وأبى موسى الأشعرى ، وأبى مسعود الأنصارى وأبى هريرة ، والمغيرة بن شعبة ، وأبى جحفة السوائى ، والنعمان بن بشير ، وأبى ثعلبة الخشنى ، وجرير بن عبد الله البجلى ، وبريدة بن الخصيب ، والبراء بن عازب ، ومعاوية ، وجابر بن عبد الله ، وجابر بن سمرة ، وجرير بن عبد الله ، والحارث بن مالك بن البصراء ، وحبشى بن جنادة ، والحسن ، وزيد بن أرقم ، والضاحك بن قيس ، وسمرة بن جندب ، وعامر بن شهر ، والعبادلة الأربعة ، وعبد الله بن مطيع ، وعبد الله بن يزيد الخطنى ، وعبد الرحمن بن سمرة ، عدى بن حاتم ، وعروة بن بن الجعد البارقى ، وعمران بن حصين ، ، وعوف بن مالك ، والمقدام بن معد يكرب ، وأبى سعيد الخدرى ، وأنس ، وعائشة ، وأم سلمة ، وميمونة بنت الحارث ، وأسماء بنت عميس ، وفاطمة بنت قيس ، وأم هانىء بنت أبى طالب ، وغيرهم من الصحابة .
ومن التابعين ، رحمهم الله تعالى : الحارث الأعور ، وخارجة بن الصلت ، وذر بن حبيش ، وسفيان بن الليل ، وسمعان بن مشيخ ، وسويد بن غفلة ، وشريح القاضى ، وشريح بن هانىء ،وعبد الرحمن بن أبى ليلى ، وعروة بن المغيرة شعبة ، وعلقمة بن قيس ، وعمرو بن ميمون الأودى ، ومسوق بن الأجدع ، والمحرر بن أبى هريرة ، ووراد كاتب المغيرة ، وأبى بردة بن أبى موسى الأشعرى ، وأرسل عن عمر وطلحة وابن مسعود .
ومن تلامذته رحمه الله :
وعنه أبواسحاق السبيعى ، وسعيد بن عمرو بن أشوع ، إسماعيل ابن أبى خالد ، وبيان بن بشر ، وأشعث بن سوار , وتوبة العنبرى ، وحصين بن عبد الرحمن ، وداود بن أبى هند ، وزبيد اليامى ، وزكريا بن أبى زائدة ، وسعيد بن مسروق الثورى ، وسلمة بن كهيل ، وأبو إ‘سحاق الشيبانى ، والأعمش ومنصور ، ومغيرة ، وسماك بن حرب ، وصالح بن حيى ، وسيار أبو الحكم ، وعبد الله بن بريدة ، و عاصم الأحول ، و أبو الذناد ، وعبد الله بن أبى السفر ، وابن عون ، وعبد الملك بن سعيد بن أبجر ، وأبو حصين الأسدى ، وأبو فروة الهمدانى ، وعمر بن أبى زائدة ، وعون بن عبد الله بن عتبة ، و فراس بن يحى الهمدانى ، و فضيل بن عمرو الفقيمى ، وقتادة ، ومجالد بن سعيد ، ومطرف بن طريف ، ومنصور بن عبد الرحمن الغدانى ، وأبو حيان التيمى ، وجماعات غيرهم .
قالوا عن الشعبى :
عن الزهرى ، قال : العلماء أربعة : سعيد بن المسيب بالمدينة ، وعامر الشعبى بالكوفة ، والحسن بن أبى الحسن البصرى ، ومكحول بالشام .
وعن أبى أسامة ، قال : كان عمر بن الخطاب فى زمانه رأس الناس ـ وهو جامع ـ وكان بعده ابن عباس فى زمانه ـ وكان بعد ابن عباس فى زمانه الشعبى ، وكان بعد الشعبى سفيان الثورى .
وعن أبى بكر الهذلى ، قال : قال لى محمد بن سيرين يا أبا بكر إذا دخلت الكوفة فاستكثر من حديث الشعبى ، فإنه كان ليُسأل وإن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لأحياء .
وقال أشعث بن سوار : نعى لنا الحسن الشعبى ، فقال : كان والله كبير العلم ، عظيم الحلم ، قديم السلم ، من الإسلام بمكان .
وعن يحيى بن بن معين ، وأبى زرعة وغير واحد : الشعبى ثقة .
وقال أحمد بن عبد الله البجلى : سمع من ثمانية وأربعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والشعبى أكبر من أبى اسحاق بسنتين . وأبو اسحاق أكبر من عبد الملك بن عمير بسنتين ، ومرسل الشعبى صحيح ، لا يكاد يرسل إلا صحيحا .
وقال عاصم بن سليمان : ما رأيت أحدا أعلم بحديث أهل الكوفة والبصرة والحجاز والآفاق من الشعبى .
وعن أبى مجلز ، قال : ما رأيت فقيها أفقه من الشعبى .
وقال مكحول : ما رأيت أعلم بسنة ماضيه من الشعبى .
وقال داود بن أبى هند : ما جالست أحدا أعلم من الشعبى .
وعن عبد الملك بن عمير ، قال : مر ابن عمر بالشعبى وهو يقرأ المغازى ، فقال : كأنه كان شاهدا معنا ، ولهو أحفظ لها منى وأعلم .
وقال عاصم الأحول : ما رأيت أحدا أعلم من الشعبى .
وكان رحمه الله ؛ قوى الحفظ نبيه الخاطر واسع العلم .
عن ابن شبرمة ، قال : سمعت الشعبى يقول : ما كتبت سوداء فى بيضاء إلى يومى هذا ؛ ولا حدثنى أحد قط إلا حفظته ، ولا أحببت أن يعيده علىَّ .
وعنه أيضا ، عن الشعبى قال : ما سمعت منذ عشرين سنة رجلا يحدث بحديث إلا أنا أعلم به منه ، ولقد نسيت من العلم ما لو حفظه رجل لكان به عالما .
وكان رحمه الله يتورع عن الفتوى ويذم الرأى .
سأل رجل ابراهيم عن مسألة فقال : لا أدرى ، فمر عليه عامر الشعبى ؛ فقال للرجل : سل ذاك الشيخ ثم ارجع فأخبرنى ، فرجع إليه قال : قال لا أدرى ، قال ابراهيم : هذا والله الفقه .
وعن مجالد ، قال : وكان الشعبى يذم الرأى ، ويفتى بالنص .. قال ـ يعنى مجالد ـ : سمعت الشعبى يقول : لعن الله رأيت .
وعن صالح بن مسلم قال : قال عامر الشعبى : إنما هلكتم أنكم تركتم الآثار وأخذتم بالمقاييس .
وروى عنه قوله : لا أدرى نصف العلم .
وكان رحمه الله خفيف الظل ذو دعابة ..
فقد سئل يوما عن المسح على اللحية ، فقال : خللها بأصابعك .. فقال الرجل : أخاف أن لا تبلها .. فقال الشعبى : إن خفت فانقعها من أول الليل .
وسئل عن أكل لحم الشيطان ، فقال : نحن نرضى منه بالكفاف .
قيل : دخل الشعبى الحمام ، فرأى داود الأودى بلا مئزر فغمض عينيه ، فقال له داود : منذ متى عميت يا أبا عمرو ؟ فقال : منذ هتك الله سترك .
درر من أقواله رحمه الله :
قال الشعبى : إنا لسنا بالفقهاء ، ولكنا سمعنا الحديث فرويناه ، ولكن الفقهاء من إذا علم عمل .
وقيل له يوما : أيها العالم .. فقال : العالم من يخاف الله .
وروى عنه قوله : ما ترك أحد فى الدنيا شيئا لله إلا أعطاه الله فى الآخرة ما هو خير منه .
وعنه أيضا : تعايش الناس بالدين زمنا طويلا حتى ذهب الدين ، ثم تعايش الناس بالمروءة زمنا طويلا حتى ذهبت المروءة ، ثم تعايش الناس بالحياء زمنا طويلا حتى ذهب الحياء ، ثم تعايش الناس بالرغبة والرهبة ، وأظن أنه سيأتى بعد هذا ما هو أشد منه .
وقوله أيضا : اتقوا الفاجر من العلماء والجاهل من المتعبدين ، فإنهما آفة كل مفتون .
وقوله : ليس حسن الجوار أن تكف أذاك عن الجار ، ولكن حسن الجوار أن تصبر على أذاه .
وقوله : العلم أكثر من أن يحصى ، فخذ من كل شىء أحسنه .
وفاته رحمه الله :
أختلف فى وفاته ، قيل مات سنة ثلاث ومائة .. أو أربع ومائة .. وسنه تسع وسبعون سنة .
وروى أحمد بن حنبل ، عن يحيى بن سعيد القطان : مات قبل الحسن بيسير ، ومات الحسن سنة عشر ومائة بلا خلاف .