النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: مُنْتَهَى الأدَبِ

  1. #1 مُنْتَهَى الأدَبِ 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36





    مُنْتَهَى الأدَبِ
    ... وأما هو فيرى نفسه ناثرا لا يشق له غبار، وله في فنون النثر آيات يتيمات وإبهار، وفيها له على غيره ألف انتصار وانتصار، ويحب كذلك أن يلبس اسمه الثلاثي صفة الشاعر بكل افتخار، إذ يزعم أنه تفرد دون سواه ببيت القصيد المختار، وانفرد بسر القوافي وبسيفها البتار، وخلصت له وحده قافية نوادر الأشعار، ثم إنه يدعي الإحاطة بجوهر الشعر ولب النثر وبسائر ما ينطويان عليه من الأسرار، بل ينسب لنفسه الريادة والسيادة في هذا المضمار، ويحسب النظم تاجا على رأسه لا يفارقه حيث سار، والنثر خاتما في أصبعه يدور حيث دار، وأنه سلطان الشعر والشعراء يجير ولا يجار، وملك النثر والناثرين بلا منازع له فيهما باختصار ...
    كلما فرغ من كتابة قطعة يصفها ظلما بالشعرية الجميلة، وما إن ينفض يده من سرد فقرات حتى ينعتها غصبا بالنثرية الجليلة، بل إنه يعد هذه وتلك سبقا أدبيا يقينا، وعقيدة يجدر بكل أديب أن يتخذها في ما يكتب منهاجا ودينا، ولا يليق به أن يبرح رحابها بل أن يلازمها حصنا حصينا، فهي البحر عنده لمن شاء الغوص فيه طلبا للنفائس والكنوز وما توارى في أعماقه دفينا، وهي السفينة لديه لمن طمع في الإبحار إلى جزر البلاغة حتى يكون بها قمينا، أو أراد أن يتخذ له في الكتابة والخطابة زئيرا وعرينا، أو أحب أن يكون في شعره ونثره ساحرا مبينا ...
    لم تكن كتاباته إلا قبحا وشينا، إذ عكف على كل كلمة خبيثة ينتقيها صنما يتقرب إليه في ما ينثر حينا وينظم حينا، فانتصر لكل كلمة نابية ساقطة ورأى أن لها عليه دينا، وعشق كل عبارة فاحشة فاضحة وقر بها عينا، ثم إنه لم يستح ولم يستتر إذ جهر بالسوء في منثوره ومنظومه علنا، وأخذته العزة بمنكر القول والحديث في ما يخط باليمين فكان له إبليس عونا، فصار الحياء في عرفه جهلا وقيدا وجبنا، وغدا خدش الحياء لديه جرأة مطلوبة وعلما شريفا وحسنا ...

    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

    aghanime@hotmail.com

    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 الْفَلَقَةُ 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36




    الْفَلَقَةُ
    ... فلم تكن منه إليه إلا نظرة غاضبة لا ثانية لها، حتى أوجز القول في شأن الصبي ولم يطل، إذ ناداهما آمرا أن علي به ...
    وثبا عليه سريعا كخطفة البرق، فحملاه بينهما خفيفا كالريشة كعادتهما مع غيره من الصبية، ولم يمهلاه قليلا ليفكر في حيلة أو طريقة يحول بها بينهم وبين حمله إلى الشيخ بسرعتهما المعهودة، كأن يقبض شديدا بكلتا يديه على يد أو رجل أحد الجالسين بالقرب منه، أو يتمسك بحاشية حصير ...
    لم يغثه من نزول العقاب به دفعهما بيديه الصغيرتين وبرجليه القصيرتين، ولم ينقذه منه صراخه ولا بكاؤه، ولم تنجه استغاثته بأصدقائه الصغار من عصا الشيخ الغليظة، ولم يمنع كل ذلك عينيه من الامتلاء بشكلها المرعب، ومن رؤية بعض الأطفال يتغامزون عليه شامتين ضاحكين ...
    هوى الشيخ بضربته الأولى على قدمي الصبي، وهو يقول: أما هذه فهدية لك مني، وهوى بثانية عليهما قائلا: وهذه أجود بها عليك باسم أبويك اللذين لم يحسنا تربيتك في البيت، ثم عاجله بثالثة وهو يقول: أما هذه فيعز علي أن أحرمك منها نيابة عن هذا المكان الذي لم تقدره حق قدره، وأخيرا أردف له صامتا الرابعة، والخامسة، والسادسة إلى أن أتم له على قدميه عشرا، فقال له، وأما هذه السلسلة فهي مهداة منك إليك فذق وبال أمرك ...
    فاضت دموع الصبي غزيرة على خديه، واحتقنت قدماه بالدم وانتفختا من حدة الضرب، وكادت حنجرته ورئتاه تنفجرن من شدة صراخه، ثم إن الشيخ عاد ثانية فأوجز القول في شأن الصبي ولم يطل كدأبه، إذ أمر من حملاه مناديا أن خلوا سبيله ...
    ما إن أعاداه إلى مكانه، حتى استجمع ما تبقى له من جهد، فأطلق ساقيه للريح حافيا، بعد أن رمى الشيخ بلسانه لاعنا شاتما، وبلوح وقعت عليه يده أصاب به رأسه فأدماها ...


    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

    aghanime@hotmail.com

    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 تَصْفِيَّةُ حِسَابٍ 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36




    تَصْفِيَّةُ حِسَابٍ
    ... فما إن سمعه يقول: ردها علي إن استطعت، بعد أن ضربه بقبضة يده وأدمى خده وأنفه، حتى هوى شديدا عليه بعصاه فشق جبينه، وحينما تمالك نفسه وعاد إليه شيء من توازنه، عقب شعوره بدوار عبث برأسه ومال بجسده، أخذ حجرا من الأرض ورماه به عنيفا، فلم يكن من الحجر إلا أن أصاب رأسه بشج ونزيف ...

    بعد كر وفر جرى بينهما بالتساوي، والذي لم يدم طويلا، هجم كل منهما على صاحبه بما ادخره من جهد ودوس، وبما اختزنه من أنفاس وبأس، حتى إذا اصطدما، أرخى كل واحد ثقل جسده على الثاني من شدة الكبس، فأصبح في شكله شبيها بالقوس، وعلى الرغم مما بلغاه من حال لا يحسدان عليها فلم تتعطل بينهما بلاغة الشتم وفنون الدهس، وبيان السباب وأصناف الهرس، ومنطق القذف الشنيع الذي تبادلاه بالأمس، فحلت أصواتهما المتقطعة محل كل ذلك خافتة أحيانا تكاد تبلغ حد الهمس، وتعلو حينا حادة كضربة فأس، بينما أخذت الرأس تنطح الرأس، وعلقت الأيادي في ما تمزق من اللبس، ولم تنس الأرجل النطق بلغة الرفس، وكذا التخاطب بضمير الرجس ...
    ثم إنه عاد إلى سيرته الأولى، بعد أن ضربه ثانية فقضى عليه، فقال له وقد صار أمامه على الأرض جثة هامدة: والآن رد هذه علي إن استطعت ...

    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

    aghanime@hotmail.com

    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 حَفْلُ الْخِتَامِ 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36




    حَفْلُ الْخِتَامِ
    ... فما إن مالت شمس ذلك اليوم إلى الغروب، حتى ضاقت القاعة بما غشيها من قبيح وشنيع الزحام، وارتجت حيطانها وأركانها بأصوات صاخبة منكرة، وأوشك السقف أن يهوي من فظاعة ما يجري داخل القاعة على كل الذين غصت بهم من أهل الرذائل والآثام ...
    ثم إن الأيدي امتدت إلى القنينات والتفت الأصابع حولها وحملتها برفق وتلتها الكؤوس، وسرعان ما رفع المدعوون والمدعوات من مقامها وجميعهم يقبل هامها ولا يدوس، وكأنها في أعينهم أقمار وشموس، وبعد أن تولى أحدهم سرد عبارات التمني الكاذب وهو على ما اعتاد سماعه يقيس، وبعد أن دعا بموفور الصحة ودوام السعادة وطول العمر لمن حضر الحفل قرعت الكؤوس، وقبل شرب ذات المقام العالي هامت بها النفوس، وانبعثت متبادلة بضع كلمات النفاق فحيحا من بين الشفاه وهي سم مدسوس ...
    سالت أم الخبائث أودية حمراء في الحلوق كالكابوس، وغاص أبوها دخانا كثيفا أسود في الصدور كالجاسوس، وفي ما بعد مالت وعبثت بالأجساد وقد لعبت ومالت في البدء بالرؤوس، وما إن انهارت الأبدان على الكراسي، حتى أراد كل منهم أن يلقي عليهم كلمة أوحت له بها غمرة سكره المهموس، ولاحت له حروفها وكأنها خلاصة باقة من الدروس، بل عد كلمته دواء يتيما لتفريج كل هم محسوس، وسلاحا كفيلا بالقضاء على هذا الشبح المزعج أو ذاك الطيف المنحوس، وكذلك زعم كلهم أنها شفاء من داء الوجه العبوس ...
    شبت في ما بينهم نار الخصومة المخمورة، فسب بعضهم بعضا بكلمات الفتنة النابية المقبورة، وجر كل منهم خلفها جملة من الحركات الفاحشة وسائر الإشارات الفاضحة المجرورة، ثم إن جميع من احتشد في القاعة تماسكوا وتماسكن بالأيدي فاكتملت الصورة، وتبادلوا وتبادلن الصفع واللكم فسقطت الأقنعة وانكشفت الوجوه المستورة، وفي ما بينهم وبينهن تقاذفوا وتقاذفن الكراسي والقنينات والأقداح والكؤوس وكل ما وقعت عليه أيديهم وأيديهن الموتورة، ولما بلغ التلاحم بالأيدي والأرجل ذروته المشهورة، لم يتميز ذوو وذوات الخدود المصفوعة والأوجه الملكومة عن ذوات وذوي الأكف الصافعة وقبضات الأيدي اللاكمة المسعورة ...
    ثم ما إن أسفر الصبح حتى صارت القاعة شاهدة على رائحة فظيعة تزكم الأنوف، ومثقلة بركام شنيع متناثر لا تطيق رؤيته الأبصار، قد تقاسمته الأجساد المنهكة المنهارة، وأصناف الأثاث المحطم، وفنون الزينة المبعثرة ...


    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

    aghanime@hotmail.com

    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 شِكَايَةٌ 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36




    شِكَايَةٌ
    ... ولم يكن عزمه على البوح بما يضطرب في صدره من آلام الفقر وقسوته أمرا سهلا طيعا، وكذلك توفير أجرة الكاتب العمومي لم يكن بالنسبة إليه غاية هينة البلوغ والتجاوز، لكنه ما إن سئل عن موضوع شكايته وتفاصيلها، حتى سالت الكلمات نزيفا من بين شفتيه المرتعشتين، فأملى على الكاتب ما أملى بعينين تدافعان الدمع إلى أن قال:
    ... ثم أحيطك علما سيدي بأني طرقت بشكايتي هذه أبوابا كثيرة، وكانت لي باعثا على ولوج غير قليل من الإدارات، التي لم أكن لأبلغها إلا مشيا على قدميَّ المتورمتين، والمحتميتين بحذاءين ممزقين، وكم راسلت العديد من المؤسسات لأحيط الساهرين على خدمة المواطنين فيها علما بشكايتي، فطال تجوالي حتى ملتني قدماي وسئمتني الأظرفة وصناديق البريد، ودام ترحالي طويلا إلى يوم الناس هذا بسبب ما أقص فيها من حالي، التي لا أحسد عليها، وما أروي فيها من معاناتي، التي تبعث على الرثاء لي حيا، وأنا ما أزال أدب بين الأحياء ...
    لقد حفظت شكايتي عن ظهر قلب، وأودعت في كلماتها ما أجد من ضيق وألم دون زيادة أو نقصان، ونأيت بها عن كل حشو أو ترصيع أو هذيان، بقدر ما سموت بصدقي في كل كلمة تلوتها عن كل كذب أو زيف أو بهتان ...
    عندما أعياه السعي بشكايته ذهابا من تلك الإدارة إلى هذه، وإيابا من هذه المؤسسة إلى تلك، أمسك عن التنقل مفوضا أمره إلى خالقه، بعد أن تم نشرها على صفحات طائفة من الصحف، فصارت قصة مقروءة من كثيرين استحسنوها، وقد كانت من قبل سجينة داخل ظرف صغير ...

    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

    aghanime@hotmail.com

    رد مع اقتباس  
     

  6. #6 تِلْكَ الصُّورَةُ 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36




    تِلْكَ الصُّورَةُ
    ... ثم من يدري؟ .. لعله كان ساعتها يفكر في أولاده الصغار وزوجه، ويتذكرهم مشفقا عليهم مما يلاقونه في حال غيابه من العناء الشديد وضيق ذات اليد بعيدا عنه هنالك في ذلك المنزل الصغير، حيث لا يستطيع إليه سبيلا، أو ربما كان ذهنه في تلك اللحظة شاردا في ما حل به من بلاء لم يصطفيه لنفسه عن طيب خاطر، ولا خطر له يوما أو في حين من الأحيان أن ينزل به ...
    ومن يدري؟ .. لعله غاص حينها متأملا تفاصيل الحدث الذي جرى منذ سنة بعيدة، وكان هو ذاته قطب الرحى فيه، إذ أن ما داهمه في تلك الليلة لم يكن بالنسبة إليه ظرفا معتادا أو وضعا مألوفا، بل إنه كان صاعقا مزلزلا ...
    ثم من يدري؟ .. ربما قفزت إلى ذهنه وقتها ذكرى توجهه إلى الله ذي اللطف الخفي بخالص الدعاء، عندما كان مصاحبا بمن لا يعرفهم ولا يعرفونه إلى مكان يجهله وهم يعلمونه ...
    استرسل في تأملها واستقراء معالمها الدقيقة بصوت مسموع، فإذا به يلمح بسمة صاحبها قد سطعت مشرقة في سماء وجهه الوضاء، وداعبت بسكينتها عينيه المستبشرتين، فخفقت هادئة مطمئنة نشيطة في فؤاده النابض بالإيمان ...
    سأله صاحبه: أتراك كنت تحدثني بالذي ذكرت؟ أم كنت تحدث به نفسك؟ ثم قل لي: عمن كنت تتحدث بتلك الكلمات الجريحة، وبذلك الصوت الشجي؟ ..
    وفيما كانت عيناه مشدودتين إلى حيث بدا ذاك الوجه مطلا من جوف الجدار القائم أمامه، رد عليه مجيبا: لم أكن أحدث إلا نفسي، وإن كنت تريد معرفة من قصدت في حديثي، فانظر إلى تلك الصورة ...

    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

    aghanime@hotmail.com

    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. مَكْتَبَةُ الأدَبِ الْعَجَائِبِي ...
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 12/02/2017, 05:46 AM
  2. مَكْتَبَةُ الأدَبِ الإسْلاَمِي ...
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 26
    آخر مشاركة: 07/07/2009, 11:54 AM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •