المرأة و كؤوس الشراب


المرأة أصل الحياة والموت سكنت مئات من القصص و الأخبار و الأساطير عبر العصور و الأزمنة فكانت آلهة مقدسة و أماً طاهرة للأنبياء و القديسين، أماً للأبطال والشهداء والرجال الحقيقيين في كل مكان ،رمزاً لعطاء الأرض اللامتناهي وشموخ الجبال العالية وعفوية المياه الصافية ، كانت العذراء مريم رمز العفة والفضيلة وآسيا زوجة فرعون وخديجة الكبرى ، كانت المناضلة الصامدة في وجه العدو والفساد،من تدفع أبناءها إلى ساحات المعركة للدفاع عن أرض الوطن .
هكذا استمرت المرأة في مشوارها الطويل المضني محاولة إثبات ذاتها وشخصيتها، متمسكة بالأخلاق والفضيلة حتى وقتنا الحالي. لكن مع ذلك ظهرت للمرأة صور أخرى خطتها يد المؤرخين والأدباء بشكل جلي وواضح عبر العصور إلى جانب صورتها السابقة،فكانت غانية في حانات الخمر وعشيقة خفية تخون زوجها وامرأة لعوباً تشارك في المؤامرات والمكائد والدسائس وشرطاً أساسياً في توقيع المعاملات الصعبة ونجاح الصفقات التجارية الكبيرة إلى أن باتت شيئاً مستهلكاً.
لكن ما الذي دفع النساء إلى طريق موحل موعر ؟
هل هو الفقر؟!..
أم الظروف الاجتماعية والحياتية؟!..
أم طبيعة المرأة العاطفية المندفعة؟!..
أم هو الرجل وراء كل هذا؟!.......
أسباب غير مقنعة لتجارة خاسرة لا يكفيها العالم بأسره ثمناً لما تعرضه مشاعاً لها،فالمرأة ترى بعاطفتها وقلبها ما لا تراه بعقلها وما لا يراه أحد سواها ،ترى الحقيقي والمزيف دون أن يكون للرجل ذلك الدور الكبير في دفعها إلى أن تكون شيئاً مادياً ضاعت ملامحه وباتت صورة جصية متحركة في ثياب أنثى رغم كونه طرفاً في هذه المعادلة إلا أنه يعاني أكثر منها أثناء تخبطه في خوائه الروحي وبحثه عن المجهول الذي يحيي شعلة السعادة والرضا في داخله دون فائدة .
يقول بير داكو في كتابه المرأة بحث في سيكولوجية الأعماق:
((عبر هؤلاء النساء الأشياء ،يبحث الرجال في نهاية المطاف بحثاً يائساً عن ظل من الحياة،إنهم في بحثهم عن طبيعتهم العميقة في نطاق ما بقي منها ،بحث عن النساء الأشياء،عن الشبقية،الطلب كبير،لأن نفوس الرجال لم يسبق أن كانت بمثل ما هي عليه الآن من المرض والانفصال عن الحياة . إن هذه الشبقية تمثل ضرباً من التأمين ضد الموت الوجداني ،لأن الكثيرين يجدون فيها ضرباً من التوحد وإن كان توحداً يثير القرف)).
والسؤال هنا:ماالذي يدفع المرأة لأن تكون شيئاً مادياً معروضاً للتجارة؟هل للأسرة وأسلوب التربية دور في هذا؟هل هو ضياع القدوة الصالحة والتعليم الصحيح ؟أم هو الجهل والتقاليد البالية التي تبقي المرأة بعيدة عن واقع الحياة؟
تدور في رأسي حكاية ربما تجيب عن كثير من أسئلتي أحب أن أنهي بها موضوعي،تقول الحكاية:
جلس الملك أمام كأسه، الليل طويل وممل والخمر في الكأس لذيذ ومغري،بدأ بالشرب حتى نسي نفسه ودخل في عالم آخر شاركه فيه وزيره ومستشاره مع لعبة الشطرنج بعد أن اتفقا على مبيت زوجة الخاسر في مخدع الرابح ليلة كاملة .
فاز الوزير بالشرط واستفاق الملك الخاسر على صفعة أليمة بعد أن استغله وزيره ومستشاره وأقرب رجل إليه للوصول إلى رغبة دفينة في نفسه، وكونه الملك ورجل الدولة الأول منعه من التراجع عن وعد قطعه.
اتجه الملك إلى زوجته حزيناً مهموماً وقص عليها الحكاية وهو يشعر بالخجل،تتألم الملكة كونها أصبحت رغماً عنها طرفاً في مقامرة سخيفة سببها لها زوجها الذي كان من المفروض أن يكون سندها وحاميها من الذئاب والضباع،فهي مع زوجها كما قال الشاعر:ويلي عليك وويلي منك يارجل،إلا أنها يجب أن تجد حلاً،تعد زوجها بعودتها إليه كما خرجت طاهرة لم يمسسها أي أحد سواه.
يستعد الوزير لاستقبال الملكة فيلبس أفضل ما لديه ويتعطر فزوجة سيده ستمضي الليلة بجانبه وعلى سريره.
تدخل الملكة مخدع الوزير وهي تحمل ستة كؤوس من الشراب ،كل كأس بلون وكل لون مغر أكثر من الآخر،تطلب منه أن يشرب كل واحد على حدة ويتلذذ بالنكهة بينما تروي له قصصاً وحكايات مختلفة،يبدأ الوزير بتقمص شخصية الملك بل يوقن أنه الملك ويشرب الكأس الأول يجده لذيذاً،يتناول الثاني والثالث ،تصر الملكة على أن يكمل الكؤوس الباقية فيتابع شربه مستغرباً تشابه الطعم رغم اختلاف اللون ،ولتبدأ الملكة حديثها بعد تأكدها من وصولها إلى غايتها وتخبره بأن النساء يختلفن كذلك والاختلاف بينهن لا يتعدى اللون والشكل،فيمنحها الوزير الأمان ويعدها بأن يكون لها أخاً لا يمسها بسوء،إلا أن الملكة تفاجئ الوزير مرة ثانية حين تحضر له ستة كؤوس أخرى ذات لون واحد وتطلب منه أن يشربها،يتناول الكأس الأول مستغرباً تصرفها ،يتمنى لو أنه لا ينتهي ،يتذوق الثاني فيجده ألذ وأشهى،الثالث حاد محبب،الرابع طعمه كريه ورائحته منفرة,أما الخامس فكان عادي النكهة،والسادس بنكهة غريبة لم يتذوقها في حياته لذيذ وحار حلو وفيه شيء من المرارة.
أنهى الوزير الكؤوس الستة مع شروق شمس الصباح ونظرات التعجب تملأ عينيه حين عاودت الملكة حديثها:
نحن النساء هكذا وإن تشابهنا باللون والشكل إلا أن لكل واحدة منا نكهة وميزة،وأنا لست كأي منهن ولا أقارن بإحداهن ،بل حتى فكرة المقارنة مرفوضة بالنسبة لي فأنا زوجة سيدك الملك وسأبقى زوجة الملك.
جمد الوزير في مكانه واشتعل الانفعال في داخله، لكن الليلة انتهت والرجل لا يتراجع عن وعد قطعه.