نهضة العرب مشكلة!

بقلم: أحمد حسن الزيات
...................................

نعم، كذلك قال السياسي الخطير ديجول، وقوله من وجهة نظره سديد معقول؛ فإن الجنرال يرى على ما يظهر أن العرب دواب سُخِّروا لنقل الأحمال وجرِّ الأثقال، أو هم على رأيه الأفضل عبيدٌ خٌلقوا للخدمة والاستغلال. ومتى عرف العبد أو الحيوان حقَّه وواجبه، فقد حطَّم راكبه، أو قتل صاحبه!
بهذا المنطق الفرنسي وحده تستطيع أن تعقل ما قال هذا الرجل. فإذا أكرهت منطق الناس، على تصحيح قوله بالقياس، فقد حمّلته ما لا يُطاق، وكلَّفته ما لا يُدرك! وأي عقل غير عقل الجنرال يُسيغ أن فرداً من نوع الإنسان يرى في نهضة أخيه الإنسان مشكلا تُعقد لحله المؤتمرات، وخطراً تُقام لصدِّه المعسكرات، وسبباً يختصم لأجله العالم بأسره؟!
لقد زعموا أن «الانتداب» رسالة الغرب إلى الشرق، فهو يحيل صحاريه فراديس، ويجعل أناسيَّه ملائكةً، فما بالهم إذن يتستّرون بالغيظ، ويتنمّرون بالعداوة، لأن العرب قد أدركوا أنهم ناس كسائر الناس، لهم وطن لا يشركون به، واستقلال لا يُساومون عليه، وسلطان لا ينزلون عنه؟! أليس ذلك لأنهم يرمون بنشر مدنيتهم إلى استعباد الجسوم، وبتعميمِ ثقافتهم إلى استرقاق الحلوم، وبفرضِ انتدابهم إلى امتلاكِ الأرض؟
***
أتدري من أسمح من ذلك العتل الغليظ الذي يُلقي بجسمه اللحيم الشحيم على صدر الفتاة الرشيقة في ملأ من الناس، ثم يفغر فاه الأبخر، ويصيح بمثل صوته الأصحل: أحبك فلا بد أن تحبيني، وأدعوك فلا مناص من أن تجيبيني؟ أسمج منه ذلك الطفيلي الرقيع الذي يقتحمُ عليك دارك ويقول لك: صادقْني لأنني أحبُّ طعامك، وضيِّفني لأنني أريد إكرامك، وعاهدْني لأكون سيدك وإمامك، وأطعني لأقوم في كل أمر مقامك، فإن أبيتَ أو تأبَّيت فالسيف، حتى تقول: أنا المضيف وأنت الضيف!
يا لكثافة الظل! أبهذه الرقاعة الثقيلة والفضول البغيض يطمعون أن يحملوا العرب في شمال أفريقية، وفي لبنان وسورية، على أن يأخذوا «الجنسية» ليعطوا الدين، ويُمنحوا الثقافة ليسلبوا العقل، ويدخلوا في التحالف ليخرجوا من الوطن؟!
يا لسخافة العقل! أبهذه النية المدخولة والكلام المزوّر يُخادعون خمسين مليوناً من العرب تثور في دمائهم أربعة عشر قرنا من التاريخ المجيد الحافل بالنبوة الهادية، والخلافة العادلة، والفتوح المحرِّرة، والقيام على ملك الله بالعمارة والعدل، والمحافظة على تراث الفكر بالزيادة والنقل؟
إن العرب بعد اليوم لن يُخدعوا، وإن أبناء الفاتحين لغير الله لن يخضعوا، وإن «جامعة الدول العربية» لهي الظاهرة الأولى لفورة الدم وثورة التاريخ؛ فليتدبَّر ذلك القائمون على إقرار السلم، والموقعون على ميثاق السلامة!
ــــــــــــــ
* أحمد حسن الزيات: وحي الرسالة، ط10، دار الثقافة، بيروت 1405هـ-1985م، ج3، ص220، 221.