[align=center:69c0e75714]بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين امام البلغاء سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين

موضوع الفاصلة القرآنية من حيث المعنى للأستاذ الدكتور فاضل صالح السامرائي استاذ الآدب في كلية اللغة العربية في جامعة الشارقة[/align:69c0e75714]


لا يراد بالفاصلة القرآنية مراعاة الحروف وإنما يراد المعنى قبل ذلك ويلتقي الحرف بالمشابهة اللفظية مع المعنى. وأحياناً لا يراعي القرآن الكريم الفاصلة بل قد تأتي مغايرة عن غيرها وهذا دليل عاى أن المقصود بالدرجة الأولى هو المعنى.

في سورة طه مثلا: تأتي الآية (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ {78}) مغايرة للفاصلة القرآنية في باقي آيات السورة (تزكى، يخشى، هدى) لأن المقصود الأول هو المعنى. وكذلك في سورة الأنبياء الآية (قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ {66}) مغايرة لباقي آيات السورة (يشهدون، ينطقون، تعقلون) وليس لها ارتباط بما قبلها وبعدها.

ومثال آخر في سورة الإنشقاق الآية (إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ {14}) فلو قال (يحورا) لتغيّر المعنى وفي هذا دلالة على أن القرآن يراعي المعنى قبل مراعاة الناحية اللفظية.

في أول سورة الأحزاب (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً {3} مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ {4} ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً {5}) جاءت كلمة السبيل في آخر الآية 4 بينما جاء ما قبلها وبعدها بالألف، وفي أواخر سورة الأحزاب (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا {66} وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا {67}) جاءت كلمة السبيلا بالألف، والكلام في هذه الآيات عن هؤلاء في النار ويمدون أصواتهم في النار والرسولا بالألف هو صوت الباكي أما في أول السورة فبليس هناك عذاب فجاءت على حالها (السبيل) وليست السبيلا، تصور الحالة الطبيعية من اصطراخ فجاءت الألف تعبيراً عن حالهم وهم يصطرخون في النار في كلمة (الرسولا) في أواخر السورة.

مثال آخر:

(وتظنون بالله الظنونا) تسمى الألف في النحو (ألف الإطلاق) كلمة ظنون إذا انتهت بساكن يسمى مقيّد. الظنونا كثير ومتشعبة واختلفوا وتشابكوا فاختلفت الظنون ولذا جاءت بالإطلاق (الظنونا) وجب استخدام الألف لإطلاق الظنون.

مثال آخر:

في سورة الحاقّة (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ {19}) من الناحية اللغوية هناك قاعدة التي فيها ياء المتكلم يجوز فيها الفتح والسكون (كتابي وكتابيه) من سكّن الياء يقول (كتابي) ومن فتح الياء يقول (كتابيه).

الفاصلة القرآنية من حيث المعنى (ماليه، حسابيه، كتابيه، سلطانيه) لماذا جاءت الهاء ؟ هذا الكلام يقال في يوم الحشر وهو يوم ثقيل كما أخبرنا سبحانه وتعالى ووصفه بيوم عسير وأنه عبوس قمطرير والناس في ذلك اليوم يبقون خمسين ألف سنة في هذه الشدة حتى يفزعون إلى ألنبياء. والهاء أشبه بالنهاة (المتعبين) تصور المشهد الذي هم فيه جميعاً من تعب وعناء فاختارها سبحانه لمراعاة الموقف الذي هم فيه كما اختار الألف في البكاء سابقاً. إذن استخدام حرف الهاء في فواصل هذه السورة يدل على التعب والعناء والألم والهاء مأخوذة من الآه.

الفاصلة القرآنية من حيث المحور النفسي: قال تعالى (وأضل فرعون قومه وما هدى) سورة طه. قال النحاة أنها جاءت مراعاة للفاصلة، ولكن كان من الممكن قول (وما هداهم) لكن فرعون أضلّ قومه لأنه غيّبهم في البحر إذن هو أضلهم وما هداهم. (وما هداهم) تحتمل أن يكون قد هدى غيره قومه أما (ما هدى) ففيه إطلاق نفي الهداية بمعنى أنه لم يهدي قومه ولا غيرهم ولم يكن أبداً سبباً في هداية أحد. ولذا جاء اختيار الكلمة المناسبة للآية بدون مراعاة الفاصلة في باقي آيات السورة لأن المعنى أهم ويُقدّم على الفاصلة.

مثال آخر في سورة الضحى: (ما ودّعك ربك وما قلى): نفى تعالى في هذه الآية شيئين: نفي التوديع وهو لا يكون إلا بين الأحباب والأصحاب، ونفى القلى الذي لا يكون إلا للمتباغضين. وقد يسأل البعض لم لم يقل تعالى (وما قلاك) كما قال (ما ودعك) والحقيقة أنه في الأمر المحبوب نفى الله تعالى بقوله (ما ودعك) باستخدام ضمير المخاطب لأنه الرسول r وفيه تكريم له بذكر حرف المخاطب أما في قوله (وما قلى) فلا يصح استخدام (قلى) بين المحبين وقد كرّم تعالى رسوله r عن أن يكون من المبغوضين فلم يقل (وما قلاك) حتى لا يكون الخطاب مباشرة للرسول r من ربه الذي يحبه ولا يقليه واستخدام قعل قلى لا يليق أن ]ثنسب للرسول r. فجاء التكريم في هذه الآية من الله تعالى لرسوله في ذكر المفعول به بـ (ما ودعك) وتكريم بعدم ذكره بـ (ما قلى) فكرّمه بالذكر وبالحذف.

كذلك في سورة المدثّر لا يمكن أن تكون الفاصلة منفصلة عن المعنى فلو اقتضى المعنى ترك الفاصلة تركها فالمعنى يأتي أولاً في عموم القرآن وتلتقي الفاصلة مع المعنى.

وقد تكون الفاصلة والمعنى غير منتهي. ليست الفواصل هي دائماً تامة المعنى فقد تكون متعلقة بما قبلها أوما بعدها. كما في قوله تعالى في سورة العلق (أرأيت الذي ينهى * عبداً إذا صلّى) وقله تعالى في سورة الرحمن (مدهامّتان) الآيات ليسيت وحدات مستقلة المعنى قد تكون تامة وقد تكون متعلقة بما قبلها أو بعدها.

في سورة طه الآية (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى {70}) وفي سورة الشعراء الآية (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ {48}) لماذا التقديم والتأخير وهل هو للفاصلة القرآنية؟

تكرر ذكر هارون كثيراً في سورة طه (أربع مرات)، والخطاب موجه إلى موسى وهارون دائماً إذن القصة في سورة طه مبنية على الثنائية، وفي سورة طه أيضاً أدرك موسى الضعف البشري كما أدرك أبو البشر آدم u (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى {67}) ولم يذكر الخيفة لهارون أما في سورة الشعراء فقد ورد ذكر هارون مرتين فقط والخطاب في السورة كان موجهاً إلى موسى وحده في كل السورة فهي مبنية على الوحدة في الغالب وقد أورد تعالى في سورة الشعراء عناصر القوة في موسى ولم يذكر عناصر الضعف ولهذا السبب اختلف السايق واقتضى التقديم والتأخير كما جاء في آيات كل من السورتين. وهناك أمر آخر في سورة طه (طه) فيها حرف من حروف هارون وليس فيها حرف من حروف موسى (وكل سورة تبدأ بالطاء تحوي قصة موسىu) أما سورة الشعراء (طسم) ففيها حرفين من حروف موسى وليس فيها حرف من حروف هارون.

مثال آخر في سورة الكهف:

ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (شيئاً إمرا) و(شيئاً نُكرا) في سورة الكهف؟

قال تعالى على لسان موسى للرجل الصالح عندما خرق السفينة (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)) وقال تعالى عندما قتل الرجل الصالح الغلام (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)).

فوصف خرق السفينة بأنه شيء إمر ووصف قتل الغلام بأنه شيء نُكر وذلك أن خرق السفينة ونزع لوح خشب منها دون قتل الغلام شناعة فإنه إنما خرق السفينة لتبقى لمالكيها وهذا لا يبلغ مبلغ قتل الغلام بغير سبب ظاهر. والإمر دون النُكر فوضع التعبير في كل موضع بما يناسب كل فعل. وعن قتادة: النُكر أشدّ من الإمر. فجاء كل على ما يلائم ولم يكن ليحسن مجيء أحد الوصفين في موضع الآخر