الرد على الموضوع
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2
النتائج 13 إلى 22 من 22

الموضوع: نص مجموعة «مجنون أحلام» لحسين علي محمد

  1. #13 رد: نص مجموعة «مجنون أحلام» لحسين علي مح 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    *في المدى قنديل يضيء*
    .....................................

    (1)
    ها نحن جميعاً قدْ خرجنا من سجون السلطة، وتبوّأنا المناصب، وكان الوقوفُ خلفَ الحكم الوطني وتأييده مدخلاً لنا .. في المشاركة في حكم ثوري حلمنا به منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية، بل منذ ثورة 1919.
    صار أحدُنا رئيساً لقطاع السينما، وصار الثاني مشرفاً على هيئة المسرح، وثالث رئيساً لمجلس إدارة إحدى الصحف، وهاأنا قد صرتُ مديراً للرقابة على المسرح.
    أنا واحد منهم ومعهم، فلماذا يتهمونني بالتحمس لنص «الأستاذ وتلميذه» .. الذي كتبه رفيقنا القديم حسام منير الذي أخذ بأيدينا جميعاً إلى دروب النضال، وعلمنا كيف نحلم بالتقدم، والغد؟! .. لكنه بعد قضاء عدة سنوات بالسجن، ترك القاهرة وعاد إلى طنطا، ليُدير مدرسة إعدادية، وهو على مشارف الخامسة والخمسين، يعيش وحيداً دون زوجة أو ولد، فقد ماتت زوجته وهو في السجن، ومات ابنهما الوحيد من عدة أعوام تحت عجلات سيارة طائشة!! .. موت أقرب إلى الاغتيال.
    اختار أن يكون قنديلاً بعيداً يُضيء درباً ما من دروب الوطن الرحب، والمُترامي الأطراف.
    يقول عنه أحباؤه وعارفوه إنه شمس ٌ تُضيء المدى، في تجرد وإخلاص نادرين.
    (2)
    قدّم حسام منير نصه المسرحي منذ ثلاثة شهور، ووضع له عنواناً صارخاً «لماذا انهزمنا؟»، فاقترحتُ عليه أن يعدِّله، فكتب فوقه بالقلم الجاف «الأستاذ وتلميذه».
    قالت لي جميلة عودة:
    ـ لماذا لا يريدون عرض هذا النص المسرحي الجميل، الذي قرأته في جلسة واحدة، فرأيته يضع يديه على الجرح الذي سالت منه دماء غزيرة؟
    فصمتُّ!
    أضافت:
    ـ .. لعل السبب أنه مازال مُحافظاً على انتمائه الحزبي، لذلك الحزب السري، ولم ينضم معنا ـ أو مع قوافل المنضمين ـ للاتحاد الاشتراكي.
    وخرجت إلى مكتبها لتُجري مهاتفة.
    .. لم تعرف المسكينة أنه ترك الحزب الشيوعي، وفارقه للأبد!!
    قال لنا الأستاذ حسام منير حينما سألناه بعد الخروج من السجن من ثلاثة أعوام:
    ـ لماذا لا تجيء معنا إلى الاتحاد الاشتراكي؟
    ـ أنا سأعود إلى طنطا لأربي أجيالاً مؤمنةً تصنع الغد، وأقرأ التاريخ الذي هو حبي ومهنتي.
    ـ والعمل السري؟
    ـ كفرتُ به بعد أن رأيت من تاجروا به يصلون إلى المناصب، ويتمسكون بها كأنها غاية المراد من أحلام العباد.
    ـ وما رأيك في الانضمام إلى حزب عبد الناصر؟
    ـ تقصدون الاتحاد الاشتراكي؟
    ـ وهل هناك غيره؟!
    يرجع برأسه إلى الوراء، ويضحك ضحكة مشروخة، ويضرب يده اليمنى باليسرى لتُحدث فرقعة صاخبة:
    ـ إنه لا حزب ولا يحزنون.
    ويُضيف مكتئباً:
    ـ إنه شيء .. بلا لون ولا طعم ولا رائحة!
    قلت مبتسماً، وأنا أضع فمي على أذنه:
    ـ هل ستكوِّن خلايا شيوعية جديدة؟
    انتفض كمن به مس:
    ـ لم أعدْ شيوعيا يا أستاذ!
    فاجأتني لهجته، فتلفتُّ حولي، وقلتُ له:
    ـ اطمئن .. لم يسمعنا أحد!
    قال مبتسماً:
    ـ يا أستاذ أنا لم أعد شيوعيا!
    قلتُ له:
    ـ هل أثَّر فيك الإخوان في المعتقل؟
    ـ لستُ منهم، لكنهم ـ كثَّر الله خيرهم ـ أوقدوا فيَّ شمعة الإيمان من جديد! .. وأعادوا لي الأمل في الحياة في ظلال العقيدة!
    (3)
    هانحن ـ في منتصف أبريل 68 ـ نجتمع لقراءة نصه الذي يبدو عند البعض مُلغزاً ومثيراً، بعد هزيمة يونيو القاتلة، و«بيان مارس» الذي أذاعه عبد الناصر، وخطط فيه بجرأة وطموح للمستقبل.
    أقول: فلنبْدأ به .. بإبداء المُلاحظات على النص، أو تلقي آراء من طالعوه.
    لكنهم يضحكون، ولا يريدون أن نقرأ شيئاً، ويقترحون الرفض، وبلا سبب!
    الرفض بدون قراءة لنص أستاذهم الذي علمهم كيف ينظرون إلى الغد؟ .. لماذا؟
    لأنه رفض أن ينضم إلى الجوقة؟!
    أم لعودته إلى الدين؟
    ...
    النص يدور حول ثوريين قديميْن، يتاجران بهموم الناس، ويلوكان كلمة «الاشتراكية» بإدمان غريب، ويبيعان الكلام في سوق أشبه ما تكون بسوق نخاسة عصريٍّ!
    لماذا يخاف من النص الرفاق السابقون الذين يتربّعون على قمة هرم السلطة؟! ويتعاونون ـ أو هكذا يقولون ـ مع أركان نظامٍ يُحاولون ابتلاعه إذا وجدوا الفرصة الملائمة لذلك .. والنظام يستعصي على مُحاولاتهم!!!
    ظل النظامُ قادراً على الانتماء لتراب هذه الأرض.. وحتى وهو يترنَّح بعد الهزيمة، لم ينس أن الرفاق انضموا إليه بصعوبة، وكانوا يؤثرون أن ينضموا إليه كمنظمات لا أفراد!
    هل النصُّ يفضح هؤلاء حقيقة كما قالت لي أمس جميلة عودة رئيسة لجنة القراءة ومساعدتي (مساعدة مدير الرقابة)؟!
    يضحك الناقد الجامعي البدين (الدكتور سعد زهران)، القارئُ المتعاون، الذي كان رفيقاً لنا من قبل. وهاهو في رجعيته المقيتة يدَّعي أنه يُحافظ على أخلاق الشعب من الانهيار الذي ستأتي به مسرحية، بطلها رجلان ينهبان الشعب ويتشدقان بالكلمات الكبيرة التي لا تُشبع جائعاً، ولا تُشارك في صدِّ هجوم الصهاينة الذين يستحمون الآن في قناة السويس!
    .. متى كانت لك أخلاق يا وغْد؟!!
    وهل ترفض نص الأستاذ حسام منير لأنه يفضح أمثالك من المتسلقين، الذين لا يُبصرون إلى مدى أكثر من رغباتهم الشخصية؟
    يقول:
    ـ كان من الأفضل أن يجعل في المسرحية بطلةً من الطبقة الكادحة .. تغسل في البيوت حتى تربي أولادها، ومخدومها (أو أستاذها) يريد الزواج منها، لأنه معجب بكفاحها!
    أو يكتب عن عامل أو فلاح ابنه يُقاتل على الجبهة.
    قلتُ في لومٍ لهم:
    ـ اكتبوا أنتم هذا النص .. أو هذه النصوص لنقدمها على مسرح الدولة .. نحن تقرأ نصوصاً ولا نقترح موضوعات!
    تخرج جميلة عودة .. وينفضُّ الرفاق مصرين على الرفض دون قراءة، ويبقى صبري جميل وسعد رمضان.
    صبري يغني لرمضان أغنيته المفضلة:
    ـ ماذا يشغلك الآن يا سعد؟!!
    ـ لا شيء!
    ـ كنتُ أريد أن أسألك ..
    ـ تفضل ..
    يسأل في صوت هادئ، كمن يُحدث نفسه:
    ـ ماذا يريدُ أن يقول صراحةً هذا النصُّ الذي رفضناه؟
    ينفعل سعد رمضان، ويندفع خارجاً من الباب:
    ـ إنه يفضحنا يا صبري .. ولذا كان لا بد من رفضه.
    .. وصبري يسألني غير مصدق:
    ـ هل يقول ذلك حقيقة؟
    أجبتُ، وأنا أحاول أن أخفي غضبي:
    ـ لا أدري؟ ..
    قال في ود حقيقي:
    ـ عمّ يتكلم إذن؟
    ـ إنه يرينا أستاذاً وتلميذه وهما يتكلمان ويتكلمان ويتكلمانِ .. دون أن يفعلا أي شيء .. أي شيء .. أو أي فعل حقيقي؟
    قال صبري ضاحكاً:
    ـ وما الضرر في كلامهما؟ .. لقد تكلمتُ أنا أيضاً مع الأستاذ حسام منير من يومين هاتفيا، وطلبت منه أن يعود إلى القاهرة، وطلبتُ منه أن يتزوّج شغّالة مسكينة تعمل عند جاري، بدلاً من أن يُضيع حياته في طنطا، يُعلِّم الأطفال! .. وضحكنا وتبادلْنا كثيراً من النكات!!
    .. ويقلب صفحات النص ـ دون قراءة ـ ويقول في اشمئزاز ظاهر:
    ـ مسكين!! .. سيضيع عمره في الكلام .. أضاع معظمه في الحديث والتبشير بالشيوعية .. وسيُضيع القليل الباقي في ذمِّها، وهو يُحاول أن يُخرجُ أفضل ما نسمعُ من كلماتٍ ثوريّةٍ؟!!
    قام في تثاقل يستأذن:
    ـ أنا أقسم لك أنني لم أره منذ إغلاق خليج العقبة قبل حرب الأيام الستة، منذ أحد عشر شهراً تقريباً، وهو ـ كما يبدو ـ مكتئب .. لماذا يكتب إذن إذا كانت كلماته تشبه الطعنة فينا أو تُشبه شهادة الزور ونحن تلاميذه؟!
    قلتُ معترضاً:
    ـ أولاً أنت لم تقرأ النص لتحكم عليه، وثانياً: ألم تقل من دقيقة واحدة إنه كان يتبادل النكات معك أمس؟
    قال وكأنه بوغت:
    ـ أنا الذي كنتُ أقول النكات في الهاتف، وكان يُشاركني الضحك أو التعليق.
    قلتُ له وأنا أشعر بغثيان:
    ـ لماذا تخافون من النص وصاحبه قد ترك القاهرة لكم، وذهب إلى موطنه في طنطا، وترك لكم الجمل بما حمل؟!
    .. ولم يُجب!!
    .. استأذنتُ منه، وأغلقتُ النص المسرحي، وغادرتُ قاعة الاجتماع التي كانت تفوح منها رائحةُ اغتيالٍ خبيثة!!

    ديرب نجم 20/8/2000م
    رد مع اقتباس  
     

  2. #14 رد: نص مجموعة «مجنون أحلام» لحسين علي مح 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    *ومضة الرحيل*
    .......................

    هند ـ صاحبة البيت ـ أرملة جميلة، بيضاء، في الثامنة والأربعين.
    وفريد ـ حاصل على مؤهل عال في الإعلام ـ يبحث عن عمل، ويُراوده أمل!
    حينما وقفا ـ عاريين، الرجل العزب والمرأة الجميلة الممتلئة ـ وحيديْن، في حضرة الراعي، بعدما دقّت أجراس الفضيحة .. تضاحك الرجال والنساء.
    الرجال الذين قالوا إنهم يمشون على الصراط المستقيم، وتشبث كل منهم بمسبحته، كأنه ستشهد على طهارته.
    والنساء اللاتي لم يضحكن ضحكة بريئة أبداً.
    كان فريد وهند يلعقان جراحهما،
    ويشهدان أنهما خاطئان،
    وأن خطيئتهما تُفسد مياه نهر النيل.
    ...
    أشار الراعي بذراعه، فانطلق الأطفال ـ الذين لم يُخطئوا أبداً ـ يقذفونهما بقطع الحجارة الصغيرة.
    كان المشهد بعد صلاة المغرب، ولكن الأفق لم يُظلم!
    كانا يريان شموساً صغيرة تجتهد أن تضيء
    وكان زورق هند وفريد الهادر بالخطيئة ـ بعد قلق ثلاثة أشهر وعواصف أربعة عشر يوماً وضياع تسع ساعات وجحيم خمس وأربعين دقيقة .. يرسو أخيراً ـ بعد حكم القاضي ـ ..
    على شطآن السكينة،
    والإيمان،
    والموت الطاهر الذي يعني الحياة!
    وأومض السيف فرأيا عصافير صغيرة تحط فوق رأسيهما، وسمعا صوت أناشيد بعيدة ترحب بالملكيْن الطاهريْن.

    ديرب نجم 21/8/2003م
    رد مع اقتباس  
     

  3. #15 رد: نص مجموعة «مجنون أحلام» لحسين علي مح 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    *النظر إلى الخلف*
    ...........................

    كان مرتدياً جلبابه الفلاحي المتسع، في ذلك الصباح الشتوي من يناير، واضعاً يديْه خلف ظهره .. يمشي مشية متئدة حتى لا يظهر العرج الخفيف الذي أصاب خُطاه بفعل داء «النقرس» اللعين، تصحبه زوجته وقد هبطا درج العمارة الكبيرة حيث زارا ابنهما الوحيد المهندس «طلحة» لتهنئته بافتتاح مكتبه الهندسي، الذي افتتحه بعد عودته من ألمانيا حاصلاً على الدكتوراه في الهندسة. ذلك المكتب الذي يعمل فيه معه مهندس ومهندسة وأستاذ استشاري كبير.
    توقفت زوجته «الدكتورة منى» ـ الأستاذة بكلية الزراعة، والمعروفة في المنطقة ـ عن المشي لتكلم سيدة استوقفتها. يبدو أنها تُريد مساعدتها في شيء، أو تسألها عن نتيجة ابنها أو ابنتها في الفصل الدراسي الأول.
    قلل خطواته لتلحق به زوجته دون مشقة، بعد أن تنتهي من أمر هذه السيدة.
    الزقازيق التي كانت تبدو كقرية كبيرة أيام أن كان طالباً بالمرحلة الثانوية في منتصف الستينيات .. ها هي تتسع وتتسع في السنوات العشر الأخيرة التي ترك فيها جامعته مستقيلاً، وذهب إلى الإمارات ليتخفف من الصراعات والمشاكل التي كابدها في جامعته التي أسسها.
    سمع صوت السيدة التي استوقفت زوجته يأتي من الخلف:
    ـ الدكتور محمود الأنصاري؟
    رد في تلقائية، دون أن يترك لزوجته فرصة الرد:
    ـ نعم يا أفندم، محمود الأنصاري.
    نظر، وجد امرأة سمراء عجفاء تُقارب الخامسة والخمسين. ظنها لأول وهلة سائلة، فأدخل يده في جيبه ليُخرج صدقة تليق به، ليُعطيها .. ضحكت:
    ـ أنا سميرة عاكف.
    أخرج يده من جيبه بسرعة، وضرب جبهته كأنه يوقظ ذكريات مر عليها أكثر من ثلاثين سنة.
    ـ ياه .. ليس معقولاً؟
    صافحها بحرارة، وهو يقول لزوجته:
    ـ كانت سميرة زميلتي في كلية الاقتصاد من ثلاثين سنة. كانت مع أول دفعة التحق بها أبناء الفلاحين بعد هزيمة 67.
    وقال وهو يؤكد على كلماته:
    ـ لكنها ليست فلاحة! فأبوها كان مدير أمن الشرقية الأسبق.
    ضحكت سميرة، فأنارت ضحكتها وجهها الأسمر، وهي تقول في حرج:
    ـ مازلت تتذكر؟
    كاد أن يكمل «كان نفسي أشوفك يا سميرة من زمان» .. ولكنه كتمها في فمه!
    ومر في فكره أنه توجه إليها خاطباً بعد التخرج، ولكن والدها لواء الشرطة (اللواء محسن عاكف) أوصد الباب في وجه ابن الفلاح الصغير.
    قال لها مبتسماً ابتسامةً عريضة اعتاد أن يراها من يعرفه كلما تحدّث:
    ـ إلى أين أنت متجهة؟
    أشارت إلى الطابق الرابع من العمارة التي هبط منها:
    ـ طالعة لرؤية ابنتي المهندسة «شيرين» التي تعمل في «مكتب طلحة للاستشارات الهندسية».
    صافحها متعجلاً، ولم يسأل زوجته إذا كانت تعرف سميرة أم لا؟
    ووجد ريقه يجف، فلم يسأل سميرة:
    ـ أتعرفين أن طلحة ابني؟.
    مشى عدة خطوات، ووجد زوجته مشغولة بتصفح واجهات المحلات، فنظر إلى الخلف خلسةً، ووجد سميرة أيضاً تنظر خلفها!

    الرياض 5/3/2004م
    رد مع اقتباس  
     

  4. #16 رد: نص مجموعة «مجنون أحلام» لحسين علي مح 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    *بلا دموع ...!*
    ...................

    دعا حسام الله أن تكون خطيبته هند مع أمها فقط في البيت، وأن يكون أخوها عمر مدرس الفيزياء في مدرسة القرية الثانوية ـ الذي يكبرها بعامين قد ذهب لحصة دروس خصوصية صيفية، وتمنى أن تفتح هي الباب، حتى ينعم بنظرتها التي يُحب أن يراها دائماً.
    أما والدها المهندس عثمان فهو متأكد أنه لن يراه، فهو يعمل في شركة بترول بالصحراء الشرقية، ولا يعود إلا كل شهر مرة ليُمضي مع أسرته عشرة أيام، وهو قد سافر منذ عشرة أيام لا غير.
    لكن الله لم يستجب دعاءه، فقد فتحت له الحاجة عنايات (أو أم عمر) الموجهة المالية والإدارية بإدارة الزقازيق التعليمية.
    ***
    قدّمت أم عمر الشاي لحسام وابن خالته صدقي ـ وهو محاسب بإدارة المنصورة الهندسية، وأشيب، وفي الخامسة والأربعين ـ ولاحظ حسام أن أم عمر متوترة، وأن بريق دمعتين منطفئتين في عينيها.
    قال:
    ـ أين هند؟
    ـ في الإسكندرية.
    ـ لماذا سافرت وحدها؟ .. اعتادت ألا تسافر إلا معي أو مع الأستاذ عمر.
    قالت أم عمر في آلية:
    ـ الإسكندرية قريبة.
    بلع ريقه في صعوبة:
    ـ ومتى ستعود إن شاء الله؟
    ـ قبل نهاية الإجازة بأسبوع.
    نحن في أول الإجازة .. فهل ستُمضي شهريْن عند خالها في الإسكندرية؟ .. وكيف سيقضي هو هذه الفترة العصيبة؟
    ***
    دخلت أم عمر إلى الحجرة المُجاورة، وعادت وهي تحمل حقيبة يد سمراء كم رأى هند وهي تحملها في كتفها، وكم وضع لها بعض الورود فيها، وهما يمشيان معاً في الزقازيق.
    خطبها منذ عام، وقدّم شبكة متواضعة من دبلتين: ذهبية لها وفضية له، وابتدأ يجمع القرش إلى القرش حتى يُؤثث شقته المتواضعة ـ التي تتكوّن من حجرتين ـ في الزقازيق.
    كانت هند غير راضية بها، لكنها تعرف أن العين بصيرة واليد قصيرة وسيستأجران ـ فيما بعد ـ شقة أخرى تكون أوسع من تلك التي كجحر الثعلب، ولا تزيد عن سبعين متراً.
    حسام وهند من قرية لا تبعد كثيراً عن الزقازيق، كانا في مدرسة واحدة منذ المرحلة الابتدائية، فالإعدادية، فالثانوية. وكانا يتنافسان دائماً على المركز الأول. والتحقا بكلية التجارة، وهاهما قد تعيّنا معيديْن منذ ثلاثة أعوام.
    كانت حكاية حبهما على كل لسان منذ نهاية المرحلة الثانوية.
    ***
    جلست أم عمر على الكنبة، ووضعت الحقيبة بجانبها.
    قال حسام:
    ـ لم تقل لي هند أنها ستُسافر لزيارة خالها الباشمهندس محمود في الصيف.
    جو القرية خانق .. يحس برائحة خانقة .. لعلها رائحة يد حلة محروقة، تختلط برائحة سمك نفّاذة .. يبدو أنها منبعثة من البيت المواجه الذي يبعد ثلاثة أمتار فقط عن الحجرة التي يجلسون فيها.
    قال صدقي لحسام وهو يميل على أذنه:
    ـ عجِّل .. أحس برائحة غير طيبة تملأ المكان!
    يبدو أن أم عمر قد سمعت المُلاحظة، فبدا على وجهها ما يشير إلى الامتعاض.
    قال حسام:
    ـ ولماذا لم تقض الصيف هنا؟
    قالت أم عمر:
    ـ ابن خالتها الدكتور محسن عاد من أمريكا .. وذهبت لتسلم عليه .. وأنت تعلم أن شقة الدكتور محسن تُواجه شقة خالها محمود.
    كان محسن يكبره بأربعة أعوام تقريباً، وكان الأول على مدرسة القرية دائماَ.
    تذكَّر أنه حينما توجه لخطبتها منذ عام سمع من أحد فلاحي القرية أن هنداً على علاقة بمحسن ابن خالتها.
    قال ـ وهو يبلع ريقه بصعوبة ـ ولا يكاد هو نفسه يسمع صوته:
    ـ لقد عاد من أمريكا بسرعة!
    قال صدقي وهو يبتسم:
    ـ بل الأيام هي التي تجري بسرعة!
    قالت أم عمر وهي تؤكد على حروف كل كلمة، وتهش بيدها اليسرى ذبابة تُصر أن تقف على أنفها:
    ـ نال الدكتوراه في زمن قياسي.
    رأته ينظر في الأرض ويفرك أصابعه، فأضافت:
    ـ حصل على الشهادة في عامين ونصف، وكانت جامعة الإسكندرية قد أوفدته في بعثة لخمسة أعوام.
    سأل صدقي الذي يُقيم في المنصورة من خمسة وعشرين عاماً ـ وهو من جيل أم عمر، ولا يعرف معظم أبناء القرية:
    ـ الدكتوراه في الطب؟
    قالت الموجهة المالية:
    ـ لا .. في علم الاجتماع السياسي.
    ***
    تذكر حسام أن هنداً في لقاءاتهما الأخيرة كانت تكلمه عن ابن خالتها «محسن» كثيراً، وأنها كفَّت عن غناء أغنية أم كلثوم الأثيرة «الأطلال» التي كانت تغني مقاطع منها كلما تُقابله في حديقة الجامعة، وتشتبك أيديهما معاً.
    رفع حسام كوب الشاي فوجده بارداً، وكان ابن خالته «صدقي» قد انتهى من كوبه.
    قال للسيدة أم عمر وهو يهم بالقيام:
    ـ لقد تأخَّرنا .. تُصبحين على خير .. سلمي لي على الأستاذ عمر حينما يجيء.
    قالت في آلية:
    ـ سيأتي بعد قليل .. ألا تنتظره؟
    ـ الوقت متأخر كثيراً ..
    وأضاف وكأنه يتخلص من الكلمات:
    ـ سأراه في زيارة تالية إن شاء الله.
    مدَّ يده ليسلم عليها، ولكنها كانت مشغولة بفتح الحقيبة السوداء، التي أخرجت منها علبة قطيفة حمراء .. علبة لا يجهلها، وفتحتها قليلاً فرأى دبلته لهند.
    أغلقت العلبة، ووضعتها في ظرف أبيض، وقالت ـ وكأنها تؤدي مهمة رسمية ـ بلا مشاعر:
    ـ هذه رسالة من هند لك.
    أغمض «صدقي» عينيه وتحرك خطوتين إلى الأمام ليُغادر الحجرة، ولم يسألها «حسام» ماذا في هذه الرسالة؟ ومدَّ يده أمام أم عمر ليخلع دبلته الفضية، ويضعها في الظرف نفسه، ويُمرر لسانه على حافة الظرف ليلصقه بهدوء، ويضعه في جيب بنطلونه الخلفي .. بلا دموع!

    ديرب نجم 17/8/2003م
    رد مع اقتباس  
     

  5. #17 رد: نص مجموعة «مجنون أحلام» لحسين علي مح 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    *تلك الليلة*
    .................

    1-الزعماء يغيرون الجغرافيا:
    هربْتُ من السجن، حينما عبرتُ النفق الذي يمتد أربعة عشر متراً تحت الأسوار.
    تخيّلتُ صديقي الناصري صبري عبده حينما يصحو ويكتشف هروبي، فيصرخ في أقرب جارٍ له في السجن:
    ـ عثمان خائب وغرير .. لماذا هرب؟ .. سيجيئون به من تحت الأرض .. ويعذبونه!!
    أتخيله يلحق بي، ويصرخ:
    ـ لماذا هربتَ من السجن؟
    ويحاول أن يشدني ليرجعني إلى السجن رأفةً بي وخوفاً عليَّ، فأوشك أن أفتك به.
    لكني على كل حال تركتُ الأسوار ورائي ... فلماذا أشغل نفسي به؟
    توقعتُ أن أُضرب بالرصاص ساعة الفرار .. يُطاردني جندي مع زملائي الثلاثة الفارين، ويطلب منا التوقف، فنجري، فيُطلق علينا النار.
    كيف ستستقبلني أمي؟ وهل ستكلمني كلامها المعهود .. لقد جاوزت الأربعين يا بني .. فمتى تُسعد قلبي ببنت الحلال؟ .. ثم تقصُّ لي ما جرى لأبناء القرية جميعاً في غيابي .. الذين تزوّجوا .. والذين ماتوا .. والذين سافروا للعمل في ليبيا والعراق.
    هل سأستطيع أن أمكث يوماً مع أمي التي شُغلت عنها في السنوات الخمس الأخيرة بالعمل مخرجاً مسرحيا في القاهرة؟.
    قال لي صبري عبده محذراً:
    ـ أنت واهم إذا ظننت أنك ستغير التاريخ.
    وضحك:
    ـ الزعماء وحدهم هم الذين يغيرون التاريخ والجغرافيا أيضا.
    وحين رآني مستغرباً:
    ـ حينما ينتصرون يغيرون التاريخ، وحينما يتركون أرضهم لأعدائهم كما فعل زعماء العرب في حرب 1967م، فهم يُغيرون الجغرافيا!
    كيف يكون ناصريا ويتكلّم عن زعيمه بمثل هذا الجنون؟!!
    بصقت بصقة كبيرة ناحيته، وأنا أقول في سري:
    ـ وغد، سافل.
    أضاف ضاحكاً:
    ـ لا تغضب يا سيدي! .. ليس زعيمنا وحده من غيّر الجغرافيا!
    وأضاف بلهجة ساخرة:
    ـ زعماء كثيرون فعلوا مثلما فعل زعيمك.
    وقال وكأنه يُغني سخريةً ومرارة:
    ـ يا قلب لا تحزن!

    2-التجربة الأولى:
    أصرَّ مساعدي محمد فهمي على أن يحذرني من مغبّة معارضة السادات في ذهابه للقدس، وقال لي:
    ـ إن شعبك ـ أيها الناصري الحالم ـ تعب من القتال والحرب، ويريد أن يعيش.
    قلتُ في قرف:
    ـ ولكن إسرائيل لن تتركنا!
    قال وهو يرتدي مسوح الحكمة:
    ـ ستعيش وحيداً.
    وأضاف:
    ـ اقرأ جيداً التاريخَ الذي يقول: إن أبا ذر قد لفظ الأنفاس وحيداً في الربذة.
    قلتُ ـ مُتغابياً عن مغزى كلماته ـ في قرف:
    ـ ما علاقةُ الصحابي الجليل بعالمنا الآسن؟!!
    وضحك:
    ـ كانتْ معهُ زوجُهُ.
    فقلتُ له وأنا أدير وجهي للناحية الأخرى:
    ـ أنا غير متزوج!
    ثم استدركتُ:
    ـ وأنت أيضاً ناصري .. لكن سلوى .. خنساء هذا العصر ـ أقصد خطيبتك الشاعرة الممثلة ـ ستُخالف التاريخ.
    فقال في لهجة تمثيلية:
    ـ لماذا يا سلوى جعلتِ أبا ذر يعودُ إلى مكة، ويُقابل السلطان ويقول له ما لا يُحب سماعه؟!!
    تحدّثتُ مع بطل مسرحية «ليلى والمجنون» ـ في استراحة من التجارب ـ وهو من المعجبين بالرئيس المؤمن، فقلتُ له: إن نص الخطاب الذي ألقاه السادات في القدس أكثرُ منْ رائع، لأنه يجعل أمريكا اللاعب الأول ـ الذي يملك كل أوراق اللعبة! ـ في المنطقة، ولا مانع من أن نحول هذا الخطاب إلى نص مسرحي يجعلُ مصر في صورة حسناء تُباع في سوق الرقيق بدولارات "مضروبة"؟!، فقال ضاحكاً:
    ـ ولماذا لا نبدأ تجارب إخراج هذا النص ـ بعد أن تستكمل كتابته ـ في القدس المحتلة، وفي عيد الأضحى القادم؟
    الوغد ..
    أخطأتُ في اختيار من أفضي إليه بخواطري ..

    3-صفحة من مذكراتي:
    22 ديسمبر 1977م:
    « قال لي صبري عبده:
    ـ لماذا لحقت بنا هنا؟
    ـ لأني فكرتُ في كتابة نص مستوحى من خطاب الرئيس المؤمن، وفكر سامح سري في أن أخرجه في القدس المحتلة.
    ضرب الباب بقبضة يده:
    ـ سامح سري مباحث! هل كنت تهذي؟ ..
    قلتُ في حزن:
    ـ لم أكن أعرف.
    صمتنا برهة، فأضاف:
    ـ والنص؟ .. هل كتبته؟
    ـ لا..
    وقلتُ وأنا أُبدي الفزع لأُريحه:
    ـ وهل يحاسبونني على نيتي؟!!
    لم يرد!
    ... وضحكنا ..
    ...
    يضحك صبري عبده ـ المسجون قبلنا من يناير 1977م، في أحداث الخبز ـ حينما يسمع قصيدة ـ مجهولة القائل ـ عن تحرير القدس، فتمتلئ عيناه بالدموع، ويقول:
    ـ القدس ثالث الحرمين، نحبها ونعتز بها، لكنها لن تعود إلينا أبداً.
    قلتُ:
    ـ ستعود .. بألف تأكيد.
    وأضفتُ:
    ـ لقد احتُلت من قبل في زمن الصليبيين، وأعادها صلاح الدين.
    قال ملحنا ما يقوله في حزن:
    ـ صلاح الدين لن يعود يا حبيبي، لأن الجالسين على الكراسي لن يتركوها!!
    قلتُ:
    ـ الشعوب ستجبرهم على ذلك؟ وستنضم إلى صلاحٍ، وتُحارب في صفوفه!
    قال وهو يدير وجهه للناحية الأخرى:
    ـ وحاميتهم أمريكا ـ التي تُمسك أوراق اللعبة كما يقول الرئيس المؤمن ـ أين ذهبت؟ ..
    وأجاب على سؤاله مقهقهاً في حزن جريح:
    ـ هل أكلتها القطة؟
    لعنتُ ـ في سري ـ صبري عبده ومن على شاكلته من الناصريين المثبطين، وثوار الزمن الأخير، الذين يُسجنون ويضيعون أعمارهم في السجن بلا قضية .. وبلا أُفق!
    وذكّرتني أقواله بقصيدة سمعتُها من يومين من شاعر مسجون آخر ـ يبدو أنه من فصيل ماركسي ـ وكنا نتكلم عن الزمن القادم الجميل، فأخرج من جيبه قصيدة يتحدث فيها عن صورة العالم الذي يريده بعد خروجه من السجن، يقول فيها:
    وأنا أيضاً
    أحلمُ بالزمنِ القادمٍ ..
    يبتلعُ الفقّاعات الطافيةَ على الوجهِ .. ونُصبحُ قممَ الأشياءْ
    سنصيرُ السادةْ
    سأصيرُ رئيساً عصريا
    يشربُ كأسَ الويسكي في الحانةْ
    ثمَّ يعودُ سريعاً ..
    ليُضاجعَ زوجَ رئيسِ الوزراءْ!!

    4-أصل القضية:
    مشيتُ بعد منتصف الليل على شاطئ الترعة التي أعرف أشجارها، والتي ستوصلني إلى قريتي حيث بيت أمي!
    لا أريد أن أتذكر تلك الليلة الأخرى السيئة .. ليلة القبض عليَّ.
    قال لي مساعد المخرج: سأتزوج سلوى الخميس القادم .. يا أستاذ .. سلوى .. شاعرة لا ممثلة! (ووجّه كلامه لها) لم تستطيعي أن تنجحي كممثلة في المسرحيات الست التي مثلتِها من قبل .. لم تعقب سلوى، وضحكت وهي تتذكر المسئول الكبير ـ المعجب بها والذي يُطاردها هاتفيا ـ والذي يجلس دائماً في الصف الأول .. ولا يُشاهد شيئاً من أدائها لأنه ينام ..
    وقلتُ ضاحكاً:
    ـ إذا تزوجتما .. فمن يمثل دورك في «ليلى والمجنون»؟!
    ضحكت ..
    وضحكنا .. وأغمضتُ عينيَّ لأفتحهما على ضابط وشرطيين .. يطلبان مني التوجه معهما إلى (لاظوغلي):
    ـ خير؟
    ـ سؤالان، وتعود إلى بروفاتك.
    ولم أذهب للاظوغلي للتحقيق، وإنما إلى السجن مباشرة .. السجن الذي فيه صديقي القديم، وزميلي في منظمة الشباب: صبري عبده .. لنتشاجر، ونضحك، ونحزن! .. ونقضي معاً ستة أشهر .. مليئة بالحوار، والشجن، والعذاب!

    4-لحظة الفاجعة:
    هاهي قريتي الغافية لا تصحو على وقع خطوات ابنها الذي لم يزرها منذ عامٍ ونصف تقريباً.
    رأيتُ أمي نائمة، لا تتحرك، ولا تفتح عينيها.
    بدأ الحلم ينحسر .. الخارج ليس أقل شراسةً من السجن.
    .. أخبرني أخي محمد أن أمي مصابة بجلطة منذ شهرين، وأنها لا تعي شيئاً ممّا يدورُ حولها، رغم عَرْضِها على أكثر من طبيب خاص .. فمستشفى القرية بدون طبيب! .. وأخبرني أن زوجته ماتت منذ عشرين يوماً ـ لماذا لم يصلني الخبر؟ .. هل كنتُ بعيداً جدا؟ .. وهل السجن ناءٍ إلى هذا الحد؟ .. هل كنتُ في واق الواق؟ ـ وأخبرني أن ابنته الوحيدة تعمل الآن مدرسة في سلطنة عمان منذ تزوّجت في أواخر الصيف الماضي.
    الساعة الرابعة صباحاً .. هل سأصلي الفجر في المسجد؟ .. أم أن الأفضل أن أُصلي في البيت حتى لا يراني أحد؟!!
    ...
    ...
    صافرة عربة الشرطة تقطع الصمت!
    .. لم أستمتع بهروبي ..
    يبدو أن أسوار السجن الكبير تمتد بعرض الوطن وطوله!!

    ديرب نجم 15/9/1983م
    رد مع اقتباس  
     

  6. #18 رد: نص مجموعة «مجنون أحلام» لحسين علي مح 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    *لن يُكلِّم نفسه في الشارع*
    ..........................................

    (1)
    الأربعاء 31 من مارس 2004م:
    دخلت مكتبة «جرير» أبحث عن بعض الكتب، لأستكمل بحثي الذي أعده لملتقى أدبي في الأردن يُعقد بعد شهرين.. ويُشارك فيه بعضُ أساتذة النقد الأدبي في جامعات عربية وأجنبية.
    لم أجد جديداً..
    هذه الكتب لديَّ في مكتبتي..
    فلأعد إلى البيت لأشاهد برنامج «بلا حدود»، .. حاولتُ أن أتذكّر اسم الضيف فلم أستطع!
    ....
    .. وأنا أُطالع واجهات المحلات في شارع «العليا» حيث أسكُن، وجدتُ أمامي «مكتب الزهراء للسفر والسياحة»، رأيْتُ موظفيْن يجلسان على مكتبين متجاوريْن: أحدهما سعودي والآخر مصري. اقتربتُ من المصري، وسألتُه:
    ـ هل هناك رحلات الليلة إلى جدة؟
    تحرّكت أصابعه على لوحة مفاتيح الحاسوب، وقال بعد أقل من دقيقة:
    ـ أربع رحلات.. الثامنة والنصف، والتاسعة والنصف، والحادية عشرة والنصف، والثانية صباحاً.
    نظرتُ في الساعة فوجدتُ أنها تقترب من الثامنة.. فقلتُ:
    ـ احجز لي في موعد التاسعة والنصف.. واجعل العودة بعد يومين.. بعد ظهر الجمعة.
    قال وكأنه يُخاطب نفسه:
    ـ الجمعة الثاني من أبريل؟ ..
    حدَّق في الحاسوب الذي أمامه، وضغطت أصابعه على لوحة المفاتيح .. صمت لحظة، ثم رفع رأسه إليَّ:
    ـ هناك موعدان .. الثانية والرابعة.
    قلتُ دون تردد:
    ـ الرابعة أفضل .. حتى نصلي الجمعة هناك، ونأخذ راحتنا!
    أخذتُ التذكرة، ونقدتُ الموظف 560 ريالاً قيمتها، واستوقفتُ سيارة أجرة لتعود بي إلى البيت لآخذ حقيبتي شبه الجاهزة للسفر، وفيها بذلة مكوية، وبعض الملابس الداخلية، ومجموعة محمد جبريل القصصية «سوق العيد» التي ظهرت منذ ثمانية أعوام، ولم أجد الفرصة لقراءتها.
    ركبتُ سيارة الأجرة.. أخرجتُ هاتفي الجوّال، فجاءني صوت هاشم من الطرف الآخر:
    ـ كيف حالك يا أبي؟
    ـ انتظرني في مطار الملك عبد العزيز في الحادية عشرة.
    قال وكأنه غير مصدق:
    ـ متى؟.. الليلة؟
    ـ الحادية عشرة الليلة يا هاشم.
    قال وهو يطير من الفرح:
    ـ ستجدني أنا و«شادية» في انتظارك.
    (2)
    في الطائرة جلستُ على المقعد 37 (a)، ووجدت المقعد الذي بجواري خالياً، فوضعتُ عليْه المجموعة القصصية التي في يدي.. قرأتُ عناوين صحيفة «الندوة» التي وزعتها علينا المضيفة:
    «العمالة الوافدة تُغطي شوارع مكة، وتُهجِّر ملايين الريالات للخارج .. المليك يدعم برنامج مكافحة الملاريا باليمن .. ضبط مزورين وشبكة تمرير مكالمات وأغذية فاسدة في مداهمة بالعاصمة المقدسة .. لماذا خسر الأهلي (السعودي) ثلاث نهائيات متوالية؟»..
    ...
    لا أدري كيف تعرّفتُ على الدكتور «ماهر رشاد»!
    تعرّفتُ عليه عام 1995م تقريباً.
    كنتُ قد أصدرتُ ديواني الخامس، وأراد نادي الرياض الأدبي أن يُقيم لمناقشته أمسية من تلك الأمسيات الأدبية التي يقيمها يوم الثلاثاء. حضر بعض النقاد السعوديين، ومن الأساتذة المصريين المقيمين في الرياض، حضر بعض أساتذة النقد الذين يُدرسون في جامعتي الإمام والملك سعود، وفي كلية المعلمين.
    كانت ندوة جميلة، ألقيتُ فيها خمس قصائد، وقدم أحد الأساتذة دراسة عن مفهوم التناص في شعري، وآخر عن الحوار ومغزاه في شعري، وكان من النتائج العجيبة التي توصّل إليها أن الحوار يكثر في شعري، لأني انطوائي منعزل، أقيم في الرياض (ومن قبل أقمتُ في طرابلس وصنعاء: في طرابلس سنة، وفي صنعاء أمضيْتُ فصْلاً دراسيا) بمفردي، بعيداً عن أسرتي!، قبل أن تموت المرحومة زوجتي! (ولم يستطع الدارس أن يربط بين الحوار في شعري ومسرحياتي الشعرية؛ حيث إن لي ثلاث مسرحيات شعرية، مُثِّلتْ إحداها على مسرح «الطليعة» بمصر، وهو مسرح تجريبي!!).
    يومها فرح بي الأساتذة المصريون: عبد الحميد إبراهيم، وحلمي القاعود، وصابر عبد الدايم، وحامد أبو أحمد، ومحمد علي داود، ويحبى عبد الدايم، وعبده زايد.
    اعتبرت هذه الأمسية احتفالية أكثر مما اعتبرتها تكريماً لشعري المتواضع، الذي هو في أغلبه سياسي، ويشتبك مع قضايا الواقع، فيناقش تخلف العرب والمسلمين، وتكالب الغير علينا، وهذا ما يعيبه عليّ بعض النقاد، ويعدونني ناثراً ـ أو خطيباً ـ ضللتُ الطريق إلى الشعر!
    في هذه الليلة، أبصرتُ رجلاً طوالاً، يميل وجهه إلى الشحوب، يمسك بكلتا يديه كراسة زرقاء يُدوِّن فيها ملاحظاته كمتابع للشعر وللنقاش الذي يدور.. كأنه يحتضن طفلاً صغيراً يخاف عليه!!، لكنه لم يُشارك في مناقشة شعري.
    في نهاية الأمسية تعرّف عليّ، وعرّفني بنفسه أنه متابع لخطواتي الشعرية، وأنه قرأ لي بعض القصائد في «الثقافة الجديدة» و«إبداع» بمصر، و«المنتدى» بالإمارات، و«البيان» بالكويت، ودعاني ليلتها ـ وكنا في الحادية عشرة مساءً في ليلة من ليالي ديسمبر ـ لتناول الشاي معاً في شقته في شارع الخزّان.
    من حواري معه عرفت أنه أستاذ للصحافة في جامعة الملك سعود، وأنه لا يميل إلى فنون الأدب، لكنه يُحب قراءة المحاورات الفكرية، ويكتفي في القراءة الأدبية بمتابعة بعض الأشعار التي تروقه، وبعض الأسماء، وأنا منها، وأنه لا يميل للقصة أو المسرحية أو فنون السرد عموماً.
    في يوم الجمعة التالي كنت معزوماً على الغداء عنده، وكانت الجمعة الأخيرة من شعبان، وعلمتُ يومها أنه متزوج من سيدة فاضلة، زميلة له (تعمل أستاذاً مشاركاً في الجامعة نفسها)، تزوّجها من خمسة وعشرين عاماً، وأنجب ولدين.. تخرجا من كليتي العلوم والطب، وبنتاً ستتخرّج هذا العام من كلية الهندسة.
    أخبرني أنه من أسرة عريقة بالإسكندرية، تعمل بالتجارة، وقال لي إنه يمتلك مزرعة كبيرة في المنوفية ـ يُقدر ثمنها بسبعة ملايين من الجنيهات ـ يعمل فيها أبناء شقيقته الوحيدة.
    وفي لقاء تال سألتْني زوجته الفاضلة «الدكتورة حنان» لماذا لا تتزوّج وأنت في الثانية والخمسين، والمرحومة زوجتك قد رحلت منذ عامين؟ وقالت إنها تُريد مني أن أتزوّج لأعيش حياتي وأستمتع بها، وأجد زوجةً تهتمُّ بي، بعد أن تخرّج ولداي من كلية الطب، وسافر أكبرهما (وليد) إلى بريطانيا وتزوج فتاة إنجليزية، لم يُعقِّب منها بعد، بينما (هاشم) مازال ينتظر أن يجد فتاة تقنعه بجدوى الزواج!!
    حاولتُ أن أشرح لها أن السعادة ليست في الزواج فحسب، وإنما في أشياء أخرى، منها طاعة الله، والتوافق بين الإنسان وحياته التي يحياها، وكيفية الاستمتاع بالوقت، فلم أفلح.
    بل فوجئتُ بسؤال الدكتورة حنان لي:
    ـ هل تعرف الشاعرة سماح صبري؟
    ـ طبعاً.. وأعرف أنها شقيقتك.
    وقفزت إلى ذهني صورة زميلتي «سماح صبري» في آداب القاهرة من خمسة وثلاثين عاماً، كانت تسبقني بعاميْن، وكانت تُشاركنا في ندوات الجمعية الأدبية بمبنى المدينة الجامعية، التي كانت تُقام مساء كل أحد، ويشرف عليها دكتوران شابان، هما الدكتور عبد المنعم تليمة والدكتور طه وادي (وقد صارا أستاذين جهيرين بعد ذلك)، وألقيتُ فيها أولى نماذجي الشعرية قبل أن أُصدر ديواني الأول..
    ـ إنها أختي.
    عرفتُ منها أنها لم تتزوّج، وأنها في الخامسة والخمسين.
    حينما رأيتها في إجازة رمضان وجدتُ أن ملامحها القديمة لم تتغير، وأن شعرها الكستنائي مازال محتفظاً بنضارته وحيويته (وتساءلت يومها ـ بيني وبين نفسي ـ لماذا لم ترتد الحجاب؟)، وعلمتُ أنها صارت رئيسة قسم في وزارة التربية والتعليم حيث كانت تعمل، ولم يتغير فيها شيء (كانت درست معنا السنة التمهيدية للماجستير، لكن لظروف لا أعلمها لم تتم دراستها العليا).
    حينما سألتُ عنها جاري في الرياض، بعد العيد: مصطفى العبد، وهو محاسب مسن في بنك الرياض، وهو كما يقول من نفس شارعهم في كفر الشيخ، قال: معلوماتي قليلة، وهي سيدة فاضلة، وجميلة، ولقد حصلت على الماجستير فقط ـ في النحو ـ منذ عدة أعوام. وهي من أسرة مُكافحة، فقد كانت أمها ربة بيت فاضلة معروفة بتقواها وصلاحها، وكان أبوها مدرساً للعلوم بمدرسة المساعي المشكورة الثانوية بشبين الكوم، ولم ينجب إلا ابنتيه: الأستاذة «سماح» والدكتورة «حنان»، وأنه قد أمضى حياته في المنوفية، ولم يعد إلى كفر الشيخ إلا بعد تقاعده.
    وأضاف وكأنه يختم شهادته:
    ـ إنها ست.. (واستدرك) بنت حلال .. طيبة .. في حالها .. مكسورة الجناح، رغم مرحها البادي، وابتسامتها العريضة!
    وقلتُ له ما أعرفه عنها، وهو أنها كانت من النابهات، ولا أدري لماذا لم تُكمل دراساتها العالية وبخاصة أنها لم تتزوّج!
    ........
    قالت الدكتورة حنان، وكأنها تتكلم عن امرأة أخرى، ليست أختها:
    ـ ليتك تتزوجها!
    قلتُ وأنا نصف متحير:
    ـ يبدو أن ذلك سيكون!، فقد أصبحتُ أضيق بوحدتي!
    زغردت كلماتها:
    ـ أنا أغبطك عليها.. إنها جميلة، ورشيقة، وتستطيع أن تعيش معك هنا في الرياض!
    (3)
    كدتُ أرسل قصتي (أو مشكلتي مع ابني هاشم) لعبد الوهاب مُطاوع ليكتب لي الحل في «بريد الجمعة» بصحيفة «الأهرام»، وتتلخّص في أني مررتُ خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بعدة تطورات جعلتني لا أستطيع أخذ القرار الصحيح في أي مشكل، ومنها:
    1-لم يحضر وليد لزيارتنا منذ عامين؛ يكتفي بمهاتفته القصيرة ـ من لندن ـ لي كل يومين، أو ثلاثة أيام.
    2-أنني تزوجتُ سماح، ولكني طلقتُها بعد شهرين، حيث لم نستطع التكامل، أو التأقلم معاً.
    3-ابني هاشم الذي كان من أكثر المعارضين لزواجي من «سماح»، وقع في شراك «شادية ماهر» ابنة أختها (الدكتورة حنان)، وكان من المستحيل أن أُوافق على زواجه منها.
    4-لم يصبر الولد على رفضي، ولم يُحاول استرضائي، وكان قد تعاقد للعمل في مستشفى في جدة، فتزوجها في الصيف الماضي، بعد عودتي من الرياض إلى القاهرة، دون أن أحضر حفل خطبته، ولم أحضر ليلة عرسه التي أقامها في فندق كبير!.
    5-لم أُسافر إلى القاهرة هذا العام الدراسي.. لا في إجازة عيد الفطر، ولا في إجازة عيد الأضحى.. أنزل لمن؟ .. ولد في لندن، والآخر في جدة (... وتزوج دون مشيئتي!).. وقال: لا تحملني ثمن فشل زواجك من خالتها!.. هذه هي البنت الوحيدة التي أعجبتني، وإذا لم أتزوجْها فلن أتزوّج غيرها!
    .. لكني اخترتُ أن أجنب الأستاذ عبد الوهاب مُطاوع حل مشكلتي، التي قد تبدو تافهة، ولذا لم أرسلها له.
    (4)
    هاهي أضواء جدة تبدو من نافذة الطائرة..
    هل ستسعد شادية وهاشم بلقائي..
    أم أن الجيل الجديد لا يهتم؟
    سأسعدُ بلقائهما..
    ستظل تركض يا فريد.. من شارع إلى شارع.. ومن أفق إلى آخر؟..
    هاهو هاشم وزوجته يأخذانك في سيارتهما الخاصة.. وهاشم يحوطك بيده، وأنت تجلس بجواره، وهي (شادية) في المقعد الخلفي.. تنظر في المرآة فتجد وجهها طافحاً بالسرور.
    ويُدمدم في أعماقك سؤال، تكاد تسمع نبراته:
    كيف وقفْت ـ ذات يوم ـ في وجه المحبيْن؟!!
    لاحظتَ انتفاخ بطن شادية..
    هل تسألهما عن قدوم الحفيد الأول لك، أم تنتظر حتى يأتي الكلام في سياقِه العادي؟..
    تُلاحظ أن سرعة السيارة تتجاوز الـ 120 كيلاً، فتقول في حنو بالغ:
    ـ قلل السرعة، حتى نستمتع بهذه اللحظات الجميلة في شوارع جدة، وحتى لا تؤذي حفيدي.
    وتملأ الضحكة الكبيرة وجه «شادية»..

    الرياض 7/9/2004م
    رد مع اقتباس  
     

  7. #19 رد: نص مجموعة «مجنون أحلام» لحسين علي مح 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    *بيت خـــالـتي*
    .......................

    إنه يشكُّ في نظراتي التي تطلب منه دائماً الصمت .. وألا يتكلم .. حتى لا يهدم العش!
    هل أطلب منه المغفرة وأنا لم أعمل ما يستوجبُ الغضب .. أو الشك!
    أعبر أصص الزهر مصحوبة بكواكبَ معتمة في الأفق .. أمشي نحو بساتين خضراء، معلقة على الحائط، في لوحةٍ فاتنةٍ .. تتابعها عيناه في عتمةِ ما بعد الغروب .. إنه لا يُشاركني في ترحالي الأسبوعي إلى بيت خالتي، في رحلة تصحبني فيها خفافيش الذكريات وسود الأماني!
    ما بيننا سور عالٍ لم تستطع الكلمات أن تقتحمْه!
    نظرة حزينة تبدو في عيْنيْ «رشاد» وهو يراني عائدة .. يرنو إلى الأفق دائماً مغمضاً عينيه كأنها يحلم، أو يخاف أن ترى الناس حلمه الأسود أو توجسه الدائم الذي لا يُفارقُه.
    بعطف وشفقةٍ يمسك الطفل ـ طفلنا ـ في يده، ويخشى أن يلفظ الكلمة التي تعتمل في صدره، أو يستحضرها من قباب الوحشةِ والشك التي لا تُغلق أبوابها.
    فإذا عدتُ من بيت خالتي الوحيدة، ورأى تهدُّج صوتي ورعشة أطرافي وأنا أحكي له عن مرضها الذي يُقعدها، وانتظارها الأسبوعي لي .. وكأنني نسمة الحياة التي تنتظرها .. يهز رأسه ساكتاً، وأقرأُ في عينيه حزناً يصحبه الشكُّ، فيكادُ يصرخُ فيَّ:
    ـ إنك لا تزورين خالتك إلا لكيْ تريْ حبيبك القديم .. ابن خالتك .. الدكتور حسام.
    ...
    لكنه لا يستطيعُ أن يقولَها.
    ... كان كاذباً دائماً في تخيلاته التي لم أناقشه فيها، ولم يُفض بها إليّّ .. فهو في حاجةٍ إلى ما يؤكِّد شكوكه التي أخشى أن تقتل ما بنيناه بيننا من احترام وود على امتداد ما يقرب من عقد من الزمن، وهاهو ينسق في صمتٍ أبجدية شكوكه يوماً فيوماً لترسم بعد ذلك عريضة اتهام!
    هل يمتلك شجاعة الروح ويقول لي ما يحزنه من زيارتي لبيت خالتي؟
    وهل أمتلك أنا شجاعة القلب، وأقول له ذات مرة: إن «الدكتور حسام» يُقيم في الزقازيق، وليس مع والدته في «القلعة»، ولم يأت لزيارة أمه إلا مرتيْن أوْ ثلاثاً لم أره خلالها.
    لماذا يظل «رشاد» رغم زواجنا من ثمانية أعوام وإنجابنا طفلاً منذ خمس سنوات .. يظل واقفاً أمام السور العالي الذي شيّده من شكوكه وأوهامه؟.
    ما بين الصخور تتحرّك يا رشاد ..
    صحيح أنا لم أتزوجك إلا بعد سفر «حسام» إلى أمريكا، ليحصل على الدكتوراه في التربية .. وقول أمه ـ خالتي ـ ذات صباحٍ غائم لي: «إنها سمعت من صديق له أنه ـ الغادر ـ تزوّج أمريكية حتى يأخذ الجنسية، وكم كانت تريد أن تفرح بزواج وحيدها من ابنة أختها»، وكان آخر خطاب منه لي قد مرّ عليه شهران!!
    هل كانت خالتي تتآمر على حبنا؟
    وفي لحظة تفكيرٍ عميقٍ ـ تزوّجتُ من «رشاد» .. ـ زميلي المهندس في الإدارة الهندسية بالجيزة، وزميلي في الدراسة في هندسة عين شمس.
    وعاد «الدكتور حسام» من أمريكا، ليعيش عزباً، وليعمل مدرساً في كلية التربية بالزقازيق، ويكاد يُقاطع والدته لأنها كانت السبب في أن يفقد حبيبته ـ أنا، حبيبته «سناء» ـ التي كم حلم بها، حينما رددت إشاعة موهومة من زميل كاذب!!
    كم فكرت في عدم زيارة خالتي العجوز، التي أضحت على مشارف السبعين!
    وكم تتعبُني رحلتي الأسبوعية لها من ميدان الجيزة إلى «القلعة»، وسط زحام قاتل أصبحتُ لا أُطيقُه!
    هل ستعيش طويلاً ليتجدد شك «رشاد» الصامت في مسلكي؟
    وهل سأظل على زياراتي المتكررة لها مساء كل خميس؟ ..
    إنها مريضة! ..
    هل كنتُ مجرمةً يوم تمنيتُ موتها من أسبوعين، حتى أرتاح من شكوك «رشاد» ونظراته الحزينة الصامتة!
    لقد تزوجت رشاداً، عن اقتناع فكري .. وجاء الحب والمودة بعد عشرته اللطيفة، وإنسانيته الدّافقة .. وليس في قلبي أو عقّلي غيره .. فلماذا يُدمِّرُ الشك حياته؟
    و«حسام» ـ ابن خالتي ـ لم أره منذ ثلاث سنوات، ولا يُشكِّل في حياتي غير هاجس حب قديم .. نسيتُهُ بالفعل .. فلماذا يُصر «رشاد» على تذكيري به؟.
    لماذا لا أصطحبُ رشاداً معي لزيارة خالتي يوم الخميس القادم، وكل خميس بعده؟ ..
    رغم أني لم أفعلها طوال السنوات السبع الماضية، فسأصحبه مع طفلي «هاني» .. ليرى الواقع الحزين، وحالتها المرضية المتردية!!
    لن أترك «رشاداً» في رحلاته الطويلة: في شروده الدائم، أو في شكه الذي لا ينتهي.
    من الخميس القادم سأجعله يُضمِّد جراح قلبه!

    الرياض 25/1/2000م
    رد مع اقتباس  
     

  8. #20 رد: نص مجموعة «مجنون أحلام» لحسين علي مح 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    *أم داليا*
    .............

    هل أنا أم .. أم قاتلة محترفة؟
    أنا الأستاذة الجامعية التي أدرس علم النفس، وأرصد السلوك البشري وأحلله.
    استيْقظتُ ذات صباح لأجد نفسي في مأزق رهيب .. فضيحة لا يمكن معايشتها! ..
    ابنتي الوحيدة داليا .. التي ترمّلتُ عليها قبل ولادتها، فقد عاش أبوها ـ ضابط المظلات ـ سبعة أشهر معي، قبل أن يموت بسكتة قلبية .. وهو في عز شبابه.
    فاجأتني ابنتي المهندسة الشابة، التي تخرجت منذ عاميْن وعملت في الإدارة الهندسية ـ في مجلس المدينة ـ منذ خمسة أشهر، حين قالت: إنها حملت سفاحاً من الشيطان!
    استدعيتُ عمَّها «سعفان» شيخ قرية الصوالح لنتدبّر فيما فعلتْ الكلبة، فذبحها أمامي، وقفل عائداً إلى قريته!
    لم يره أحد في مجيئه أو ذهابه، فاتهمني الجميع أنني القاتلة! ..
    لم أجد أدنى رغبة في دفع جريمة القتل عني ..
    قلتُ:
    ـ تهمة لا أدفعها، وشرف لا أدّعيه!
    حينما حكم القاضي عليَّ بسبعة أعوام سجناً تحدّرت دمعتان من عيني:
    دمعة إشفاق على ابنتي التي لم أعايشها بما فيه الكفاية فسقطت، ودمعة حزن .. لأني لم أر الشيطان مقيَّداً ذبيحاً! ...

    الرياض 5/1/2002م
    رد مع اقتباس  
     

  9. #21 رد: نص مجموعة «مجنون أحلام» لحسين علي مح 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    ثلاث قصص قصيرة جدا من التغريبة اليمانية
    ***
    1-الرحلة الأولى

    هذه هي رحلتي الأولى إلى قرية "بني علي" من قرى «الوصاب السافل».
    السيارة تكاد تغرق في سيول زبيد ما بين "الجراحي" و"الأحد"!
    هواء الليل البارد في منتصف سبتمبر يدير رأسي.. إلى كل ذبالة مصباح في القرى التي نمر عليها مُعلقة على قمم الجبال.
    أرتدي نظارتي الطبية.
    أحدق بشدة.
    لعلي ألمح ـ عبر رشات الندى ـ الذي يتسلل من النافذة
    وجهاً نحيلاً، طيباً..
    كوجه أمي.

    الرياض 7/10/2004م






















    2-الباذنجانة الصغيرة

    الباذنجانة الصغيرة البيضاء
    معلقة في يد الطفل الصغيرة
    ويده الثانية
    متشبثة بفستان أمه.
    تمشي معتدلة كمهرة برية تتخطر.
    وتجري خُطاه الصغيرة، حتى يظل ممسكاً بذيلها!
    تجري خطاه الصغيرة.. وتجري
    لا يلتفت إلى الباذنجانة التي قضم منها قضمةً واحدةً..
    .. هوتْ إلى الأرض مباغتةً
    لم يُحس بها، ولم يلتفت إليها!
    تنتظرها النمال ـ التي لم تتناول إفطارها بعد ـ
    في هذا الشِّعب المشمس، بين قريتيْن.

    الرياض 7/10/2004م





















    3-حياة!

    أجلس في غرفتي الملحقة بالمدرسة، فوق السرير الذي أعدتُ ربط أركانه وقاعدته بحبال بلاستيكية، اشتريتها من بقالة «محمد الصغير».
    أطالع مجلة «اليوم السابع»: الموضوعات السياسية الساخنة أولاً، ثم السينما، ثم بقية الفنون.
    ها هو يوم جليدي آخر.
    درجة الحرارة لا تتعدى الصفر.
    العنكبوت الممدد بين ضلفة الباب المعتمة، والركن .. يُخيل لي ـ مع التصدع الباقي من أثر الزلزال ـ أنه يُشبه خطيباً يصرخُ في الناس، وترتفع يداه كخطيب سياسي يُضاحك الجماهير!
    أتنحنح..
    لا أسمعُ إلا صوتي!!

    الرياض 7/10/2004م



    (انتهت المجموعة)
    رد مع اقتباس  
     

  10. #22 رد: نص مجموعة «مجنون أحلام» لحسين علي مح 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    (للمؤلف)

    أ-شعر:
    1-السقوط في الليل، القاهرة-دمشق 1977م، ط2، الإسكندرية 1999م.
    2-ثلاثة وجوه على حوائط المدينة، القاهرة 1979م، ط2، الإسكندرية 1999م.
    3-شجرة الحلم، القاهرة 1980م.
    4-أوراق من عام الرمادة، الزقازيق 1980م.
    5-رباعيات، الزقازيق 1982م.
    6-الحلم والأسوار، القاهرة 1984م. ط2، الزقازيق 1996م.
    7-الرحيل على جواد النار، القاهرة 1985م. ط2، الزقازيق 1996م.
    8-حدائق الصوت، الزقازيق 1993م.
    9-غناء الأشياء، الزقازيق 1997م، ط2-القاهرة 2002م.
    10-النائي ينفجر بوحاً، الإسكندرية 2000م.
    11-رحيل الظلال، القاهرة 2005م.
    12-المتنبي يشرب القهوة في فندق الرشيد، القاهرة 2008م.
    ب-شعر (مشترك):
    13-حوار الأبعاد (مع مصطفى النجار ومحمد سعد بيومي وسمير ددم)، القاهرة 1977م، ط2، حلب 1979م.
    ج-مسرحيات شعرية:
    14-الرجل الذي قال، الزقازيق 1983م.
    15-الباحث عن النور، القاهرة 1985م، ط2-الزقازيق 1996م.
    16-الفتى مهران 99 أو رجل في المدينة، الإسكندرية 1999م.
    17-بيت الأشباح، الإسكندرية 1999م.
    18-سهرة مع عنترة، المنصورة 2001م، ط2، المنصورة 2003م.
    19-الزلزال، موقع «أصوات مُعاصرة»، على الإنترنت 2004م.
    د-شعر قصصي للأطفال:
    20-مذكرات فيل مغرور، عمَّان 1993م، ط2- عمان 1997م، ط3-الرياض 2004م.
    21-كان يا ما كان، القاهرة 2005م.
    هـ-قصص قصيرة:
    22-أحلام البنت الحلوة، الإسكندرية 1999م، ط2-المنصورة 2001م.
    23-مجنون أحلام، المنصورة 2005م.
    24-الدار بوضع اليد، القاهرة 2007م.
    و-دراسات أدبية:
    25-عوض قشطة: حياته وشعره، المنصورة 1976م.
    26-القرآن .. ونظرية الفن، القاهرة 1979م. ط2، القاهرة 1992م.
    27-دراسات معاصرة في المسرح الشعري، القاهرة 1980م، ط2، المنصـورة 2002م.
    28-البطل في المسرح الشعري المعاصر، القاهرة 1991م، ط2- الزقازيق 1996م، ط3-الإسكندرية 2000م.
    29-شعر محمد العلائي: جمعا ودراسة، الزقازيق 1993م، ط2- الزقازيق 1997م.
    30-دراسات في النص الأدبي العصر الحديث، ط1-الرياض 1995م، ط2-الرياض 1996م، ط3-الرياض 1996م، ط4، الإسكندرية 1998م، ط5، الإسكندرية 2001م، ط6-الرياض 2007م.
    31-جماليات القصة القصيرة، القاهرة 1996م، ط2-القاهرة 2003م.
    32-التحرير الأدبي، الرياض 1996م، ط2- الرياض 2000م، ط3- الرياض 2001م، ط4- الرياض 2003م، ط5-الرياض 2004م، ط6-الرياض 2005م.
    33-سفير الأدباء: وديع فلسطين، القاهرة 1998م، ط2- القاهرة 1999م، ط3- الإسكندرية 2000م.
    34-المسرح الشعري عند عدنان مردم بك، القاهرة 1998م.
    35-كتب وقضايا في الأدب الإسلامي، الإسكندرية 1999م، ط2-القاهرة 2003م.
    36-صورة البطل المطارد في روايات محمد جبريل، الإسكندرية 1999م.
    37-من وحي المساء (مقالات ومحاورات)، الإسكندرية 1999م.
    38-الأدب العربي الحديث: الرؤية والتشكيل، ط1-الإسكندرية 1999م، ط2-الإسكندرية 2000م، ط3- الإسكندرية 2001م، ط4-الرياض 2002م، ط5-الرياض 2004م، ط6-الرياض 2006م، ط7-الرياض 2007م.
    39-دراسات نقدية في أدبنا المعاصر، الإسكندرية 2000م.
    40-مراجعات في الأدب السعودي، ط1-الإسكندرية 2000م، ط2-المنصورة 2007م، ط3-الرياض 2007م.
    41-شعر بدر بدير: دراسة موضوعية وفنية، الإسكندرية 2000م.
    42-تجربة القصة القصيرة في أدب محمد جبريل، المنصورة 2001م، ط2-المنصورة 2004م.
    43-في الأدب المصري المُعاصر، القاهرة 2001م، ط2-القاهرة 2002م، ط3-القاهرة 2003م.
    44-أصوات مصرية في الشعر والقصة القصيرة، المنصورة 2002م.
    45-حوارات في الأدب والثقافة (مع د. محمد بن سعد بن حسين)، القاهرة 2003م.
    46-مقالات في الأدب العربي المُعاصر، المنصورة 2004م.
    47-العصف والريحان (حوارات ومواجهات مع د. صابر الدايم)، المنصورة 2005م.
    48-في الأدب السعودي الحديث، الرياض 2008م.
    كتب بالاشتراك:
    49-خليل جرجس خليل شاعراً وباقة حب إليه (بالاشتراك مع حسني سيد لبيب)، القاهرة 1978م.
    50-الرؤية الإبداعية في شعر عبد المنعم عوّاد يوسف (بالاشتراك مع د. خليل أبو ذياب)، المنصورة 2002م.
    51-فن المقالة (بالاشتراك مع د. صابر عبد الدايم)، ط1-الزقازيق 1981م، ط2-الزقازيق 1982م، ط3-القاهرة 1983م، ط4-الزقازيق 2000م، ط5-القاهرة 2001م، ط6-الزقازيق 2003م، ط7-الرياض 2008م.
    52-زكي مبارك (بالاشتراك مع مجموعة مؤلفين)، القاهرة 1991م.
    53-قراءات في نصوص أدبية حديثة (بالاشتراك مع الدكتورين محمد عارف محمود حسين وخليل أبو ذياب)، الرياض 2008م.
    54-الأدب في عصر صدر الإسلام (بالاشتراك مع الدكتور خليل أبو ذياب)، الرياض 2008م.
    55-المدخل إلى التحرير العربي (بالاشتراك مع الدكتور خليل أبو ذياب)، الرياض 2008م.
    56-الشاعر الدكتور حسن جاد: دراسة ومختارات (بالاشتراك مع د. صابر عبد الدايم)، القاهرة 2008م.
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. «سبع سنبلات خضر» ديوان جديد لحسين علي محمد
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01/04/2010, 04:08 PM
  2. النص الكامل لمجموعة «أحلام البنت الحلوة» لحسين علي محمد
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 28/02/2008, 05:21 AM
  3. النص الكامل لديوان «الحلم والأسوار» لحسين علي محمد
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 23/12/2007, 09:56 AM
  4. النص الكامل لديوان «حدائق الصوت» لحسين علي محمد
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 94
    آخر مشاركة: 30/04/2007, 05:28 PM
  5. عروس (قصة قصيرة جدا، لحسين علي محمد )
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 25/10/2006, 11:55 PM
ضوابط المشاركة
  • تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •