شيءٌ من ذكرياتي أسردها في حلقات .
الحلقة الأولى " دراستي الجامعية التي تحولت لغربة "
بعد تخرجي مدرسا للغة العربية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية , وتعييني في إحدى المدارس القريبة من قريتي :أحسست براحة نفسية عظيمة وتخلصت من هم ثقيل كان يتربع على كاهلي .
أحسست و أنا أدخل باب المدرسة وللمرة الأولى في حياتي مدرسا بتجاوزي لمرحلة من مراحل حياة الإنسان ، مرحلة التلقي والجهد المترتب عليه ، تجاوزتها إلى مرحلة البذل والعطاء مرحلة المنفق على من يبتغون ويطلبون .
تجاوزت غربة دامت أربع سنين , غربة مكان وزمان .
مكان ليس ببيت العائلة العامر وزمان ليس بزمان قريتنا البدائي .
مكان ليست فيه أمي تعد طعامي وفراشي ، زمان ليس فيه تغريد عصفور الصباح وتهليل وتكبير الفلاح .
مكان ليس فيه رحابة " الباحة " وشموخ " الروشن " ، زمان ليس فيه نم باكرا لتصحو باكرا
غربتي التي دارت أحداثها في عاصمتنا الرياض لا تبعد عن قريتي سوى 120 ميلا
لكن الزمان والمكان الذين ذكرت شيئا منهما ساعدا على قسوتها ومعاناتي منها .
أعود مرة أخرى للمكان والزمان :
المكان : غرفة صغيرة معدة لنزيل واحد , حيث الوحدة بكل تعبيراتها سرير صغير يزاحمه مكتب أصغر ودورة مياه أعزكم الله . خارج الغرفة مبان مرتفعة متشابهة مرقمة كي لا تتيه ، محاطة بسياج وحراسة مشددة . أفنية جميلة ومشجرة أين ما تقع عينك لا تقع إلا على منظر جميل أشجار وممرات ومسطحات خضراء , ولكن من سمع منكم بمدينة الأشباح ولم يرها فليذهب إلى مدينة الإسكان الطلابي بجامعة الإمام . سكانها ألوف ومع ذلك تجلس الساعة تلو الساعة تنظر مع شباك غرفتك لا ترى أحدا ولا تسمع صوتا ... ويستثنى من ذلك أوقات الصلاة و وقت الذهاب صباحا لمقاعد الدراسة وظهرا بعد الانتهاء .
الزمان : زمن السرعة زمن الفرصة الواحدة إن لم تستثمرها ضاعت... فمنه العوض وعليه العوض .
زمن القطيعة و التفكك زمن المصالح الشخصية .. زمن الغربة وما من غربة , زمن المادة والجري خلفها زمن يقول الرجل فيه أعطني مالا وانقلني لجهنم على سيارتك . زمن جعلني في عالم ليست تحتضنه جبال نجد ورمالها علم ليست تغطيه سماء نجد الصافية بصفاء نفوس أهلها وعقائدهم ... هل هنا نجد أم هل نجد هنا ؟؟؟؟
تخرجت أخيرا وحصلت على وثيقة إطلاق الصراح تخرجت ولم يبقى من فتيل القنبلة إلا اليسر تخرجت في الوقت المناسب وقبل الانفجار النفسي بقليل .
عدت محملا بذكريات مريرة وتجارب معيشية واجتماعية فاشلة .
عدت أخيرا لبيت عائلتي عدت لقريتي عدت لأسمع صوت العصافير و أشتم رائحة الطين صباحا ورائحة الطعام ونحن خارجون من صلاة العصر عدت و أنا ألتفت في كل مشاويري يمنة ويسرة أخشى أن أمر على شخص دون أن ألقي عليه السلام وأسأله عن حاله وحال أهله ... عدت إلى من ملأ مسمعي بأصوات الأطفال وهم يلعبون بأصوات الحيوانات وقت الأصيل تذكرنا بموعد عشائها
عدت لأجد التواصل الروحي والاجتماعي ، عدت وذكريات الغربة تتساقط كأوراق الخريف وحدة تلو الأخرى ... عدت والعود أحمد .
الحلقة الثانية : الانترنت ومشرفة منتدى الأسرة في موقع محافظتنا الخاص ............................تحياتي العاطرة عابر سبيل