مقالات من زمن فات

[محمد سرحان]

لا بد من كلمة

سيكون هذا المتصفح مسرحا لمقالات شتى مادتها الفن ، تلك الهبة لبني البشر ، هذا الإبداع البشري الذي تستلقي على شواطئه ذائقتي وقلمي ، وإني لأقر طواعية أنها محض رؤية شخصية ، لا تدعي نقدا ، ولا تنتحل عباءة العلمية .
وسوف لن أغادر هذه المقدمة دون أدفع إليكم بهذه المعلومة :
إن مادة هذه الكتابات تدير ظهرها إلى سنوات ٍ قد خلت ، ولعلامات الاستفهام الآن أن تنتصب مشدوهة ً :
لماذا أعمد – والساعة بالذات - إلى فك ِّ إسارها من وراء قضبان الورق ؟

إن َّ الرائي لها – ومنذ القراءة الأولى - سيرفع حواجب الدهشة ، وسيضعني فورا في طابور الحمقى ؛ إذ يبدو – وللوهلة الأولى – أني من فصيلة الكتاب الذين يرتبط حبل مشيمة أقلامهم بموضوعات أضحتْ جثة ًهامدة ًفي مقبرة ذوق القراء ؛ إذ لا علاقة ودية تجمع هذه الكتابات بالراهن الحالي . ولكم أن تقذفوني لأقرب متحف كلاسيكي .

لكنَّ رهاني على تقبُّل طبيعة الموضوع – بما يدغدغ شعور الإثارة - سيدفعني للجزم بأنها ستنزع عن الأعين نظارات النزق منها ؛ خصوصا أنها تزيح ستارة النسيان عن فن ما زال كلمته ترن في أذن زماننا إلى الآن ! .

وإني لأعلن دون أدنى تردد أن هذه الكتابات –رغم تواضعها – تثير غريزة الاعتزاز بداخلي كلما وقفت عليها من جديد ، فطيلة سنوات تركتها مئة مرة وعدت إليها مئة مرة.

[محمد سرحان]

( 1 )

[ ساذج ما تعلمش حاجة !! ]

إلى اي نقطة يمكن أن تحيلنا وطأة الشعور بالطيبة الساذجة داخل النسيج الاجتماعي الذي نحيا فيه ؟سؤال مطاطي ، وإجابته لا تتسع لهاصفحة أو صفحتان بل لربما لا تسعها فصول .....

كان هذا السؤال – في تقديري - هو البطل الرئيسي في مسرحية "شاهد ما شفش حاجة " لا سرحان عبدالبصير ! .

قليل من توقف أمام فلسفة شاهد مشفش حاجة ...وكثير من تابعها كيما يسري عن نفسه ... وليقهقه على مواقف سرحان عبدالبصير .....

إن القضيةأكبر من ضحكة ، إنها قضية إنسانية ، قضية الاف بل ملايين من البشر ... أولئك الساذجون الذين يتلمسون موطيء قدم في هذا المجتمع البشري الذي يكاد يغص بالسباع والذئاب من بني البشر !

لقد وضعت هذه المسرحية "الطيبة" أمام علامة استفهام كبيرة حول جدواها في زمننا!

المسرحية مأخوذة من قصة الكاتب البريطاني السير بيتر استينوف[1] ، أعدها علي سالم للمسرح وأخرجها هاني مطاوع ،و تدور – وكلكم تعلمون هذا - حول ممثل بسيط ساذج يعمل في أحد برامج الاطفال في التلفزيون ، ولسوء حظه - ولربما لحسن حظه كما سيأتيبعد - تحدث جريمة قتل في الطابق العلوي من العمارة التي يسكنها ، تحديدا في الشقةالتي تعلو شقته مباشرة ، هذه الجريمة تذهب ضحيتها الراقصة " عنايات ابو سنة " .

تتجه اصابع الاتهام نحو سرحان عبدالبصير الممثل البسيط .... لوجود بعضا الادلة التي تضعه ظاهريا تحت مقصلة الإدانة ... لتطلق صافرة انطلاق رحلة العذاب السرحانية في التحقيقات والمحكمة ...

فيبدأ مسار شخصية البطل يأخذ منحنى جديدا .... إن الظروف الصعبة التي تقلب على لظى جمرها كشف القناع عن رجل لا يحذق شيئا من بروتوكولات التعامل مع الواقع . . إنسان يضع نظارة سوداء على عينيه ..... ولهذا يتحرك خط الأحداث باتجاه آخر ويبدأ الصراع الداخلي للشخصية ... شخصية سرحان ....

وللحديث بقية .....

[1] في لقاء مع عادل إمام في زاوية وجها لوجه في مجلة العربي الكويتية عدد 538 تاريخ 1/09/2003، حيث قال : " في بداية حياتي قمت بتمثيل مسرحية مأخوذة عن قصة سيربيترأستينوف بعنوان (شاهد ما شفش حاجة) ".

[يوسف أبوسالم]

أخي محمد
مساء الورد

ليس المهم أن يكون هذا المقال كتب منذ زمن بعيد
لكن المهم أن فكرته وما يطرحه جديدة تماما
بل لعلها الآن أكثر حضورا في ظل مجتمع أشد تفككا وتعقيدا
من المجتمع أيام المسرحية ذاتها
شاء حظي أن أتابع جميع أعمال عادل إمام
منذ مسرحيته الأولى ( مدرسة المشاغبين )
والمأخوذة عن فيلم أجنبي باسم ( إلى أستاذي مع حبي )
وحتى آخر مسرحياته
ولعلي أرى أن ( شاهد ما شفش حاجة ..) ما زالت تطرح فكرتها بقوة
الطيبة الساذجة في نسيج اجتماعي شديد التعقيد
ألا ترى معي أن الفكرة يمكن أن يمتد مفهومها إلى زوايا أخرى مثل
عقلية المسؤولين العرب في تعاملهم مع أمريكا من جهة ومع العدو الإسرائلي من جهة أخرى
مع الأخذ بالإعتبار أن البعض منعم منقاد ليس عن طيبة ولكن عن خوف أو سابق تصميم وتوافق
وكذلك يمكن أن تنسحب الفكرة
على قطاع واسع من المجتمع العربي الذي
تخدعه فتاوى الفضائيات ...ممن صار الدين بالنسبة لهم
كشعر المديح عند بعض الشعراء
فكرة المسرحية قديمة متجددة
شكرا لك وتحياتي

[محمد سرحان]

الأخ الرقيق يوسف
دعني أثني على كريم تفاعلكم ... وما اقتطعناه من نفيس وقتكم

إن ردك يضعني بصدد نقطتين هما من الأهمية بمكان بحيث أن المفاضلة بينهما محاولة انتحارية ستستفز دبابير الحيرة من حولي

فأما الأولى قضية الاقتباسات الفنية ، ذلك أني أقف بسيقان من الدهشة أمام هذا اللاحياء الاقتباسي من أعمال اولئك القوم .... وهذا يدفعني لأن أنظر بريبة تجاه الأعمال الكلاسيكية الفنية الكبيرة .
ولعل عادل امام أو بالأحرى مؤسسة عادل إمام أكثر من تتحمل عبء اللؤم في ذلك .
لا أحملُ موقفا عدائيا من الاقتباس ، ولكن عليه أن يكون بقدر
إني عندما اصفق لعبقرية شاهد ماشفش حاجة فإنما أصفق لسير بيتر استينوف لا لعلي سالم أو عادل امام!

أما النقطة الثانية في ردكم الكريم
لو تحدثت عنها فسأقضي ثلاثة أرباع الساعة في خطابة لا تنتهي
لقد نكأت به جرحا غائرها ما زالت ندوبه تشوه وجوهنا ، ذلك هو العفن الخلاقي !
لست ُ أدري عن أي صحوة إسلامية يتحدثون هذه الأيام على كل حال ؟
أظنها صوة شهوانية لا إسلامية

يوسف أبو سالم

مودتي وتقديري

[طارق شفيق حقي]

سلام الله عليك

لعل أهم ما أمسكناه من خيوط هنا , هو التقليد والتبعية الفنية

لو عدنا حالياً لأفكار الأفلام والمسلسلات , بل لنقل الفضائيات وبرامجها بل وحتى طريقة عرض الأخبار والنشرة الجوية
بل حتى وقوف المذيع وابتسامته ووضعه القلم في سترته , ولمه لأرواق نشرته وابتسامته في وجه مخرجه
لعلمنا أنها مقلدة بشكل ممجوج

فوالله لو أن الغرب اليوم استحدث وسيلة جديدة لعرض الأخبار وهي أن ينزل المذيع مثل طرزان على حبل وهو يحمل المذيعة لكانت الفضائيات العربية تتقافز لطريقة إلقاء الأخبار الجديدة


أختم أن دراسات مقارنة كثيرة ستفضح مبديعن كثر نتفاخر بهم

وأشير للحديث الشريف
لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه

وهذا لأن هويتنا ضاعت وفكرنا سرق, ولساننا قطع ومبدعونا هاجروا وبراعمنا قطعت وعيوننا عميت وبصيرتنا ماتت
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

[محمد سرحان]

أخي أبصم على ما احتواه تضاعيف ردك بإبهام التأييد

مودتي وتقديري

[محمد سرحان]

نهاد قلعي أو (حسني البورزان) أحد الفنانين العظام الذين لا قطع غيار لعبقريتهم ....لم يفطن كثير له مذ رحيله عام 1993 وحتى الان... رغم أنه أحد أعظم مشيدي الدراما السورية في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم..
بدأ حياته كاتبا مغمورا يكتب عددا من المسرحيات المتواضعة للمسرح القومي السوري إلى أن فتح المجد الفني له ردئيه في بداية الستينيات عندما التقى نصفه الفني الآخر الممثل والمخرج دريد لحام ...
في الواقع لم يتردد الاثنان بأن يتزاوجا فنيا ؛ فقاما بنقل تجربة لوريل وهاردي العالمية والبساها ثوبا عربيا من خلال مسلسلات : حمام الهنا ومقالب غوار وصح النوم التي كانت ممهورة بامضاءة العبقري نهاد نفسه تأليفاً
تقوم فكرة مسلسل حمام الهنا على حبكة ذكية شائقة حيث يرث حسني (نهاد قلعي ) ثروة من جدته التركية ، ويقرر أن يشرك غوارا (دريد لحام ) في ثروته باعتباره صديقه اللدود !.... لكنهما يكتشفان من خلال وصية الجدة أن الثروة تقبع بأحد الكراسي الانتيكة في شقتها ... والمفارقة المضحكة أن غوارا كان قد نثر هذه الكراسي على أفراد الحارة ...فما عاد له شأن بها بعد أن أصبح مليونيرا ... وتبدأ الإثارة والتشويق في المسلسلة بمطاردة أطلال تلك الكراسي
..ويبدو ذكاء نهاد وحسه التأليفي جليا عندما وزع العثور عى تلك الكراسي الـ13 على مدار 13 حلقة بواقع كرسي لكل حلقه !!!
وكانت كل حلقة من تلك الحلقات مهرجانا من الضحك المتواصل
وفي نهاية الستينيات ونظرا للنجاح المدوي لهاتين الشخصيتين ابتكر نهاد قلعي فكرة أخرى من خلال مسلسل صح النوم الذي يدور في قالب فاهي حول مقالب غوار بحسني البرزان، الذي يبادله العداء بسبب انتزاعه قلب فطوم حيص بيص ( نجاح حفيظ ) التي تهوى البرزان
وللمرة الثانية كان النجاح حليفهما مما استدعا نهادا ان يجزء المسلسلة الى 3 أجزاء وفي كل مرة يحصد التصفيق والابهار ليس من السوريين فحسب بل كل العرب
وفي منتصف السبعينيات اشتركا في مسرح الشوك وكان عبارة عن وصلات ضاحكة من شخصيتي غوار وحسني
ولكن صحة نهاد أثرت عليه في آواخر السبعينيات ولهذا كان ظهوره في مسرحية غربه لدريد والماغوط مجرد ظهور تكريمي
وانفرط عقد هذا الزواج الفني بين هاتين العبقريتين الدريدية والنهادية

وفي اواخر الثمانينيات تعرض نهاد قلعي لحادث تهجم من أحدهم في أحد أسواق دمشق مما أصابه بالشلل نتيجة الضرب المبرح
وخلد بصمت في بيته دون أن يلتفت إليه أحد
وأغمض نهاد اغماضته الأخيرة عام 1993 في جنازة متواضعة
!!وما زالت حتى اللحظة العيون مغمضة عن عبقريته