الرد على الموضوع
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2
النتائج 13 إلى 21 من 21

الموضوع: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للروائي الكبير محمد جبريل

  1. #13 رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    ـ 12 ـ

    أذهلنى التماع عينيها بالمفاجأة . أدركت أنها لم تكن تنتظر هذا العرض ، وأن العلاقة بينى وبينها ترفض الارتباط الأبدى ..
    رشقت فى عينى نظرة زاجرة :
    ـ أنا لا أصلح لك ..
    ـ هذا ما أقرره أنا . المهم هو : هل أصلح أنا لك ؟
    لم أتوقع ردها . لم أتوقع أنها سترفض . غابت الأحاديث عن المستقبل ، لكنه بدا لى فى الأفق القريب . يضمنا معاً ، لا تهمله ، ولا أتخلى عنه ..
    كنت قد صحبتها إلى حديقة الحيوان ، تمشينا فى حديقة أنطونيادس ، انشغلت بقراءة الدوريات فى مكتبة البلدية أثناء نقلها ملاحظات من المراجع ، خلعت حذاءها وتقافزت على رمال ستانلى ، أرهفنا السمع لصوت ارتطام الأمواج بجدران قلعة قايتباى . تأملنا الصيادين يضعون الحبال الطويلة على أكتافهم ، يجرّون ـ فى سيرهم المتباطئ على الكورنيش الحجرى والرصيف ـ شبك الجرافة إلى موضع إفراغه من الأسماك . زرنا المتحف اليونانى والرومانى ، ومقبرة اللاتين . أطلنا متابعة مواكب الزفاف فى ميدان المساجد . تمشينا فى المسافة بين تمثال الخديو إسماعيل والسلسلة . استعدنا وقفة نابليون فى هضبة عامود السوارى . ألحظ ما لم أتصوره فى بداية تعرفى إليها . طالعتنى بإلمام واسع فى السياسة والتاريخ والاقتصاد . حتى القصص والروايات كانت تستشهد بأحداثها . ربما استعادت أبياتاً من الشعر للتدليل على رأيها . لم تكن معلوماتها تقتصر على الحياة فى أرمينية ، التاريخ والبشر والمعتقدات والعادات والتقاليد . تتكلم فى كل ما تستدعيه المناقشات . تتسع رواياتها عن الحكايات والوقائع التاريخية والأماكن والأرقام والأحداث .
    التقينا فى ميدان محطة الرمل بشقيقها يعقوب . تبادلت نورا معه كلمات سريعة ، وأومأ لى بالتحية ، ومضى . اعتذرت عن عدم تلبية دعوتى بمشاهدة فيلم فى سينما أمير ، بطلاه دوريس داى وروك هدسون ..
    لاحظت أنها كانت تستعيد ما يرويه الدكتور جارو من صور . تتخيلها بالعبارات التى يتحدث بها : الطقس والجبال والسهول والوديان والميادين والشوارع والمتنزهات وسلوكيات الحياة . أعرف أنها ولدت فى الإسكندرية . لم تغادرها إلى خارج مصر . مساحة الإسكندرية ، ما يسهل أن تتحدث عنه ستة وعشرين كيلو متراً ، المسافة بين قصر رأس التين وقصر المنتزة . ربما جاوزت المسافة إلى أبو قير ، أو إلى ناحية الغرب فى المكس . لكن أحاديثها تقتصر على المساحة التى تشكل مدينة الإسكندرية ، المدينة التى يغمض أهلها أعينهم على قسماتها ، يتحركون فى الشوارع والميادين ، ويتجولون بين الأسواق والبنايات .
    قلت :
    ـ قد لا تصدقين .. لكننى كنت على ثقة أننا سنلتقى ذات يوم .
    ـ أذكر أن لقاءنا الأول كان فى عيادة الدكتور جارو ..
    ـ التقيت بك فى خيالى عشرات المرات ، وتوقعت أن يحدث اللقاء فى الواقع ..
    ـ مجاملة لا بأس بها ، لكننى لا أحب المبالغات الرومانسية .
    وواجهتنى بنظرة متسائلة :
    ـ لماذا أنا ؟
    وأدارت خصلة الشعر بإصبعها :
    ـ نحن نختلف حتى فى الديانة ..
    ـ لكننا نتفق فى ميل أحدنا إلى الآخر ..
    أردفت فى تحمس :
    ـ طبيعة الحب أنه لا يعترف بالعقبات ..
    ـ الحب ليس كل شئ فى حياتنا . هناك أشياء أهم !
    ـ حتى الأشياء الأخرى ، إما أن نحبها أو نكرهها ..
    استطردت فى ثقة مفتعلة :
    ـ الحب أو الكره .. أليس كذلك ؟
    قالت :
    ـ لو أنى أحيا فى أرمينية ، قد تبهرنى شخصية الرجل الشرقى ، ما يغلف حياته من الغموض والسحر ، لكننى أحيا فى مصر .. أنا مواطنة مصرية ..
    قبضت على حقيبتها ، ونهضت واقفة .
    رد مع اقتباس  
     

  2. #14 رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    ـ 13 ـ

    مذبحة دير ياسين ..
    بدت شاغلاً للناس فى كل مكان : 250 عاملاًُ فلسطينياً كانوا عائدين وقت الغروب من عملهم . تربص لهم أعضاء الأرجون وحصدوهم بالرصاص .
    حضرت مؤتمراً ، مزق فيه الطلبة صور الملك فاروق ، وأشعلوا فيها النيران . أول هجوم سافر ضد الملكية . لحقتهم فى مظاهرة تهتف : لا ملك إلا الله .
    قال الدكتور جارو :
    ـ ما يحدث فى فلسطين ليس أول إبادة يشهدها هذا القرن . لا تنس الإبادة العرقية التى قام بها الأتراك ضد الأرمن .
    ونطق الأسى فى صوته :
    ـ اللجوء إلى الإبادة يأتى عند الشعور بخطر السكان الأصليين . هذا ما حدث فى أمريكا ، وفى أرمينية ، وهو ما يحدث فى فلسطين ..
    وطرقع بأصابعه :
    ـ هدف مذبحة دير ياسين ـ كما أرى ـ دفع الفلسطينيين إلى الفرار بحياتهم خارج بلادهم ..
    وأسلم نفسه إلى شرود :
    ـ هذا هو ما أراده الأتراك بمذابحهم ضد الأرمن ..
    واتجه ناحيتى بنظرة متسائلة :
    ـ هل تذكر ما رويته ؟
    أمنية يستعيدها ، يكررها : أن يزاح الغموض عن حقيقة الإبادة العرقية للأرمن ، الموت جوعاً ، والضرب المفضى للموت ، وعمليات الاغتصاب ، والتشوه الجنسى . ومضت إمكانيات ، ثم اختفت . بدت المسافة متسعة فيصعب تقريبها ..
    قال :
    ـ لليهود دور سلبى فى أوقات المذابح العثمانية للأرمن . أوكلوا إلى أنفسهم دور المرشدين عن الفارين من الإبادة ..
    وبدا أنه يجاهد ليبدو صوته هادئاً :
    ـ عُرف ـ فيما بعد ـ أنهم عرضوا على العثمانيين أثناء المذابح موافقة السلطان عبد الحميد على استيطان اليهود فلسطين مقابل التأثير على الإعلام الأوروبى والأمريكى ..
    أتبين ـ فى رنة صوته ـ ما يعانيه . حتى لو كسا الهدوء وجهه . حتى الابتسامة الخافتة ، المتكلفة ، على شفتيه ، أحدس ما بذله من جهد فى رسمها ..
    ***
    جاءنى صوت نورا فى التليفون حزيناً ، مرتبكاً :
    ـ ألقوا القبض على الدكتور جارو ..
    أغلقت السماعة دون أن أعرف من هم ، ولا لماذا ألقوا القبض عليه ؟
    كان إعلان قيام دولة إسرائيل ، وتحرك القوات العربية إلى فلسطين ، محور أخبار الإذاعات والصحف ومناقشات المكاتب والمقاهى والأسواق . كان يتأمل ارتباكى من أخبار الاعتقالات التى امتدت إلى كل أحياء الإسكندرية . استقبل معتقل أبو قير المئات من المصريين واليونانيين والأرمن واليهود . أعانى الانتظار أن يطالعنى ـ فى لحظة لا أتوقعها ـ من يحيط بساعدى وهو يقول : تفضل معى !
    أطلت الوقوف أمام باب الشقة . لاحظت أمى أنى أكتم ما يشغلها أن أبوح به . كنت أعانى ترقب المجهول . الخطر الذى لا أدرى بواعثه ولا ملامحه . أبتعد عن أمى ، وعن نورا ، وعن الحياة التى ألفتها . أدخل نفقاً تطمس الظلمة مرئياته ..
    قلت :
    ـ إذا تأخرت عن البيت لا تقلقى ..
    واتجهت للتساؤل فى عينيها :
    ـ ربما أسافر خارج الإسكندرية ..
    وهى تدير خصلة الشعر :
    ـ هل تخفى شيئاً ؟
    ـ أبداً .. لكن إذا تأخرت سأترك خبراً عند فيصل مصيلحى فى المكتب ..
    أغلقت الباب خلفى ، حتى لا تربكنى بالمزيد من الأسئلة ..
    فاجأنى فيصل مصيلحى بتخوفه من دخول القوات العربية النظامية ، بدلاً من قوات الفدائيين . الجيوش تعبير عن أنظمة فاسدة . أما الفدائيون ، فهم يدافعون ـ بيقين دينى ـ عن بلاد الأقصى . استعاد قول الشيخ البنا للنقراشى : فلسطين فيها عصابات صهيونية ، ونحن عصابات إسلامية ، والعصابات يضرب بعضها بعضاً . إن انتصرنا فلمصر ، وإن متنا دخلنا الجنة ..
    قال :
    ـ للإخوان ست كتائب قبل إعلان الهدنة الأولى .. لماذا يجبرهم على قبول ما اضطر لقبوله ؟
    قال لى العجوز دون مناسبة :
    ـ لا شأن للحكومة بأصحاب الرأى .. لكنها تعتقل من ينضمون إلى تنظيمات معادية لها ..
    قلت فى دهشة :
    ـ لماذا تخبرنى بهذا ؟
    بدا أن الرجل واصل شروده ، فلم يسمعنى . كانت عيناه ـ فى الأيام الأخيرة ـ دائمتى الشرود . كأنه ينفصل عما حوله ، وأنه لا يرانى فى جلستى أمامه ..
    أعدت السؤال ..
    قال :
    ـ إذا نقل أحدهم آراءك فلا خوف . المهم أن تظل فى حدود إبداء الرأى ..
    لم أعد أتردد على العيادة . لم أعد أسير فى اتجاه شارع إسماعيل صبرى ، ولا الشوارع المتصلة به . توقعت أنهم دخلوا العيادة لاعتقالى . إن لم يفطنوا إلى المنشورات ، فلابد أن تثيرهم مقالات الصحف .
    سابع يوم، وربما ثامن يوم، كانت نورا تنتظرنى أمام المكتب:
    ـ لم يكونوا يقصدونك كما تصورنا ..
    وافتر فمها عن ابتسامة باهتة :
    ـ ألقوا القبض على الدكتور جارو .. ثم أفرجوا عنه ..
    لم أخف دهشتى :
    ـ لا صلة للرجل بالسياسة ..
    ـ لعلها وشاية أو بلاغ كاذب ..
    هزت رأسها مؤمّنة :
    ـ حققوا معه ، ثم أفرجوا عنه ..
    أذهلنى هدوؤه كأنه لم يعتقل ، ولا تعرض للتحقيق ، بكل ما ينطوى عليه من ملابسات . ظلت الابتسامة الهادئة على شفتيه ، وإن تكثفت ـ فى وجهه ـ خيوط توتر صامت ..
    قال :
    ـ البلد فى حالة حرب ، وأنا أجنبى ..
    هتفت بانفعال :
    ـ أنت أكثر مصرية من بعض المصريين ..
    ـ رأى أعتز به .. لكن الأمن لا يعرف التعبيرات الطيبة ..
    أردف فى لهجة محايدة :
    ـ هذا ليس وطنى ..
    وتلفت حوله كالمتحير :
    ـ لم يعد يغضبنى فقد أى شئ منذ فقدت أرمينية ..
    رد مع اقتباس  
     

  3. #15 رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    ـ 14 ـ

    ألقت نورا بكل ذاتها فى انشغالها بما يجرى . تسأل ، وتناقش ، وتوافق ، وتعترض ، وتلصق الشعارات ، وتردد الهتافات ، وتوزع المنشورات ، وتذوب وسط الجموع المتلاصقة ، الهاتفة . لم تفاجئنى تصرفاتها . أرمينية هى القضية التى اختارتها لرسالة الماجستير ، الاحتلال والتهجير والقتل والتدمير .
    يقتحمنى الخوف من أن تجرفها أمواج المتظاهرين . تقع تحت الأقدام فلا تملك الوقوف . تتقلص يدى على موفقها ، وأجتذبها ناحيتى .
    بدت كأنها تخوض معركتها الشخصية ، لا تشغلها النتائج ، ولا تتطلع لأفق الخطر . حتى المصادمات بين العساكر والمتظاهرين ، كانت تجتذبها ، تثيرها ، وتتابعها . تدخل معى فى مناقشات ، تبدأ ولا تنتهى . أستعيد أسئلتها وآراءها فيما لم أتصور أنها تحدثت فيه . تدرك ـ لابد ـ أن الدكتور جارو والخواجة أندريا يرفضان اقترابها من العمل السياسى . تتلفت ـ بعفوية ـ كمن تتأكد أنه ليس بيننا ثالث . تسأل ، أو تبدى الملاحظة . تتشابك الخيوط ، وتختلط ، وإن لم تجاوز مساحة الأحداث التى نعيشها . تفاجئنى بالمعلومة أو الفكرة التى ربما لم أفطن إليها . أحداث من المشهد الثقافى والسياسى . أمر الملك بدخول الحرب بحثاً عن الشعبية ، لم يخطر فى باله أنه سيخسر الحرب والشعبية . متطوعون من أوروبا الشرقية يصلون بطائراتهم للقتال إلى جانب اليهود . كان يجب على الدول العربية أن تساعد الفلسطينيين على خوض معركتهم ، ولا تحارب بالنيابة عنهم . تقتصر مشاركتها على المتطوعين . تظل الحرب فلسطينية يهودية ، وليست عربية يهودية ، فلا يكسب اليهود عطفاً لا يستحقونه . إذا لم تكن تعرف ، فإن العالم كله مع دولة اليهود فى فلسطين ، من أقنعته السياسة ومن أقنعته الرشوة . أنت تكتفى بقراءة الصحيفة العربية ، وأنا أقرأ الصحف الأجنبية أيضاً ..
    فاجأتنى بالقول :
    ـ مشكلة العرب أنهم يتعاملون مع اليهود باعتبارهم عصابات !
    ـ هم كذلك بالفعل !
    ـ لماذا إذن قبلوا الهدنة ؟
    ـ الأمم المتحدة هى التى قررت الهدنة .
    قاطعتنى :
    ـ وهى التى أعلنت التقسيم ، وهى التى احتشدت فيها كل الدول الكبرى لإعطاء فلسطين لليهود
    ـ إرادة المجتمع الدولى يجب أن تحترم !
    ـ وخرق اليهود للهدنة .. ما معناه ؟!
    حدجتنى بنظرة تتأمل الريبة التى لابد أنها نطقت فى وجهى :
    ـ أذكرك بأن العرب ضيعوا الأندلس بإهمالهم آخر قلاع الجنوب الأسبانى ..
    خلت حياتنا إلا من مفردات المظاهرة ، والإضراب ، والاعتصام ، وتوقف المواصلات ، والمنشورات ، والعمال ، والطلبة ، والصهيونية ، وفلسطين ، وإيقاف الدراسة . إذا كانت الحكومات المصرية قد أخفقت فى حل قضية مصر أمام مجلس الأمن ، فكيف نتوقع أن تحل قضية فلسطين ؟ . ما حدث فى دير ياسين يدل على أن اليهود يريدون طرد العرب من فلسطين ، وليس مشاركتهم الحياة فيها . انشغل ملوك العرب بالحصول على قطع من تورتة فلسطين ، بينما حصل اليهود على تأييد الشرق والغرب . هل هى أسلحة فاسدة ، أم قيادات فاسدة ؟ من يدفع ثمن الخيانة ؟
    ألفنا المظاهرات ، وهجمات عساكر البوليس ، وضربات الهراوات ، ودبشكات البنادق ، وخراطيم المياه ، والقنابل المسيلة للدموع ، وإطلاق الرصاص فى الهواء . شاركنا المتظاهرين فى التقاط قطع الحجارة من الخرابات والبيوت المتهدمة والساحات ، وفى قطع الأشجار ، وانتزاع أعمدة النور ، وإقامة المتاريس وسط الشوارع ، وفى تقاطعاتها .
    استقرت فى داخلى أشواق إلى أجوبة عن أسئلة ، تشغلنى دون أن تكتمل مفرداتها ..
    ***
    فاجأنى ، أذهلنى ، ما فعلته نورا ..
    قفزت إلى مقدمة سيارة واقفة إلى جانب الطريق . بدت بالتايير الكحلى المنسدل إلى ما فوق قدميها ، أعلى من كل الرءوس المتلاصقة . هزت قبضتها ، وهتفت بآخر صوتها : الاستقلال التام أو الموت الزؤام ..
    كأنه مجموعة أصوات ، تختلف عما اعتدته فى صوتها ، وإن تآلفت الأصوات فى هارمونية اجتذبت صمت المتظاهرين . أعادت رفع قبضتها ، وخفضها . هزتها فى الهواء ..
    ردد المتظاهرون الهتاف : الاستقلال التام أو الموت الزؤام ..
    أخذ الهتاف شكل الإيقاع المنتظم . تسارع . رددت البنايات المحيطة بالميدان أصداء الهتاف ..
    أبطأت الخطوات ، توقفت تماماً ، لما ظهر عساكر البوليس يسدون الشوارع الرئيسية المتفرعة من ميدان محمد على وميدان المنشية . ثلاثة صفوف متراصة ، يحملون العصى والمصدات الزجاجية . حول طريق السيارات إلى الكورنيش والشوارع المتفرعة منه . سدت كل المنافذ . بدت العودة إلى بحرى مستحيلة ..
    اختلطت قطع الحجارة والهتافات ، والعصى والهراوات وكعوب البنادق والدروع والخوذات ودخان القنابل المسيلة للدموع ..
    تفرقت المظاهرة إلى مظاهرات صغيرة . لاذت بالشوارع الصغيرة ، الجانبية . تبادلنا نظرات الحيرة . مددت يدى ـ بتلقائية ـ فأمسكت بذراعها , وسبقتها إلى شارع جانبى ..
    سرنا صامتين ..
    ملنا إلى انحناءات الشوارع الجانبية ، لا نقصد شارعاً ، ولا نتوقف لتبين ما إذا كنا نعرف اتجاهنا . تصخب فى داخلى ـ حدست أن هذا هو ما كانت تعانيه ـ ومضات المظاهرة وهتاف نورا وضربات العساكر والدماء والصراخ . هدأت خطواتنا ـ بالطمأنينة ـ والكورنيش يطالعنا أمام قهوة المطرى ..
    دخل ـ دون تعمد ـ عالمى الذى اقتصر ـ منذ تركت عيسى أبو الغيط ـ على دراسات القضية المصرية ، وقضايا وادى النيل ، والقضية الفلسطينية . ثم الخروج فى مظاهرات ، وعقد المؤتمرات ، وحبى لنورا الذى يشبه سمكة يرفض الصياد جذبها !
    ارتبكت للخاطر الذى راودنى بأن أضمها إلى صدرى . أقبل شعرها وجبينها وخديها وشفتيها . زاد فى ارتباكى مشيتها الصامتة ، ونظرة ـ غير متأملة ـ تتجه بها إلى الأفق . وكان قوس قزح يتوسط الميناء الشرقية .
    قالت :
    ـ لم أتصور أنى سأواجه هذا الموقف ..
    وأنا أحدق فى وجهها الشاحب :
    ـ هل أصبت ؟
    يبدو أن العسكرى أشفق علىّ ، فوجه ضربته إلى الشاب بجانبى ..
    ـ من ؟
    ـ لا أعرفه .. شاب من المتظاهرين !
    ـ مشاركة البنات فى المظاهرات قليلة .. لكنك الأولى فى قيادة المتظاهرين ..
    وهى تستعيد ابتسامتها :
    ـ لا أدرى كيف جرى ما حدث .. الانفعال وحده دفعنى إلى ما فعلت !
    أردفت فى عفوية :
    ـ الانتماء جميل !
    ***
    قال لى فيصل مصيلحى :
    ـ أنت تسير فى زقاق مسدود ..
    ـ لماذا ؟
    ـ علاقتك بهذه الفتاة لها نهاية واحدة ، هى الفراق ..
    رفع كتفيه فى نفاد صبر :
    ـ ما معنى أن تحب فتاة لا أمل لك فى الزواج منها ؟
    ـ ليس عند أى منا موانع طبية . يمكن أن نتزوج ..
    ـ توجد موانع شرعية . إنها من ديانة مختلفة ..
    ـ ديننا لا يمنع الزواج من الكتابية ..
    ـ وأهلها .. هل يوافقون ؟
    ـ ترحيبهم بعلاقتنا يؤكد موافقتهم ..
    ـ رحبوا بالصداقة لا بالزواج ..
    ـ الخواجة أندريا متعصب للأرمن ، لكنه متسامح فى الدين ..
    قال فى نبرة حاسمة :
    ـ قراءة قصص الحب فى الروايات شىء ، ومحاولة تقمص شخصيات تلك القصص شىء آخر
    رد مع اقتباس  
     

  4. #16 رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    ـ 15 ـ

    قال العجوز :
    ـ لا تخرجى من بيتك هذه الأيام ..
    ـ لماذا ؟
    ـ المظاهرات ..
    وهز إصبعه :
    ـ لا تخرجى .. ولا تأتى إلى العيادة ..
    حذرها من أوامر الضرب فى المليان . المليان هو أجساد المتظاهرين . طلقات الرصاص تندفع من كل مكان ، تتجه إلى غير مكان . حتى الفرار يبدو مستحيلاً . إن لم تخافى على نفسك ، فاشفقى على أبويك .
    قالت فى لهجة مهونة :
    ـ الأمر ليس بهذه الخطورة ..
    ـ قد يتفجر الوضع بأشد مما نتصوره ..
    وفاجأنى بالقول :
    ـ اصحبها إلى محطة الترام ..
    ملنا ناحية البحر ..
    آثار تحطيم وتكسير متناثرة فى شارع إسماعيل صبرى . قهوة فاروق خالية من الرواد ، ومعظم الأبواب مغلقة ، والكراسى تكومت فوق الطاولات . سحب بيضاء ، صغيرة ، تتناثر فى السماء ، ومن وراء الكورنيش الحجرى تترامى أصوات التكسرات المستمرة لمد الموج على المصدات الأسمنتية .
    قالت نورا :
    ـ حتى أبى طلب أن أظل فى البيت ، ولا أذهب إلى الكلية .
    ولوت شفتها السفلى :
    ـ ولا حتى إلى مكتب أبى ..
    استطردت لنظرتى المتسائلة :
    ـ أتردد عليه ساعتين كل صباح لمساعدته فى إنجاز الأوراق المهمة .
    قلت :
    ـ ما شأن ذلك بما يحدث ؟
    ـ امتدت المظاهرات إلى كل مكان ..
    ـ أتصور أنه ليس ملحاً ذهابك إلى الكلية أو المكتب ..
    ـ صحيح .. لكن أوامر المنع تثيرنى !

    [align=center](يتبع)[/align]
    رد مع اقتباس  
     

  5. #17 رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    ـ 16 ـ

    استعدت العبارة :
    ـ مات النقراشى ؟
    جاء صوت فيصل مصيلحى على التليفون محملاً بالتوتر :
    ـ قتله عضو فى الإخوان المسلمين .
    ظل متكتماً صلته بجماعة الإخوان المسلمين ، لكننى كنت أدرك ـ من كلماته وتصرفاته ـ ارتباطه بالجماعة على نحو ما . أطالع الصحف . أكتفى بنظرة تساؤل صامتة إلى عينيه . تومضان بما أحدس أنه يخفيه : قتل القاضى أحمد الخازندار . إلقاء القنابل والمتفجرات على أقسام البوليس فى الخليفة والموسكى وباب الشعرية والجمالية ومصر القديمة والأزبكية والسيدة زينب . إلقاء القنابل ـ فى ليلة عيد الميلاد ـ على محال يرتادها جنود الجيش البريطانى . توالى الانفجارات فى ممتلكات اليهود : بنزايون ، جاتينيو ، شركة الدلتا التجارية ، ماركونى ، شيكوريل ، شركة الإعلانات المصرية ، تدمير بيوت فى حارة اليهود ، قتل حكمدار القاهرة سليم زكى ، إلقاء قنبلة على رجال الأمن بالمدرسة الخديوية ..
    فضل فيصل أن نلتقى فى قهوة فاروق . مشكلات صغيرة ، علينا إنهاؤها قبل أن نلتقى فى العلن . روى ـ بكلمات سريعة ـ ظروف قتل النقراشى . أطلق عليه طالب البيطرى عبد المجيد أحمد حسن ثلاث رصاصات ، وهو يتهيأ للصعود إلى مكتبه بوزارة الداخلية .
    بدا فيصل ميتاً من الخوف وهو يهمس بقرار حل جماعة الإخوان المسلمين وشعبها ، إغلاق الأمكنة المخصصة لنشاطها : المصانع والشركات والمعاهد والمستشفيات ، ضبط أوراقها ، وثائقها ، سجلاتها ، مطبوعاتها ، أموالها ، كل الأشياء المملوكة لها . حتى شعبة الإخوان فى البناية المطلة على ميدان أبو العباس ، رآه مغلقاً ـ فى وقفته أعلى الدحديرة الخلفية للجامع ـ وأمامه عساكر ..
    قلت :
    ـ هل ينطبق القرار على الشركة ؟
    ـ أى شركة ؟
    ـ شركتنا .. شركتك ..
    ـ لا شأن لهم بها . ورثتها عن أبى ..
    ونقر جبهته بإصبعه :
    ـ فى دولاب حجرة هناء زكريا آلة طباعة بالبالوظة . لابد من وسيلة لإخفائها ..
    هل كان يمارس فى الشركة نشاطاً سياسياً ؟
    اعتدت ـ فى عودتى إلى البيت على الكورنيش ـ رؤية الضوء المنبعث من خصاص النافذة المغلقة . أحدس بقاءه فى الشركة لإنجاز ما يتطلب السهر . ربما كان يلتقى بمن لا أعرفهم ـ هل هم أعضاء فى الجماعة ؟ ـ أو يدير آلة الطباعة فى منشورات يخفيها ؟
    أدركت أنه تخلى عما ألفته منه : إذا استعصت عليه مشكلة ، أو بدت نذرها ، لجأ إلى جزيرته الخاصة ، يحيطها بأسوار عالية ، لا تأذن لأحد برؤية ما بداخلها ..
    همست بما يقلقه للدكتور جارو ..
    قال :
    ـ ما أعرفه أن الاعتقالات شملت الشيوعيين أيضاً ..
    وتنحنح ليزيل احتباس صوته :
    ـ كل من اختلف مع السعديين أودع المعتقلات !
    ورنا ناحيتى بنظرة جانبية :
    ـ خذ من صديقك آلة الطباعة التى يخشى ضبطها ..
    وأردف فى لهجة مشاركة :
    ـ وجودها فى العيادة لن يثير الشكوك ..
    قلت فى ذهول :
    ـ هل تحتفظ بها هنا ؟
    ـ قلت إنه صديقك ..
    ـ أخشى أن أعرضك لمتاعب ..
    ـ عين البوليس لن تفطن إلى عيادة طبيب أرمنى عجوز ..
    ورفع عيناً متسائلة :
    ـ لماذا قتلوا النقراشى ؟
    قلت :
    ـ اتهمه الأخوان بخيانة قضية فلسطين ..
    قال فى نبرته الهادئة :
    ـ قرار الحل منطقى فى ظل تحول الإخوان إلى جماعة عسكرية ..
    اعتدل فى جلسته بحيث واجهنى . قال لنظرتى المستغربة :
    ـ ما فعلته لأن صديقك تهدد فى حريته . أرفض ـ لأسباب تعرفها ـ نفى أى إنسان ومصادرة رأيه وإلغاء حريته .
    توقع أن يرد الإخوان المسلمون على قرار الحل : الضربة مؤلمة ، لكنها ليست قاتلة . المئات ـ مثل صديقك ـ خارج المعتقلات . هؤلاء لن يسكتوا . لابد أن يردوا . عرف الإخوان التشكيلات المسلحة والعمل السرى واستخدام المتفجرات . لم تعد الكلمات وحدها وسيلتهم إلى التعبير . علينا أن ننتظر مفاجآت ..
    عاب على الإخوان المسلمين أنهم أنفقوا الأموال فى شراء السلاح ، والتدرب على استخدامه . لكن السلاح ظل فى المخازن ، حتى بدأ استخدامه فى عمليات الاغتيال والتفجير . أتشكك فى الدعاوى الدينية منذ استغلت حكومة الأتراك جهل مواطنيها المسلمين بحقيقة دينهم. حرضتهم على قتلنا باعتبارنا كفاراً !
    استعدت لقاءاتنا . لم يكن يشير إلى الدين على أى نحو . وحين أتمتم " الله أعظم " بتعالى صوت مؤذن جامع سيدى على تمراز بالأذان " الله أكبر " لم يكن يبدى ملاحظة ما ..
    قال :
    ـ موقفى ، رأيى ، ضد الإخوان المسلمين . لا شأن لذلك باختلاف الديانة . ورثت عقيدتى ، ولا شأن لى بها . إجازتى الأسبوعية أقضيها فى البيت ، لا أتردد على الكنيسة . أعامل البشر باعتبارهم كذلك . ما فعله الأخوان المسلمون فى عهد صدقى أثارنى . مهادنة صدقى جريمة ارتكبها من ادعوا انتماءهم إلى دين متطور . أثق أن الإسلام دين متطور . إذا كان النقراشى قد أخطأ فى حل الإخوان المسلمين ، فإنهم قد أخطأوا بعمليات الاغتيال والتفجير ..
    وعلا صوته :
    ـ من يضع يده فى يد الديكتاتور فهو يوافق على أفكاره وتصرفاته !
    ثم غير صوته :
    ـ كان فى بالى أنى غريب عن هذه المدينة ، غريب عن مصر كلها . لا شأن لى بما أراه أو أسمعه . ثم جرنى التعاطف مع الفلسطينيين إلى الاهتمام بما يعانونه ، ثم اجتذبتنى الأحداث فأنا ـ كما ترى ـ أنشغل بها ..
    استطرد فى ابتسامة متكلفة :
    ـ التقاط طرف الخيط جر البكرة كلها ..
    ***
    كانت مفاتيح الشركة معى . أذهب إلى الشركة فى كل صباح . أتوقع ضباط المباحث ـ أمام الباب ، أو فى الداخل ـ والإغلاق ، والشمع الأحمر ، والحراسة ، وبطاقتك الشخصية ، والسؤال : من تريد ؟
    ألغت الحكومة قرار حل جماعة الإخوان المسلمين . تشجع فيصل ـ بغياب ما يقلق ـ فعاد إلى الشركة ..
    ـ الحمد لله أنى لست واحداً من الآلاف الذين أودعوا المعتقلات .
    قلت فى نبرة لوم :
    ـ لم تبلغنى بعضويتك فيها ..
    تردد فى الإجابة ، ثم قال :
    ـ ربما لأن الموضوع شخصى .
    لم أتحدث عن الموضوعات الشخصية التى يقاسمنى فيها الرأى : تحقيقات عيسوى أبو الغيط ، عيادة الدكتور جارو ، علاقتى بنورا ..
    اكتفيت بالقول :
    ـ الحمد لله !
    أطرق إلى الأرض ، ثم رفع عينين منداتين :
    ـ أسخف الأمور أن تحتفظ فى داخلك بخوف لا تصارح به أحداً !
    أردف فى كلمات متباطئة :
    ـ الجهاد يتطلب شجاعة .. لا أمتلكها !
    ـ حاولت أن ألتقى بك فى صلاة الجمعة بعلى تمراز ..
    ـ اكتفيت بالصلاة فى البيت ..
    ثم وهو يتشاغل بتقليب أوراق فى يديه :
    ـ همنى أن أبتعد عن الجوامع ..
    تكلم عن الحزن الذى تملك مشاعره ، وهو يحرق ـ فى دورة المياه ـ كل ما له صلة بالجماعة . أوراق ومطبوعات ـ يرى أنها مهمة ـ ائتمنته الجماعة عليها . حتى خطب الإمام وكتب قيادات الجماعة . حتى الصورة الوحيدة وهو يتابع درساً للإمام البنا . أحزنه مجرد التفكير فى رد السؤال ، بعد أن تزول المحنة : أين الأوراق التى لديك ؟
    لم تمتد إلى المكتب يد التفتيش ، ولا الإغلاق . شاب شعورى بالراحة إدراك أن فيصل مصيلحى كان أداة هامشية فى نشاط الجماعة . لم تلحظها عين الدولة ، فأهملتها .
    رد مع اقتباس  
     

  6. #18 رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    ـ 17 ـ

    واصل تقليب جواز السفر ، كأنه يتأكد من أنه حصل عليه . غمغم بكلمات غير واضحة ولا مترابطة ، وإن عكست الفرحة فى داخله ..
    قلت :
    ـ هل هذه هى المرة الأولى التى تحصل فيها على وثيقة سفر؟
    ـ عندما قدمت إلى مصر اكتفيت بتجديد الإقامة ..
    لاحظ دهشتى من أنه استخرج الجواز للمرة الأولى . ألم يغادر مصر طيلة تلك السنوات ؟
    حدثنى عن رحلته الوحيدة خارج مصر ، بعد ثلاثة أعوام من استقراره بالإسكندرية . سافر إلى الشام ليلتقى بأفراد من رحلة النفى . أعياه النبش بأصابعه فى كومة القش . تحدد الموطن فى الإسكندرية ، لا يغادرها .
    شرد بنظره إلى نقطة غير مرئية :
    ـ لم أفكر فى أنى قد أعود إلى أرمينية ..
    ثم وهو يدنى فنجان القهوة من فمه :
    ـ أريد أن أحتسى هذا الفنجان هناك ..
    قلت :
    ـ هل نسيت المذابح ؟
    ـ إذا استعدت الماضي فأنا أخلصه من كل الذكريات السيئة!
    حدثنى عن رسالة من أرمينية . جميل أن أجد ـ بعد هذا العمر ـ من يراسلنى . عد إلى الوطن لتقضى فيه ما بقى من حياة ..
    يسلمه الشرود إلى الحياة فى أرمينية ، إلى البنايات والشوارع الضيقة المغطاة بالأسقف والكاتدرائيات والكنائس وجبال القوقاز ، والبحر الأسود وبحر قزوين ونهر أراكس وبحيرة سيفان وجبل أرارات ، سقف العالم ..
    ـ هو إذن يعرف أنى فى لحظات النهاية ..
    ـ لك طول العمر . أثق أنهم يحنّون إليك مثلما تحنّ إليهم ..
    قال :
    ـ أفكر فى العودة إلى أرمينية ..
    ـ لماذا ؟
    ـ هذا أفضل ..
    ـ كنت ترفض العودة إلى الحكم الشيوعى بعد انضمام أرمينية إلى الاتحاد السوفييتى فى 1922
    ورمقته بنظرة مستفهمة :
    ـ ما أعرفه أن الأمور لم تتغير ..
    ـ ليس صحيحاً . آلاف من المهاجرين عادوا إلى أرمينية فى السنوات الأخيرة ..
    ـ لماذا ؟
    وهو يشيح بيده :
    ـ لماذا .. لماذا .. ربما لأن الأوضاع تغيرت ..
    ثم فيما يشبه الضيق :
    ـ أنا أرمنى ، ولست سوفييتياً !
    رد مع اقتباس  
     

  7. #19 رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    ـ 18 ـ

    كنا نطل ـ من وقفتنا داخل الحجرة ـ على صدام المتظاهرين والجنود . اصطف العساكر على مفارق الطرق . حاصروا المظاهرة ، وتقدموا فى اتجاهها . انقضوا بالعصى والسيور الجلدية . اختلطت الهتافات والضربات والبروق والصواعق والبراكين والصرخات الوحشية ..
    صرخت نورا بما أخافنى . كأنها تواجه الموت ..
    لم ألحظ كيف سقط الشاب ، لكن العسكرى أهمل الأنين والحركات المتشنجة . واصل الضرب بدبشك البندقية حتى هدأت حركة الشاب تماماً ، كأنه مات . أدارت نحوى ملامح مستغيثة .. قهرها الخوف ، تصورت موت الشاب قد انتقل إليها . احتضنتنى . دست رأسها فى صدرى ، كأنها تريد أن تدخل جسمى . أحسست صدرها وهو يتنفس فى صدرى . مسدت أصابعى شعرها وعنقها وكتفيها وذراعيها . اقتربت شفتاى من شفتيها . تظاهرت بالرفض ، وإن بدا القبول فى إغماض عينيها ..
    قالت ـ فى صوت مرتعش ـ إنها أحست بتكسر عظامها ، والعسكرى ينهال على الشاب بدبشك البندقية ..
    تخليت عن قرارى فى أن أرجئ مصارحتى بمشاعرى قبل أن أتأكد من أنها تبادلنى المشاعر نفسها . حلقنا فى أفق المينا الشرقية . شيدنا القصور على السحب . سرنا فوق الماء كما المتصوفة . راقصنا عرائس البحر فى الأعماق البعيدة . انتشينا بالسحر والأسطورة . بدت الجنة متاحة فى الدنيا .
    سرقتنا اللحظة . لم ألحظ متى تراخت ذراعاها ، ولا كيف تغيرت ملامحها ، وغلب الشرود على نظرتها ، كأنها لا ترى ما تتجه إليه عيناها ..
    غلبنى شعور بالارتباك :
    ـ كنت أظن أنك لا تعنين بفكرة الخطيئة ؟
    أدركت سخف ما قلت ، فتمنيت أن أعتذر ..
    أحيا معها بمشاعر موزعة بين العاطفة والرغبة . لا أدرى متى ، ولا كيف تحل اللحظة التى تجتذبنى . أحلق معها فى سماوات لانهائية الآفاق ، تتناغم فيها أصوات الشفافية والسحر . أشعر ـ فى لحظات تفاجئنى ـ أن ما أطلبه هو جسدها ، لا شأن لى بآرائها ، ولا رسالتها الجامعية ، ولا حتى بالدكتور جارو والخواجة أندريا . الجسد هو المطلب الذى أتوق لملامسته وعناقه . أركز فى الجسد الذى تخفيه ثيابها . أتصور علاقة تبرق فيها الرعود ، وتشتعل النيران ..
    مشطت شعرها بأصابعها ، وعدلت الجونلة ، وواجهتنى بنظرة متسائلة :
    ـ هل تظننى مومساً ؟
    ـ بل أثق أنك محبة ..
    ـ لا أحب أن تنظر لى نظرة الذكر إلى الأنثى ..
    ـ لكننا كذلك بالفعل ..
    مدت يدها تدير خصلة الشعر :
    ـ نحن أصدقاء . هذا يكفى !
    أخذت حقيبتها القماشية من على الكرسى . طوحت بها فى الهواء . نقلتها من يد إلى الأخرى . ألقت بها على كتفها . همست بالسلام ، واتجهت ناحية الباب ..
    رد مع اقتباس  
     

  8. #20 رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    ـ 19 ـ

    أسرعت فى خطواتى . قفزت درجات السلم ، لأبلغ فيصل مصيلحى بالنبأ الذى نشرته الصحف : حسن البنا قتل فى أثناء خروجه من مبنى جمعية الشبان المسلمين .
    اكتفى بالقول وهو يتطلع من الشرفة المطلة على شارع التتويج :
    ـ أعرف ..
    هل كان يتوقع ما حدث ؟
    قال :
    ـ ما يحيرنى أن الأستاذ البنا أصدر بياناً هاجم فيه قاتل النقراشى ..
    حدجنى بنظرة جانبية :
    ـ لماذا دفعوه إذن إلى إصدار البيان ماداموا قرروا قتله ..
    قلت :
    ـ قتله الإخوان عندما وضعوا حقيبة المتفجرات فى مبنى محكمة الاستئناف ..
    وهو يهز رأسه :
    ـ أضعف إبراهيم عبد الهادى الإخوان المسلمين لصالح الوفد .
    قلت :
    ـ الحمد لله أنك أفلت من الاعتقال
    ـ أنا واحد من نصف مليون عضو فى الإخوان ..
    وعلا حاجباه فى تساؤل مستغرب :
    ـ من الصعب أن يقتلوا كل هذا العدد !
    ثم بصوت خفيض :
    ـ لا تنس أنى استقلت من الإخوان منذ مقتل النقراشى !
    أذهلتنى البساطة التى تحدث بها عن استقالته ، كأنه لم يكن ذلك العضو الذى يطبع المنشورات ، ويحتفظ بها ، ويخفى ما يفعل .
    كان يتابع حملات الاعتقال ، والمصادرات . تتبدل ملامحه بتوالى متابعتنا للأخبار . يحاول كتم ما يعانيه من خوف . يجرى بلسانه على شفتيه ـ بعفوية ـ كمن يتذوق العطش . يعلو صوته ليقضى ـ هذا ما أتصوره ـ على القلق فى داخله ..
    رد مع اقتباس  
     

  9. #21 رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    ـ 20 ـ

    هل اعتبرت اعتزام جارو السفر نهاية لعلاقتنا ؟
    ترددت على الأماكن التى اعتدنا اللقاء فيها . مكتبة البلدية ، مكتبة الجامعة ، ميدان محطة الرمل ، شاطئ ستانلى ، المسافة من الكورنيش بين تمثال الخديو إسماعيل ولسان السلسلة ، قلعة قايتباى ، ميدان أبو العباس . حتى بائع الصحف على ناصية أجزخانة جاليتى ، سألته عنها ..
    قال فى ابتسامة تذكر :
    ـ نعم .. البنت الخوجاية ..
    وقلب شفته السفلى :
    ـ لم أرها إلا معك ..
    رنا فيصل مصيلحى ناحيتى بنظرة مشفقة :
    ـ يبدو أن علينا تبادل النصائح ..
    ثم هز سبابته فى وجهى :
    ـ لا تكثر من الحركة هذه الأيام ..
    ـ ماذا تقصد ؟
    ـ المظاهرات والمؤتمرات الشعبية . نحن فى حرب ، وعين البوليس صاحية ، ويده لا ترحم !
    ***
    كان الوقت عصراً ..
    لمحت ضلفتى الشرفة المطلة على المينا الشرقية مفتوحتين . مضيت نحو البيت بعفوية . ضغطت على الجرس .
    ـ نورا ..
    كانت تعانى ارتباكاً ، والترحيب يغيب عن نظراتها ..
    ـ ماذا حدث ؟
    أدارت وجهها تتفادى نظرتى المتسائلة :
    ـ لا شئ ..
    سبقتنى إلى مقعد الدكتور جارو . أكرهت نفسى على الابتسام ، حتى لا تفطن إلى ما أعانيه ..
    ـ تبدين متغيرة ..
    وهى تهز الهواء براحتها :
    ـ لعله الحر !
    تظل ساكتة ، ثم تقول :
    ـ قد يتأخر الدكتور عن العيادة ..
    ـ هذه فرصة لنتبادل الحديث ..
    واستطردت :
    ـ لم أرك منذ أيام ..
    بدا أنها تريد تفويت الملاحظة :
    ـ أظن أن جارو لن يأتى اليوم ..
    لاحظت نطقها اسمه دون لقب . أردفت :
    ـ طلب منى أن أتحدث إليك ..
    ـ ماذا تخفين ؟ ماذا تخفيان ؟
    ـ تزوجت الدكتور ليلة أمس ..
    ت .. ز .. و .. جـ .. ت ..
    متى ، وكيف ، نشأت العلاقة ؟
    كنت على ثقة أن نورا والعجوز من عالمين متباعدين ، يجهل أحدهما أفكار الآخر ومشاعره . لم ألحظ عاطفة ما بينها وبين العجوز : عبارة ، ضحكة ، تبدل نبرة الصوت ، لمسة الأصابع على ظهر اليد ، همسة فى الأذن ، إيماءة ، ابتسامة ذات مغزى . صمت مفاجئ مرتبك . أى تصرف يشى بعاطفة معلنة ، أو مستترة . حتى حواراتهما بالأرمنية غاب عنها انفعال العاطفة .
    قلت وأنا أحاول السيطرة على مشاعرى من تأثير المفاجأة :
    ـ لماذا لم يحدثنى الدكتور جارو بنفسه ؟ لماذا لم يبلغنى باعتزامه الرحيل ؟
    قالت :
    ـ هو يحبك كما تعلم !
    الحب دعوى كاذبة . يختفى المجرم بعد ارتكاب جريمته . أدرك العجوز ما فعل ، فلجأ إلى الاختفاء . إن لم يكن هذا هو العداء ، فماذا يكون ؟
    داخلنى إحساس أن كل شىء زائف ، وغير حقيقى . التفت البنايات بعاصفة من الغبار المصفر ، وحلقت الطيور السوداء فى أفق المينا الشرقية ، وتساقطت حجارة الكورنيش فى قلب البحر ، وواصل عفريت الليل سيره دون أن يضىء بعصاه فوانيس الطريق ، وتداخلت حلقة الذكر المترامية من على تمراز بما اختلطت كلماته ومعانيه ، وعانت صفارات البواخر فى الميناء الغربية حشرجة مقبضة ، وتحول ميدان الخمس فوانيس إلى سرادق للعزاء ، وهتفت المظاهرات للظلم ، وللشيطان ، وتمنيت لو أن الأتراك أفنوا الأرمن عن آخرهم ..
    ـ أنت ؟!
    وفى دهشة :
    ـ لكنك ..
    ـ أعترف أنى أحبك ..
    عصتنى الكلمات ، تتشكل فى فمى ، لكننى أعجز عن نطقها :
    ـ وأنت برهنت لى على حبك ..
    شعرت أن العبارة أفلتت منى دون أن أتدبر المعنى . استطردت :
    ـ ووافقت على زواجنا ..
    ـ أن أحبك ، لا يعنى أن أتزوجك ..
    وسرت ارتعاشة فى صوتها :
    ـ الحب شئ والزواج شئ آخر ..
    شردت فى معنى الكلمات ، ثم غمغمت كأنى أخاطب نفسى :
    ـ أنا لا أفهمك ..
    ـ الزواج استقرار . أريد أن أستقر فى أرمينية ..
    استطردت فى ابتسامة متكلفة :
    ـ تزوجته ليصحبنى إلى أرمينية ..
    ـ لا أفهم .. هل زواجك منه شرط للسفر ؟
    ـ جنسيتى مصرية ..
    ثم وهى تضغط على الكلمات :
    ـ هذه فرصتى الوحيدة لأرى أرمينية ..
    ـ تتخلين عن كل شىء لرؤيتها ؟
    ـ أذهب للإقامة لا للفرجة !
    ـ ألن تستكملى إعداد الماجستير ؟
    ـ ما أريده الآن أن أسافر إلى أرمينية .
    ـ سافرى للسياحة .. للفسحة .. وعودى ..
    ـ لا أهل للدكتور هناك ..
    أضافت فى نبرة واثقة :
    ـ يريدنى أن أكون أهله ..
    ـ هذه مشاعر شفقة ..
    ـ أطلت التفكير قبل أن أتخذ قرارى ..
    ـ الرجل أكبر من أبيك ..
    ـ أعرف ..
    لم يعد لدىّ ما أقوله ، فسكت . رفضت أن أجتر الكلمات التى لا تعنى شيئاً فى الأغلب ..
    حل صمت ، مفعم بالمعانى الحزينة . أحسست أنى وحيد فى صحراء مترامية الأطراف ..
    بدا لى العالم مليئاً بالأسئلة القاسية ، وبالألغاز . لماذا لم يحدثنى العجوز عن العلاقة بينه وبينها ؟ لماذا صمت عن تعلقى بها ـ لابد أنه لاحظه ـ وواصل نسج غزله حتى ألقى طراحته فى وقت لا أعرفه ، وفاز بعروس البحر ؟ هل حدثته عن مصارحتى بحبى له ؟ هل كان يعتبرنى غريماً ؟..
    شغلنى ، صرف انتباهى ، بمتاعب الشيخوخة ، البناية المهددة بالانهيار ، اختلاف الرأى بتباعد السن . لم يحاول حتى مجرد الإشارة ، فأكف عن إلحاح النظرات ، أو أستكين إلى تلاشى التوقع ..
    خمنت من نظرته المتأملة ، الصامتة ، فهمه وموافقته . فارق السن بينه وبينها ، بينه وبينى ، لم يطرح معنى مغايراً . علاقة الأب بابنته هى التى تصورتها ، بين رجل متقدم فى السن وفتاة تصغره بعشرات الأعوام ..
    انطلق الخيال . توقعت أن يريحنى العجوز من عناء المصارحة ، ومن العقبات التى ربما تفرضها أسئلة غير متوقعة من أسرة الخواجة أندريا ؟
    قلت :
    ـ هل يعرف الخواجة أندريا ؟
    ـ هذا شأنى ..
    فى دهشة :
    ـ تتزوجين دون أن تستشيرى أسرتك ؟ دون أن تخبريها ؟
    ـ أنا لست فتاة من بحرى ..
    ضايقتنى العبارة ، وإن جاوزتها بالقول :
    ـ أرجو أن تعيدى مناقشة قرارك ..
    ـ ما قررته نفذته بالفعل . تزوجت الدكتور جارو ..
    ـ سأتغاضى عن الإهانة لأنى أريد أن نفترق صديقين !
    تباعدنا بالصمت ، وبالنظرات المحدقة فى الأرض ..
    حاصرتنى الأسئلة : لماذا ؟ وكيف ؟ وهل تسافر مع العجوز بالفعل ، فلا تعود ؟..
    بدت كل الكلمات فاقدة المعنى ، وسخيفة ، فلا يمكن النطق بها . أضفت صمتها الواجم إلى الجدار الزجاجى بيننا ..
    داخلنى شعور بأنى سأحرم من رؤيتها إلى الأبد . لا أتصور أنى أستطيع فراقها . تصحبنى إلى باب الشقة . تودعنى ، ثم تغلق الباب . أظل فى ذاكرتها ـ ربما ـ لأعوام ، ثم تذوى الملامح ، تشحب ، تختفى . ما كان كأنه لم يكن . لقاءات العيادة ، ذكريات الدكتور جارو ، الجلوس على شاطئ البحر ، رفض فيصل مصيلحى ، ملاحظات الخواجة أندريا ، المناقشات ، المظاهرات ، الأسرار الصغيرة ، التردد على أمكنة المدينة : الشوارع الخالية ، والزحام ، واللافتات ، والأشجار ، والكورنيش ، والحدائق ، ورائحة البحر ، وزرقة السماء ، ورذاذ الأمواج ، وركوب الترام ، وباعة النواصى ، وظلال الشمس على الجدران ، وتلاقى الأذان فى المساجد القريبة .
    هل تواتينى الجرأة لزيارة أسرتها ؟..
    هبطت السلالم إلى الباب الخارجى ..
    طالعنى شارع إسماعيل صبرى بحركته الهادئة . الشرفات الحجرية ذات المقرنصات والأشكال تمتد بطول الواجهة ، ضوء العصر يعلو البنايات ، فغطت التندات الشرفات المفتوحة . امتزج نداء الجرسون فى المقهى على ناصية الشارع بأذان العصر من مئذنة جامع على تمراز المجاور ..
    عبرت تقاطع الشارع مع شارع فرنسا وشارع رأس التين . على ناصية شارع التتويج عربة حنطور ، راح السائق فى إغفاءة ، فوق كرسيه ، ودس الحصان رأسه فى مخلاة التبن . فى الناحية المقابلة عربة تين شوكى ، ينزع البائع بالسكين أغلفته الشوكية عن الثمار ، وعفريت الليل يضىء لمبات غاز الاستصباح
    مضيت فى اتجاه البحر ..
    التفت ـ بتلقائية ـ ناحية شرفة الطابق الأول . كانت نورا تغلق ضلفتى الشرفة . تنبهت ـ بسخونة الشمس ـ إلى أنى أطلت الوقفة أمام قهوة فاروق . يتعالى من داخلها نداءات الجرسون ، وأصوات لاعبى الطاولة والكوتشينة ، وطرقعة القشاط على الطاولة ، وصوت عبد الوهاب يغنى للجندول . وثمة ماسح أحذية يرنو ـ بنظرة متوسلة ـ إلى أحذية الجالسين ، وهو يضرب على الصندوق بظهر الفرشاة ، وقط ـ أسفل الرصيف ـ قوّس ظهره فى مواجهة نباح كلب ..
    البحر حصيرة . ألق الشمس يضوى على مياهه ، وثلاثة قوارب متناثرة ، ألقى أصحابها طراحاتهم ، وانتظروا الصيد . ثمة فى الرمال ، وبين الأحجار الصغيرة والحصى ، جحور للكابوريا ، وطحالب ، وبقايا أعشاب ، وقناديل ميتة . سحابات من الطيور الداكنة اللون ، تحلق فى السماء . تقترب ، تتباعد ، تعلو فى اتجاه الأفق ، ثم تعود ، ثم تنطلق . تشحب فى انطلاقها ، حتى تغيب تماماً ..
    محمد جبريل ـ مصر الجديدة ـ إبريل 1996

    (انتهت الرواية)
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. النص الكامل لرواية «ذاكرة الأشجار» للروائي الكبير محمد جبريل
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 24
    آخر مشاركة: 13/07/2008, 09:24 AM
  2. مشاركات: 70
    آخر مشاركة: 29/05/2008, 10:43 AM
  3. النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 36
    آخر مشاركة: 28/02/2008, 06:08 AM
  4. النص الكامل لمجموعة «ما لا نراه» لمحمد جبريل
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 25/01/2008, 08:26 AM
  5. النص الكامل لمجموعة «إيقــــاعات» للقاص الكبير محمد جبريل
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 23/12/2007, 11:20 AM
ضوابط المشاركة
  • تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •