الرحيل..بين الايام الصفراء والاحلام الخضراء
قراءة في قصة الرحيل للقاص فيصل الزوايدي
د.خضيردرويش
في وقوفنا على عنوان القصة ( الرحيل ) نجده يشي بدلالتين تتحددان بمستويين ، يمثل الاول فيهما المستوى اللغوي،فيما يمثل الثاني المستوى الإجرائي.والمستويان يتجهان بخطين متقابلين يتحدان في نقطة إلتقاءٍ بينهما.فعلى المستوى اللغوي يتضمن لفظ الرحيل الذي يمثل الحدث من بين عناصر القصة الحزن المؤسس على الإفتراق.أما المستوى الأخر فهو المستوى الإجرائي الذي يتمثل في حصول عملية الإرتحال بتفاصيلها الإجرائية المتشحة با لحزن.ويبدو أن القاص أراد توكيد ظاهرة الحزن في قصته ليس من العنوان فحسب وإنما بان ذلك على المستوى اللغوي في الفاظ السطر الاول جميعها إبتداءً بحرف النداء (يا) وإنتهاءً بآخر لفظ (الفجائع) ف(الصابرون،الهم، ضاقت،العمر،أمنياتي،ذاقت،نفسي،وجع،الفجائع.إن كل هذه المفردات تتضمن حالة الحزن على مستوى الدلالة اللفظية.
تبدأ القصة بالإسلوب الندائي الذي ’يعرًف فيه المنادى بقصد(يا الصابرون)،ذلك أنه كان بالإمكان تجريده من أل التعريف ولم يختلف الامر في شيء إلالقصد الدقة في التخصيص والتحديد لكسب التفات المخاطب وضمان إستحصال تعاطفه.ذلك أن الانسان بطبعه ميال للتحاور مع ذاته بطريقة المنلوج أومع غيره بوساطة الحوار الخارجي على مستوى الحضور الحقيقي للمخاطب أو على مستوى الإستحضار. وهذا يحصل للتخفيف من التوتر النفسي الذي يعاني منه الإنسان.وهذا ماكان للشخصية الرئيسة في القصة التي مثًَلها القاص نفسه إذ أنه قد إتَبع أسلوب الترجمة الذاتية فأعار لنفسه دور الشخصية الرئيسة في القصة.
ثم يأتي لفظ الجنوب ليحدد عنصر المكان المحدد المرتبط بزمان غير محدد إلا بصيغة الماضي،إذ أن الحدث كان من جهة الجنوب في يوم ما ولتوكيد حالة التوتر النفسي للشخصية يسعى القاص إلى تأسيس حالة من التضاد قائمة على عنصرين من عناصر الطبيعة منهما ما هو بارد (اليوم) وما هو حار (اللهيب). وتتأكد حالة التوتر من خلال تشظي ذات الشخصية المدعوم بفعل عنصر أخر من عناصر الطبيعة الجامدة (الرياح) ذلك الفعل المتمثل با لعبث على المستوى الإجرائي .ومما يرتقي بحالة التوتر النفسي للشخصية أنَ تلك الرياح لم تكن رياحا بمستوى واحد وإنما كانت بمستويات مختلفة.إذ أن كلَ ما تقدم يشير الى أن القاص أراد أن يؤكد العلاقة السلبية بين عنصرين أساسين من عناصر بناء القصة هما الحدث متمثلا بالرحيل والشخصية متمثلة با لراحل،ذلك أن الرحيل لم يكن الا خيار إضطرار للشخصية وليس خيار رغبة.وإذ يتحقق الرحيل على المستوى الإجرائي يصار إلى توظيف ممارسة إجتماعية شعبية،إعتادت الامهات على أدائها عند سفر أبنائهن،وهي رش الماء خلف الابن المسافرإعتقادا بتحقق السلامة وضمان العودة.إن الوالدة وهي ترش الماء يلتمع(في عينيها بريق ماء آخر) وهنا يأتي الأسلوب الكنائي ليتبين ,من خلاله ان الماء هنا ما هو إلا الدمع الذي إمتلأت به عيناها ولجلاء فكرة القصةترسم صورة الأخ الصغير.وهي صورة وصفية بصرية مؤسسة على حالتين حالة السكون المتمثلة بوقوفه بمحاذاة أمه بقميصه المتهدل وحالة الحركة المتمثلة بعبثه بأ نفه.وهذه الصورة إنما أريد منها إثبات حالة الفقر التي كانت تعاني منها العائلة.أما تحديدعمره بهذه السن فإن ذلك يعني في دلالته أن في عائلته من هو بحاجة إلى الرعاية والإعالة.وفي هذا إستجلاء لمعنى القصة او فكرتها .وحتى لاينسى أحد من أفراد العائلة يأتي ذكر الأخت التي كانت ترقب لحظات الوداع بجزع تم يأتي ذكر الوالد المريض ليختتم إستعراض أفراد العائلة المودعة المرغمة على رحيل ولدها.إن لحظات الوداع الاخيرةجعلت الصراع الداخلي يحتدم في نفس الراحل.فيسعى وبطريقة المنلوج للتهوين من شدة ذلك الصراع،فهو إذ يحاور نفسه،يؤكد أن فرصة السفر المتاحة أمامه ألآن ربما لم تتح في الزمن الآتي،فهو مجبر على المستوى النفسي.
وإذ يستحثه السائق يرى باب السيارة مفتوحا،وهنا تتعدى دلالة فتح الباب مستواها الإجرائي المتمثل با لمغادرة إلى دلالة أخرى تتمثل بإنفتاح حياة أخرى جديدة أمامه كانت قد رسمتها الأحلام له قبل ذلك.حياة مختلفة على مستوى الزمان والمكان.ولإستجلاء فكرة القصة أكثر،يأتي ذكر الفتاة التي رفض يوما أن يتزوجها على الرغم من جمالها وطيبتها بسبب الفقر لاغير.
ثم تبدأ اللحظا ت الأخيرة من الوداع فيرسم فيها صورة الأم،وهي صورةبصرية حركية تعد مما يقوم به أفراد العوائل الفقيرة وبالأخص الأمهات.ذلك هي مسح الوجه أو أحد أجزائه بطرف الرداء.ويبدو أن الأخت لم تستطع تحمل هذا المشهد الدرامي،فغادرت مكانها من النافذة.وقبل المغادرة،وفي اللحظات الأخيرة،وبطريقة إسترجاعية .تبدأ حالة من الإستذكار،فيتذكر ماكان يدور بينه وبين والده من حديث مما يؤجج صراعه الداخلي.وفي خضم هذا الصراع يرجع أكثر الى الماضي،فيستذكر مرحلة صباه،فيرسم لنفسه صورة الصبي اللاهي.وهي صورة تشكلت على المستويين الزماني والمكاني لأجل المقارنة مع الحياة الجديدة في قابل الأيام في البلاد الثلجية.وإذ تختلط عليه الصور بين إستذكار الماضي البائس،وإستشراف المستقبل المشرق،ينسى ما يريد قوله في لحظة الوداع الأخيرة فيلوذ با لصمت.
لقدإرتسمت أمام ناظريه صورة أخرى جديدة للزمن لم يشعر بها غيره،فقداججت اللحظة الأخيرة الصراع بداخله إلى مديات أوسع،ولم يجد بدا من أن يستكمل ماعزم عليه.فيلقي حقيبته في داخل السيارة..وإذ يهم بركوب السيارة،يلفت إنتباهه مشهد سقوط إناء الماء من يد ولده الصغير،فيذكره بما حدث لإمه يوما في حالة مماثلة.لقد أريق الماء الذي أريد له أن يرش بعد خطوات الوداع الأولى بسبب من الإظطراب وفقدان التوازن في مثل هذه اللحظات.ولكن لا ضير.لقد أدى الماء دوره،وعبرت النفوس عن سجاياها وأمنياتها الصادقة،ذلك أن إنسكاب الماء كما هو سقوط المطريحمل دلالة النماء والرزق المنتظر..


رابط قصة " الرحيل "
http://www.merbad.net/vb/showthread.php?t=7829