أ-مقدمة [2]
وما دام الغناء سر الوجود ، كما يقول جبران وتصدح فيروز ، فلماذا يجعلنا كثير من مطربي لا بل مدعي طرب هذه الأيام نعتقد بسبب ما يلوثون به أسماعنا وأبصارنا يوميا ، أن الغناء ( غناءهم ) هو سر الإحباط وارتفاع الضغط وخجل الأسرة أن تتفرج على بعض الأغاني مجتمعة ، فتضطر الأم لتغيير القناة مرات عديدة وإذا نسيت بوجود الأب يتلون وجه البنات بالأحمر ، ويخفضن بصرهن حياءً مما يسمعن ويرين .
وقد تبدو هذه المقدمة غير مرتبطة بالبحث ولكن هربا من هذا التلوث السمعي والبصري ، الذي يقتحم بيوتنا يوميا رحت ألجأ إلى الطيور لأسمع غناءها ، وما أن استغرقني البحث حتى وجدت العجب فطربت فاقرأوا واطربوا معي:-
ب- للطيور أغانيها ( الغناء الكورالي ) [3]
في غابات الإكوادور ، يعيش صنف جميل من الطيور المغردة ، بحيث شغلت علماء الطبيعة طويلا بطبيعة الغناء الذي تنفرد به وبالذات طائر ( النمنمة) ( بضم النون) ، ويعود سبب اهتمام العلماء إلى الغناء الصعب الذي يؤديه في كورس جماعي ووفق نظام حسابي دقيق ومتكامل ، وقد راقب علماء مختصــون
( جامعة سانت أندروس- سكوتلندا ) ، هذه الطيور وتوصلوا إلى قناعة بأن هذا الغناء الكورالي ، هو الأكثر تطورا وتعقيدا في عالم غناء الطيور قاطبة حتى الآن .
ج- الإناث تبدأ
ولاحظ العلماء بأن الإناث هي التي تبدأ الغناء ، فترد عليها الذكور ، في ثنائيات منتظمة وساحرة ، تؤدي خلالها مجموعتان من الذكور والإناث ، مقطوعة موسيقية بارعة ، تستمر دون أن يتقاطع غناءهما ودون أن تنشأ فجوة أو فراغ زمني بين مقاطع هذا الغناء ، ومما يثير الإهتمام ، هو هذا النظام الدقيق والحساس الذي يرافق أداء هذه الطيور.
د- تجربة علمية ( سيمفونية غنائية طائرة )
ولكي يفهم العلماء قواعد هذه السيمفونية الطائرة قاموا بالتجربة العلمية التالية :-
تم صبغ أقدام الطيور بحلقات لونية مختلفة لتمييزها ، وقاموا بتسجيل الغناء بميكروفونات عالية الحساسية وبدراسة نمط هذه التسجيلات تبين ما يلي :هذا ولم يستطع العلماء إلى اليوم معرفة أسباب نشوء هذا الغناء ومغزاه بهذا النسق ، وظلت تفسيراتهم مجرد نظريات تبحث عن أدلة علمية واضحة .
- كل سؤال غنائي تطلقه أنثى الطير يقابله جوابان متتاليان من الذكور
- تتكرر هذه الدورة الغنائية من جديد بعد فسحة زمنية قصيرة جدا
- يستغرق هذا الكورال الغنائي دقيقتين كاملتين
- تبدأ الدورة الغنائية بأن تقدم الأنثى نموذج غنائي معين
- تجيب الذكور جماعيا على هذا السؤال الغنائي بغناء آخر وكأن الأمر متفق عليه .
- تم إحصاء أربعين لحنا مختلفا لكل طير .
ه- بروفات الأغاني العديدة ِ
وفي الغابات المدارية ، يبقى زوج الطيور من الذكر والأنثى معا طوال السنة ، ويدافعان سوية عن عشهما ومنطقة نفوذهما ، بحيث اعتقد العلماء أن تلك الفترة الزمنية كافية لتتدرب الطيور المغردة على طريقة هذا الغناء المشترك حتى تتقنه تماما.
و- طائر النمنمة ( عندليب الطيور )
ويتميز هذا الطائر بأنه أكثر هذه الطيور إتقانا لهذا الغناء الكورالي ، بحيث يحاول العلماء تفسير ذلك ، فلم يجدوا حتى الآن إلا أن هذا الطائر لا يعيش منفردا بل ضمن مجموعات ، وأن تلك السيمفونية الغنائية الطائرة إنما هي آلية دفاعية محتملة ، ويستند العلماء في هذا التفسير على تحليل رد فعل الطيور حين استمعت للتسجيل الصوتي ..!! للغناء القادم من مكبرات الصوت ، فسارعـت بالتحليق حول السماعــات ( مصدر الصوتالغريب ) ثم بدأت بالغناء بصوت أعلى غطى على الأصوات القادمة من آلة التسجيل ...!!
ز- الدجاج غنى بعد زرع جزء من دماغ السمان في رأسه..!![4]
لكن تجربة علمية أخرى أجراها عالم كندي ، أثبت فيها أن الطيور لا تتعلم الغناء من بعضها بل ( تولد وأغانبها في رأسها ) وذلك حينما قام بزرع جزء من دماغ طير السمان ، في دماغ دجاجة ، فأخذت الدجاجة تنق نقيقا مختلفا ، ثم راحت تغني بأنغام غير معهودة منها ..!! وقد جعل الفريق العلمي الدجاج يغني مثل طائر السمان ، مما جعلهم بستنتجون أن غناء الطيور لايستند إلى تعلمها من كبارها ، بل تولد بأغنية في رأسها .
وقد أمضى هذا الفريق العلمي - 12 - عاما وهو يقوم بتجارب لاستبدال خلايا استخلصت من أدمغة أجنة الدجاج ، بخلايا من أدمغة طائر السمان وبالعكس فماذا كانت النتيجة ....!!
ذهل العلماء حينما فقست بيوض النوعين فإذا بالفراخ الصغيرة مشابهة لأمهاتها ، عدا بضع ريشات من طير السمان ظهرت مع ريش الدجاج في منطقة الرأس ، أما المذهل حقا ...فهو أن نقيق فراخ الدجاج الصغيرة ( الصيصان) أصبح مطعما بغناء مرهف من طائر السمان ...!!
وبهذا اقتنع العلماء أن الطيور تولد والأغاني مبرمجة في أدمغتها ، بحيث أن الأمر ينطبق على الأطفال الرضع الذين ينجذبون فورا نحو الأحاديث والكلام ..!!
ويقول العالم الألماني ( ولفجانج ويسكار ) في كتابه ( لغة الحيوانات) [5] :- أن غناء الطيور يتميز كثيرا عند مخاطبتها لطائر آخر ..! ذلك أن بعض الطيور تنادي بعضها بالأسماء المعطاة لها وبعضها ينادي بعضه بأسماء ( دلع..!) خاصة ..!!
ح- أنواع الكناري من حيث التغريد [6]
توجد آلاف الأنواع من الطيور المغردة لكن أشهرها بخلاف ( طائر النمنمة ) طيور الكناري التي تقسم إلى
·الكناري الأمريكي المغرد
وهو طائر جميل وغنائه أكثر جمالا ، وهو هجين محسن وجد في أمريكا سنة 1930 ويعيش 10 سنوات ، وألوانه عديدة كالأصفر والمخضر ، والبرونزي والأبيض ، والبني وغيرها .
·الكناري الرولر الألماني
وهو الأكثر شهرة في غنائه العذب المتواصل ، وهو مغلق لمنقاره ..!! ومصدره جزر الكناري ( منذ 500 سنة ) وهو حساس جدا لا يتحمل البرودة ولا الحرارة ( أليس فنانا ) ، ويتم تربيته من أجل عذوبة صوته ونغمات غنائه متواصلة لا ترتفع ولا تنخفض حدتها ( لا يؤمن بالقرار والجواب )
·الكناري البلجيكي ( ووترسلاجر )
صوته العذب أسر أسماع الناس منذ سنين طويلة ولا يزال ، غناؤه رائع ، وهو طائر يحي الوحدة وزالعزلة وليس اجتماعيا ، ( كباقي الكناري ) ، لذا يجب فصلها منذ الصغر ، ولا تتجاوب مع الأنواه الأخرى ، لكن غناءها يشبه صوت قطرات الماء المتساقطة على بركة ساكنة ، وعرف بلونه الأصفر لكن منذ عشرين سنة وجدت ألوان أخرى وعيناها سوداوان تلمعان ، ومنقارها صلب وأطول من غيره ..!!
·التيمبرادو الإسباني
عرف في اسبانيا ، وهو أقرب جينيا للكناري البري ، غناؤه يحتوي على اثني عشر نغمة مختلفة ( يا ترى مقامات أم عُرَبْ ) ألوانها متعددة ، وتستمتع جدا عندما تأخذ حماما منعشا ، وذيلها عريض كذيل السمكة ، وأرجلها قصيرة وهو الأنقى في اسبانيا ، ويربى لغنائه فقط ، وصوته يشبه صوت الألات الجرسية الشعبية الإسبانية التي تسمى ( التيمبرادو ) .....( وأراهن أن أصله عربيا أندلسيا...!! ) .
ط- النوم يساعد الطيور على الغناء [7]
وذكر تقرير في مجلة ( nature ) ، أن النوم الجيد ليلا ، يساعد الطيور الشابة على إجادة فن التغريد والغناء ..! فقد تبين أن العصافير البالغة ، تبدأ الغناء بعد استيقاظها صباحا بكسل واضح وبصوت واهن وخشن ..! لكنها بعد أن تستمر بالغناء ينجلي صوتها فيصبح رخيما ( يعني تتسلطن ..!!!) ، أما المدهش حقا ..وحسب اعتقاد العلماء فهو أن الطيور تمارس الغناء أثناء الأحلام .. مما يؤدي إلى تحسن أصواتها بعد ذلك .. برغم أن ذلك يسبب لها بعض اللخبطة في البداية (لسه مش حافظة اللحن) .
ويقول العلماء أن الطيور تمر بمرحلة تطور دماغية حرجة قبل أن تصبح أدمغتها ناضجة بالدرجة التي تتيح لها تعلم الغناء .
وبخلاف نظرية ( أن الطيور وأدمغتها مبرمجة على الغناء) فإن علماء آخرين يقولون أن التعلم الصوتي لدى الطيور المغردة ، يماثل تطور الكلام عند البشر ، فالطيور الصغيرة تبدأ أولا بفترة من الصراخ والصياح ( غير متطابق مع النوتة ) قبل أن تتعلم تقليد الغناء بشكل متقن ..!! ( أي أنها تتعلم..سماعـي..!!؟؟) .
وهناك بعض الطيور تردد ما تغنيه نهارا خلال نومها ليلا (خايفة من الحفلة الجاية ) لكن العلماء لاحظوا أن ما يحدث لها أثناء النوم لا يبدو تغريدا ، ولكن تبدأ من حيث انتهت في الليلة السابقة ، وتكون البداية سيئة ثم تتحسن تدريجيا ( مش قلنا بروفات ) ومع ذلك فإن العلماء لم يفسروا هذه الظاهرة إذ كيف تمارس الطيور غناءها في نومها وأحلامها ، ثم يتدهور صوتها صابحا قبل أن بتحسن بعد ذلك ( يمكن من كتر السهر ) .
وخلص العلماء إلى تفسير أن تدهور صوتها صباحا يعود لعدم سماعها صوتها أثناء الغناء في النوم ، لعدم صدور أية أصوات ، إلا نهارا ، ومن المهم للطائر أن يسمع صوته لكي يتعلم أغنيته ...!!.
ي- شن نونغ شي ( الولع بغناء الطيور ) [8]
ولشدة ولعه بغناء الطيور وتغريدها وللترفيه عن العمال أثناء وبعد العمل ، فقد قام الإمبراطور الصينـــي ( شن نونغ شي ) ( الذي عاش قبل خمسة آلاف سنة ) بإبداع آلة موسيقية ذات خمسة أوتار. ولهذه الآلة أصواتموسيقية جميلة مثل غناء الطيور. وبعد ذلك أبدع إبنه آلة موسيقية تسمى ب" تشونغ " ولحن العديد من الأغاني وانتشرت هذه الآلات الموسيقية وتستعمل حتى الآن .
ك- غناء الطيور وألأسماك ( مغنون ومستمعون ) [9]
ويطرب غناء الطيور ( ا لأسماك ) ويساعدها على التكاثر ، حيث أن علاقة صداقة حميمة تنشأ بين بعض أنواع الطيور وبعض الأسماك ، بحيث ما إن تبدأ الطيور تغني للأسماك على سطح الماء ، حتى تهرع الأسماك إليها ، فتلتف حولها ، ويزداد تكاثرها بحيث تتلقى هذه الطيور مكافأة على غنائها ، بظهور جثث ألأسماك التي ماتت بعد تلقيح بيضها ، فتلتقطها الطيور أجراً باهظاً على ما قدمت من غناء شجي .
ل- عـود علـى بــدء
( الغناء غير الرخيص هو سر الوجود ) [10]
وهكذا فإن للطيور غناءها وألحانها ، وتنوع نغماتها ، وفرقها الكورالية ، وثنائياتها الغنائية ، وكذلك مواعيد وتقاليد غنائية محددة لا تحيد عنها أبداً ، لكننا لم نسمع منها غناء رخيصا ً ولا خليعا ولم نخجل يوما من غنائها ، وما زلنا نسمع غناءها منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها ، فلم نمل هذا الغناء أبداً وما زال وسيظل محتفظا بكل قيمته وسموه ورهافته والأهم أنها لا تسرق ألحان غيرها ولا تدعي أغان ليست لها ، ولا تتكبر على خلق الله لسحر وجمال صوتها ، ولم تجمع الملايين من غنائها الدائم المجاني المستمر بحيث أنها لا تعرف أبدا ما معنى غسيل الأموال ذلك أن غناءها هو سر الوجود حقا ...! فاعطني الناي أيها الصديق ولنغن معا ...!
إعداد وتبويب :-
يوسف أبوسالم – إربد-الأردن
المراجع ........
[1]- مطلع أغنية شهيرة لفيروز
[2]- المقدمة ليوسف أبوسالم
[3] - إقبال القزويني – موقع جريدة الرياض اليومية
[4]- موقع الشرق الأوسط
[5]- موقع منتدى الرياضة إلى الأبد
[6]- (موقع our pet clup ) .
[7- ( منتديات قمر الرياض )
[8] - ( موقعcri on line ) .
[9] - ( أنيس منصور – موقع الشرق الأوسط ) .
[10]- المهندس يوسف أبوسالم