الله الله جميل جداً
أخي السندباد
حتى معرفك جميل وودي جداً
وتراك تعرف السندباد وقصصه وما أثرت فينا
خيال وروعة
شكرا لك
عرض للطباعة
الله الله جميل جداً
أخي السندباد
حتى معرفك جميل وودي جداً
وتراك تعرف السندباد وقصصه وما أثرت فينا
خيال وروعة
شكرا لك
رحالة صيني مسلم يبحر في التاريخ
رحالة صيني مسلم يبحر في التاريخ فيكتشف أمريكا قبل كرستوفر كولومبوس.
اجتاز الإسلام منذ دق باب الصين في منتصف القرن السابع مراحل تاريخية متعددة بزغ خلالها العديد من المسلمين الصينيين بين علماء وأطباء ورحالة، ممن ساهموا في نقل حضارة بلادهم للعالم أجمع.. في هذا العدد نقدم لكم رحالة مسلم ساهم في انتشار الإسلام في مناطق متفرقة من العالم واكتشف دولاً لم تعرف من قبل..
من هو ؟
"زهنج هي" هو رحالة صيني مسلم ولد في العام (1371م) من عائلة صينية مسلمة تعيش في جنوب الصين.. كان والده يعمل في التجارة فيسافر كثيراً ويجوب بلدان عديدة مما جعله يتعلق بالسفر والترحال منذ نعومة أظفاره..
وعندما بلغ (11 عاماً) اصطحبه والده في أول رحلة إلى مكة المكرمة.. فتعلم اللغة العربية وتحدثها بطلاقة، وتعرف على مدن الشرق وجغرافيتها وعادات شعوبها.
رحلات استكشافية
برز " زهنج هي" واشتهر برحلاته المتعددة وعلا صيته بين الرحالة والبحارة فوصل إلى جنوب أفريقيا والخليج العربي والمحيط الهندي، وفي كل رحلة ينقل معه الذهب والفضة والحرير الصيني والحديد والمنسوجات القطنية يرافقه الرسامون والفنانون والعلماء والبحارة والجيولوجيون.
وفي عام 1405م قام بأكبر رحلة استكشافية في ذلك الوقت بـ 7 أساطيل بحرية زار فيها 37 دولة امتدت من جنوب شرق آسيا إلى أفريقيا وصولاً إلى العالم العربي حيث كانت الصين تمتلك أقوى الأساطيل البحرية التي كانت تنافس بها الأساطيل الأوروبية في ذلك الوقت.
أما في العام 1413م شد "زهنج هي" رحاله إلى العالم العربي لأول مرة مصطحباً 30000 رجل عبر أسطول ضخم وصل به إلى مضيق هرمز، مسقط وعُمان ثم الهند، ودار حول بحر العرب وصولاً إلى عدن ثم إلى البحر الأحمر..
وفي هذه الرحلة الطويلة توقف " زهنج هي" في كل ميناء عربي يصل إليه ليلقي الترحيب وكرم الضيافة العربي، حيث بعثت أكثر من 19 دولة عربية بمندوبين وممثلين عنها يحملون الهدايا إلى امبراطور الصين في ذلك الوقت " يونغ لي" لتوثيق العلاقات الودية بين الصينيين والعرب.
نقل الحضارة
ساهم الرحالة الصيني المسلم " زهنج هي" في نقل حضارة شعب الصين إلى الدول العربية فضلاً عن نقل البضائع الصينية المميزة كالحرير الصيني واللؤلؤ المصطنع والمطرزات الحريرية والقطنية والذهب والفضة، كما ساهم في التعرف على عادات الشعب الصيني وانتشار الإسلام بشكل موسع.
الأسطول البحري
أما عن أسطوله البحري فكان يتكون من عدد كبير من السفن الكبيرة والصغيرة تتصدرها سفينته التي كانت تعرف بـ" سفينة الكنز" والتي يبلغ طولها (400قدم) حيث اعتبرت أطول سفينة في ذلك الوقت مقارنة بسفينة (كرستوفر كولومبوس) والتي كانت بطول (85) قدماً فقط.
ثم يأتي بعدها تباعاً السفن المحملة بالبراميل العملاقة التي كانت تستخدم لتخزين المياه والخيول الخاصة بالتنقل براً ثم السفن الصغيرة المحملة بالحرير الطبيعي والبورسلان والعديد من المنتوجات الصينية.
أما طاقم الملاحة فكان يحتوي على 27000 بحار وجندي موزعين على السفن كل حسب مهامه المنوطة به.
رحلته الأخيرة
أنهى الرحالة المسلم "زهنج هي" حياته بين موجات البحر أثناء رحلة عودته من الهند في العام 1433م عن عمر يناهز 60عاماً، وقد قام بـ 7رحلات على مدى (28عاماً) قطع فيها أكثر من (50000كم)، وزار أكثر من 37 دولة.
مفاجأة قوبلت بالتشكيك، وهي: أن كريستوفر كولومبوس لم يكن أول من اكتشف أمريكا والمكتشف الحقيقي للقارة الأمريكية كان من الصين وهو "زهنج هي"، وقد نزل على السواحل الأمريكية قبل سبعين عاماً من وصول المستكشف الأوروبي الشهير في العام 1492م. هذا هو الاكتشاف المدهش الذي خلص له الباحث البحري " جيفن منزيس" الذي أمضى 15 عاماً في تتبع آثار أسطور صيني ضخم طوى ذكراه النسيان.
وقد نشر منزيس نتائج بحوثه في كتاب بعنوان: "1421: العام الذي اكتشفت فيه الصين أمريكا".
ولكن كيف تمكن إيطالي من معرفة شيء عن الجزر الكاريبية قبل حتى أن يولد المستكشف كولومبوس؟ هذا هو السؤال الذي دار في خلد منزيس والذي وصل أخيراً إلى قناعة بأن أسطولاً صينياً ضخماً مؤلفاً من ثمانمئة سفينة أبحر من الصين في 8 مارس 1421م ودار حول العالم وأسس مستعمرات في شمال وجنوب أميركا واستراليا ونيوزلندا وفي المحيط الهادئ والمحيط الهندي.
بحث منزيس في السجلات الصينية التي وجد بها إثباتات لرحلات (زهنج هي).
وعثر كذلك على سجلات في أسبانيا والبرتغال تثبت أن أوائل المستكشفين الأوروبيين في العالم الجديد التقوا بمستكشفين صينيين وجلبوا معهم أحجار اليشم إضافة إلى قطع فنية أخرى صينية.
إذن كيف نسي العالم (زهنج هي) وسفنه الثمانمئة؟ لسوء الحظ أنه أثناء خروج الأسطول الصيني في رحلات استكشافية ضربت عواصف مصحوبة بالبرق العاصمة الصينية ودمرت مبانيها.
وفي رحلة سفره الأخيرة إلى مكة وفي طريقه وجدت خريطته البحرية المفصلة للعالم طريقها إلى أوروبا مما منح المستكشفين البرتغال فكرة جيدة عما سيكتشفونه في أفريقيا وأميركا قبل شروعهم في ذلك.
ويعترف منزيس بأن اكتشافه هذا قوبل بتشكيك من المؤرخين المعاصرين، لكنه يقول إن الجميع متفق على أمر واحد على الأقل وهو أن الصينيين استوطنوا سواحل المحيطين الهادي والأطلسي في الجزء الشمالي والجنوبي من أميركا قبل زمن طويل من إبحار كولومبوس إليها.
العدد (82) سبتمبر 2005 ـ ص: 38
(أدب الرحلة)
أدب الرحلة فن معروف في الآداب العالمية، له سماته وخصائصه المتميزة، وقد حفل التاريخ بأسماء الكثير من أعلام هذا الأدب ورواده، الذين قاموا برحلات متعددة، خارج ديارهم أوداخلها، وطافوا بأنحاء شتى من العالم، من أمثال الرحاليْن العربييْن: ابن بطوطة وابن جبير الأندلسي، ومن الغرب: كريستوفر كولمبس وماركو بولو، وغيرهم.
وللعلامة الإدريسي كتاب مشهور، يحمل عنوان: (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق)، وهو من أهم وأمتع كتب الرحلات، وفي عصرنا الحديث، نجد الأديب السعودي الكبير عبدالسلام هاشم حافظ، يقوم بعمل استفتاء في نهاية كتابه الذي يحمل عنوان (العذراء السجينة)(1) عن الوسائل التي يراها صفوة من رجال الفكر والأدب في المملكة، للنهوض بأدب بلاده، وتعريفه للعالم.
ويستهل الأستاذ الكبيرعبد الله بلخير الإجابة في هذا الاستفتاء، بقوله: ".. وهناك الرحلات والاحتكاك بالحضارات الشرقية والغربية، سواء منها الأدبية أو الفنية أو العلمية"
ولسنا في صدد الحديث بإفاضة عن أدب الرحلة اليوم، ولذا نقتصر على ذكر إسهام بعض كبار أدبائنا المعاصرين، بمؤلفات ضافية لهم في هذا الموضوع.. فللدكتور محمد حسين هيكل كتاباه: (ولدي)،
و(في منزل الوحي) وللمازني (رحلة الحجاز) وللدكتور زكي مبارك: (ذكريات بغداد) و(ذكريات باريس) وللدكتور حسين فوزي: (السندباد البحري)،وللدكتور عزام: (رحلات عبد الوهاب عزام).
هذا، وينفرد الأستاذ العقاد، برأيمخالف في (أدب الرحلة)، حيث يقول: «أعتقد أن ملكة الرحلة غالبة على الرحّالين، وغيرالرحالين، ولكنها تظهر في صور كثيرة، غير صورة الرحلة الخارجية، ومنها الرحلة إلى داخل النفس، أو في عالم الخيال.. والظاهر ــ لا.. بل المحقق ـ أنني أنا أحد الرحالين بغير انتقال.. ومع هذا، يحلو لي أن أقول: إنني طفت العالم من مكاني الذي لا أبرحه، لأنني رأيت من هذا المكان، مالا يراه الرحالة المتنقلون"
ولعل العقاد، في قوله هذا، يحاول أن يبرز إيثاره للعزلة والانفراد، مع أقلامه وأوراقه.. على القيام برحلات إلى العالم الخارجي، تكبّده مشقات ونفقات، هو في غنى عنها.. إلا أن من قرأ فحسب، ليسكمن قرأ ورأى وسمع، وانفعل.. ومزج كل شيء حوله، في شتى الأصقاع، بمشاعره، وتأملاته، وخواطره.. ومن هذا المنطلق، نحاول أن نلج إلى عالم الفريق يحيى بن عبدالله المعلمي رحمه الله، كتحية ووفاء له، وهو في أكرم جوار، وقد اخترنا كتابه: «رحلة علمية: ورحلات أخرى»(2)، الذي كان يعتز به كثيراً.
وبادىء ذي بدء، يلفتنا حرصه، في الصفحة الأولى من كتابه هذا، على إثبات أبيات الشاعر المشهورة، التي يقول فيها:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا
وسافر، ففي الأسفارخمس فوائد:
تفرّج همّ واكتساب معيشة
وعلم وآداب، وصحبة ماجد
فإن قيل في الأسفار همّ وكربة
وتشتيت شمل وارتكاب شدائد
فموت الفتى خير له من حياته
بدار هوان، بين واش وحاسد
ثميقول في مقدمة كتابه، ما يدلنا على مناسبة تأليفه له: «هذه مجموعة من المقالات، كنتقد نشرتها في جريدة (البلاد) السعودية
(3)، وكانت تتحدث عن رحلة علمية، قمت بها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، عندما ابتعثت للتخصص في إدارة الأمن العام، وحصلت على شهادة الماجستير». وواكب ذلك، لحسن حظ المعلمي، تفضل خادم الحرمين الشريفين (الملك فهد بن عبدالعزيز) ـ وكان يعمل وزيراً للداخلية في ذلك الحين ـ بالموافقة على الابتعاث إلى أمريكا، للتخصص في علوم الشرطة، لنهاية الشوط.. وآثر المعلمي أن يدخل الولايات المتحدة من غربها، فبدأ رحلته بالاتجاه إلى بيروت، ومنها إلى إيران، ثم باكستان، فالهند.
وتم له مشاهدة إحدى عجائب العالم السبع في الهند: (تاج محل)، الذي أنشأه الملك شاه جيهان، ليكون ضريحاً لزوجته، وقد وصفه وصفاً تفصيلياً لما شاهده، باعتبار أنه إعجاز معماري، يقوم شاهداً على عظمة الحضارة الإسلامية، وأدهشه في (تاج محل) جمال النقوش، وروعة الخط العربي ويستمر المعلمي في تقديم تصوير بديع، بلغة سلسة فكهة، عن: (الحلاقة في بانكوك) وعن مشاهداته في (تايبيه) (التي بدأوا رحلتهم منها في يوم السبت) وأخبرهم الطيّار أنهم سيصلون إلى (هونولولو) في يوم الجمعة.
وتفسير ذلك، أن قائد الطائرة أخبرهم أنه قد عبر بهم خط التاريخ الدولي، وأنهم عادوا مرة أخرى إلى يوم الجمعة، لأن الشمس لم تغب عن أمريكا، ومن ثم اخترقوا الزمن، عائدين إلى الخلف، وأنهم قد كسبوا 24 ساعة من حياتهم.
وحينما وصلوا إلى (لوس أنجلوس) ـ وهي من أكبر الموانىء في المحيط الهادىء، بل وفي العالم بأسره ـ بدأت رحلته إلى أمريكا.
ثم يصحبنا إلى «ديزني لاند» ومدينة السينما العالمية (هوليود) ولولا خشية الإطالة، لأثبتنا الوصف التفصيلي الممتع، الذي قدّمه لمشاهداته، وخاصةفي الفصل الذي حرّره عن (سان فرانسيسكو) إلى أن نصل معه، بخيالنا وتصورنا، إلى محطة الوصول الأولى لتحصيله العلمي في (شيكاغو).. وفي حديثه عن الغرفة التي استأجرها بها، ويغلب عليه المرح وخفة الظل، بما يذكّرنا بمصطفى أمين، في كتابه الرائع ( أمريكا الضاحكة)..
ثم يصطحبنا معه، إلى جولة على شاطىء بحيرة (متشجان)، حيث نشاهد معه، بعين الخيال، أسراباً من الحسان حولها، يستمتعن بدفء الشمس، على رمال الشاطىء، أو يتلاعبن على أمواج البحر، على حد تعبير المعلمي.
وأخيراً، انتظم في سلك الطلاب، وحقق نجاحاً باهراً، بعد إتقان اللغة الإنجليزية، وحصل على (الماجستير) التي أتى إلى الولايات المتحدة الأمريكية، من أجلها.. ولهذا حديث شيّق يتعين إثباته، لفائدة من يمرون بمثل تجربته هذه، إذ يقول: «ومع أني أدعو إلى أن يتذرع الطالب بالهدوء، عند أداء الامتحان، وأن ينبذ شعور القلق، فإني لا أكتم القراء سراً، إذ أخبرهم بأنني قد شعرت بالقلق، وأنا أمثل بين يدي ثلاثة من كبار الخبراء فيعلوم الشرطة في العالم، لكي يناقشوا رسالتي للماجستير، التي كانت عن «تطور أجهزة الأمن»، ولكنني ـ بعد دقائق من بدء المناقشة ـ هدأ جأشي، وسكنت نفسي، وشعرت بالطمأنينة والسكينة، لأنني كنت، ولله الحمد، متمكناً من الموضوع الذي تحدثت عنه في الرسالة، ملماً بكل وقائعه وتفاصيله، حاضر الذهن للإجابة عن أي سؤال، وللاشتراك في أي حوار حول الموضوع».
وهكذا حصل على درجة الماجستير بامتياز، وبدأ يفكر في الحصول، بعد ذلك، على درجة الدكتوراه، وتقدم إلى الجامعة في واشنطن، بطلب قبوله للدراسة فيمنهج (الدكتوراه)، في مادة (الإدارة الحكومية أو العامة) وكم كانت دهشته وفرحته،عندما تلقى من الجامعة الأمريكية خطاباً بقبول طلبه.. وقد زكاه أساتذته، وأوصوا بقبوله، وأشادوا به.. إلا أن (المعلمي) تردد في الأمر: هل يواصل تعليمه أم يكتفي بما حصّل من علم.. ويستجيب لدواعي الشوق والحنين إلى الوطن والأهل والأصدقاء وعوّل على التريث، حتى يصل إلى القرارالحاسم في هذا الشأن، مؤثراً أن يستمتع بإجازة، لمدة ثلاثة أشهر، يجوب خلالها الولايات المتحدة الأمريكية، طولاً وعرضاً.. فإذا جاء موعد الدراسة للدكتوراه، يحزم أمره، بالالتحاق بالجامعة، أو العودة إلى أرض الوطن.
ثم آثراختصار المدة (الثلاثة شهور) والاكتفاء بالتجول في مدن أوروبا.. وركب أول طائرة متجهة إلى (لندن)، وما أن وصل إلى مطار (هيثرو) حتى قال لنفسه: لماذا أبقى في لندن، وقد زرتها من قبل، وعشت فيها فترة من الزمن.. » ومن ثم ركب تواً أول طائرة متجهة إلى ألمانيا، وما أن وصلت الطائرة إلى (فرانكفورت)، حتى قال لنفسه: إن (جنيف) أروع من (فرانكفورت) و(سويسرا) أجمل من (ألمانيا).. فلتكن إجازته في (جنيف)، التي قال فيها الشاعر الدكتور مختار الوكيل:
الله أكبر ياجنيف
فوق الجمال دم خفيف
وما أن استقل الطائرة، التي أوصلته إلى (جنيف)، حتى عاد يقول لنفسه: « ياشيخ فلتكن الرحلة القادمة الآن، إلى (جدة) حتى أشتري منها ما كنت أعتزم شراءه من أسواق أوروبا من هدايا.. ومن ثم، استقل أول طائرة متجهة إلى جدة، وشعر براحة نفسية غامرة، كما أخبرني فيما بعد، بعد أن وصل إلى أرض الوطن في جدة، وتساءل: هل لي أن أبقى في (جدة) وليس بيني وبين (الرياض) ـ التي كان يقيم فيها إقامة دائمة ـ إلا ساعة واحدة.. أرى بعدها الأهل والأصدقاء..
فحزم أمره، وشد رِحْله إلى الرياض، وهو يردد قول الشاعر:
فألقت عصاها، واستقر بها النوى
كما قرّ عيناً بالإياب المسافر
ومن ثم لم تعد به رغبة في السفر مرة أخرى، ولا في مواصلة الدراسة، بعد أن شدته أرض الوطن، ولقيا الأحباب، والاندماج في غمار العمل.
********************************************
الهوامش
أحد فصول كتابي: «الفريق يحيى بن عبد الله المعلمي: رحلة حياة وإبداع» المعد تحت الطبع.
1ــ طبع بالقاهرة سنة 1957م.
2ــ طبعة دار المعلمي للنشر بالرياض، سنة 1412هـ الموافق 1992م.
3ــ ونشر بعضها أيضاً بمجلة (أهلاً وسهلاً) التي تصدرها إدارة العلاقات العامة بالخطوط الجوية السعودية.
دراسة / أحمد مصطفى حافظ
من قراءات(السندباد)
أوروبا في أعين مسلمي العصر الوسيط
هَمج الشمال
لم يكن مثقفو العصر الوسيط في العالم الإسلامي يعرفون الكثير عن أوربا الغربية وسكانها، هذه المنطقة لم تكن تثير اهتمامهم على الإطلاق، وقلما زارها رحالة عرب.
(تقرير منى نجار)
يقول المؤرخ والجغرافي العربي المسعودي في ما كتبه عن شعوب أوروبا، وبصفة أدق عن السلافيين والإفرَنج ومن جاورهم بأنهم أقوام تنقصهم الفكاهة الحارّة، وأن أجسامهم ضخمة وطباعهم خشنة، وأخلاقهم فظة وفهمهم بليد ولسانهم عييّ.
وأن بشرتهم على بياض يجعلهم يبدون بلون أزرق، وجلدتهم رقيقة ولحمهم غليظ. أعينهم زرقاء هي أيضا بما يتماشى ولون بشرتهم، وشعرهم ناعم ومائل إلى الحمرة بفعل الرطوبة والضباب، ويؤكد بأن معتقدهم الديني ينقصه الثبات، وذلك من تأثيرات البرودة وانعدام الحرارة في مناخهم، وكلما نأى بهم المقام باتجاه الشمال إلا وكانوا أكثر غباء وأكثر غلظة وبدائية.
عاش المسعودي في بغداد القرن العاشر الميلادي، وملاحظاته هذه تعكس تصورات عصره. وقد كان الجغرافيون العرب في ذلك الزمن يقسمون العالم الآهل بالسكان إلى سبعة أقاليم. ولم يكن هذا التقسيم مطابقا للواقع الجغرافي للعالم، إلا أنه يعكس الصورة التي كانت تقدمها الخرائط المتداولة في العصر الوسيط العربي الإسلامي، ولدى الإغريق من قبل.
الإنجازات الذهنية كمقياس للتحضر
وبعد ما يقارب المائة سنة من وضع المسعودي لمؤلفه عن تاريخ وجغرافية العالم المعروف لديه آنذاك، يؤلف قاضي من مدينة توليدو الأندلسية كتابا عن أصناف ومراتب الشعوب، وكان العنصر المحدد بالنسبة إليه في تصنيف الشعوب هو مدى الإنجازات الذهنية لكل شعب.
ويقسم سعيد ابن أحمد الشعوب وفقا لذلك إلى فريقين: شعوب كانت لها عناية بالعلوم، وأخرى لم تعرف هذا النشاط، ينتمي إلى الفريق الأول كل من الهنود والفرس، والكلدانيين، والإغريق، والبيزنطيين، والمصريين، والعرب، واليهود،إضافة إلى ذلك يركّز القاضي الأندلسي على منجزات الصينيين، والأتراك بصفة خاصة، وقد احتل هذا الفريق الأول من الشعوب جزءً مهما من دراسته. أما ما تبقى من أمم الأرض فإن سعيد ابن أحمد يصنفها ضمن هَمج الشمال وهَمج الجنوب.
أما عن همج الشمال فيكتب ما معناه أن هذه الشعوب التي لم تول عناية بالعلوم هي أقرب إلى الدواب منها إلى الإنسان، ويرى أن تلك الشعوب التي تقطن أقصى مناطق الشمال ما بين آخر منطقة من المناطق المناخية السبعة وحدود العالم المأهول بالسكان، تقيم في منطقة يجعلها البعد عن الشمس بحكم موقعها المتنحي عن خط الهاجرة(السّمت) ذات هواء بارد وسماء تغطيها السحب.
وذلك هو ما يجعل، حسب رأيه، طباعهم باردة وفكاهتم بدائية وبطونهم سمينة ولونهم باهتا وشعرهم طويلا دبِقا، فيما ينقصهم الفهم الثاقب ووضوح الفكر، مما يجعلهم محكومين بالجهل والخمول وقلة التدبير والغباء.
الفكرة عن الآخر
هذا المؤلف لا ينبئ فقط عن التصورات الجغرافية لذلك العصر وما تُوصل إليه من العلوم، بل يقدم لنا أيضا فكرة عن الصورة التي كونها مسلموا العصر الوسيط عن أنفسهم وعن الآخرين. فقد كانت البلدان المسلمة تمثل لديهم مركز العالم، كما أن العالم المتحضر ينتهي بالنسبة إليهم عند الحدود الشمالية للأندلس.
في ما وراء حواجز الدين كانت هناك اتصالات تجارية نشطة مع البلدان غير الإسلامية آنذاك، وكان التجار المسيحيون والمسلمون واليهود من بلاد المشرق كثيري التنقل عبر بيزنطة وإيطاليا والصين وجنوب شرق آسيا وإفريقيا.
إلا أن ما يجلب الانتباه هو غياب بلدان أوروبا الغربية في نصوص رحلات العصر الوسيط الإسلامية، إضافة إلى عدم حضورها كطرف في المعاملات التجارية. ولهذا الأمر أسباب عديدة.
فالبضاعة التي كانت تعرضها بلدان الغرب الأوروبي لم يكن فيها ما يستهوي أهل المشرق، والمنتوجات الوحيدة التي يرد ذكرها في بعض الأحيان في المراجع الإسلامية تتمثل في الأسلحة والعبيد، ومن حين لآخر الصوف الإنكليزي.
الخوف من تعصب المسيحيين
وهناك سبب إضافي آخر جعل المسلمين يعرضون عن السفر إلى أوروبا الغربية، ويتمثل في عدم تسامح حكام وشعوب تلك البلاد، وقد انتشر الحديث آنذاك عما جرى لليهود في أوروبا العصور الوسطى.
وكان الناس على علم كذلك بما حصل في المناطق التي استُرجعت من نفوذ المسلمين مثل بلاد الأندلس، وكيف أن المسلمين أجبروا هناك على الاختيار بين التنصّر أو الهجرة أو الموت. ولم يكن من الممكن البتة تشكُّل جاليات إسلامية قارة ومستديمة في بلدان أوروبا المسيحية.
ومع ذلك فإن بعضا من أهل المشرق ممن لا تثنهم المخاوف قد غامروا بالسفر إلى أوروبا الظلمات. أحد هؤلاء هو هارون بن يحيي. وهو رجل لا يُعرف الكثير عن حياته، عدا أنه حبس من طرف البيزنطيين في القسطنطينية كأسير حرب، وبعد إطلاق سراحه سافر إلى روما.
ويبدو أن رحلته هذه قد تمت في سنة 886 ميلادي. وكان أكثر ما أثار استغرابه في هذه المدينة التي كان يحكمها ملك يدعى باب، يقصد بذلك البابا، هي العادة التي كانت لدى أهل روما في حلق لحيّهم.
ويقول في ذلك أنه قد سألهم عن السبب الذي يجعلهم يحلقون لحيهم وأي غرض لهم من وراء هذا الصنيع، قائلا لهم إن جمال الرجل يكمن في لحيته، وقد أجابوه بأن من لا يحلق لحيته لا يعد مسيحيا حقيقيا لديهم، ذلك أنه عندما قدم إليهم سيمون والحواريون رأوهم لا ينتعلون أحذية وليست في أيديهم عصي، بل كانوا بائسين وهزيلين، بينما كانوا هم آنذاك ملوكا يرفلون في الديباج ويجلسون على كراسي من الذهب.
دعاهم هؤلاء إلى ديانة المسيح لكنهم لم يأبهوا لدعوتهم، بل ألقوا عليهم القبض وعذبوهم وحلقوا شعر رأسهم ولحيّهم، ثم عندما تجلت لهم في ما بعد حقيقة دعوتهم شرعوا في حلق لحيهم الخاصة للتكفير عن الخطيئة التي اقترفوها بحلق لحي أولئك الدعاة.
الحروب الصليبية
بغداد في شهر أغسطس من سنة 1099: قاضي القضاة سعد الهراوي يقف في ديوان الخليفة العباسي المستظهر بالله. وبصوت مرتفع كان قاضي دمشق يدلي بشكواه للخليفة. قبل أسابيع قليلة وقعت مدينة القدس الشريفة في أيدي الصليبيين الذين يطلق عليهم المسلمون عادة إسم الفرنجة.
وقد ارتكب المعتدون الدخلاء مذبحة شنيعة بين أهالي المدينة ونهبوا البيوت وخربوا المساجد، ونتج عن ذلك أن حل آلاف من الفارين اللاجئين بدمشق، فتبنى الهراوي قضيتهم وجاء يطلب الدعم والمساندة من الخليفة في بغداد.
وقد عبر له الخليفة عن عميق تعاطفه معهم، وكان ذلك كل ما حصل، إذ لم يكن هناك في بداية الحروب الصليبية سوى عدد قليل من العرب قد استطاعوا أن يدركوا الحجم الحقيقي للخطر الذي كان يتهددهم من الغرب.
لقد امتدت فترة الحروب الصليبية على مدى 200 سنة، وبصرف النظر عن المواجهات العسكرية، قد مثلت تلك الحقبة الزمنية إمكانية لم يسبق لها مثيل في مامضى للقاء مباشر بين العالم الغربي والعالم الإسلامي.
إلى حد هذا التاريخ كانت الاتصالات تجري في أغلب الأحيان عن طريق إسبانيا وصقلية، والآن، هاهم الفرنجة يحلون في قلب العالم الإسلامي، أحد الشاهدين على ذلك العصر كان الفارس السوري أسامة بن المنقذ.
كان أسامة من معاصري صلاح الدين الأيوبي، وقد اشترك في المعارك ضد الصليبيين. واستغل بن المنقذ تلك المعارك من أجل التعرف على الفرنجة عن كثب، و قد جمع في مذكرات سيرته الذاتية حشدا من التجارب الشخصية والنوادر.
يركز أسامة باستمرار في مذكراته على الطابع "الفظ" و "الحيواني" لسلوك الأوروبيين، لكن وبصفة أخص على عدم تحضّرهم، وكمثال على ذلك يذكر طرق العلاج الإفرنجية، مذهولا يروي مثلا الطريقة التي عالج بها طبيب منهم تقيحا في رجل أحد الفرسان المحاربين:
أمر ببتر الساق بضربة ساطور، مثال آخر من طبيعة سلوكهم هو طريقة تعاملهم مع النساء، يقول أسامة بن المنقذ: إن الفرنجة لا يعرفون حسا بالشرف ولا غيرة،
وهكذا يمكن أن يحدث أن يكون أحدهم مارا مع زوجته في الطريق فيعترضهما رجل آخر، ينتحي هذا الأخير بالمرأة جانبا ويظل يحادثها بينما زوجها يقف بعيدا وينتظر إلى أن تنتهي المرأة من حديثها، وإذا ما طالت عليه مدة المحادثة تركها مع محادثها ومضى في طريقه.
بقلم منى نجار
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة 2005
**************************************************
من قراءات(السندباد)
برنهارد فون برايدن باخ
رحلة حج إلى الشرق
يرجع الفضل في شهرة تقرير رحلة حج برنهارد فون برايدن باخ إلى تلك الملحقات من النقوش الخشبية، التي أعد نماذجها الفنان إرهارد رويفيش نشأ فى العصور الوسطى المتأخرة نوع من السياحة الدينية المسيحية، واتجه المتدينون والمجازفون نحو الشرق لزيارة المواقع المقدسة والأماكن الغريبة. وكان برنهارد فون برايدن باخ هو أحد هؤلاء، وقد سجل مشاهد رحلاته، التي تعطينا انطباعا عن رؤيته للشرق فى ذلك الوقت.
فى الخامس والعشرين من أبريل/ نيسان عام 1483 انطلق برنهارد فون برايدن باخ من مدينة أوبن هايم الواقعة على نهر الراين فى رحلة حج إلى الأرض المقدسة، واصطحب معه أحد النبلاء المسمى يوحنا فون سولمز، والفارس فيليب فون بيكن، والفنان إرهارد رويفيش من أوترشت، والطباخ يوحنا والمترجم يوحنا كنوص، حتى وصلوا إلى مدينة البندقية بإيطاليا بعد خمسة عشر يوما "بتكاليف غير قليلة وبطرق طويلة ملتوية".
حج نخبوي
كان من الطبيعي أن يستأجر الحاج مكانا على متن سفينة حج متجهة من البندقية إلى فلسطين. وكانت الرحلة البحرية مكلفة جدا وغير مريحة، وكان الحجيج من مختلف البلاد يحتشدون في مكان ضيق، وكان الطعام في أغلب الأحيان سيئا، حتى أصيب الكثير بالمرض أثناء الرحلة بسبب الظروف الصحية التي يرثى لها. ومن أتيحت له الفرصة تسلق فوق المسافرين وقضى حاجته فوق سطح السفينة، أضف إلى ذلك الخوف من تحطم السفينة أو من هجمات القراصنة.
ورغم كل هذا كانت رحلة فلسطين رحلة نخبوية، لأن الحجيج الأغنياء كانوا فقط الذين يقدرون على التكاليف الباهظة للرحلة، ومن ثم كانت الرحلة فرصة لرفع مكانة الحجيج. وكان عدد الحجيج الأوروبيين إلى فلسطين في العصور الوسطى المتأخرة يتراوح ما بين ثلاث مائة وخمس مائة شخصا كل عام.
وبعد أقل من شهرين بالسفينة لاحت الأرض المقدسة لبرنهارد فون برايدن باخ ومرافقيه، إلا أن النظرة الأولى تبعتها خيبة أمل، لأن الحجيج كان عليهم أولا أن يحصلوا على تصريح من المماليك يسمح لهم بدخول فلسطين. ولهذا اضطر برنهارد فون برايدن باخ ومرافقيه للبقاء ستة أيام على السفية حتى يذهب رجال البلاط إلى يافا لإستصدار تصريح لهم بدخول البلد.
عدم الثقة المتبادلة
وهنا تم تسجيل أسماء الحجيج وتحصيل الرسوم منهم، ففي الأرض المقدسة لم يكن هناك شيء مجاني. وأثناء هذه الإجراءات كان المماليك "يحجزون" الحجيج في كهف رطب على الشاطئ حيث يظلون محبوسين ليال طويلة،لأن الحجيج القادمين من بلاد الحروب الصليبية كان لا يسمح لهم بدخول البلد إلا برقابة.
وفي نفس الوقت كان الرهبان الفرانسيسكان يستقبلون الحجيج كما لو كانوا المعقل الأخير للمؤمنين في البلد المقدس، وكانوا يقومون على شؤون الحجيج حتى يتمكنوا من التعبد وتصفية الروح (والحصول على كثير من صكوك الغفران) أثناء زيارتهم لمدينة القدس.
وكان الرهبان الفرانسيسكان يرافقون الحجيج – مثل المرشدين السياحيين المعاصرين – ويلقنونهم دروسا بعدة لغات عن العادات الشرقية ويتولون تنظيم الإقامة في مدينة القدس، حيث يقومون معهم برحلات يومية للأماكن المقدسة ويوفرون لهم المبيت في بعض الأوقات.
ويركز تقرير برايدن باخ على وصف الأماكن المقدسة، ولا يصف المكان الأخير الذي تناول فيه المسيح آخر وجبة للعشاء أو قصة آلامه فحسب، بل أيضا الاصطبل الذي تربى فيه الحمل الذي كان وجبة المسيح في عيد الباساخ.
وفي الواقع كان كل مكان قصة مثيرة في حد ذاته، وكان ينطوي على جزء من قصة الخلاص. وكانت الذروة في زيارة كنيسة القيامة، حيث كان لا يسمح للحجيج بالمبيت فيها إلا بمقابل دفع رشوة. أما عن القدس كمدينة شرقية فلم يذكر التقرير عنها شيئا.
إنعدام التسامح الديني
يتعرض برنهارد فون برايدن باخ في تقريره إلى سكان مدينة القدس، ويكرر ذكر العامل الديني في المقام الأول، حيث يوضح رجل الدين أخطاء الجماعات الدينية الأخرى المقيمة في القدس.
وبحماسه التبشيري الموجه إلى الداخل نجد برايدن باخ يدعم في المقام الأول المسيحية الأوروبية في عقيدتها، حين يبين لهم صورة الإسلام السيئة.
والصورة التي تكونت عن الإسلام ومؤسسه محمد ماهي إلا حقائق وتزوير وأشياء مختلقة حسب الهوى، وأقوال برايدن باخ عن الإسلام وعلى وجه الخصوص إهاناته لا تكاد تكون نتاج ما رآه هناك، بل مأخوذة من مراجع أخرى معاصرة.
كما أن المسيحيين الشرقيين لم يحظوا بالتقدير في كتابه، فنجده يصف المارونيين والنسطوريين بالإلحاد لانفصالهم عن الكنيسة الكاثوليكية. ومن الواضح هنا أنه يدافع عن السلطة المطلقة للكنيسة الكاثوليكية، كما أن الفرق بين المألوف والغريب يحدد ب "ما كان مسيحيا" ويفصل بين الحسن والسيئ.
ويرجع الفضل في شهرة تقرير رحلة حج برنهارد فون برايدن باخ إلى تلك الملحقات من النقوش الخشبية، التي أعد نماذجها الفنان إرهارد رويفيش، حيث تلقي صوره الضوء على الجماعات الدينية المختلفة من زوايا أخرى تماما.
فنرى مجموعة من الرجال العرب تقف هناك بلباسهم الفاخر وأسلحتهم، وبجانبهم نساء ممشوقات القوام – وتلبس إحداهن الخمار - يحاولن التصنت على الرجال. كما طبع الأبجدية العربية أيضا وإن كانت بها أخطاء.
وتظهر تلك الصور اهتماما إيجابيا مقبولا عن السكان الشرقيين، إلا أنه بعيد عن موضوع الديانة.
مقابلات مع مسلمين
وبعد انتهاء الجولات المختلفة في فلسطين اتجه كثير من الحجيج إلى أوطانهم ورجعوا بسفن الحج إلى مدينة البندقية، إلا أن برايدن باخ ومرافقيه عزموا على السفر إلى صحراء سيناء ومصر.
والقارئ يشعر أن برايدن باخ اضطر لترك مرشده السياحي الراهب الفرانسيسكاني في القدس. فتعليقات برايدن باخ على الطبيعة الغريبة وعلى الناس الأجانب تأخذ طابعا شخصيا، كما ابتعدت عن مغزى الرحلة الديني.
أما المقابلات مع المسلمين الذين يصفهم في الغالب بالسارزين Sarazenen فكان يغلب عليها الاستياء من ناحية بسبب الرسوم الجمركية غير المتوقعة وعمليات الغش، وإيجابية من ناحية أخرى.
فنجده يروي أن الناس أعطوه ومن معه من المرافقين ماءا للشرب في الصحراء "لوجه الله" على الرغم من أنهم يجدون "مشقة" في الحصول عليه، ويري أيضا أنهم انضموا إلى قافلة تجارية كان أعضاؤها "لطفاء".
كما يبدو أنه أجرى حوارات مع الأهالي بمساعدة أحد المترجمين، وكان يتبين له كل مرة أن الحجيج المسلمين يقدسون نفس الآثار التي يقدسها المسيحيون. ومع ذلك فلم تصحح تلك المقابلات صورة الإسلام التي أعطاها سابقا، لأن نظرة رجل الدين تظل ثابتة لا تتغير.
الشرق كمنطقة غريبة
ولم يذكر برايدن باخ عجائب الشرق وجماله إلا عند وصفه لمدينة القاهرة، فنجده يقول:
"إن قصر السلطان كبير للغاية لدرجة أنه يسع جميع سكان مدينة أولم Ulm أو نصف سكان مدينة نورنمبرغ Nürnberg، كما توجد مساجد جميلة ذات مآذن عالية لدرجة أني أعتقد أنه لا توجد في روما كنائس بمثل كثرة المساجد هنا".
وهنا أصبح الشرق منطقة غريبة مليئة بالطرائف والعجائب، فيصف باستغراب الأكلات السريعة في العصور الوسطى، وهي مطابخ موجودة في جميع شوارع القاهرة، ويقول:
"رأينا أيضا الكثير من العرب المسلمين يطبخون في الشوارع والأزقة (...). وكثير منهم يحملون القدور فوق رؤوسهم في شوارع المدينة، وما هي إلا نار موقدة وقدور تغلي وأسياخ شواء".
كما يلمح رجل الدين على الأحداث في أسواق العبيد، وأن الناس اعتبروهم – من قبيل الخطأ – عبيدا، وعرض أحد التجار على المرشد السياحي عشرة دوكات على كل شخص.
وأخيرا – وكما هو الحال في الرحلات المعاصرة إلى الشرق – فلا بد من دخول الحّمام: "فدخل الكثير منا إلى حمام البخار إذ أن العرب المسلمين لديهم حمامات جميلة من الرخام، كما أنهم يؤدون خدمات جيدة في الحمامات. ويقومون هناك بتدليك أعضاء زوار الحمام بطريقة غريبة."
وبعد أن انتهى الحجيج من برنامج القاهرة السياحي عادوا إلى مدينة البندقية بالسفينة عن طريق الإسكندرية.
اهتمام حقيقي بالشرق
وعندما يقرأ المرء تقرير رحلة برنهارد فون برايدن باخ يظل برهة متحيرا، ويتساءل:كيف يمكن لقُمص بأسقفية أن يكتب كلمات سيئة تحرض ضد الإسلام من جهة، وفي نفس الوقت يظهر إعجابه بالمساجد الإسلامية؟ وكيف يمكنه أن يوجه للمسلمين اتهامات عامة، ومن ناحية أخرى يمتدح خدماتهم؟
ثمة أشياء كثيرة ترتبط ارتباطا وثيقا بفهم الأدب في العصور الوسطى المتأخرة، فكان الكاتب يتحرك في حدود ضيقة بين ما يتوقعه القارئ من تقارير الرحلات وبين ما كان موجودا بالفعل في هذه الفترة حتى لا يثار شك في أقواله الشخصية. ولم يتوقع المرء من الأديب أن يأتي بشيء جديد، بل كان ينبغي عليه أن يعيد صياغة ما كان معروفا من قبل وما يتعلق به من ثوابت في قالب جديد.
ولا ينبغي أن ننسى أن برايدن باخ كان قُمص لأسقفية ماينز Mainz وذو منصب كنائسي كبير، وأن تقاريره عن الحج كانت تقرأ ضمن النصوص المسيحية في العصر الوسيط المتأخر، ولعل التعبير الإيجابي عن الرحلات أو التسامح تجاه "الكفار" كان في غير موضعه حسب معايير العصور الوسطى.
ومع ذلك فإننا نجد في تقارير برايدن باخ جوانب "توضيحية"، ويكفي أنه طبع الأبجدية العربية في فهرس عربي – ألماني أو أمره بطباعة صور ومشاهد لشعوب الشرق، مما يدل دلالة واضحة على أنه كان يريد أن يعطي صورة صادقة عن الشرق الغريب الذي كان يهتم به.
بقلم ساندرا شميس
ترجمةعبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2005*******************************************
من قراءات(السندباد)
رحلات هانس كريستيان أندرسن في بلاد المشرق"ثروة بإمكانها أن تزيّن أي بيت أنيق في أوروبا"
قصص الكاتب الدانماركي أندرسن مترجمة إلى أكثر لغات العالم.
الشاعر الدانماركي الذي ترجمت أعماله إلى أكثر لغات العالم هانس كريستيان أندرسن، والذي يُحتفل في هذه السنة بمرور 200 سنة على ميلاده كان معروفا بولعه المفرط بالأسفار. وقد قاده حنينه إلى المغرب أيضا. كريستيان هاوك يقدم لمحة عن انطباعات الشاعر الرحالة.
كان السفر بالنسبة لأندرسن(1805-1875) يمثل وسيلة للهروب من الوحدة. قام أندرسن برحلات واسعة الامتداد عبر العديد من البلدان الأوروبية.
وقد وضع مجمل الانطباعات التي حصلت لديه من سفراته العديدة في كتب الرحلة التي ألفها.
غير أن هذه الانطباعات لم تجد لها بالمقابل سوى حضور صعيف داخل حكاياته. وفي حالات متفرقة فقط جعل من الأماكن التي زارها مسرحا لتلك الحكايات، مثل ألمانيا وإسبانيا وسويسرا.
الحنين إلى "ألف ليلة وليلة"
لم تكن رحلة أندرسن إلى إسطنبول سنة 1840 بدافع البحث عن مصدر إيحاء لحكاياته. بل إنه من خلالها قد قام بسفر داخل طفولته الخاصة؛ ذلك أن أباه كان قد قرأ عليه في سنوات صباه حكايات "ألف ليلة وليلة". وبالنسبة لأندرسن كانت القسطنطينية تمثل "مدينة الحكايات والأساطير".
ومباشرة بعد عودته من هذه الرحلة برزت إلى الوجود حكايات "البطة الصغيرة القبيحة" و"ملكة الثلج" و"راعي الخنازير". ولقد استندت الحكاية الأخيرة منها، كما هو متداول في طريقة الكتابة لدى أندرسن، على نموذج حكائي تقليدي، بينما جاءت الحكايتان الجديدتان الأخريان ذات طابع مستقل. لكن إلى أي مدى كانتا تحملان بعضا من تأثيرات الرحلة المشرقية، فذلك ما يظل غير معروف.
من إسبانيا إلى المغرب
بعد ما يقارب العشرين سنة من رحلة إسطنبول سيتجه أندرسن إلى ركن آخر من العالم الإسلامي. ففي الثاني من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 1862 يمدد الرحالة سفرته داخل إسبانيا مستقلا الباخرة من جبل طارق باتجاه شمال إفريقيا. وقد قضى بعدها أسبوعا كاملا في طنجة.
كان أندرسن يقضي كامل أيامه متنقلا بفضول بين قوافل الإبل وبساتين البرتقال وحيوانات الضربان ("لقد عثرت في طريق عودتي على واحدة من أشواكه الطويلة، وهي نفسها التي أستعملها الآن غلافا لقلم الحبر").
وقد أقام أندرسن في الأثناء لدى القنصل الدنماركي، وبالنهاية قام بزيارة لباشا المدينة في حي القصبة.
ومن بين ما جلب انتباه الكاتب الذي غدا شهيرا بحكاياته في العالم كله هذه المعاينة:".. جمع من الموريسكيين يجلسون منصتين في حلقة حول قصاص لا يكف عن الضرب على دف بينما كان يروي حكاياته..."
مفخرة أب يهودي
إلى جانب السكان المسلمين تتميز مدينة طنجة بحضور مجموعة سكانية لا بأس بها من التجار اليهود، في يوم جمعة بينما كان المسلمون يؤدون صلاة الجمعة وأبواب المدينة مقفلة بسبب ذلك، والشوارع تبدو خالية، خاطبه رجل يهودي في الشارع وراح يحاول أن ينتحي به إلى زقاق جانبي، هل ينبغي أن يتبعه؟
قاده ذلك الشخص إلى زقاق مسدود وكان في الواقع يريد أن يريه بيته: "رحت أفكر هل يمكنني أن أثق في هذا الرجل، وكنت أحمل معي مبلغا صغيرا من الذهب. لكنه بدا لي مع فقره أمينا وصادقا، بينما كل شيء من حولنا كان يوحي بشيء شبيه بأجواء مغامرة."
كان أندرسن مولعا بالسفر.
وبالنهاية عرف أندرسن أن الرجل كان يود فقط أن يعرفه على ابنه من باب الاعتزاز والفخر فقط.-"وكان عليّ إذن أن أقدم هبة لذلك الطفل."
الشاعر والقنصل يحتفلان داخل دائرة ضيّقة من الناس: "كان ذلك يوم الأحد. وبما أن سكّان طنجة من المسلمين واليهود، فإن الأفراد القلائل من المسيحيين الكاثوليكيين والبروتستانت لم تكن لهم بطبيعة الحال كنيسة ولا مُصلّى. وبالتالي فإن قدّاس الأحد كان يقام في المنازل الخاصة أو في قلوب الأفراد كل على حده.
داخل غرفة في حديقة المنزل بُسط سجاد على مائدة وفوقه وضع الإنجيل وكتاب المزامير. قرأ علينا دروموند هاي بعض المزامير وبعدها بعض مقاطع من الإنجيل. وقد كان الجوّ داخل هذا القدّاس المجرد من كل فخامة ملائما للخشوع والتأمل."
وداع المغرب
بتأثر عميق وبحزن كان أندرسن يعيش لحظات الرحيل على متن باخرة حربية فرنسية باتجاه إسبانيا. "بعد بضعة ساعات سيكون عليّ أن أغادر هذا الموطن الذي وجدته، أنا الغريب، في هذا الجزء الآخر من العالم. كان علي أن أودع أناسا ظلوا طوال المدة الزمنية القصيرة التي قضيتها بينهم حريصين كل الحرص على توفير أسباب الفرح لي.
لم يكن معلوما لنا إن كنا سنرى بعضنا بعدها مرة أخرى في هذه الحياة؛ وفي أغلب الظن قد لا يكتب لي أن أضع قدمي فوق أرض هذا الساحل الإفريقي بعدها.(...) لقد كانت إقامتي على الساحل المغربي بحق الحلقة الأكثر فائدة من كل ما عشته في هذه الرحلة كلها."
بقلم كريستيان هاوك
ترجمة علي مصباح
*****************************
من قراءات
(السندباد)
آراء أوروبية لمثقف مناوش
الاستطلاعات الأدبية لأحمد فارس الشدياق
الشدياق، شخصية لم تنل حقها من الاهتمام حتى الآن في العالم العربي.أحمد فارس الشدياق (1804-1887) من ألمع الرحالة العرب الذين سافروا إلى أوروبا خلال القرن التاسع عشر. كان الكاتب والصحفي واللغوي والمترجم الذي أصدر أول صحيفة عربية مستقلة بعنوان الجوائب مثقفا لامعا وعقلا صداميا مناوشا أيضاً. تقرير باربرا فنكلر.
كانت لهذا الرجل الذي عاصر فيكتور هوغو وغوستاف فلوبير وإدغر ألن بو وشارل ديكنس اتصالات بمستشرقين ومثقفين أوروبيين وكذلك بمفكرين إصلاحيين عرب. وكمتمكن بارع في اللغة العربية، متمرس بفن البلاغة وبدقائق القاموس اللغوي، فقد كان في الوقت ذاته أحد أهم مجدديها.
ساهم مساهمة فعّالة في تطوير لغة صحفية حديثة منقّاة من البلاغة الزائدة. وصقل العديد من المصطلحات الحديثة مثل عبارة الإشتراكية التي أضافها إلى اللغة العربية. لقد عاش الشدياق حياة مليئة بالحركة على نحو خارق للعادة التي سنورد هنا بعضاً من جوانبهاعلى سبيل الذكر لا الحصر.
حياته
ولد فارس الشدياق في بلدة عشقوت في لبنان، من الديانة المارونية وتحول إلى البروتستانتية، الأمر الذي كان يعد في ذلك الزمن عملا لا يخلو من المخاطر، وقد مات أخوه مسجوناً لدى المارونيين بسبب ذلك.
وجد الشدياق نفسه إذاً مجبرا على الرحيل إلى القاهرة سنة 1825. وعمل ابتداء من سنة 1834 مدرسا لدى البعثة الكهنوتية (البريسبيتريانية) الأميركية ومصححا صحفيا في مالطة لمدة 14 سنة. وفي سنة 1848 تلقى دعوة من الجمعية اللندنية لنشر الإنجيل للقدوم إلى لندن من أجل المشاركة في ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية، فانتقل ليقيم في أماكن مختلفة ببريطانيا وكذلك بباريس.
طلق زوجته المصرية ليتزوج بامرأة بريطانية، الأمر الذي مكنه من الحصول على حماية القنصلية البريطانية. وفي سنة 1857 انتقل للإقامة في تونس واعتنق الديانة الإسلامية، قد يكون ذلك بدافع تسهيل الحصول على وظيفة في إدارة السلطنة العثمانية . وبالفعل فقد دعي من طرف السلطان إلى إسطنبول سنة 1860.
إلى أي حد يستعصي تصنيف الشدياق، يتضح من الظروف التي حفت بدفنه. فبعد وفاته حصل خلاف بين الطوائف الدينية التي كانت تتنازع على أحقية تولي شؤون جنازته. وبالنهاية تم التوصل إلى اتفاق على دفنه بعد صلاة متعددة الديانات في موقع يتوسط المنطقتين المسيحية والدرزية من جبل لبنان.
رحلاته وأعماله
تتميز التجارب والانطباعات الأوروبية لفارس الشدياق بامتداد وعمق يتجاوزان إلى حد بعيد ما كان لغيره من الرحالة الآخرين. تنقل الشدياق، ضمن مختلف المهام التي كلف بها- أو في بحثه عن وظيفة ما- بين بلدان عديدة وفي ظروف مادية ومعنوية عسيرة في أغلب الأحيان.
وكانت تنقلاته تختلف كليا مثلا عن رحلة رفاعة رافع الطهطاوي الشيخ الأزهري والموظف الحكومي لاحقا، الذي جاءت إقامته في باريس ضمن إطار بعثة دراسية رسمية.
وخلافا للتقرير ذي الصبغة التوثيقية العملية لهذا الأخير جاء كتاب الشدياق الصادر سنة 1885 تحت عنوان "الساق على الساق في معرفة الفارياق " ذا طابع أدبي، وبالتالي فهو لا يعتبر وثائقياً صرفا. فقد جاء هذا العمل المهول الذي يقع في حوالي 700صفحة مقسماً إلى أربعة أجزاء قد ركز آخرها بصفة خاصة على فترة الإقامة في أوروبا، في هيئة نص يتنقل بين مختلف الأصناف الأدبية: لا هو بالرحلة في مفهومها التقليدي، ولا هو بالسيرة الذاتية الحقيقية ولا هو بالدراسة القاموسية الصرف، بل كل هذا معا.
يعرض هذا النص الذي يصور حياة بطله المسمى "الفارياق"( وهم إسم خيالي مصاغ من توليفة لشطري إسم الكاتب ولقبه كما يمكن للمرء أن يتبين ذلك بسهولة) في الوقت نفسه مناقشات فلسفية واجتماعية ووصف للأماكن التي مر بها إلى جانب تداعيات التعليقات اللغوية والأدبية.
وقد وردت الموضوعات المتنوعة لهذا العمل مصاغة غالبا في شكل نقاشات سجالية بين الفارياق والفارياقة، زوجته الذكية المثقفة والواعية. وقد جاء هذا التصوير النقدي الذي يتناول المنجزات الجديدة وكذلك الجوانب السلبية للحضارة الأوروبية الحديثة ومن ضمنها الأوضاع الاجتماعية في أوروبا أيام الثورة الصناعية، ينضح سخرية، من الآخر ومن الذات على حد سواء.
فرنسا وإنكلترا في أعماله
والجدير بالذكر هنا هو أن الشدياق لم يتناول أوروبا ككتلة متجانسة، بل كان يفرق بين بلد وآخر، وطبقة اجتماعية وأخرى. مقارنة بفرنسا تبدو بريطانيا في كتاباته أفضل منزلة: ولئن كان الشدياق لا يتردد في انتقاد المعاملات التي يراها ذات غايات ربحية، والافتقار إلى آداب معيشية وإلى التعبير التلقائي عن المشاعر وانعدام قيم الكرم والضيافة، فإن انطباعه العام يظل مع ذلك إيجابيا.
كانت إنكلترا بلده المضيف الأول، وقد حظي هناك بموقع جيد، بل ولعله قد تبنى أيضا بعض الأحكام المسبقة التي يغذيها الإنكليز ضد الفرنسيين. ينوه الشدياق بصدق الإنكليز ومصداقيتهم ووفائهم وكذلك المعاملات المتحررة بين الجنسين.
وقد حظيت النساء بتنويه خاص من طرفه: فهن في إنكلترا، حسب قوله، متواضعات وفيات ونقيات. أما فرنسا فوصف نساءها بالافتقار إلى الطهارة – وكذلك الحالة البائسة للشوارع وتدهور النظافة والقيم الأخلاقية. فالفرنسيات في نظره يحبذن استعراض مفاتنهن ومستبدات تجاه الرجال كما أنهن يطلبن نمط عيش مكلف جدا.
يفيض الكاتب في التنويه بتنظيم مجالات الحياة العامة في إنكلترا؛ الجميع يتمتعون بنفس الحقوق، ولا وجود لأي نوع من التعسف من طرف الحكام. وفي كتاب آخر صدر سنة 1867 بعنوان "كشف المخبّأ في فنون أوروبا" ، وهو كتاب رحلة من النوع التقليدي، قدم الشدياق صورة إيجابية عن فرنسا كأمة ذات حضارة تتمتع بنمط عيش متحضر.
لقد كان الشدياق دون شك مثقفا محباً للمواجهة لا يبتعد عن أي نوع من المحرمات: انتقادات إنجيلية، تصويرات شهوانية مثيرة، الدفاع عن حقوق المرأة وعن الفصل بين الدين والدولة، بالإضافة إلى انتقادات لاذعة للإكليروس اللبناني ولكبار الملاّك والطائفية؛ كل ذلك كان مستفزاً للغاية في ذلك الزمن - وما يزال جزئياً إلى يومنا هذا.
ولعل بقاء الشدياق مغمورا لا يحظى بما يستحق من التقدير، يعود إلى هذا الطابع الصدامي الاستفزازي، وحتى الآن ما يزال هذا العمل الجامع الذي خلفه لا يحظى بما يليق به من التكريم.
بربارا فينكلر
ترجمة علي مصباح
********************************************من قراءات(السندباد)