رد: أدب الرحـــــــلة ...
http://img141.imageshack.us/img141/8740/15lv.gif
http://www.25q8.com/vb/uploaded/wrdaa.gif
http://www.islamonline.net/arabic/ar...ges/pic03b.jpg
*
http://www.islamonline.net/arabic/ar...ges/pic03a.jpg
الخديوي عباس حلمي
يُعَدّ كتاب "الرحلة الحجازية" من أهم كتب الرحلات التي صدرت بالعربية في العصر الحديث؛ فهو فضلا عن كونه يُعَدّ من أدب الرحلات فإنه وثيقة تاريخية نقف من خلالها على طبيعة الحياة في بلاد الحجاز في العقد الأول من القرن العشرين.
فمؤلف الكتاب هو "محمد لبيب البتنوني"، ولا نعرف عنه إلا أنه كاتب مصري له اشتغال بالأدب والتاريخ، وتُوفِّي بالقاهرة سنة 1357هـ / 1938م، ويبدو أنه كان كثير الأسفار شغوفا بالرحلة، محبا للتنقل بين البلاد، وقد سجل مشاهداته في كتابين، الأول: هو ما نحن بصدد التعرض له، والآخر بعنوان "رحلة الصيف إلى أوربا" دوَّن فيه ما شاهده في أثناء سياحته في النمسا وألمانيا وبلجيكا وروسيا.
رحلة الخديوي
يعتبر كتاب "الرحلة الحجازية" تسجيلا لرحلة معروفة قام بها الخديوي عباس حلمي لأداء فريضة الحج سنة 1327هـ/ 1909م، وقد صاحب الخديوي في حجه عدد من كبار رجال الدولة أمثال: "أحمد شفيق" باشا المؤرخ المعروف، وأحمد خيري ناظر الأوقاف، والشيخ "محمد شاكر" وكيل مشيخة الأزهر الشريف.
وكان ضمن حاشية الخديوي الشاعر الكبير "أحمد شوقي"، لكنه تخلف عن هذه الرحلة، ثم اعتذر للخديوي حين عودته من الحج، فقبل اعتذاره لمكانته عنده، وقد كتب أحمد شوقي قصيدة خالدة بهذه المناسبة بعنوان "إلى عرفات"، منها:
إذا زرت - يا مولاي - قبر محمد*
وقبَّلت مثوى الأعظم العطرات
وفاضت مع الدَّمع العيون مهابة*
لأحمد بين الستر والحجرات
وأشرق نور تحت كل ثريَّة*
وضاع أريج تحت كل حصاة
فقل لرسول الله: يا خير مرسل*
أبثك ما تدري من الحسرات
شعوبك في شرق البلاد وغربها*
كأصحاب كهف في عميق سبات
*
ذكر مؤلف "الرحلة الحجازية" أن عباس حلمي خديوي مصر كانت تتوق نفسه إلى أداء فريضة الحج، وأن هذه الأمنية كانت تتردد في نفسه من عام إلى آخر حتى حسم أمره، وعزم على أداء الفريضة في سنة 1327هـ/1909م وفي صحبته والدته وكثير من أميرات الأسرة المالكة.
وقد تتبع المؤلف أحداث الرحلة منذ أن تحركت من القاهرة في صباح يوم 29 من ذي القعدة 1327هـ/12 من ديسمبر 1909م حتى نزولها بمكة في الثالث من ذي الحجة، ووصف موكب الخديوي وهو يدخل مكة من باب جرول حتى دخل الحرم المكي، وطاف طواف القدوم، وخرج إلى السعي بين الصفا والمروة.
ويذكر أن عباس حلمي لم يتجرد عن فخامته فقط، بل عن مظاهر الدنيا بأجمعها، كما يذكر أنه سعى بين يدي الله سبعة أشواط، وبعد السعي قصد دار الإمارة التي أعدت لتكون مكان إقامته مدة وجوده في مكة، وهذه الدار كان قد بناها "محمد علي" والي مصر سنة 1228هـ لتكون مقرا لحكومة الحجاز.
وأقام البتنوني بمكة في صحبة الخديوي عباس، يزور معه معالم مكة وآثارها، حتى خروج الحجاج إلى عرفات في التاسع من ذي الحجة، ويصور بقلمه هذا المشهد تصويرا بارعا، "حيث يتحرك المحملان المصري والشامي إلى منحدر جبل الرحمة، ويصعد خطيب عرفة بناقته وهو في الغالب قاضي مكة من قبل السلطان العثماني، إلى صخرة في صدر هذا الجبل، ويخطب نيابة عن السلطان خطبة يُعلم الناس فيها مناسك الحج، ويكثر فيها من الدعاء والتلبية، ومن دونه مبلغون بأيديهم مناديل يشيرون بها في كل تلبية إلى الواقفين دون الصخرة، فيهتف الجميع: "
لبيك اللهم لبيك".
ويصور المؤلف هذه الساعة الممتلئة بالمشاعر الصادقة الفياضة، والتضرع الخالص بقوله: "فيا لها من ساعة ترى الناس فيها قد تجردوا بالمرة عن أنفسهم، فلا يكادون يشعرون بما يحيط بهم من معالم الحياة، وقد تغلب وجدانهم على وجودهم، حتى كأنهم في لباسهم الأبيض الطاهر النقي ملائكة الله في هذا الوادي الذي يردد صدى أصواتهم وابتهالاتهم إلى واجد الوجود، إلى الملك المعبود.. ثم يعود إليهم صدى هذا الصوت فيحدث في نفوسهم هزة تدق لها قلوبهم، وتضطرب منها أفئدتهم خشية من رب الأرباب".
والمؤلف في أثناء ذلك يسجل موكب الخديوي الذي خرج في صباح يوم التروية من مكة إلى عرفة، وهو بملابس الإحرام راكبا جواده، ومن خلفه رجال معيته وحاشيته، فوصلها في الرابعة ظهرا وظل واقفا مع كبار رجال دولته حتى نفر الناس فنفروا معهم إلى المزدلفة، وبعد صلاة الصبح نزل في موكبه إلى منى فرمى جمرة العقبة، وذُبحت الأضاحي بحضوره، وتحلل من إحرامه، ثم نزل إلى مكة بموكب حافل ومعه أميرها، فصليا العيد في الحرم الشريف.
في المدينة المنورة
وبعد أن انتهى الخديوي من أداء مناسك الحج ذهب بموكبه الحافل إلى المدينة المنورة، ودخل ومعه بعض رجال دولته المسجد النبوي من باب السلام، وزار الروضة الشريفة.
ويذكر البتنوني أن الخديوي كان مدة وجوده بالمدينة يكثر من الصلاة في الحرم، ولا تفوته صلاة، ويقوم بخدمة إسراج القناديل الموجودة في الحجرة النبوية الشريفة، وإطفائها في الصباح، وكانت هذه الخدمة مما يحرص عليه الأمراء والعظماء وغيرهم من أعيان المسلمين في أثناء زيارتهم للمسجد النبوي.
أما عن المؤلف فقد تحدث عن تجربته الروحية وهو يدخل المسجد النبوي، ويزور الروضة الشريفة، فيقول: "وصلينا ركعتين في الروضة الشريفة تحية للمسجد، ثم خرجنا إلى الرواق القبلي، واتجهنا إلى المقصورة الشريفة، وتمثلنا بمنتهى ما يمكن من الخضوع والاستكانة أمام أول باب منها تجاه مسمار من الفضة جعل أمام الكوكب الدري الذي وضع فيما يحاذي الوجه الشريف.. هنالك وقفت النفس بالمركز الذي ينبغي لها تلقاء هذا الجلال وهذه العظمة، فكنت ترى الروح بمجموعه، والقلب بخضوعه، والطرف بدموعه، واللسان بخضوعه...".
وثيقة تاريخية
ويحسب للمؤلف أنه جمع في كتابه بين أدب الرحلة وكتابة التاريخ ووصف الآثار، وهو ما أعطى الكتاب أهمية كبيرة في كونه احتفظ لنا بمعلومات مهمة عن كثير من الآثار الإسلامية التي هدمت بعد قيام الدولة السعودية، وكانت من روائع الفن الإسلامي، كما ذكر الكتاب معلومات مهمة عن القبائل العربية الموجودة هناك، وأماكن وجودها، وعدد أفرادها، وعن تركيبة السكان في مكة والمدينة، وطبيعة الحياة الاقتصادية بهما، وكانوا أخلاطا من أجناس شتى من الهند وجاوة وبخارى والشام ومصر واليمن، وقد وصل هذا الخلط إلى أزيائهم ولغاتهم، فيتكلمون في الغالب بلغة يكثر فيها الحشو من كلمات عربية مشوهة أو فارسية أو تركية.
واحتوى الكتاب على بحوث تاريخية عن تاريخ الحرمين المكي والمدني وعمارتهما، وما طرأ عليهما من تطور في البناء والعمارة، ووصف دقيق لهما على الصورة التي رآها، وبحوث فقهية عن أحكام الحج التي قدمها تحت عنوان "كيف تحج أيها المسلم؟".
كما تحدث الكاتب عن كسوة الكعبة ومصاريفها التي كانت تنفق عليها، وبيان مفرداتها، وذكر أن مصروفات الكسوة التي كانت تصرف من المالية في وقته كانت تبلغ ميزانيتها 4450 جنيها.
ومما قال: "
إن الكسوة كانت تصنع في القاهرة سنويا، وعند الانتهاء منها يعمل لها موكب عظيم في نحو منتصف شهر ذي القعدة، يحضره جناب الخديوي أو من ينوب عنه، وينتهي بها الموكب إلى مسجد الحسين، حيث تسلم في مجلس يعقد في المسجد في حضور أمير الحج للسنة المرسلة فيها".
ويذكر البتنوني تفصيلات دقيقة فيما يتصل بالمحمل المصري، والأموال التي تنفق عليه، والمرتبات التي كانت تجريها مصر على الأشراف بمكة والمدينة المنورة، والأموال التي تخصصها للتكية المصرية في مكة والمدينة.
الحجرة النبوية
ومن أطرف ما كتبه البتنوني كان عن المقصورة الشريفة في المسجد النبوي، وهي من النحاس الأصفر، وكانت قد صنعت في مصر في عهد "قايتباي" سلطان مصر، وفي داخل المقصورة الحجرة الشريفة، وهي المكان الذي توفِّي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، ويذكر أن السلطان "نور الدين محمود" بلغه في سنة 557هـ أن الصليبيين كانوا يعدون لسرقة جثمان النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر بإحاطة بناء الحجرة الشريفة ببناء آخر نزل بأساسه إلى أعماق بعيدة، ثم صب الرصاص على دائرة بحيث لا يمكن أن تتناوله يد الزمان.
وكان أول من كسا الحجرة الشريفة "الخيزران" أم الخليفة "هارون الرشيد" عندما قدمت في حجها لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم، وصارت من بعدها سنة الملوك والسلاطين، وبين المقصورة المبنية والشبكة النحاسية الخارجية طرقة سعتها نحو ثلاثة أمتار، وفي إحدى زواياها كرسي موضوع عليه مصحف شريف كبير أهداه إلى الحجرة الشريفة الحجاج بن يوسف الثقفي. ويذكر البتنوني أن سقف هذه الطرقة مملوء بثريات الذهب والفضة، منها إحدى وثلاثون مرصعة بالماس والزمرد والياقوت.
وفي مقابل الوجه الشريف على جدار المقصورة حجر كبير من الماس يحيط به تركيبة من الذهب المرصع، وهذا الحجر في حجم بيضة الحمام الصغيرة، ويقدرون ثمنه آنذاك بثمانمائة ألف جنيه، ويسمون هذا الحجر بالكوكب الدري لشدة تألقه وعظيم سنائه وبهائه، وكان قد أهداه للحجرة السلطان العثماني "أحمد خان الأول".
ويقدر المؤلف جملة ما في الحجرة النبوية الشريفة من جواهر وشمعدانات ذهبية ومكانس من اللؤلؤ، والمصاحف المرصعة بحوالي سبعة ملايين جنيه، ويذكر المؤلف أن في مطلع القرن الثالث عشر الهجري كانت الحجرة الشريفة عامرة بما لا يُحصى من الذخائر الثمينة، لكنها تعرضت للنهب في سنة 1221هـ/1806م.
مشهد ثقافي مسجل
وقد سجل المؤلف الحياة الثقافية في الحجاز في أثناء قيامه بالحج، فذكر أن بمكة مدرستين، أشهرهما المدرسة الأصولية التي بناها الشيخ "رحمة الله الهندي" صاحب كتاب "إظهار الحق"، وكان يُدرَّس فيها القرآن الكريم والتجويد، وشيء من اللغة العربية والحساب والهندسة، وينفق عليها من تبرعات أهل الهند، ويذكر أن المدرسة الأخرى يقوم عليها الشيخ يوسف محمد الخياط، وهي لا تختلف عن الأولى كثيرًا، وليس بمكة مكتبة عامة تذكر سوى مكتبة صغيرة في باب النبي، وأخرى في باب السلام تسمى بـ"الكتبخانة السليمانية"، وليس لهما نظام في العمل.
كما يذكر أنه كان يصدر بمكة جريدة بالتركية والعربية، اسمها "الحجاز" وهي أشبه بجريدة رسمية، كل ما فيها تقريبا يتعلق بأخبار الحكومة وإعلاناتها.
أما في المدينة فيذكر المؤلف أن ليس بها من المدارس ما يستحق الذكر، وما يدرس في الحرم النبوي هو شيء يسير من الفقه والتفسير، وبها مكتبة شيخ الإسلام "عارف حكمت"، وهي مكتبة عامرة، آية في النظافة، وحسن الترتيب والتنسيق، وفيها كتب ثمينة، وبالمدينة أيضا مكتبة السلطان محمود، وهي أقل حجما من الأولى.
والكتاب وإن كان يدخل في أدب الرحلة، فإنه يُعَدّ وثيقة تاريخية مهمة عن الحجاز في مطلع القرن العشرين، حشد فيه المؤلف معلومات مهمة عن الحياة في الحرمين الشريفين.
رد: أدب الرحـــــــلة ...
رد: أدب الرحـــــــلة ...
http://img141.imageshack.us/img141/8740/15lv.gif
http://www.25q8.com/vb/uploaded/wrdaa.gif
رحلة ابن فضلان
شاكر لعيبي
http://www.neelwafurat.com/images/lb...105/105519.gif
151 صفحة
الطبعة: 1 مجلدات: 1
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر - دار السويدي للنشر والتوزيع والإعلان
تاريخ النشر: 01/01/2003
*
إذا ما استحقت رحلة ابن فضلان التي قام بها سنة 921م عناية استثنائية من طرق الباحثين والمحققين، فلأنها من أوائل الرحلات العربية التي وصلت إلينا، ومقارنة برحلة أبي دلف سنة 942، ورحلة المقدسي سنة 985-990، فإن رحلة ابن فضلان تظل مشغولة بهم توثيقي صرف أكثر من اهتمامها بالشأن الجغرافي. إنها وصف أنتروبولوجي يتمحور حول موضوع واحد محدد لا يحيد عنه رغم قصر النسخة الواصلة إلينا.
لقد انطلق ابن فضلان يوم الخميس 11 صفر سنة 309هـ، الموافق 21 حزيران سنة 921، برحلة شائقة بتكليف من الخليفة المقتدر العباسي الذي طلب الصقالبة العون منه، واستغرقت الرحلة أحد عشر شهراً في الذهاب وكانت مليئة بالمغامرات والمشاق والمصاعب السياسية والانفتاحات على الآخر المختلف ثقافياً، والصقالبة هم سكان شمال القارة الأوروبية، وكانوا يسكنون على أطراف نهر الغولفا، وتقع عاصمتهم بالقرب من "قازان" اليوم في خط يوازي مدينة موسكو، وكان وفد الخليفة المقتدر إلى ملك الصقالية يتكون من أربعة رجال أساسيين وبضعة مرافقين من الفقهاء والمعلمين والغلمان.
رحلة ابن فضلان هي أقدم نص لرحلة قام بها عربي في العالم، فبلغ بلاد الترك، والروس، والصقالبة "السلاف" سنة 921م، وتكمن أهمية هذه الرحلة في أنها تزوّدنا من تاريخ العالم بشذرات نادرة من أنماط معيشة شعوب قلما سجلت، فتسد ثغرة تاريخية في هذا المجال، ويعتبر ابن فضلان رائداً في الإشارة إلى تاريخ الشعوب السلافية، والروس منهم على الخصوص.
تكشف هذه الرحلة عن الهوّة الفادحة بين المستوى الحضاري الذي خرج منه هذا السفير، وبين الأقوام والشعوب التي حل بين ظهرانيها، وكانت ما تزال في طور التوحش.
قيل الكثير في هذه الرحلة، وترجمت أكثر من مرة إلى معظم اللغات الأساسية في العالم، أما هذه الطبعة فهي الأولى من نوعها في العربية لما جمعته من أصداء عن الرحلة شغلت حيزاً ملحوظاً في كتب التراث الجغرافي العربي، فضمتها إلى دفتي الكتاب، من ذلك الاستشهادات المطولة لياقوت الحموي، وكذلك القزويني الذي لم يكن معروفاً لدى الباحثين أنه استخدم في مراجعه ابن فضلان.
للقراءة حول رحلة ابن فضلان على الرابط التالي:
الرحلة
حياكم الله
http://www.w6w.net/album/35/w6w20050...21b61726a0.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
رد: أدب الرحـــــــلة ...
http://img141.imageshack.us/img141/8740/15lv.gif
http://www.25q8.com/vb/uploaded/wrdaa.gif
رحلة ابن فضلان
محمد حيدر غيبة
http://www.neelwafurat.com/images/lb...l/81/81575.gif
244 صفحة
الطبعة: 1 مجلدات: 1
الناشر: الشركة العالمية للكتاب
تاريخ النشر: 01/01/1994
*
تمثل رسالة ابن فضلان أقدم وصف معروف لشاهد عيان عن حياة الفايكنغ ومجتمعهم، وتعتبر وثيقة بارزة، في وصفه لحوادث وقعت منذ ما ينوف على ألف سنة يتفصيل مميز، معنم بالحياة، ثم إن هذه الرسالة تعتبر مرجعاً هاماً يكاد يكون فريداً عن أحوال وعادات شعوب في آسيا الوسطى وشرقي أوربا وشمالها لم تكن معدومة أثناء رحلة ابن فضلان أو قبلها، ولم يسبق لغيره أن سبر غور هذه الشعوب أو تحدث عنها ما فيه الكفاية بالصدق والتجرد والعمق والصراحة التي تحدث بها ابن فضلان، رغم ما يعتري حديثه من سذاجة أحياناً سيجد القارئ في هذه الرسالة، لا سيما وبعد انتهائه من السرد الممل أحياناً لأسماء البلدان التي زارها والأنهر التي تم اجتيازها، طرافة ومتعة لما تضمنته من حوادث غربية ووقائع مذهلة ومغامرات رهيبة، يعجز الخيال عن تصور مثلها أحياناً.
كما أنه سيجد وصفاً لأحوال الشعوب في تلك الحقبة المذكورة مما ينير سبل المعرفة ويغني شعاب الثقافة العربية، أما عن صاحب هذه الرسالة "ابن فضلان" فليس هناك ما يشير إليه في كتب التراجم والسير ولكنه يظهر في أعماله أنه كان مثقفاً، وغير متقدم في السن، وقد بيّن بوضوح أنه كان يمت بصلة للخليفة الذي لم يكن يحظى منه بإعجاب خاص، وكان من أهالي بغداد ولتي كانت مدينة السلام في القرن العاشر، أكثر مدن الكرة الأرضية حضارة، ومن الواضح أن ابن فضلان كان شاهداً ذكياً، اهتم بالتفاصيل اليومية، وبنفس الوقت بحياة ومعتقدات الشعب الذي التقى به.
لقد أذكره كثيراً مما شاهده، واعتبره فظاً وفاحشاً أو بريدياً، لكنه لم يبدو وقته بتوجيه الإهانة له، فإذا ما أبدى امتعاضه مرة، عاد مباشرة إلى ملاحظاته النيرة، وكان يروي ما يراه بأقل ما يمكن من الاستعلاء أو الشعور بالتفوق.
قد يبدو أسلوبه في الرواية غريباً بالنسبة للعقلية العربية، إذ هو لا يروي القصة كما تعودنا أن نسمعها، كان ابن فضلان كاتباً، ولم يكن هدفه الرئيس التسلية، كما لم يكن لتمجيد سيد يستمع إليه، ولا لتعزيز أساطير الشعب الذي عاش بين ظهرانيه، على العكس من ذلك، كان سفيراً يقدم تقريراً، وكان أسلوبه أسلوب عالم مختص بالجنس البشري، لا كانت "دراما"، بل في الواقع، كثيراً ما كان يتجاهل أكثر عناصر حكايته إثارة كيلا يدعها تتعارض مع وصفه الواضح والمتوازن.
هذه النزاهة، أحياناً تضايق إلى الحد الذي يصبح من العسير علينا أن نعترف كم كان مشاهداً بارزاً في الواقع. فخلال مئات السنين، بعد ابن فضلان، كان التقليد السائد بين الرحالة أن يكتبوا عن حوادث تاريخية وعجائب أجنبية كثيراً ما كانت تأميلية أو من صنع الخيال، لم يحدث بن فضلان أن تحزّر بل كانت كل كلمة من كلماته ترف بالحقبة، وكلما أخبر عن إشاعة كان حريصاً على البوح بأنها كذلك، وكان على حد سواء، حريصاً على أن يبين على وجه التخصيص حتى كان شاهد عيان، وهذا هو السبب في استعماله عبارة "لقد رأيت بأم عيني" المرة تلو المرة أخيراً هذه السجية من الصدوق المطلق، هي التي تجعل قصته رهيبة حقاً. فصدامه مع وحوش الضباب أو "أكلة الأموات" روي بنفس الاهتمام في تفصيله ونفس النزوع الحذر إلى الشك الذي يميز الأقسام الأخرى من الرسالة، وفي أي حال، يمكن للقارئ أن يحكم بنفسه.
حياكم الله
http://www.w6w.net/album/35/w6w20050...21b61726a0.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
رد: أدب الرحـــــــلة ...
http://img141.imageshack.us/img141/8740/15lv.gif
http://www.25q8.com/vb/uploaded/wrdaa.gif
http://www.alrihla.com/images/l4B.jpg
*
تَهْدُفُ هذه السِّلسلةُ بَعْثَ واحدٍ من أعرقِ ألوانِ الكتابةِ في ثقافتنا العربية، من خلال تقديم كلاسيكيَّاتِ أدبِ الرِّحلةِ، إلى جانب الكشف عن نصوصٍ مجهولةٍ لكتاب ورحَّالة عربٍ ومسلمينَ جابوا العالم ودوّنوا يوميَّاتهم وانطباعاتهم، ونقلوا صوراً لما شاهدوه وخَبِروهُ في أقاليمه، قريبةً وبعيدةً، لاسيما في القَرنين الماضِيين اللذين شهدا ولادة الاهتمام بالتجربة الغربية لدى النُّخب العربية المثقفة، ومحاولة التعرّف على المجتمعات والنَّاس في الغرب، والواقع أنه لا يمكن عزل هذا الاهتمام العربي بالآخر عن ظاهرةِ الاستشراق والمستشرقين الذين ملأوا دروبَ الشَّرقِ، ورسموا له صوراً ستملأ مجلدات لا تُحصى عدداً، خصوصاً في اللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية، وذلك من موقعهم القوي على خارطة العالم والعلم، ومن منطلق المستأثر بالأشياء، والمتهيء لترويج صور عن "شرق ألف ليلة وليلة" تغذّي أذهان الغربيين ومخيّلاتهم، وتُمهِّدُ الرأي العام، تالياً، للغزو الفكري والعسكري لهذا الشرق. ولعل حملة نابليون على مصر، بكل تداعياتها العسكرية والفكرية في ثقافتنا العربية، هي النموذجُ الأتمُّ لذلك، فقد دخلت المطبعة العربية إلى مصر مقطورة وراء عربة المدفع الفرنسي لتؤسس للظاهرة الإستعمارية بوجهيها العسكري والفكري.
على أن الظَّاهرة الغربية في قراءة الآخر وتأويله، كانت دافعاً ومحرضاً بالنسبة إلى النخب العربية المثقفة التي وجدت نفسها في مواجهة صور غربيَّة لمجتمعاتها جديدة عليها، وهو ما استفز فيها العصب الحضاري، لتجد نفسها تملك، بدورها، الدوافعَ والأسبابَ لتشدّ الرحال نحو الآخر، بحثاً واستكشافاً، وتعود ومعها ما تنقله وتعرضه وتقوله في حضارته، ونمط عيشه وأوضاعه، ضاربة بذلك الأمثال للناسِ، ولينبعث في المجتمعات العربية، وللمرة الأولى، صراع فكري حاد تُسْتَقْطَبُ إليه القوى الحيَّةُ في المجتمع بين مؤيد للغرب موالٍ له ومتحمِّسٍ لأفكاره وصياغاته، وبين معادٍ للغرب، رافض له، ومستعدّ لمقاتلته.
وإذا كان أدب الرحلة الغربي قد تمكن من تنميط الشرق والشرقيين، عَبْرَ رسمِ صورٍ دنيا لهم، بواسطة مخيِّلةٍ جائعةٍ إلى السِّحري والأيروسيِّ والعجائبيِّ، فإن أدب الرحلة العربي إلى الغرب والعالم، كما سيتَّضِحُ من خلال نصوص هذه السلسلة، ركّز، أساساً، على تتبع ملامح النهضة العلميَّة والصناعيَّة، وتطوّر العمران، ومظاهر العصرنة ممثلة في التطور الحادث في نمط العيش والبناء والاجتماع والحقوق.
لقد انصرف الرَّحالة العرب إلى تكحيل عيونهم بصور النهضة الحديثة في تلك المجتمعات، مدفوعين، غالباً، بشغف البحث عن الجديد، وبالرغبة العميقة الجارفة لا في الاستكشاف فقط، من باب الفضول المعرفي، وإنما، أساساً، من بابِ طَلَبِ العلم، واستلهام التجارب، ومحاولة الأخذ بمعطيات التطور الحديث، واقتفاء أثر الآخر للخروج من حالةِ الشَّلل الحضاريِّ التي وجد العرب أنفسهم فريسة لها.
هنا، على هذا المنقلب، نجُد أحد المصادر الأساسية المؤسِّسة للنظرة الشرقية المندهشة بالغرب وحضارته، وهي نظرة المتطلِّع إلى المدنيَّة وحداثتها من موقعه الأدنى على هامش الحضارة الحديثة، المتحسِّر على ماضيه التليد، والتّائق إلى العودة إلى قلب الفاعلية الحضارية.
إن أحد أهداف هذه السِّلسلة من كتب الرحلات العربية إلى العالم، هو الكشف عن طبيعة الوعي بالآخر الذي تشكَّل عن طريق الرحلة، والأفكار التي تسرّبت عبر سطور الرَّحالة، والانتباهات التي ميَّزت نظرتهم إلى الدول والناس والأفكار، فأدب الرحلة، على هذا الصعيد، يشكِّل ثروةً معرفيَّةً كبيرةً، ومخزناً للقصص والظواهر والأفكار، فضلاً عن كونه مادة سرديّة مشوّقة تحتوي على الطريف والغريب والمُدهش مما التقطته عيون تتجوّل وأنفسٌ تنفعل بما ترى، ووعي يلمُّ بالأشياء ويحلِّلها ويراقب الظواهرَ ويتفكَّرُ بها.
أخيراً، لابد من الإشارة إلى أن هذه السِّلسة التي قد تبلغُ المائة كتابٍ من شأنها أن تؤسس، وللمرة الأولى، لمكتبة عربية مستقلّة مؤلّفة من نصوص ثريَّة تكشف عن همّة العربيِّ في ارتيادِ الآفاقِ، واستعداده للمغامرة من بابِ نَيل المعرفةِ مقرونةً بالمُتعةِ، وهي إلى هذا وذاك تغطي المعمور في أربعِ جهات الأرض وفي قارّاته الخمس، وتجمع إلى نشدان معرفة الآخر وعالمه، البحث عن مكونات الذات الحضارية للعرب والمسلمين من خلال تلك الرحلات التي قام بها الأدباء والمفكرون والمتصوفة والحجاج والعلماء، وغيرهم من الرَّحالة العرب في أرجاء ديارهم العربية والإسلامية.
محمد أحمد السويدي