عندما زار الشاعر الألماني الكبير هانس ماجنوس انتسنسبيرجر القاهرة قبل عامين، لفت الأنظار اليه بقوة عندما ألقي قصائده 'المغايرة' التي تكاد تشكل قطيعة مع السائد، ووصف ادونيس شعره بانه 'شعر فكر يقول المتحرك ويقول الزمن، شعر في طينة الواقع وفي نسيج الحياة وهو تبعا لذلك، نقد جذري للمثاليات في مختلف تجلياتها'.
والمختارات التي ننشرها هنا ترجمها كل من جونتر اورت وامل الجبوري في كتاب عنوانه.. طلاق الشهوات من الشهوات عن دار ديوان برلين.
الأحد الفاتن
الرجل الشيخ
بلحيته وجسده الهش
يجلس علي عتبة
أمام المخبأ الخاص به
في شمس الصباح
ينسج شيئا ما، يهمهم
ماذا يقول؟
فاتن الأحد هذا اليوم
الأحد فاتن هذا اليوم
فاذا به يترك أدوات النسيج،
يشم الهواء،
يصغي
ويحترس
ربما سيأتي أحد ما
من خلف زاوية ما
ليقبض روحه
لكنه يعود ثانية
ينسج، يدندن لنفسه
لا أحد هناك
لا أحد هناك
فاتن الأحد هذا اليوم
ترنيمة متفائلة
هنا وهناك، يحدث ان شخصا
يصرخ طالبا النجدة
واذا باخر يقفز في الماء،
دونما حساب لثمن.
في قلب الرأسمالية الأكثر فعلا،
يأتي رجال الأطفاء متألقين،
أو في قبعة الشحاذ
التي تلمع فجأة بالفضة
من مكمن ما لإخماد اللهب..
قبل الظهيرة تكتظ الشوارع
بأناس يمشون في كل صوب،
دون أن يلوحوا بالسكاكين،
تسكنهم الطمأنينة،
بحثا عن الحليب والفجل
كأن سلاما كبيرا يسود
ذلك هو المشهد الفاتن
المسافرون
هؤلاء الناس بدهان وجوههم،
نظاراتهم الشمسية
وقبعاتهم المضحكة..
لايكلون ابدا
يقودهم الحكواتيون،
الذين لايكفون عن تلاواتهم المطولة
يصحبهم رعاة أصحاء،
يسوقونهم عبر الأضرحة والكهوف،
فوق الأنقاض والمعابد
حتي أقصي الجبال المترامية
مستضعفون هم ومتعبون
قدموا من فوبرتال وشيكاغو
وحدها السماء تدرك،
سر عبادتهم آلهة منسيين
وسر طلبهم الغفران،
والشفاء المعجزة.
غامضة هي الألواح المقدسة
غابت عظام الملوك،
والقبور خاوية.
نهبت طلاسم الذهب
وعمود الزاهد يقف أعزل
هم يسيرون في الزحام،
عبر الصحاري.. الغبار والثلج
حجاج ولكن من نوع اخر
حجاج دون مسبحة
ثياب إحرام
دون جبة
دون أمل بالرحمة
ميول غير سياسية
هذه الابتسامة الصغيرة لعازفة الجلو
بعد الجملة الموسيقية الثانية،
رغم اجتماع مجلس الأمن قبل قليل
تتبرج السيدة وبهمة كبيرة،
فوق انقاض مطبخها الذي تسكنه،
رغم استمرار اطلاق النار في الحي
الحكومي،
الشجار الزوجي لهذه المرأة الثمانينية،
بسبب شعر قطة في السرير
رغم وصول مفاوضات السلام،
الي مرحلتها الحاسمة،
الشقاء والعويل من جراء تحطيم الخادمة
لقدح الذكري،
رغم رفض صندوق النقد الدولي
منح قرض المعونة في اللحظة ذاتها
العاشقان خلف المخزن
يفقدان وعيهما بسبب الحماسة،
يشهقان،
رغم...
عملة
هذه المعجزة المزعجة
صيرورتها يغلفها الغموض
مطوقة بالحراس،
مما يجعلها نادرة
ترتل ارقاما سرية.
تتربص في الظلام،
تصر او تصمت.
وتظهر في الصحيفة
تظهر مثلما تظهر.
لايحدث كثيرا ان يرميها المرء.
تشبه الروح القدس،
لاتقوي علي النوم.
يساورها القلق...
تشم شيئا ما ثم تهرب
كثيرا ما تملك الأصفار
وتريد من المرء الايمان بها،
اصولية وعابسة
تريد ان تغسل،
تجمع، تعد وتحرك
لتفعل فعلها،
تتناسل اسرع فاسرع
لتختفي بعد ذلك... فجأة
في القدس
في منتصف الدرب
يقف هذا الحجر الهامشي،
حيث يريده الجميع
ما السبب.
يعلم الله وحده.
شائخا يبدو هذا الحجر،
حينما يطأه كل حاج،
يمسه، يقبله،
أو يضرب رأسه به حتي يسيل دمه
ليلمع أكثز فأكثر....
يعيق السير،
العربات، الحقائب والشرطة،
لكن لا احد يقدر ان يبعده عن الطريق
واقف منذ زمن طويل هنا،
منذ الأزل
حجر مقدس لا احد يعرف جدواه
جميل، لايمكن لأحد ان يسميه،
شخص كمثلي لايحتاج اليه،
لكنه يتعثر به
العشاء الأخير علي الطريقة
الفينيسية، القرن 16
' 1'
حينما انتهيت من رسم العشاء الأخير
خمسة أمتار ونصف المتر،
أقل من ثلاثة عشر مترا
عمل مضن لكن ثمنه مدفوع وغال
جاءت الأسئلة التقليدية
لماذا كل هؤلاء الغرباء برماحهم
وكأنهم في ثياب زنادقة أو ألمان؟
هل تري ذلك لائقا حقا؟
هل تقدر ان تمنح لوقا سواك أسنان في فمه؟
من حرضك ان تدعو الي مأدبة الرب
زنوجا، سكاري ومهرجين؟
ما معني القزم والببغاء؟
وماذا عن الكلب البوليسي؟
لماذا ينزف انف المملوك؟
اخبركم سادتي
ان كل ذلك
ابتدعته من اجل لهوي
لكن قضاة التكفير السبعة
يفحون بمعاطفهم الحمراء
ويهمهمون: لم نقتنع بكل ذلك
' 2'
كنت قد رسمت لوحة أجمل
ولكن لتلك السماء ألوان
لا توجد في سماء اخري
لم ارسمها من قبل
يبهرني الطهاة
بسواطيرهم الهائلة
هؤلاء الناس الموشحون بالجواهر
قبعاتهم المطرزة بريش المالك الحزين والفراء
عمائمهم الموشاة باللؤلؤ
اولئك الملثمون
الذين تسلقوا سقوف قصور الرخام الأبيض
مادين رؤوسهم.. ماذا عساهم يترقبون
هذا الذي لا أعرفه
لكنهم لايبالون بكم ولا بالأولياء
'3'
كم مرة علي ان أعيد عليكم ذلك
ما من فن دون متعة
وهذا ما ينطبق علي لوحة الصلب اللانهائية
والطوفان،
كذلك قتل الأطفال في بيت لحم
لماذا لا أدري الأسباب التي تريدونها مني
أخيرا حينما سئمت
من حذلقات المكفرين
وتجسس رجال الدين
اعدت رسم العشاء الأخير
وأسميته رسم العشاء الأخير
وأسميته عشاء لدي السيد ليفي
' 4'
سوف نري لمن تكون الكلمة الأخيرة
مثلا قديستي 'أنا' هي نفسها الثالوث
اعرف انه موضوع مضجر
ولكنهم تحت العرش
وانا علي ارض المرمر المزخرف باللون
الوردي والملكيت والأسود
رسمت سلحفاة بعينين مستديرتين
اقداما رشيقة، درعا من قشرتها الشفافة:
انها فكرة رائعة.
ومثل مشط بقوس هائل
توهجت كلون الياقوت الأصفر في الشمس
' 5'
لما رأيتها تزحف فكرت باعدائي
سمعت ثرثرة اصحاب الغاليري
فحيح اساتذة الرسم
تجشؤ المتعالين
امسكت بالفرشاة
قبل ان يبدأ المتطفلون بتفسير ما قد رسمت
ومما يدور حول ذلك
دفنت ما قد خلقت
تحت فسيفساء بلاط الرخام الأسود،
الأخضر والوردي
القديسة 'أنٌّا' ليست اكثر اعمالي شهرة
لكنها من أروع ما رسمت
لا احد غيري يعرف..
لماذا
