المدينة المنورة أم المدينة الفاضلة ؟

حين وصل النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق إلى يثرب
وكان الناس ينتظرونه لأيام من الصباح حتى المساء.
حتى شاهدوا غباراً فأسرعوا إليهما
وإذ بهما من تعب السفر وحرارة الهاجرة يستظلان بظل نخلة
فما عرف الأنصار أيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يتجرأ أحدهم على السؤال حتى ما إن تحول الظل فقام أبو بكر الصديق رضوان الله عليه فجعل من رداءه ظلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حينها عرف الأنصار رسولهم الكريم.
إن حرارة اللقاء وحرارة الشوق التي في قلوبهم لا يمكن وصفها.
والسؤال لماذا يحبون رجلاً لا يعرفونه ولم يره كثير منهم.
لنر قبل ذلك علاقة الأنصار بتلامذة رسول الله صلى الله عليه وسلم لنعلم ماذا جرى.
حين أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل مصعب بن عمير ليفقه الأنصار في دينهم ويعرض الإسلام على المشركين.
فإنه دخل مع أبو أمامة أسعد بن زرارة في حائط ( بستان ) سعد بن معاذ سيد الأوس من بني الأشهل
فأسلم سعد بن معاذ من اللقاء الأول، وقام وعرض الإسلام على قوم فأسلموا جميعهم.
ماذا قال مصعب بن عمير لسعد بن معاذ ؟ حتى قبل سعد بن معاذ دين الله ووقر في قلبه ؟
وكان قد حمل سعد بن معاذ رمحاً وتوجه نحوهما وهو غاضب من فعلهما وعرضهما ديناً جديداً على الناس؟ وتوجه إليهما فعرض عليه مصعب بن عمير أن يسمع كلامه أولاً ثم ليحكم فقبل ، فما إن تلى عليه مصعب بن عمير آيات الله وشرح له الإسلام حتى أسلم.
يقول أبو أمامة وهو أول من أسلم من الأنصار
وحين كان مصعب بن عمير يشرح لسعد بن معاذ عن الإسلام ويتلو له آيات الله إذ رأيت وجهه قد تغير وعلمت أن الإسلام دخل في قلبه، لعمري إنها من أكثر اللحظات تأثيراً في قلب الإنسان أن يقتنع العقل ويتقبل القلب الحكمة والموعظة وينقلب منذ اللقاء الأول ، هنيئاً لطلائع الصحابة ذلك الإحساس وهنيئاً لهم لذة الوصول باستجابة المؤمنين لكلام الله.
وحين عاد سعد بن معاذ لصحبه علموا من وجهه أنه قد أسلم، وقالوا نحلف بالله أنه عاد بغير الوجه الذي ذهب به.
أي قلب هذا الذي قبل الإسلام من أول حوار ؟
وهو سيد قومه ورجل غني .
مقارنة مع قلوب صلدة قاحلة عرض عليها نبي الله الإسلام مراراً وتكراراً
كثقيف وما لاقاه منهم في الطائف حتى إن أحدهم قال لنبي الله : أما أرسل الله أحداً غيرك.
وقال آخر والله لا أكلمه أبداً وأرسلوا عليه صبيانهم ومجانينهم.
ناهيكم عما هو معروف من أذية كفار قريش واستكبارهم على دين الله .
إن مقارنة بسيطة بين موقف الأنصار ومثالنا سعد بن معاذ وموقف أبناء ثقيف يعلمنا أن الرجال معادن والقلوب أقفال منها ما يفتح بأول كلمة حق ومنها ما ضاع مفتاحه.
إن تكرار رفض كفار قريش وهم أبناء عم رسول الله وقد وعدهم بملك العرب والعجم فرفضوا إلا الشرك بالله وعبادة أصنام متعددة.
ليجعل المتابع للسيرة النبوية يشعر بحجم التعب والمجاهدة التي تعرض لها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما الأنصار فأول من أسلم منهم أبو أمامة من بني النجار وهم من أخوال الرسول صلى الله عليه وسلم.
وسنذكر نسب أم الرسول الشريف آمنة بن وهب وأين تلتقي مع والده في النسب.
إنها رحمه الأخوال ، وبيئة يثرب المختلفة عن مكة
التي ساهمت في اجتذاب قلوب الأنصار لدين الله الحنيف.
هؤلاء الذين انجذبوا لسحر بيان مصعب بن عمير وهو يحدثهم عن الوحدانية والعدالة والخير والمساواة بين الناس وفناء الدنيا والجنة والنار بعدها ويوم الحساب
والقلب النظيف والإحسان للجار وإطعام الفقير
ألا تتشوق قلوبهم للمنبع ؟
ألا يذبحهم الشوق وهم قد عرفوا بأن حبيبهم قد خرج من مكة وما هي إلا أيام حتى يكون بينهم معلناً ولادة عهد جديد ؟
من القصص التي حدثت في المدينة المنورة وقبل أن ينتهي بناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسكنه ، استضافه الصحابي أبو أيوب الأنصاري رضوان الله عليه
فقال للنبي الكريم لا أقدر على السكن في الطابق الثاني وأنت في الطابق الأول يا رسول الله.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الطابق الأول أيسر للقاء الوفود.
يقول أبو أيوب فكُسرت جرة ماء فأسرعت وزوجتي بوضع لحاف النوم ( قطيفة) وما كان عندنا غيره خشية أن يتسرب الماء إلى منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بات أبو أيوب وزوجته يشعران بالبرد طيلة الليل ، لكن موقفهما يشعل قلوبنا حرارة ؟
لقد تحولت يثرب إلى المدينة المنورة
مدينة الحب والفداء والإيثار ،وإنه إن لم يكن في التاريخ مدينة فاضلة
فلقد كانت يثرب هي المدينة الفاضلة التي منها انطلقت منارات غيرت وجه التاريخ وغيرت وجه العالم بأسره بنور النبي محمد صلى الله عليه وسلم فصارت حقاً المدينة المنورة.
طارق حقي