-
قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إخوتي الأفاضل رواد المربد العامر
أطرح بين أيدي كل الإخوة المربديين الكرام هذا الموضوع قصد جمع أكبر قدر ممكن من الآراء أو التفسيرات أو القراءات الممكنة التي حاولت الإحاطة بهذه القضية الجوهرية في فهم وصياغة أقدم قصة في العالم وهي قصة بدء الخليقة وخصوصا خلق أبينا آدم عليه السلام من خلال أعظم كتاب في الوجود هو القرآن الكريم..
ولقد تناول هذه القضية مجموعة من المفسرين والباحثين والدارسين وإن كانوا جميعهم لا يخرجون حسب ما أعلم عما راج في كتب التفسير القديم اللهم إلا ما كان من الدكتور عبدالصبور شاهين الذي حاول أن يقرأ بعين النظريات العلمية المعاصرة..
على كل حال أحبتي في الله أتمنى أن أجد هطولا من منقولاتكم وغيثا من أفكاركم ومطرا مدرارا من اجتهاداتكم..
فإن لي في القضية رأيا أرجو أن لا أكون إليه مسبوقا..
وأحب أن يكون لمربدنا الزاهر قصب السبق في نشره دراسة تامة كاملة تحت عنوان "لماذا قالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" في إطار الدراسة المطولة المعنونة بـ: "قراءة جديدة للسرد القصصي في الخطاب القرآني" والتي نشرت بعض أجزائها من قبل..
والله الموفق..
القضية هي:
لماذا قالت الملائكة لرب العزة والجلال كما جاء في سورة البقرة:
**++ ... أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ... ++**
بعد أن أعلن لهم سبحانه وتعالى:
**++ ... إني جاعل في الأرض خليفة... ++**
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-150.gif
مما جاء في تفسير
ابن كثير
"وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً، قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ، قَالَ إِنّيَ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ"
يخبر تعالى بامتنانه على بني آدم بتنويهه بذكرهم في الملأ الأعلى قبل إيجادهم, فقال تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة} أي واذكر يا محمد إذ قال ربك للملائكة واقصص على قومك ذلك, وحكى ابن جرير عن بعض أهل العربية وهو أبو عبيدة أنه زعم أن إذ ههنا زائدة وأن تقدير الكلام وقال ربك, وردّه ابن جرير, قال القرطبي وكذا رده جميع المفسرين حتى قال الزجاج هذا اجتراء من أبي عبيدة {إني جاعل في الأرض خليقة} أي قوماً يخلف بعضهم بعضاً قرناً بعد قرن وجيلاً بعد جيل كما قال تعالى: {هو الذي جعلكم خلائف الأرض} قال: {ويجعلكم خلفاء الأرض} وقال: {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون} وقال: {فخلف من بعدهم خلف} وقرى في الشاذ: {إني جاعل في الأرض خليقة} حكاها الزمخشري وغيره, ونقل القرطبي عن زيد بن علي وليس المراد ههنا بالخليفة آدم عليه السلام فقط كما يقوله طائفة من المفسرين, وعزاه القرطبي إلى ابن عباس وابن مسعود وجميع أهل التأويل وفي ذلك نظر بل الخلاف في ذلك كثير حكاه الرازي في تفسيره وغيره والظاهر أنه لم يرد آدم عيناً إذ لو كان ذلك لما حسن قول الملائكة: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} فإنهم أرادوا أن من هذا الجنس من يفعل ذلك وكأنهم علموا ذلك بعلم خاص أو بما فهموه من الطبيعة البشرية, فإنه أخبرهم أنه يخلق هذا الصنف من صلصال من حمإ مسنون أو فهموا من الخليفة أنه الذي يفصل بين الناس ما يقع بينهم من المظالم ويردعهم عن المحارم والمآثم, قاله القرطبي: أو أنهم قاسوهم على من سبق كما سنذكر أقوال المفسرين في ذلك, وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله ولا على وجه الحسد لبني آدم كما قد يتوهمه بعض المفسرين, وقد وصفهم الله تعالى بأنهم لا يسبقونه بالقول أي لا يسألونه شيئاً لم يأذن لهم فيه, وههنا لما أعلمهم بأنه سيخلق في الأرض خلقاً, قال قتادة: وقد تقدم إليهم أنهم يفسدون فيها, فقالوا: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} الاَية, وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك يقولون: يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء, فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك أي نصلي لك كما سيأتي. أي ولا يصدر منا شيء من ذلك, وهلا وقع الاقتصار علينا ؟ قال الله تعالى مجيباً لهم عن هذا السؤال: {إني أعلم مالا تعلمون} أي إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها مالا تعلمون أنتم فإني جاعل فيهم الأنبياء وأرسل فيهم الرسل ويوجد منهم الصديقون والشهداء والصالحون والعباد والزهاد والأولياء والأبرار والمقربون والعلماء والعاملون والخاشعون والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله صلوات الله وسلامه عليهم, وقد ثبت في الصحيح أن الملائكة إذا صعدت إلى الرب تعالى بأعمال عباده يسألهم وهو أعلم: كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون. وذلك لأنهم يتعاقبون فينا ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر, فيمكث هؤلاء ويصعد أولئك بالأعمال كما قال عليه الصلاة والسلام: «يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل» فقولهم: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم هم يصلون من تفسير قوله لهم: {إني أعلم ما لا تعلمون}, وقيل معنى قوله تعالى جواباً لهم: {إني أعلم ما لا تعلمون} إني لي حكمة مفصلة في خلق هؤلاء والحالة ما ذكرتم لا تعلمونها, قيل إنه جواب {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} فقال: {إني أعلم ما لا تعلمون} أي من وجود إبليس بينكم وليس هو كما وصفتم أنفسكم به. وقيل بل تضمن قولهم: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} طلباً منهم أن يسكنوا الأرض بدل بن آدم, فقال الله تعالى لهم: {إني أعلم ما لا تعلمون} من أن بقاءكم في السماء أصلح لكم وأليق بكم. ذكرها الرازي مع غيرها من الأجوبة, والله أعلم.
حياكم الله
http://www.w6w.net/album/35/w6w20050...21b61726a0.gif
د. أبو شامة المغربي
kalimates@maktoob.com
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته
أخي المفضال الدكتور أبا شامة المغربي
أحيي فيك حسن الاهتمام ويسر الاستجابة
ولك مني كامل الاحترام وتمام التقدير
ولك من الله كل الخير
أحسن الله إليك ووفقك لما يحب ويرضى
إنه سميع مجيب
وأرجو أن تكون هذه البداية مطرية رحموية
والله من وراء القصد
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-150.gif
يقول الله عز وجل في سورة البقرة
http://www.eng6.com/quran/quran/lb.gif بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ http://www.eng6.com/quran/quran/rb.gif
http://quran.al-islam.com/GenGifImag...0-0/2/30/1.png
صدق الله العظيم
مما جاء في تفسير
الطبري
"قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ"
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء} قَالَ أَبُو جَعْفَر: إنْ قَالَ قَائِل: وَكَيْفَ قَالَتْ الْمَلَائِكَة لِرَبِّهَا إذْ أَخْبَرَهَا أَنَّهُ جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء} وَلَمْ يَكُنْ آدَم بَعْد مَخْلُوقًا وَلَا ذُرِّيَّته، فَيَعْلَمُوا مَا يَفْعَلُونَ عِيَانًا؟ أَعَلِمَتْ الْغَيْب فَقَالَتْ ذَلِكَ؟ أَمْ قَالَتْ مَا قَالَتْ مِنْ ذَلِكَ ظَنًّا؟ فَذَلِكَ شَهَادَة مِنْهَا بِالظَّنِّ وَقَوْل بِمَا لَا تَعْلَم، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ صِفَتهَا، فَمَا وَجْه قَيْلهَا ذَلِكَ لِرَبِّهَا؟ قِيلَ: قَدْ قَالَتْ الْعُلَمَاء مِنْ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا، وَنَحْنُ ذَاكِرُو أَقْوَالهمْ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ مُخْبِرُونَ بِأَصَحِّهَا بُرْهَانًا وَأَوْضَحَهَا حُجَّةً، فَرُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ ...
حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة، عَنْ أَبِي رَوْق، عَنْ الضَّحَّاك، عَنْ ابْن عَبَّاس، قَالَ: كَانَ إبْلِيس مِنْ حَيّ مِنْ أَحْيَاء الْمَلَائِكَة، يُقَال لَهُمْ "الْحِنّ" خُلِقُوا مِنْ نَار السَّمُوم مِنْ بَيْن الْمَلَائِكَة، قَالَ: وَكَانَ اسْمه الْحَارِث. قَالَ: وَكَانَ خَازِنًا مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّة. قَالَ: وَخُلِقَتْ الْمَلَائِكَة كُلّهمْ مِنْ نُور غَيْر هَذَا الْحَيّ. قَالَ: وَخُلِقَتْ الْجِنّ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي الْقُرْآن مِنْ مَارِج مِنْ نَار، وَهُوَ لِسَان النَّار الَّذِي يَكُون فِي طَرَفهَا إذْ أُلْهِبَتْ. قَالَ: وَخُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ طِين، فَأَوَّل مَنْ سَكَنَ الْأَرْض الْجِنّ، فَأَفْسَدُوا فِيهَا وَسَفَكُوا الدِّمَاء، وَقَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا. قَالَ: فَبَعَثَ اللَّه إلَيْهِمْ إبْلِيس فِي جُنْد مِنْ الْمَلَائِكَة، وَهُمْ هَذَا الْحَيّ الَّذِينَ يُقَال لَهُمْ "الْحِنّ" فَقَتَلَهُمْ إبْلِيس وَمَنْ مَعَهُ حَتَّى أَلْحَقهُمْ بِجَزَائِر الْبُحُور وَأَطْرَاف الْجِبَال. فَلَمَّا فَعَلَ إبْلِيس ذَلِكَ اغْتَرَّ فِي نَفْسه، وَقَالَ: قَدْ صَنَعْت شَيْئًا لَمْ يَصْنَعهُ أَحَد. قَالَ: فَاطَّلَعَ اللَّه عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَلْبه، وَلَمْ تَطَّلِع عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، فَقَالَ اللَّه لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُ: {إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة} فَقَالَتْ الْمَلَائِكَة مُجِيبِينَ لَهُ: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء} كَمَا أَفْسَدَتْ الْجِنّ وَسَفَكَتْ الدِّمَاء؟ وَإِنَّمَا بُعِثْنَا عَلَيْهِمْ لِذَلِكَ، فَقَالَ: {إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ} يَقُول: إنِّي قَدْ اطَّلَعْت مِنْ قَلْب إبْلِيس عَلَى مَا لَمْ تَطَّلِعُوا عَلَيْهِ مِنْ كِبْره وَاغْتِرَاره ...
حياكم الله
http://www.w6w.net/album/35/w6w20050...21b61726a0.gif
د. أبو شامة المغربي
kalimates@maktoob.com
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
موضوع مفيد وشيق وهو بحق يحتاج المناقشة
سلمت بنات افكارك ياالمساوي...وسلمت يمين جهودك أبو شامة
....
لي تعليق آراه بسيط ولا ادعي فيه العلم الجزيل ..
لكني اقرأ في قوله تعالى "إني جاعل في الارض خليفة"
معنى خليفة هنا فُسر بمعناه اللغوي:
اقتباس:
أي قوماً يخلف بعضهم بعضاً قرناً بعد قرن وجيلاً بعد جيل
لكني أرى فيه تخصيصا لهذا الجنس ... أو تعريفا لهم
وكان الآية تقول أني جاعل في الأرض جيل يخلف بعضهم بعضا لكنهم جنس جديد يختلف عن الملائكة
لذا بادرت الملائكة بالقول على لسان المقارنة بينها وبين هذا الجنس وكأنها فهمت تماما القصد من قوله "خليفة"
" أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء.." بينما نحن "ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك"
ليجيب الله سبحانه وتعالى على ماجاء على لسانهم من مقارنة قُصد بها التعجب والاستنكار
"أني اعلم مالا تعلمون"
لماذا قالت الملائكة
(أتجعل فيها من...)
لأنها فهمت من قوله تعالى (أني جاعل في الارض خليفة )
جنسا جديدا مختلفا عنهم ولهم مهام ووظائف جديدة مختلفة عما اعتاد الملائكة على فعله
.......
والله ورسوله أعلم
دمتم
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-150.gif
يقول الله عز وجل في سورة البقرة
http://www.eng6.com/quran/quran/lb.gif بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ http://www.eng6.com/quran/quran/rb.gif
http://quran.al-islam.com/GenGifImag...0-0/2/30/1.png
صدق الله العظيم
مما جاء في تفسير
القرطبي
"قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ"
قَدْ عَلِمْنَا قَطْعًا أَنَّ الْمَلَائِكَة لَا تَعْلَم إِلَّا مَا أُعْلِمَتْ وَلَا تَسْبِق بِالْقَوْلِ، وَذَلِكَ عَامّ فِي جَمِيع الْمَلَائِكَة، لِأَنَّ قَوْله: "لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ" خَرَجَ عَلَى جِهَة الْمَدْح لَهُمْ، فَكَيْف قَالُوا: "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا؟" فَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا لَفْظ خَلِيفَة فَهِمُوا أَنَّ فِي بَنِي آدَم مَنْ يُفْسِد، إِذْ الْخَلِيفَة الْمَقْصُود مِنْهُ الْإِصْلَاح وَتَرْك الْفَسَاد، لَكِنْ عَمَّمُوا الْحُكْم عَلَى الْجَمِيع بِالْمَعْصِيَةِ، فَبَيَّنَ الرَّبّ تَعَالَى أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يُفْسِد وَمَنْ لَا يُفْسِد، فَقَالَ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ: "إِنِّي أَعْلَم"، وَحَقَّقَ ذَلِكَ بِأَنْ عَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء، وَكَشَفَ لَهُمْ عَنْ مَكْنُون عِلْمه.
وَقِيلَ: إِنَّ الْمَلَائِكَة قَدْ رَأَتْ وَعَلِمَتْ مَا كَانَ مِنْ إِفْسَاد الْجِنّ وَسَفْكهمْ الدِّمَاء، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَرْض كَانَ فِيهَا الْجِنّ قَبْل خَلْق آدَم، فَأَفْسَدُوا وَسَفَكُوا الدِّمَاء، فَبَعَثَ اللَّه إِلَيْهِمْ إِبْلِيس فِي جُنْد مِنْ الْمَلَائِكَة، فَقَتَلَهُمْ وَأَلْحَقَهُمْ بِالْبِحَارِ وَرُءُوس الْجِبَال، فَمِنْ حِينَئِذٍ دَخَلَتْهُ الْعِزَّة، فَجَاءَ قَوْلهمْ: "أَتَجْعَلُ فِيهَا" عَلَى جِهَة الِاسْتِفْهَام الْمَحْض: هَلْ هَذَا الْخَلِيفَة عَلَى طَرِيقَة مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْجِنّ أَمْ لَا؟ قَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى ثَعْلَب، وَقَالَ اِبْن زَيْد وَغَيْره: إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَعْلَمَهُمْ أَنَّ الْخَلِيفَة سَيَكُونُ مِنْ ذُرِّيَّته قَوْم يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاء، فَقَالُوا لِذَلِكَ هَذِهِ الْمَقَالَة، إِمَّا عَلَى طَرِيق التَّعَجُّب مِنْ اِسْتِخْلَاف اللَّه مَنْ يَعْصِيه أَوْ مِنْ عِصْيَان اللَّه مَنْ يَسْتَخْلِفهُ فِي أَرْضه وَيُنْعِم عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَإِمَّا عَلَى طَرِيق الِاسْتِعْظَام وَالْإِكْبَار لِلْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا: الِاسْتِخْلَاف وَالْعِصْيَان. وَقَالَ قَتَادَة: كَانَ اللَّه أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ إِذَا جَعَلَ فِي الْأَرْض خَلْقًا أَفْسَدُوا وَسَفَكُوا الدِّمَاء، فَسَأَلُوا حِين قَالَ تَعَالَى: "إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة" أَهُوَ الَّذِي أَعْلَمَهُمْ أَمْ غَيْره؟ وَهَذَا قَوْل حَسَن، رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله: "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا" قَالَ: كَانَ اللَّه أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الْأَرْض خَلْق أَفْسَدُوا فِيهَا وَسَفَكُوا الدِّمَاء، فَلِذَلِكَ قَالُوا: "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا"، وَفِي الْكَلَام حَذْف عَلَى مَذْهَبه، وَالْمَعْنَى إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة يَفْعَل كَذَا وَيَفْعَل كَذَا، فَقَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا الَّذِي أَعْلَمْتنَاهُ أَمْ غَيْره؟ وَالْقَوْل الْأَوَّل أَيْضًا حَسَن جِدًّا، لِأَنَّ فِيهِ اِسْتِخْرَاج الْعِلْم وَاسْتِنْبَاطه مِنْ مُقْتَضَى الْأَلْفَاظ، وَذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا مِنْ الْعُلَمَاء، وَمَا بَيْن الْقَوْلَيْنِ حَسَن، فَتَأَمَّلْهُ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ سُؤَالَهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ بِقَوْلِهِ: (كَيْف تَرَكْتُمْ عِبَادِي) - عَلَى مَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره - إِنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَة التَّوْبِيخ لِمَنْ قَالَ: أَتَجْعَلُ فِيهَا؟ وَإِظْهَار لِمَا سَبَقَ فِي مَعْلُومه إِذْ قَالَ لَهُمْ: "إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ". قَوْله: "مَنْ يُفْسِد فِيهَا" "مَنْ" فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْمَفْعُول بِتَجْعَل وَالْمَفْعُول الثَّانِي يَقُوم مَقَامه "فِيهَا".
"يُفْسِد" عَلَى اللَّفْظ، وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن يُفْسِدُونَ عَلَى الْمَعْنَى، وَفِي التَّنْزِيل: " وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِع إِلَيْك" [الْأَنْعَام: 25] عَلَى اللَّفْظ، "وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ" عَلَى الْمَعْنَى.
وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ
عَطْف عَلَيْهِ، وَيَجُوز فِيهِ الْوَجْهَانِ، وَرَوَى أُسَيْد عَنْ الْأَعْرَج أَنَّهُ قَرَأَ: "وَيَسْفِك الدِّمَاء" بِالنَّصْبِ، يَجْعَلهُ جَوَاب الِاسْتِفْهَام بِالْوَاوِ كَمَا قَالَ: أَلَمْ أَكُ جَاركُمْ وَتَكُون بَيْنِي وَبَيْنكُمْ الْمَوَدَّة وَالْإِخَاء وَالسَّفْك: الصَّبّ. سَفَكْت الدَّم أَسْفِكهُ سَفْكًا: صَبَبْته، وَكَذَلِكَ الدَّمْع، حَكَاهُ اِبْن فَارِس وَالْجَوْهَرِيّ. وَالسَّفَّاك: السَّفَّاح، وَهُوَ الْقَادِر عَلَى الْكَلَام. قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَلَا يُسْتَعْمَل السَّفْك إِلَّا فِي الدَّم , وَقَدْ يُسْتَعْمَل فِي نَثْر الْكَلَام يُقَال سَفَكَ الْكَلَام إِذَا نَثَرَهُ . وَوَاحِد الدِّمَاء دَم , مَحْذُوف اللَّام . وَقِيلَ : أَصْله دَمِي . وَقِيلَ دَمِي , وَلَا يَكُون اِسْم عَلَى حَرْفَيْنِ إِلَّا وَقَدْ حُذِفَ مِنْهُ , وَالْمَحْذُوف مِنْهُ يَاء وَقَدْ نُطِقَ بِهِ عَلَى الْأَصْل , قَالَ الشَّاعِر : فَلَوْ أَنَّا عَلَى حَجَر ذُبِحْنَا جَرَى الدَّميَانِ بِالْخَبَرِ الْيَقِين.
وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ
أَيْ نُنَزِّهك عَمَّا لَا يَلِيق بِصِفَاتِك . وَالتَّسْبِيح فِي كَلَامهمْ التَّنْزِيه مِنْ السُّوء عَلَى وَجْه التَّعْظِيم , وَمِنْهُ قَوْل أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : أَقُول لَمَّا جَاءَنِي فَخْره سُبْحَان مِنْ عَلْقَمَة الْفَاخِر أَيْ بَرَاءَة مِنْ عَلْقَمَة . وَرَوَى طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه قَالَ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَفْسِير سُبْحَان اللَّه فَقَالَ : ( هُوَ تَنْزِيه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ كُلّ سُوء ) . وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ السَّبْح وَهُوَ الْجَرْي وَالذَّهَاب , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " إِنَّ لَك فِي النَّهَار سَبْحًا طَوِيلًا " [ الْمُزَّمِّل : 7 ] فَالْمُسَبِّح جَارٍ فِي تَنْزِيه اللَّه تَعَالَى وَتَبْرِئَته مِنْ السُّوء . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام فِي " نَحْنُ " , وَلَا يَجُوز إِدْغَام النُّون فِي النُّون لِئَلَّا يَلْتَقِي سَاكِنَانِ . مَسْأَلَة : وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَسْبِيح الْمَلَائِكَة , فَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس : تَسْبِيحهمْ صَلَاتهمْ , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى : " فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ " [ الصَّافَّات : 143 ] أَيْ الْمُصَلِّينَ . وَقِيلَ : تَسْبِيحهمْ رَفْع الصَّوْت بِالذِّكْرِ , قَالَهُ الْمُفَضَّل , وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ جَرِير : قَبَّحَ الْإِلَه وُجُوه تَغْلِب كُلَّمَا سَبَّحَ الْحَجِيج وَكَبَّرُوا إِهْلَالَا وَقَالَ قَتَادَة : تَسْبِيحهمْ : سُبْحَان اللَّه , عَلَى عُرْفه فِي اللُّغَة , وَهُوَ الصَّحِيح لِمَا رَوَاهُ أَبُو ذَرّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ : أَيّ الْكَلَام أَفْضَل ؟ قَالَ : ( مَا اِصْطَفَى اللَّه لِمَلَائِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ ) . أَخْرَجَهُ مُسْلِم . وَعَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن قُرْط أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ سَمِعَ تَسْبِيحًا فِي السَّمَوَات الْعُلَا : سُبْحَان الْعَلِيّ الْأَعْلَى سُبْحَانه وَتَعَالَى ذِكْره الْبَيْهَقِيّ . قَوْله تَعَالَى " بِحَمْدِك " أَيْ وَبِحَمْدِك نَخْلِط التَّسْبِيح بِالْحَمْدِ وَنَصِلهُ بِهِ . وَالْحَمْد : الثَّنَاء , وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون قَوْلهمْ : " بِحَمْدِك " اِعْتِرَاضًا بَيْن الْكَلَامَيْنِ , كَأَنَّهُمْ قَالُوا : وَنَحْنُ نُسَبِّح وَنُقَدِّس , ثُمَّ اِعْتَرَضُوا عَلَى جِهَة التَّسْلِيم , أَيْ وَأَنْتَ الْمَحْمُود فِي الْهِدَايَة إِلَى ذَلِكَ . وَاَللَّه أَعْلَم .
وَنُقَدِّسُ لَكَ
أَيْ نُعَظِّمك وَنُمَجِّدك وَنُطَهِّر ذِكْرك عَمَّا لَا يَلِيق بِك مِمَّا نَسَبَك إِلَيْهِ الْمُلْحِدُونَ , قَالَ مُجَاهِد وَأَبُو صَالِح وَغَيْرهمَا . وَقَالَ الضَّحَّاك وَغَيْره : الْمَعْنَى نُطَهِّر أَنْفُسنَا لَك اِبْتِغَاء مَرْضَاتك وَقَالَ قَوْم مِنْهُمْ قَتَادَة : " نُقَدِّس لَك " مَعْنَاهُ نُصَلِّي . وَالتَّقْدِيس : الصَّلَاة . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا ضَعِيف . قُلْت : بَلْ مَعْنَاهُ صَحِيح , فَإِنَّ الصَّلَاة تَشْتَمِل عَلَى التَّعْظِيم وَالتَّقْدِيس وَالتَّسْبِيح , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول فِي رُكُوعه وَسُجُوده : ( سُبُّوح قُدُّوس رَبّ الْمَلَائِكَة وَالرُّوح ) . رَوَتْهُ عَائِشَة أَخْرَجَهُ مُسْلِم . وَبِنَاء " قَدَّسَ " كَيْفَمَا تَصَرَّفَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ التَّطْهِير , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة " [ الْمَائِدَة : 21 ] أَيْ الْمُطَهَّرَة . وَقَالَ : " الْمَلِك الْقُدُّوس " [ الْحَشْر : 23 ] يَعْنِي الطَّاهِر , وَمِثْله : " بِالْوَاد الْمُقَدَّس طُوًى " [ طَه : 12 ] وَبَيْت الْمَقْدِس سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ الْمَكَان الَّذِي يُتَقَدَّس فِيهِ مِنْ الذُّنُوب أَيْ يُتَطَهَّر , وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّطْلِ : قَدَس ; لِأَنَّهُ يُتَوَضَّأ فِيهِ وَيُتَطَهَّر , وَمِنْهُ الْقَادُوس . وَفِي الْحَدِيث : ( لَا قُدِّسَتْ أُمَّة لَا يُؤْخَذ لِضَعِيفِهَا مِنْ قَوِيّهَا ) . يُرِيد لَا طَهَّرَهَا اللَّه , أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه . فَالْقُدْس : الطُّهْر مِنْ غَيْر خِلَاف , وَقَالَ الشَّاعِر : فَأَدْرَكْنَهُ يَأْخُذْنَ بِالسَّاقِ وَالنَّسَا كَمَا شَبْرَقَ الْوِلْدَان ثَوْب الْمُقَدَّس أَيْ الْمُطَهَّر . فَالصَّلَاة طُهْرَة لِلْعَبْدِ مِنْ الذُّنُوب , وَالْمُصَلِّي يَدْخُلهَا عَلَى أَكْمَل الْأَحْوَال لِكَوْنِهَا أَفْضَل الْأَعْمَال , وَاَللَّه أَعْلَم .
قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
" أَعْلَم " فِيهِ تَأْوِيلَانِ , قِيلَ : إِنَّهُ فِعْل مُسْتَقْبَل . وَقِيلَ : إِنَّهُ اِسْم بِمَعْنَى فَاعِل , كَمَا يُقَال : اللَّه أَكْبَر , بِمَعْنَى كَبِير , وَكَمَا قَالَ : لَعَمْرك مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَأَوْجَل عَلَى أَيّنَا تَعْدُو الْمَنِيَّة أَوَّل فَعَلَى أَنَّهُ فِعْل تَكُون " مَا " فِي مَوْضِع نَصْب بِأَعْلَم , وَيَجُوز إِدْغَام الْمِيم فِي الْمِيم . وَإِنْ جَعَلْته اِسْمًا بِمَعْنَى عَالِم تَكُون " مَا " فِي مَوْضِع خَفْض بِالْإِضَافَةِ . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَلَا يَصِحّ فِيهِ الصَّرْف بِإِجْمَاعٍ مِنْ النُّحَاة , وَإِنَّمَا الْخِلَاف فِي " أَفْعَل " إِذَا سُمِّيَ بِهِ وَكَانَ نَكِرَة , فَسِيبَوَيْهِ وَالْخَلِيل لَا يَصْرِفَانِهِ, وَالْأَخْفَش يَصْرِفهُ . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : يَجُوز أَنْ تُقَدِّر التَّنْوِين فِي " أَعْلَم " إِذَا قَدَّرْته بِمَعْنَى عَالِم , وَتَنْصِب " مَا " بِهِ , فَيَكُون مِثْل حَوَاجّ بَيْت اللَّه . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَنِسْوَة حَوَاجّ بَيْت اللَّه , بِالْإِضَافَةِ إِذَا كُنَّ قَدْ حَجَجْنَ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَجْنَ قُلْت : حَوَاجّ بَيْت اللَّه , فَتَنْصِب الْبَيْت , لِأَنَّك تُرِيد التَّنْوِين فِي حَوَاجّ . قَوْله تَعَالَى " مَا لَا تَعْلَمُونَ " اِخْتَلَفَ عُلَمَاء التَّأْوِيل فِي الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " مَا لَا تَعْلَمُونَ " . فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ إِبْلِيس - لَعَنَهُ اللَّه - قَدْ أُعْجِبَ وَدَخَلَهُ الْكِبْر لَمَّا جَعَلَهُ خَازِن السَّمَاء وَشَرَّفَهُ , فَاعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ لِمَزِيَّةٍ لَهُ , فَاسْتَخَفَّ الْكُفْر وَالْمَعْصِيَة فِي جَانِب آدَم عَلَيْهِ السَّلَام . وَقَالَتْ الْمَلَائِكَة : " وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك " [ الْبَقَرَة : 30 ] وَهِيَ لَا تَعْلَم أَنَّ فِي نَفْس إِبْلِيس خِلَاف ذَلِكَ , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُمْ : " إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ " [ الْبَقَرَة : 30 ] . وَقَالَ قَتَادَة : لَمَّا قَالَتْ الْمَلَائِكَة " أَتَجْعَلُ فِيهَا " [ الْبَقَرَة : 30 ] وَقَدْ عَلِمَ اللَّه أَنَّ فِيمَنْ يُسْتَخْلَف فِي الْأَرْض أَنْبِيَاء وَفُضَلَاء وَأَهْل طَاعَة قَالَ لَهُمْ "إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ " . قُلْت: وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ مِمَّا كَانَ وَمِمَّا يَكُون وَمِمَّا هُوَ كَائِن, فَهُوَ عَامّ.
حياكم الله
http://www.w6w.net/album/35/w6w20050...21b61726a0.gif
د. أبو شامة المغربي
kalimates@maktoob.com
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-150.gif
يقول الله عز وجل في سورة البقرة
http://www.eng6.com/quran/quran/lb.gif بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ http://www.eng6.com/quran/quran/rb.gif
http://quran.al-islam.com/GenGifImag...0-0/2/30/1.png
صدق الله العظيم
مما جاء في تفسير
الجلالين
"قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ"
وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد إذْ "قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة" يَخْلُفنِي فِي تَنْفِيذ أَحْكَامِي فِيهَا وَهُوَ آدَم "قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا" بِالْمَعَاصِي "وَيَسْفِك الدِّمَاء" يُرِيقهَا بِالْقَتْلِ كَمَا فَعَلَ بَنُو الْجَانّ، وَكَانُوا فِيهَا، فَلَمَّا أَفْسَدُوا أَرْسَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة فَطَرَدُوهُمْ إلَى الْجَزَائِر وَالْجِبَال "وَنَحْنُ نُسَبِّح" مُتَلَبِّسِينَ "بِحَمْدِك" أَيْ نَقُول سُبْحَان اللَّه "وَنُقَدِّس لَك" نُنَزِّهك عَمَّا لَا يَلِيق بِك فَاللَّام زَائِدَة وَالْجُمْلَة حَال أَيْ فَنَحْنُ أَحَقّ بِالِاسْتِخْلَافِ قَالَ تَعَالَى "إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ" مِنْ الْمَصْلَحَة فِي اسْتِخْلَاف آدَم وَأَنَّ ذُرِّيَّته فِيهِمْ الْمُطِيع وَالْعَاصِي فَيَظْهَر الْعَدْل بَيْنهمْ فَقَالُوا لَنْ يَخْلُق رَبّنَا خَلْقًا أَكْرَم عَلَيْهِ مِنَّا وَلَا أَعْلَم لِسَبْقِنَا لَهُ وَرُؤْيَتنَا مَا لَمْ يَرَهُ فَخَلَقَ اللَّه تَعَالَى آدَم مِنْ أَدِيم الْأَرْض أَيْ وَجْههَا بِأَنْ قَبَضَ مِنْهَا قَبْضَة مِنْ جَمِيع أَلْوَانهَا وَعُجِنَتْ بِالْمِيَاهِ الْمُخْتَلِفَة وَسَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوح فَصَارَ حَيَوَانًا حَسَّاسًا بَعْد أَنْ كَانَ جَمَادًا.
حياكم الله
http://www.w6w.net/album/35/w6w20050...21b61726a0.gif
د. أبو شامة المغربي
kalimates@maktoob.com
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
حياكم الله أحبتي في الله
المزيد المزيد من المنقولات والاجتهادات
فهذا مجال خصب لتحريك الأفكار وتنوير العقول
ومحاولة فهم القديم وطرحه وتقديم الجديد ودعمه
وفتح الجسور بينهما كي تكتمل الرؤية
ولا مجال هنا لادعاء توقف التفكر في كتاب الله تعالى
مادام هذا الكتاب العظيم لا يبخل على قرائه بالمزيد من المعارف والكنوز
الأدبية والعلمية والمعرفية والثقافية..
إنه الكتاب الذي لا حدود لعطائه مثله مثل صاحبه
فتعالى سبحانه وجل في ملكه وسما عز وجل بقوله:
**++ إني أعلم ما لا تعلمون++**
فهل من مزيد يا أهل المربد الكرام
والله الموفق
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما زلنا ننتظر هطولكم يا أشاوس المربد الزاهر
آية كريمة تحمل خيرا كثيرا
ما رأيكم في ما سطره الدكتور عبدالصبور شاهين
في كتابه "أبي آدم..."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
سلام الله عليك أخي الكريم وأحسن الله إليك
في قول الملائكة أتجعل فيها من يفسد, معرفة مضمنة بوجود من سفك الدماء وأفسد.
السؤال الآن من هو هذا المخلوق؟
في ما أعلم أنهم خلق الجان، الذين سبق خلقهم خلق الإنسان، وهم من أفسد في الأرض وسفك الدماء، وهناك من ذهب إلى أن خلق الإنسان قد تكرر، فهناك أكثر من آدم قد خلق !!
والله أعلم
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته
أخي الفاضل لك مني كل التحايا، ولك من الله جزيل الشكر
نعم أخي العزيز هذان رأيان ذهب إلى أولهما كثير من الخلق ..
وأما ثانيهما فقد وقف عليه بعضهم، وأظن أن د.عبد الصبور أولهم ..
لكن ألا ترى معي أن أمور الغيب تحتاج منا للإيمان بها إلى ما يسندها من آية قرآنية أو حديث نبوي صحيح ..؟؟؟
وبالله التوفيق ..
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
أحسن الله تعالى لكل الإخوة الذين شاركونا هذا الموضوع
وأخص بالذكر أخانا الفاضل السباق للخيرات
الدكتور أبا شامة المغربي
وكذلك نحسبه ولا نزكي على الله أحدا..
لك من الله كل الخيرات أخانا الفاضل
أما فيما يتعلق بسؤالكم فهو وجيه ومشروع
ويمكن أن نجد له تخريجة بإذن الله تعالى
لكن يبدو لي والله أعلم
أن هناك مجموعة من الأسئلة التي يمكن طرحها وبشكل منطقي
إلا أنها في حقيقتها تعتبر أسئلة نابعة
أو قل اضطرنا لطرحها فهم معين
-أقول فيه والله أعلم-
لا يعطي القراءة الصحيحة للآيات
التي تناولت قصة بدء الخليقة بشكل عام..
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
"أتجعل فيها من يفسد فيها..."
الأستاذ عبدالرزاق المساوي
00++**هذا مدخل للقراءة الجديدة المقترحة لبعض مشاهد قصة بدء الخليقة**++00
إن السرد القصصي يعتبر ركيزة من ركائز التربية الإسلامية وأسا من أسس القرآن الكريم ودعامة من دعائم الخطاب الرباني الموجه لكل الناس بدون استثناء.. بله إنه يعتبر التصوير الحقيقي بأدوات تعبيرية ذات طابع سردي، ولغوية ذات سمات جمالية تعتمد مقومات التصوير بالريشة البلاغية الحية.. والتقديم التشخيصي والأنموذجي كأنك أمام أحداث ووقائع وشخصيات تمر بين يديك بكل انسيابية وتترك بصماته على مخيلتك وتأثر في مسار حياتك.. ثم إن هذا السرد القصصي هو الحديث الواقعي والإنساني لكل موضوعات القرآن الكريم ولكل مكونات الخطاب الرباني العظيم.. فهو يرصد أهم وأبلغ وأعمق ما يطرحه ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه.. ويشخص موضوعاته وما تناوله من قضايا عقدية وسلوكية.. فكرية ومعرفية.. نظرية وتطبيقية.. إنها سرد قصصي يأخذ بلغته الربانية بتلابيب الحياة البشرية في مسارها الطويل من المهد إلى اللحد، من الخلق إلى الجزاء.. (1)
(1) انظر مقدمة قراءة جديدة للسرد القصصي في الخطاب القرآني على الرابط: http://www.odabasham.net/show.php?sid=10517
كما يعتبر السرد القصصي في الخطاب القرآني دليلا حيا على أن كل ما أتى به الإسلام من شرعة ومنهاج، بناء على ما سبق ذكره، يتميز بالواقعية ولا يرتبط بأي حال من الأحوال بالخيال.. ويتميز بالإنسانية ولا يرتبط بما فوق الطبيعة البشرية.. فما أتى به الإسلام من قضايا لا تخرج عن أن تكون قضايا قابلة للتطبيق الحي والترجمة الميسرة إلى حركات واقعية.. وها هي كوكبة الأنبياء والرسل والصالحين في كل زمان ومكان تقدم الدليل على ذلك من خلال ما سطره كتاب الله تعالى عنهم وما أثبته التاريخ مصدقا بما جاء في هذا الكتاب العظيم.. (2)
(2) انظر "السرد القصصي في الخطاب القرآني بين الحقيقة والخيال" على الرابط التالي: http://www.odabasham.net/show.php?sid=11098
ولأهمية هذه القضية وفاعليتها في التأثير على المتلقي نجد السرد القصصي يشغل مكانا واسعا وحيزا كبيرا وفضاء مكانيا متراميا من جغرافية النص القرآني الجليل.. ويتمدد عبر خريطته الشاسعة في فضاءات عديدة ومتنوعة ومختلفة وبأشكال متغايرة ومتباينة من أول سورة إلى آخر سورة....
ولكن هذا السرد القصصي بكل ما يحمل من معاني رائعة راقية.. وموضوعات جميلة فائقة.. وبكل ما يشكله من تصوير رائع موفق للمرامي القرآنية والغايات الإسلامية.. وبكل ما يشخص من مثل وقيم عالية وأخلاق فاضلة وسلوكيات متعالية.. وبكل ما يسلطه من أضواء كاشفة على الأفكار المنحطة والسلوكات الدانية والتصرفات المشينة.. وبكل ما يزخر به من أداء لغوي عال وبلاغي فصيح.. وبكل ما يقدمه من جمالية لفظية وشاعرية تركيبية عز نظيرهما.. تعرض هذا السرد القصصي مثله مثل بعض القضايا الإسلامية الأخرى لعدد من التعسفات وكثير من التجاوزات وجملة من المفاهيم الغريبة عن طبيعته مما أفقده العديد من خصوصياته، ونأى به عن كثير من المزايا والأهداف النبيلة التي من أجلها صيغ بالشكل الذي هو عليه في كتاب الله تعالى، بله لقد أفرغه هذا التدخل البشري من فحواه وجعله كأنه أجوف لا طائلة تحته اللهم إلا من الجانب الحكائي حيث إن القصة القرآنية أصبحت تعيش بين الحقيقة والخيال في حياة كثير من الناس، وأضحت بينهم تروى للتسلية والتفكه والسمر وضرب الأمثال.. أو تقرأ للخوض -وبجميع الوسائل المتاحة- في الغيبيات والقضايا التي لم يشهد أحد خلقها.. ولم يعيشوا أحداثها ولا زمانها ولا مكانها ولا أشخاصها.. ولا ارتكزوا في التعامل معها على ما هو حقائق تاريخية مدونة وغير محرفة، ولا اعتمدوا على روايات محققة مدققة لا يرقى إليها الشك من أي جهة.. مما أدى وبكل وضوح إلى الحديث عن التاريخ البشري بشكل خرافي أو برؤية أسطورية، أو بضرب من الظن الذي لا يغني من الحق شيئا.. (3)
(3) انظر كتاب "قصص الأنبياء" المسمى بـ "العرائس" من تأليف ابن إسحاق أحمد بن إبراهيم الثعلبي..
وتأتي قصة آدم عليه السلام أول قصة قرآنية تحيط بها المشكلات من جميع الجهات.. فلقد كانت أكثر القصص القرآني عرضة للتفسير الخرافي والتحليل الأسطوري والعرض الحكواتي، حتى أمسى القارئ للقرآن الكريم في سرده القصصي لأحداث بدء الخليقة لا يستطيع أن يتخلص من كثير من الأفكار التي علقت بأحداث القصة والتي جاءت روايتها عن رجال ثقات استنادا إلى مصادر كتابية تم التعامل معها بمرونة زادت عن الحد حتى انقلبت إلى الضد.. مما زاد القصة القرآنية في حلقتها الآدمية غموضا ولفا في المجهول كما زادها إيغالا في الأسطورية.. وكيف لا وهي قصة بدء الخليقة، فكلما بعدت القصة في الزمان كلما أحاطها الناس بهالة من الأفكار العجائبية والآراء الأسطورية.. وغدا المرء المتلقي لا يفرق في فهمها بين ما هو حق وحقيقة وما هو باطل وخيال، بين ما يتصل بالقص الرباني الموثق والمشهود له بالصدق، وما له علاقة بالحكي الإنساني والتفكير البشري.. بين ما هو وحي وما هو رأي.. بين ما هو غاية في الأهمية وما هو وسيلة للتسلية.. لقد اختلطت الأمور على متلقي الخطاب القرآني في شقه السرد قصصي.. وللأسف الشديد التبس الأمر حتى على بعض أولئك الذين يعتبرون من أهل العلم والفضل قديمهم وحديثهم.. (4)
(4) انظر كتاب الدكتور عبد الصبور شاهين "أبي آدم قصة الخليقة بين الأسطورة والحقيقة" دار أخبار اليوم قطاع الثقافة جمهورية مصر العربية-الناشر دار الاعتصام سنة النشر 1998..
وإن من جملة الأمور التي أثارتها قصة آدم عليه السلام في القرآن الكريم وأسالت مداد أقلام كثيرة قديما وحديثا.. وحيرت عقولا عديدة وأربكت فهم النص القرآني المتعلق بالقصة ككل وما يرتبط بها.. تلك الحلقة العجيبة أو تلك اللقطة الهائلة أو ذلك المشهد الرائع الذي أتى في الخطاب القرآني في سورة البقرة على صرح اللغة العربية الحية ومحمل البلاغة الراقية المتحركة.. إنه المشهد المفعم بالحركة.. وهو يصور وأقول يصور بالمفهوم السينمائي لحظة الحوار العلوي بين رب العالمين عز وجل وعباده الطائعين من ملائكته المقربين.. والتي كانت لحظة مثيرة إثارة مفيدة جدا من خلال رسم صورة قمة التسامح في الحوار بين الخالق والمخلوق.. ومعبرة تعبيرا حيا عن السمو والعلو والنزاهة والكرامة في مناقشة قضية جوهرية بين صاحبها وواضعها سبحانه في علوه وبعض خلقه الذين من المفروض بداهة أن لا يناقشوا ولا يحاوروا بله يسمعوا وينفدوا.. إنها لحظة مشهدية حبلى بالمعاني العظيمة والدلالات الجليلة إلا أنها تعرضت لسوء فهم وتأويل جعلها عوض أن تكون للعبرة والعظة والدروس المفيدة ومعلمة من معالم التربية القرآنية في مسيرة الحياة الإنسانية، أصبحت مثار نقاش عقيم وجدال سقيم لا طائلة تحته وتأويلات لا فائدة ترجى منها.. وما أظن أن الأمر كان يحتاج إلى كل ما أثير من ضجيج فكري وصخب علمي وصل عند بعضنا – غفر الله لنا ولهم - إلى حد التقاضي..(5)
(5) انظر مقدمة الطبعة الثانية لكتاب عبدالصبور.. الصفحة: 19.. م.س.
ولا بأس هنا من التذكير بالآيات القرآنية الكريمة وسرد ما جاء في تأويلها ببعض كتب التفسير القديمة والحديثة كي نقف على ما هو كائن أولا ثم بعد ذلك نحاول قراءة الآيات القرآنية بالشكل الذي نقترحه ونسأل الله تعالى التوفيق إنه سميع مجيب..
00++** يــتــــبـــع **++00
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
بدأ رب العزة الآية الكريمة بقولة " إني جاعل "
للتأكيد على خلافة الأرض وتعميرها
وعرض ذلك للملائكة لم يكن إلا للإخبار فقط .. لأن قدر الله كائن
أما " رد الملائكة " بسؤال التعجب " أتجعل فيها " لم يكن – كما أسلفتم- من باب الإنكار ورد ما قدره الله
ومن خلال تكرار قراءتي لهذه الآية لمحت أمرًا ألا وهو
طريقة الحوار بما فيها من إيجاز عجيب يأسر القلوب والألباب
لقد شرّف الله عزو جل ملائكته بأن أخبرهم بخلق الإنسان ليكون الخليفة على هذه الأرض
وهنا تكريم للملائكة نلحظه عند قرائتنا للحوار
وتكريم للبشر عندما جعل أبوهم آدم
" وعلم آدم الأسماء كلها"
ترى ما الذي توحيه لنا الكلمة السابقة ؟؟؟؟
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
ما لفت انتباهي كذلك
أن الملائكة مخلوقات نورانية طيعة
والحوار الذي جرى بينها وبين الله سبحانه وتعالى
فيه دلالة كبيرة على أن الملائكة تحاور الله , وتبدي رأيها , وتعرض فكرتها
ذلك يعني أن لهم ذوات تحس وتدرك وتعرف وتميز
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
يقول الله عز وجل في سورةالبقرة
%% القول فـي تأويـل قوله تعالـى: قالُوا أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ.
قال أبو جعفر: إن قال قائل: وكيف قالت الـملائكة لربها إذ أخبرها أنه جاعل فـي الأرض خـلـيفة: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ ولـم يكن آدم بعد مخـلوقا ولا ذرّيته, فـيعلـموا ما يفعلون عيانا؟ أعلـمت الغيب فقالت ذلك, أم قالت ما قالت من ذلك ظنّا, فذلك شهادة منها بـالظن وقول بـما لا تعلـم, وذلك لـيس من صفتها, فما وجه قـيـلها ذلك لربها؟ قـيـل: قد قالت العلـماء من أهل التأويـل فـي ذلك أقوالا ً%%(6)
(6) جامع البيان عن تأويل آي القرآن تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 ه.. قدم له الشيخ خليل الميس.. ضبط وتوثيق وتخريج صدقي جميل العطار
دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.. 1415 ه / 1995 م
%%قَدْ عَلِمْنَا قَطْعًا أَنَّ الْمَلَائِكَةلَا تَعْلَم إِلَّا مَا أُعْلِمَتْ وَلَا تَسْبِق بِالْقَوْلِ، وَذَلِكَ عَامّ فِيجَمِيع الْمَلَائِكَة، لِأَنَّ قَوْله: "لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ" خَرَجَعَلَى جِهَة الْمَدْح لَهُمْ، فَكَيْف قَالُوا: "أَتَجْعَلُ فِيهَامَنْ يُفْسِد فِيهَا؟" فَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا لَفْظخَلِيفَةفَهِمُوا أَنَّ فِي بَنِي آدَم مَنْيُفْسِد، إِذْالْخَلِيفَةالْمَقْصُود مِنْهُالْإِصْلَاح وَتَرْك الْفَسَاد، لَكِنْ عَمَّمُوا الْحُكْم عَلَى الْجَمِيعبِالْمَعْصِيَةِ، فَبَيَّنَ الرَّبّ تَعَالَى أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يُفْسِد وَمَنْلَا يُفْسِد، فَقَالَ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ: "إِنِّي أَعْلَم"، وَحَقَّقَذَلِكَ بِأَنْ عَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء، وَكَشَفَ لَهُمْ عَنْ مَكْنُونعِلْمه.
وَقِيلَ: إِنَّالْمَلَائِكَة قَدْ رَأَتْ وَعَلِمَتْ مَا كَانَ مِنْ إِفْسَادالْجِنّوَسَفْكهمْ الدِّمَاء، وَذَلِكَ لِأَنَّالْأَرْض كَانَ فِيهَاالْجِنّقَبْل خَلْقآدَم، فَأَفْسَدُوا وَسَفَكُوا الدِّمَاء، فَبَعَثَ اللَّه إِلَيْهِمْإِبْلِيسفِي جُنْد مِنْ الْمَلَائِكَة، فَقَتَلَهُمْوَأَلْحَقَهُمْ بِالْبِحَارِ وَرُءُوس الْجِبَال، فَمِنْ حِينَئِذٍ دَخَلَتْهُالْعِزَّة، فَجَاءَ قَوْلهمْ: "أَتَجْعَلُ فِيهَا" عَلَى جِهَة الِاسْتِفْهَامالْمَحْض: هَلْ هَذَاالْخَلِيفَةعَلَى طَرِيقَةمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْجِنّ أَمْ لَا؟ قَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى ثَعْلَب، وَقَالَاِبْن زَيْد وَغَيْره: إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَعْلَمَهُمْ أَنَّ الْخَلِيفَةسَيَكُونُ مِنْ ذُرِّيَّته قَوْم يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَيَسْفِكُونَالدِّمَاء، فَقَالُوا لِذَلِكَ هَذِهِ الْمَقَالَة، إِمَّا عَلَى طَرِيقالتَّعَجُّب مِنْ اِسْتِخْلَاف اللَّه مَنْ يَعْصِيه أَوْ مِنْ عِصْيَان اللَّهمَنْ يَسْتَخْلِفهُ فِي أَرْضه وَيُنْعِم عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَإِمَّا عَلَى طَرِيقالِاسْتِعْظَام وَالْإِكْبَار لِلْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا: الِاسْتِخْلَافوَالْعِصْيَان. وَقَالَ قَتَادَة: كَانَ اللَّه أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ إِذَا جَعَلَفِي الْأَرْض خَلْقًا أَفْسَدُوا وَسَفَكُوا الدِّمَاء، فَسَأَلُوا حِين قَالَتَعَالَى: "إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة" أَهُوَالَّذِي أَعْلَمَهُمْ أَمْ غَيْره؟ وَهَذَا قَوْل حَسَن، رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاققَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله: "أَتَجْعَلُفِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا" قَالَ: كَانَ اللَّه أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُإِذَا كَانَ فِي الْأَرْض خَلْق أَفْسَدُوا فِيهَا وَسَفَكُوا الدِّمَاء،فَلِذَلِكَ قَالُوا: "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا"، وَفِي الْكَلَامحَذْف عَلَى مَذْهَبه، وَالْمَعْنَى إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة يَفْعَلكَذَا وَيَفْعَل كَذَا، فَقَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا الَّذِي أَعْلَمْتنَاهُ أَمْغَيْره؟ وَالْقَوْل الْأَوَّل أَيْضًا حَسَن جِدًّا، لِأَنَّ فِيهِ اِسْتِخْرَاجالْعِلْم وَاسْتِنْبَاطه مِنْ مُقْتَضَى الْأَلْفَاظ، وَذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّامِنْ الْعُلَمَاء، وَمَا بَيْن الْقَوْلَيْنِ حَسَن،فَتَأَمَّلْهُ.وَقَدْقِيلَ: إِنَّ سُؤَالَهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ بِقَوْلِهِ: (كَيْف تَرَكْتُمْعِبَادِي) - عَلَى مَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره - إِنَّمَا هُوَ عَلَىجِهَة التَّوْبِيخ لِمَنْ قَالَ: أَتَجْعَلُ فِيهَا؟ وَإِظْهَار لِمَا سَبَقَ فِيمَعْلُومه إِذْ قَالَ لَهُمْ: "إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ". قَوْله: "مَنْيُفْسِد فِيهَا" "مَنْ" فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْمَفْعُول بِتَجْعَل وَالْمَفْعُول الثَّانِي يَقُوم مَقَامه "فِيهَا"."يُفْسِد" عَلَى اللَّفْظ، وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن يُفْسِدُونَ عَلَى الْمَعْنَى، وَفِي التَّنْزِيل: " وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِع إِلَيْك" [الْأَنْعَام: 25] عَلَىاللَّفْظ، "وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ" عَلَىالْمَعْنَى.وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ:عَطْف عَلَيْهِ، وَيَجُوزفِيهِ الْوَجْهَانِ، وَرَوَى أُسَيْد عَنْ الْأَعْرَج أَنَّهُ قَرَأَ: "وَيَسْفِكالدِّمَاء" بِالنَّصْبِ، يَجْعَلهُ جَوَاب الِاسْتِفْهَام بِالْوَاوِ كَمَا قَالَ: أَلَمْ أَكُ جَاركُمْ وَتَكُون بَيْنِي وَبَيْنكُمْ الْمَوَدَّة وَالْإِخَاءوَالسَّفْك: الصَّبّ. سَفَكْت الدَّم أَسْفِكهُ سَفْكًا: صَبَبْته، وَكَذَلِكَالدَّمْع، حَكَاهُ اِبْن فَارِس وَالْجَوْهَرِيّ. وَالسَّفَّاك: السَّفَّاح، وَهُوَالْقَادِر عَلَى الْكَلَام. قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَلَا يُسْتَعْمَل السَّفْكإِلَّا فِي الدَّم , وَقَدْ يُسْتَعْمَل فِي نَثْر الْكَلَام يُقَال سَفَكَالْكَلَام إِذَا نَثَرَهُ. وَوَاحِد الدِّمَاء دَم، مَحْذُوف اللَّام. وَقِيلَ:أَصْله دَمِي. وَقِيلَ دَمِي، وَلَا يَكُون اِسْم عَلَى حَرْفَيْنِ إِلَّا وَقَدْحُذِفَ مِنْهُ، وَالْمَحْذُوف مِنْهُ يَاء وَقَدْ نُطِقَ بِهِ عَلَى الْأَصْل،قَالَ الشَّاعِر: فَلَوْ أَنَّا عَلَى حَجَر ذُبِحْنَا جَرَى الدَّميَانِبِالْخَبَرِ الْيَقِين.
وَنَحْنُ نُسَبِّحُبِحَمْدِكَ: أَيْ نُنَزِّهك عَمَّا لَايَلِيق بِصِفَاتِك. وَالتَّسْبِيح فِي كَلَامهمْ التَّنْزِيه مِنْ السُّوء عَلَىوَجْه التَّعْظِيم، وَمِنْهُ قَوْل أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة: أَقُول لَمَّاجَاءَنِي فَخْره سُبْحَان مِنْ عَلْقَمَة الْفَاخِر أَيْ بَرَاءَة مِنْ عَلْقَمَة.وَرَوَى طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه قَالَ: سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهعَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَفْسِير سُبْحَان اللَّه فَقَالَ: ( هُوَ تَنْزِيهاللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ كُلّ سُوء ). وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ السَّبْح وَهُوَالْجَرْي وَالذَّهَاب، قَالَ اللَّه تَعَالَى: "إِنَّ لَك فِي النَّهَار سَبْحًاطَوِيلًا" [ الْمُزَّمِّل : 7 ] فَالْمُسَبِّح جَارٍ فِي تَنْزِيه اللَّه تَعَالَىوَتَبْرِئَته مِنْ السُّوء. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام فِي " نَحْنُ "، وَلَايَجُوز إِدْغَام النُّون فِي النُّون لِئَلَّا يَلْتَقِي سَاكِنَانِ. مَسْأَلَة:وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَسْبِيح الْمَلَائِكَة، فَقَالَ اِبْنمَسْعُود وَابْن عَبَّاس: تَسْبِيحهمْ صَلَاتهمْ، وَمِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى: " فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ" [الصَّافَّات : 143 ] أَيْالْمُصَلِّينَ. وَقِيلَ: تَسْبِيحهمْ رَفْع الصَّوْت بِالذِّكْر، قَالَهُالْمُفَضَّل، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ جَرِير: قَبَّحَ الْإِلَه وُجُوه تَغْلِبكُلَّمَا سَبَّحَ الْحَجِيج وَكَبَّرُوا إِهْلَالَا وَقَالَ قَتَادَة : تَسْبِيحهمْ : سُبْحَان اللَّه، عَلَى عُرْفه فِي اللُّغَة، وَهُوَ الصَّحِيح لِمَا رَوَاهُأَبُو ذَرّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيّالْكَلَام أَفْضَل ؟ قَالَ: (مَا اِصْطَفَى اللَّه لِمَلَائِكَتِهِ أَوْلِعِبَادِهِ سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ). أَخْرَجَهُ مُسْلِم. وَعَنْ عَبْدالرَّحْمَن بْن قُرْط أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَلَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ سَمِعَ تَسْبِيحًا فِي السَّمَوَات الْعُلَا: سُبْحَانالْعَلِيّ الْأَعْلَى سُبْحَانه وَتَعَالَى ذِكْره الْبَيْهَقِيّ . قَوْله تَعَالَى " بِحَمْدِك " أَيْ وَبِحَمْدِك نَخْلِط التَّسْبِيح بِالْحَمْدِ وَنَصِلهُ بِهِ.وَالْحَمْد: الثَّنَاء، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون قَوْلهمْ: " بِحَمْدِك " اِعْتِرَاضًا بَيْن الْكَلَامَيْنِ، كَأَنَّهُمْ قَالُوا: وَنَحْنُنُسَبِّح وَنُقَدِّس، ثُمَّ اِعْتَرَضُوا عَلَى جِهَة التَّسْلِيم، أَيْ وَأَنْتَالْمَحْمُود فِي الْهِدَايَة إِلَى ذَلِكَ.وَاَللَّه أَعْلَم .وَنُقَدِّسُ لَكَ: أَيْ نُعَظِّمك وَنُمَجِّدكوَنُطَهِّر ذِكْرك عَمَّا لَا يَلِيق بِك مِمَّا نَسَبَك إِلَيْهِ الْمُلْحِدُون، قَالَ مُجَاهِد وَأَبُو صَالِح وَغَيْرهمَا. وَقَالَ الضَّحَّاك وَغَيْره:الْمَعْنَى نُطَهِّر أَنْفُسنَا لَك اِبْتِغَاء مَرْضَاتك وَقَالَ قَوْم مِنْهُمْقَتَادَة: "نُقَدِّس لَك" مَعْنَاهُ نُصَلِّي. وَالتَّقْدِيس: الصَّلَاة،قَالَ اِبْن عَطِيَّة: وَهَذَا ضَعِيف. قُلْت: بَلْ مَعْنَاهُ صَحِيح، فَإِنَّالصَّلَاة تَشْتَمِل عَلَى التَّعْظِيم وَالتَّقْدِيس وَالتَّسْبِيح، وَكَانَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول فِي رُكُوعه وَسُجُوده ( سُبُّوح قُدُّوس رَبّ الْمَلَائِكَة وَالرُّوح ). رَوَتْهُ عَائِشَة أَخْرَجَهُمُسْلِم. وَبِنَاء "قَدَّسَ" كَيْفَمَا تَصَرَّفَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ التَّطْهِير،وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: "اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة"[ الْمَائِدَة : 21 ] أَيْ الْمُطَهَّرَة. وَقَالَ: "الْمَلِك الْقُدُّوس" [ الْحَشْر : 23 ] يَعْنِي الطَّاهِر، وَمِثْله: "بِالْوَاد الْمُقَدَّس طُوًى" [طَه : 12 ] وَبَيْت الْمَقْدِس سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ الْمَكَان الَّذِي يُتَقَدَّس فِيهِمِنْ الذُّنُوب أَيْ يُتَطَهَّر، وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّطْلِ: قَدَس، لِأَنَّهُيُتَوَضَّأ فِيهِ وَيُتَطَهَّر، وَمِنْهُ الْقَادُوس. وَفِي الْحَدِيث: (لَاقُدِّسَتْ أُمَّة لَا يُؤْخَذ لِضَعِيفِهَا مِنْ قَوِيّهَا). يُرِيد لَاطَهَّرَهَا اللَّه، أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه. فَالْقُدْس: الطُّهْرمِنْ غَيْر خِلَاف، وَقَالَ الشَّاعِر: فَأَدْرَكْنَهُ يَأْخُذْنَ بِالسَّاقِوَالنَّسَا كَمَا شَبْرَقَ الْوِلْدَان ثَوْب الْمُقَدَّس أَيْ الْمُطَهَّر.فَالصَّلَاة طُهْرَة لِلْعَبْدِ مِنْ الذُّنُوب، وَالْمُصَلِّي يَدْخُلهَا عَلَىأَكْمَل الْأَحْوَال لِكَوْنِهَا أَفْضَل الْأَعْمَال، وَاَللَّه أَعْلَم .قَالَإِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ: "أَعْلَم " فِيهِتَأْوِيلَانِ، قِيلَ: إِنَّهُ فِعْل مُسْتَقْبَل. وَقِيلَ: إِنَّهُ اِسْمبِمَعْنَى فَاعِل، كَمَا يُقَال: اللَّه أَكْبَر، بِمَعْنَى كَبِير، وَكَمَاقَالَ: لَعَمْرك مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَأَوْجَل عَلَى أَيّنَا تَعْدُوالْمَنِيَّة أَوَّل فَعَلَى أَنَّهُ فِعْل تَكُون "مَا" فِي مَوْضِع نَصْببِأَعْلَم، وَيَجُوز إِدْغَام الْمِيم فِي الْمِيم. وَإِنْ جَعَلْته اِسْمًابِمَعْنَى عَالِم تَكُون "مَا"فِي مَوْضِع خَفْض بِالْإِضَافَةِ. قَالَ اِبْنعَطِيَّة: وَلَا يَصِحّ فِيهِ الصَّرْف بِإِجْمَاعٍ مِنْ النُّحَاة، وَإِنَّمَاالْخِلَاف فِي "أَفْعَل" إِذَا سُمِّيَ بِهِ وَكَانَ نَكِرَة، فَسِيبَوَيْهِوَالْخَلِيل لَا يَصْرِفَانِهِ، وَالْأَخْفَش يَصْرِفهُ. قَالَ الْمَهْدَوِيّ:يَجُوز أَنْ تُقَدِّر التَّنْوِين فِي "أَعْلَم" إِذَا قَدَّرْته بِمَعْنَىعَالِم، وَتَنْصِب "مَا" بِهِ، فَيَكُون مِثْل حَوَاجّ بَيْت اللَّه. قَالَالْجَوْهَرِيّ: وَنِسْوَة حَوَاجّ بَيْت اللَّه، بِالْإِضَافَةِ إِذَا كُنَّ قَدْحَجَجْنَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَجْنَ قُلْت: حَوَاجّ بَيْت اللَّه، فَتَنْصِبالْبَيْت، لِأَنَّك تُرِيد التَّنْوِين فِي حَوَاجّ. قَوْله تَعَالَى:"مَا لَاتَعْلَمُونَ" اِخْتَلَفَ عُلَمَاء التَّأْوِيل فِي الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى: "مَا لَا تَعْلَمُونَ". فَقَالَ اِبْن عَبَّاس: كَانَ إِبْلِيس - لَعَنَهُاللَّه - قَدْ أُعْجِبَ وَدَخَلَهُ الْكِبْر لَمَّا جَعَلَهُ خَازِن السَّمَاءوَشَرَّفَهُ، فَاعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ لِمَزِيَّةٍ لَهُ، فَاسْتَخَفَّ الْكُفْروَالْمَعْصِيَة فِي جَانِب آدَم عَلَيْهِ السَّلَام. وَقَالَتْ الْمَلَائِكَة: "وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك" [ الْبَقَرَة : 30 ] وَهِيَ لَاتَعْلَم أَنَّ فِي نَفْس إِبْلِيس خِلَاف ذَلِكَ , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُمْ: " إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ " [ الْبَقَرَة : 30 ]. وَقَالَ قَتَادَة:لَمَّا قَالَتْ الْمَلَائِكَة "أَتَجْعَلُ فِيهَا" [الْبَقَرَة : 30] وَقَدْعَلِمَ اللَّه أَنَّ فِيمَنْ يُسْتَخْلَف فِي الْأَرْض أَنْبِيَاء وَفُضَلَاءوَأَهْل طَاعَة قَالَ لَهُمْ "إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ". قُلْت:وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ مِمَّاكَانَ وَمِمَّا يَكُون وَمِمَّا هُوَ كَائِن، فَهُوَ عَامّ..% (7)
(7) كتاب الجامع لأحكام القرآن، المشهور بـ "تفسير القرطبي"، تأليف أبو عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي. تفسير سورة البقرة..
%%فأخبر تعالى أنه خاطب الملائكة قائلاً لهم: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} أعلم بما يريد أن يخلق من آدم وذريته الذين يخلف بعضهم بعضاً كما قال: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ} وقال: {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ} فأخبرهم بذلك على سبيل التنويه بخلق آدم وذريته، كما يخبر بالأمر العظيم قبل كونه، فقالت الملائكة سائلين على وجه الاستكشاف والاستعلام عن وجه الحكمة، لا على وجه الاعتراض والتنقص لبني آدم والحسد لهم، كما قد يتوهمه بعض جهلة المفسرين، قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}. قيل علموا أن ذلك كائن بما رأوا ممن كان قبل آدم من الجن والبن. قاله قتادة. وقال عبد الله بن عمر: كانت الجن قبل آدم بألفي عام فسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم جنداً من الملائكة فطردوهم إلى جزائر البحور. وعن ابن عبَّاس نحوه. وعن الحسن: ألهموا ذلك. وقيل: لما اطلعوا عليه من اللوح المحفوظ، فقيل أطلعهم عليه هاروت وماروت عن ملك فوقهما يقال له السجل. رواه ابن أبي حاتم عن أبي جعفر الباقر. وقيل: لأنهم علموا أن الأرض لا يخلق منها إلا من يكون بهذه المثابة غالباً.%%(8)
(8) انظر كتاب "قََََََصَصُ الأنْبِيَاءِ"للإمام ابن الحافظ ابن كثير.. باب: ما ورد في خلق آدم عليه السلام..
%%ويوحيقول الملائكة هذا بأنه كان لديهم من شواهد الحال، أو من تجارب سابقة فيالأرض، أو من إلهام البصيرة، ما يكشف لهم عن شيء من فطرة هذا المخلوق، أو منمقتضياتحياته على الأرض، وما يجعلهم يعرفون أو يتوقعون أنه سيفسد في الأرض، وأنهسيسفكالدماء.. %%(9)
(9)انظر كتاب "في ظلال القرآن" للشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى.. سورة البفرة..
%%(جاعل) يراد به الاستقبال فلذلك عمل، ويجوز أن يكون بمعنى خالق، فيتعدى إلى مفعول واحد، وأن يكون بمعنى مصير فيتعدى إلى مفعولين ويكون (في الارض) هو الثانى (خليفة) فعيلة بمعنى فاعل، أى يخلف غيره، وزيدت الهاء للمبالغة (أتجعل) الهمزة للاسترشاد، أى تجعل فيها من يفسد كمن كان فيها من قبل، وقيل استفهموا عن أحوال أنفسهم، أي أتجعل فيها مفسدا ونحن على طاعتك أو نتغير (يسفك) الجمهور على التخفيف وكسر الفاء، وقد قرئ بضمها وهى لغتان، ويقرأ بالتشديد للتكثير، وهمزة (الدماء) منقلبة عن ياء لان الاصل دمى، لانهم قالوا دميان (بحمدك) في موضع الحال تقديره: نسبح مشتملين بحمدك أو متعبدين بحمدك (ونقدس لك) أى لاجلك، ويجوز أن تكون اللام زائدة: أى نقدسك، ويجوز أن تكون معدية للفعل كتعدية الباء مثل سجدت لله%% (10)
(10)انظر كتاب"إملاء مامن به الرحمنمن وجوه الاعراب والقراء?ات في جميع القرآن"تأليفأبي البقاء عبدالله بن الحسين بن عبدالله العكبري(538 - 616 ه(
كلام كثير في الموضوع وآراء عديدة حول هذا المشهد ومحاولات للفهم والتفسير متعددة ومختلفة.. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى الحيرة التي انتابت كل من وقف عند هذا النص القرآني المعجز الذي أصبح لغزا يجب حله فانهالت الأفكار والآراء والتفسيرات والتأويلات والاجتهادات والبحث في المأثورات، ولكن للأسف كان البحث عن حل اللغز المفتعل من خارج اللغز نفسه مما أسفر عن إنتاج كمية هائلة من النصوص المفسرة من خارج المنظومة الإسلامية نفسها إما في شكل قول يعتبر مأثورا أو رأي يؤخذ مرجوحا أو نقل عن عالم ثقة، أو نسخ من كتاب مسطور.. كل هذه أشكال تعتبر مصادر اعتمدها المفسرون القدامى من سلف هذه الأمة.. وذلك إما لفهم بعض الأحداث المسرودة في النص القرآني.. وإما لتفكيك وتفصيل بعض ما أجمله الخطاب الرباني.. أو لملء بعض الفراغات التي تبدت للمتأمل بين حلقات كل قصة من القصص القرآني.. إلا أن الأمر لم يخل من مغامرات علمية تركت خلفها ركاما من التأويلات غير السليمة أو لا تستند على الأقل إلى ما يدعمها من نصوص صريحة وصحيحة خصوصا وأن القضايا المطروحة للنقاش غالبا ما تكون قضايا عقدية غيبية لا يؤخذ فيها إلا بالدليل القطعي وما سواه يعتبر على الهامش الذي يفيد ما لم يحدث خدوشا في الرؤية الإيمانية والتصور الإسلامي والحقائق الربانية..
فلماذا يا ترى لم يهتم القرآن الكريم بتفاصيل ما كان من الخلق قبل قصة آدم عليه السلام؟؟؟
هل فعلا غيب تاريخا طويلا وعريضا يعد بملايين السنين، ولم يأت على ذكره بالكامل كما يظن بعضهم؟؟؟
هل يمكن أن يقف القرآن الكريم على كثير من تفاصيل بعض القصص ولا يذكر تفاصيل أخرى قد تكون أهم منها؟؟؟
بل حتى أقرب الحلقات إلى حلقة خلق آدم في سلسلة بدء الخليقة والتي هي حلقة خلق الملائكة وحلقة خلق إبليس لا نجد في القرآن الكريم تفصيلا عنهما ولا عن كيفية أو مراحل خلقهما ولا حتى عن الكون الذي سوف يسخر لخدمة المستخلف فيه.. وهذا يرجع في تقديرنا إلى أن القرآن الكريم يريد أن يسلط الضوء على ما له علاقة بالحياة الآدمية من البداية إلى النهاية مرورا بما يفيد الإنسان من محطات المخلوقات الأخرى..
لقد خلق الله تعالى الملائكة من نور..فعن عائشة - رضي اللَّه عنها- قالت : قال رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم : خلِقت الملائكة من نّور ، وخلق الجانّ من مارِج من نار ، وخلق آدم ممّا وصف لكم . رواه مسلم . (11)
(11) رواه مسلم كتاب الزهد (4 / 2294 ) (رقم : 2996) . مسلم الزهد والرقائق (2996) ، أحمد (6/153(
ثم فتنهم - سبحانه وتعالى وهو ربهم- فتنتين أو قل امتحنهما بامتحانين ولقد كان الأول منهما إدخال إبليس في كوكبتهم وجعله بين ظهرانيهم مع أنه ليس من طبيعتهم ولا من جنسهم وليس على شاكلتهم ولا يملك خصائصهم ولا تتوفر فيه خصالهم.. ومع ذلك لم يثيروا موضوع هذا المخلوق الغريب عنهم ولم يسألوا الله عن سبب وجوده بينهم وهم يعلمون أنه من الجن أي من طبيعة وأصل غير طبيعتهم أو أصلهم.. فكان صمتهم الذي يدل عليه عدم الإشارة القرآنية إلى ضده - كما سجل عنهم تعليقهم على اختيار آدم خليفة في الأرض في شكل حوار جرى بينها وبين الله سبحانه وتعالى.. وقد كان هذا الحوار دليلا على أن الملائكة تحاور الله تعالى بكل طلاقة في إطار الحكمة الربانية، وتبدي من خلال حوارها رأيها وعلمها في إطار "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا" وتعرض فكرتها ونظرتها وهي تعلم علم اليقين أن الله عدل وحق فتح لهم هذا الباب في إطار رحمته التي لا تحجر على الرأي والفكر بل تقنع بالدليل والمشاهدة ومن ثمة كانت أمام جواب آدم عن الأسماء أكثر خضوعا لله تعالى- إذن سكوتها وصمتها وعدم إثارة موضوع تواجد إبليس طينة غير طينتهم هو عين الرضا منهم بما أمر به الله تعالى من تواجده بينهم.. فهو كان معهم وبينهم ولم يكن منهم كما شاع عند العوام وما كان قط من جنسهم ثم حوله المولى جل وعلا..
وثانيهما أن الملائكة سارعت إلى تنفيذ أمر الله تعالى بالسجود لآدم عليه السلام بمجرد أن صدرت الإشارة الإلهية بذلك (وأقول الإشارة بمعنى أن الأمر كان بإشارة من العلي القدير إشارة تدل على السجود بشكل يناسب المقام والمكان والزمان والحال.. وليس بالكلمة والقول الذي يليق برب العزة والجلال، وسوف أوضح هذا الأمر في حينه إن شاء الله تعالى)، تقبلت الملائكة أمر الله تعالى بمجرد أن أشار لجميع من حضر دون مناقشة الموضوع.. ولم يتأخر أحد منهم في طاعة المولى عز وجل مع وجود عنصر مشاغب بينهم وهو إبليس الذي لم يطع ربه ولم يستطع التأثير بسلوكه ذاك في الملائكة ولم يتمكن من أن يصبح عنصر تشويش على الرغم من تبجحه بقضية الأفضلية النارية على أصل الخلقة الطينية.. كيف كان سيكون إبليس لو كان من طبيعة نورانية..؟؟ ولماذا لم تتكلم الملائكة عن طبيعتها وأفضليتها لتواجه على الأقل هذا التبجح والاستكبار والأنانية التي سيطرت بشكل ملموس على إبليس..؟ لقد دللت مرة أخرى على قمة الطاعة لله تعالى وعدم التطاول والتدخل في أمر تولى ربها سبحانه بنفسه تصحيح مساره وضبطه..
وهكذا يمكن القول بأن الملائكة استطاعت أن تنجح في اختبارها بشقيه معا "القبول وعدم التعرض ثم الاستجابة الفورية وعدم التدخل" ومن ثمة حصلت على ما مجموعه من النقط عشرة على عشرة (10/10)...
أما إبليس فلقد كان هو الآخر مستهدفا بفتنة أو اختبار وامتحان في دورتين كانت الدورة الأولى عبارة عن تنفيذ طلب وهو أمر الله تعالى له وهو ضمن الملائكة بالسجود لآدم فكان عليه أن يقبل بالامتثال لذلك الأمر.. ولو فقط لأنه كان هو الآخر مقبولا بين من لا علاقة له بهم ولم يرفضوا وجوده بينهم مع أنه من نار وليس من نور.. ثم كان عليه أن يقبل مادام يمثل فردا داخل جماعة.. وحتى في رده لم يقل بأنه غير معني بالأمر بالسجود لأن ذلك كان موجها للملائكة فقط من هنا قلت إن الأمر كان عبارة عن إشارة يفهم منها سجود الجميع ثم تمت صياغتها لتبليغها للمتلقي في شكل ألفاظ "إذ قلنا للملائكة اسجدوا.." ولم يقل قلنا للملائكة يا ملائكة اسجدوا.. حتى يستثنى إبليس فالخطاب كان موجها دون استعمال لأسلوب النداء الذي سيخصص المنادى ويوضح طبيعته فكأننا أمام مشهد خطابي يتحدث فيه المولى جل جلاله إلى كل من يمثل أمام عظمته بمجموعة من الأخبار القادمة (من خلق آدم وطبيعته وكيفيته...) والمطالب المقدمة (من تنفيذ أمر الله بالسجود والطاعة..).. ثم نقل الله تعالى هذا المشهد في كتابه الخالد بأسلوب تصويري نستشف منه أن اللغة كانت واصفة لمجموعة من الأحداث والوقائع بكل تلقائية راسمة الخطوط العريضة لطريقة التواصل التي تمت بين الخالق سبحانه ومخلوقيه معا الملائكة جماعة وإبليس فردا.. فكان أن امتثلت الأولى ورفض الثاني.. وبذلك ضيع نقط الدورة هذه ولم يحصل منها على ما يفيده، ثم أتيحت له فرصة ثانية وهي عبارة عن دورة استدراكية - إذا صح التشبيه مرة أخرى - ربما يحصل منها على خير ينفعه وقد كانت عبارة عن سؤال للاستيتاب أولا والاستنكار ثانيا.. وذلك عندما قال له المولى جل وعلا "ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك..." وبأسلوب النداء المحدد لطبيعة المنادى"قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين" فكان الجواب عن السؤال الاستيتابي والاستنكاري: "لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون" و"أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين.." لقد واجه إبليس وضعه ممتحنا ومختبرا أو مفتونا بمزيد من التعنت والاستكبار والتطاول والعصيان، ولم ينف أنه كان مقصودا بأمر الله تعالى كما أنه لم يثبت غير طبيعة خلقته فهو لم يدع أنه كان من الملائكة أو أنه خلق من نور ثم تحول بله هو يصر على طبيعته النارية ويدعي أفضليتها فكأنه يدعي العلم والمعرفة على الله جل في علاه.. فكانت النتيجة النهائية الرسوب في الاختبارين معا بمجموع النقط صفر على عشرة (0/10)...
أما آدم فقد خضع هو الآخر لأنموذجين من الاختبار مثله مثل الملائكة ومثل إبليس فكانت الدورة الأولى عبارة عن القيام بسلوك معين المطلوب فيه من آدم عدم الفعل "ولا تقربا هذه الشجرة.." لكنه لم يكن في مستوى الملائكة في تعاملها مع إبليس الغدة الزائدة عليهم، لم يكن مثلهم مع أنه حذر ولم يحذروا.. لقد استمع آدم لصوت الراسب الأول إبليس الذي لم يكن يملك في الحقيقة أي إجابة صحيحة لا في علاقته بربه ولا في علاقته بهذا المخلوق الجديد، اللهم إلا اللف والدوران والوعود الكاذبة.. وليس معه أي رأي مفيد قد يعود نفعه على آدم، هو لم ينفع حتى نفسه فكيف ينفع غيره.. فكان أن وقع آدم وزوجه في شرك ذلك الكسول المتكبر.. فكانت استجابتهما في غير محلها ووقعا في السلوك المحرم مما أفقدهما نقط هذه الدورة.. فجاءت الدورة الثانية وكانت عبارة عن دورة استدراكية استيتابية كما وقع تمام لإبليس، أجابا فيها عن السؤال: "ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين؟؟" بقولهما: "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" وهكذا استفاد آدم وزوجه من نتيجة هذه الدورة على الرغم من أنه " عصى آدم ربه فغوى.." فكانت النتيجة النهائية " ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى" الفوز بالمعدل والذي هو خمسة على عشرة (5/10)..
فكانت إذن الرتبة الأولى من نصيب الملائكة الذين لم يحتجوا لما رأوا ولم يعصوا إذ أمروا.. فكانت لهم المرتبة العلى عند الله تعالى.. ومن ثمة ركزت فيهم خصلة عظيمة هي أنهم "لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" و"يسبحون بالليل والنهار لا يفترون"..
ثم كانت الرتبة الثانية من نصيب آدم الذي حرم الجنة التي كان سيكون فيها كما قال له ربه عز وجل "إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى" وخسر هذه الجولة التي كلفته الحياة في رغد العيش.. ولكنه استطاع أن يحصل على رتبة الخلافة في الأرض والتصرف فيها وفق التعليمات الربانية التي سطرها تعالى من خلال قوله سبحانه: "..فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" (البقرة:38 وهذه الخلافة تخول له التصرف في كل ما له علاقة بالأرض أي كل ما يدور في فلكها أو يرتبط بها من بعيد أو من قريب.. وهذا كان نتيجة فوزه ونجاحه في الدورة الاستدراكية..
أما إبليس فقد خسر كل شيء طرد من الجنة ومن رحمة الله تعالى.. ثم أصبح تبعا وتابعا لآدم في خلافته ولم ينل من شرف الوجود إلا الصراع والعداوة والبغضاء وكفى بها أمراضا مهلكات..
00++** يــتــبــع إن شاء الله تعالى **++00
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام على كل الأحبة ورحمة الله وبركاته
يبدو أن هناك آراء كثيرة تحاول أن تفسر سبب قول الملائكة ذاك..
وأشهرها قول قديم يعزو الأمر إلى كون الملائكة عاشت ردحا من الزمن ترقب مخلوقا كان قبل آدم عليه السلام اسمه "الجان" عمروا الأرض وعتوا فيها فسادا حتى حاربتهم وأفنتهم إلا من إبليس الذي كان من الصالحين فبقي معهم.. ومن ثمة قامت الملائكة بقياس الشاهد على الغائب.. قالوا قولتهم بناء على ما لمسوه في الخلق الأول..
وهناك رأي حديث يقول به الدكتور عبدالصبور شاهين مفاده أن قبل خلق آدم عليه السلام كان قوم يسمى البشر وما آدم وزوجه إلا من سلالة البشر "هما آدم وزوجه حواء ، (..) أول من تألقت فيه صفات ( الإنسان ) من سلالات البشر.."
ولقد حاول أن يوضح لنا الفرق بين البشر والإنسان وكيف أن آدم اصطفي من البشر الذين عمروا الأرض وأفسدوا فيها وأعاد الله تعالى تشكيله.. إلى آخر قيله..
على كل حال يبقى السؤال مطروحا وبإلحاح يقول:
من أين وردت هذه الفكرة؟؟
فكرة الجن الذين عمروا الأرض قبل آدم؟؟
و فكرة البشر الذين بادوا واختير من بينهم آدم؟؟
هل يعقل أن يتحدث القرآن عن أقوام بادوا في التاريخ وربما بإسهاب لا أظن أنهم يصلون في الأهمية إلى مسألة بداية الخليقة ومع ذلك ذكرت أحوالهم ومعيشتهم وربما بتفصيل ثم يترك موضوع من الأهمية بمكان دون ذكر أو إشارة؟؟
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
لقد جعل الله تعالى إبليس بين الملائكة تكريما له.. وجعل سجودهم تكريما لآدم.. ثم جعل بين إبليس وآدم اختبارا..
التكريم
بالوجود بالسجود
إبليس الملائكة آدم
إن هذا الجعل الإلهي تم عن طريق نوع من التواصل مع الأطراف الثلاثة.. ولقد كان تواصلا تاما كاملا حقق كل أهدافه بحيث كان المرسل واضحا والرسائل بينة والمتلقي مستعدا مما جعل التفاهم والتوافق سمة الحوار والتواصل..
لكن يبقى السؤال المطروح هو كيف تم هذا الحوار وذاك التواصل؟ وما هي طبيعة اللغة التي تم بها؟ وما هي الأجواء التي ساهمت فيه؟ وكيف استطاع المتلقي أن يستوعب الرسالة التي تصله من رب العالمين مباشرة؟
لا يستطيع امرؤ كيف ما كان أن يزعم أن الحوار بين الله وخلقه كان في تلك المرحلة من تاريخ الخليقة بشكل معين ومحدد لا لفظيا ولا تلميحيا ولا إشاريا ولا نفسيا.. بله كل ما في الأمر أن القضية برمتها مرت بما يناسب الوضع الذي كانت عليه المخلوقات التي شاركت في ذلك الحدث العظيم والذي رسم خطوطه وفصوله وأجواءه الله رب العالمين كما يليق بجلاله وعظمته.. المهم هو أن هناك نوعا من التواصل تم بطريقة ما وشكل ما وأدوات ما وسياق ما وظروف ما وسَنـَـنٍ ما بين الله تعالى مرسلا ومخاطبا ومتلقيا وبين مخاطبيه المرسل إليهم والمتلقين المباشرين لخطاب وحوار رب العالمين.. إنه نوع من التواصل يليق بجلال الله تعالى ويتناسب مع طبيعة المتلقين آنذاك ويتوافق مع السياق العام الذي وضعه الباري جل وعلا في ظروف هو من أنشأها أول مرة حتى يتم ذلك النوع من التواصل كما أراد له الله تعالى أن يتم ثم يوحيه سبحانه إلينا بالطريقة التي نفهمها ونعي بها الرسالة الربانية ضمن ذلك الخطاب القرآني العظيم..
هكذا نفهم ما حدث وما وقع وما قصه علينا كتاب ربنا سبحانه دون إيغال في محاولات التفسير التي نشأت نتيجة تعامل مغلوط في أسسه مع الخطاب القرآني الكريم والذي كان سببا في كثير من المقاربات ذات الطابع الأسطوري والخرافي والتجسيدي..
ونعود إلى ما سبق من الحديث لنبين أن الأمر الرباني لكل من المخلوقات الثلاثة لم يكن إجباريا بله كان اختياريا واختباريا على اعتبار أن كل واحد منهم سيكون مسؤولا وخاضعا للاختبار.. ولذلك نرى أن الأمر كان يسير على مسطرة "افعل أو لا تفعل".. ومن اختيار المتلقي للطاعة أو عدمها سيكون جزاؤه ويتحدد مصيره.. وهكذا وجدنا الملائكة كما سبقت الإشارة قمة في الاستجابة الإيجابية للأوامر الربانية فقد كان سكوتهم عن مخلوق بينهم ليس من طبيعتهم مثل سجودهم لمخلوق لا معرفة لهم به.. امتثالا لأمر الله تعالى دون النظر إلى طبيعة الكائن الذي بينهم أو الكائن الذي سيسجدون له، ودون ربط عملية الكينونة أو السجود بذواتهم وطبيعتهم ودون أن تثير فيهم أي حزازات نفسية.. وحتى عندما أرادوا التدخل لإبداء رأيهم وطرح طبيعتهم وما هم عليه من كمال الطاعة، بعد سماعهم التقرير الإلهي في نهاية الأمر بخلافة آدم في الأرض كان تدخلهم في غاية الأدب مع الله فصيغ بشكل سؤال استفساري متميز بكمال التسبيح والتقديس.. وليس تقريريا ولا استنكاريا.. وسوف نأتي على ذكر تفصيل ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى..
ثم انتقل موضوع الاختبار من عالم الملائكة إلى إبليس وآدم.. إنه الاختبار والامتحان للحصول على الخلافة فكان مجموع نقط إبليس صفرا لأنه رسب في اختبار الأمر والتلقي "اسجدوا" كما رسب في اختبار الاختيار النفسي التلقائي "التوبة والأوبة إلى الله".. وحصل آدم على المعدل لأنه رسب هو الآخر في امتحان الأمر والتلقي "لا تقربا هذه الشجرة".. ولكنه استطاع أن يستدرك أمره في امتحان الاختيار النفسي التلقائي عندما اختار التوبة والرجوع إلى الله والاستغفار.. وكان جزاء الاختبار الأول "الأمر والتلقي" بالنسبة لآدم وإبليس الخروج من الجنة في حين كان جزاء الامتحان الثاني "الاختيار النفسي التلقائي" أن حصل آدم من رب العالمين على الخلافة في الأرض وحرمها إبليس كما حرم رحمة الله تعالى..
الاختبار (1)
إبليس آدم
افعل لا تفعل
عصى واستكبر نسي وعصى
النتيجة (1)
الطرد من الجنة والرحمة الطرد من الجنة
الاختبار (2)
إبليس آدم
استكبار وطغيان عودة وتوبة
النتيجة (2)
تبعية خلافة في الأرض
الأمر الرباني
أمر نهي
افعل (اسجد) لا تفعل (لا تأكل..)
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."
-
رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."