رد : ملف عن الأدب الالماني
جوته وشيللر أبرز بناة الأدب الكلاسيكي
الصداقة الأدبية.. بوابة لعالم الخلود
ثمة صداقة أدبية وطيدة جمعت بين الأديبين الألمانيين العظيمين جوته وشيللر، صداقة أثمرت إبداعا خالدا ومتميزا، كان له الفضل في تقديم الأدب الألماني الي البشرية كلها، وإكسابه معني انسانيا وعالميا، ربما لم يكن ليتحقق لو لم يلتق الكاتبان العملاقان.
وتكمن روعة تلك الصداقة الفريدة في أنها كانت صداقة لماهية المعرفة، استنفرت لديهما العمل الإبداعي، فأقاما معا صرح الكلاسيكية الألمانية، وأثريا الحياة الفنية بأجمل الحكم والقصائد الغنائية والأعمال القصصية والمسرحية.
ولد يوهان فولفجانج فون جوته بمدينة فرانكفورت عام 1749، وقد تلقي دروسه الأولي علي يد والده، ودرس في صباه اللغات الألمانية والفرنسية والإنجليزية والإيطالية واليونانية، ثم التحق عام 1765 بجامعة لايبتزج ليدرس القانون، لكنه لم يحترف المحاماة وتفرغ لموهبتك الأدبية التي خلفت أروع الأعمال الأدبية علي مر العصور مثل فاوست.
أما فريد ريش شيللر فقد ولد عام 1759 في بلدة مارباخ الألمانية، وكانت امنيته ان يدرس اللغة اللاتينية وعلوم اللاهوت، غير انه لم يتمكن من تحقيق هدفه وأجبره الأمير كارل اويجين فورتمبرج علي دراسة العلوم الادارية والعسكرية، ثم الطب بدءا من .1775 وقد كانت حياته الجامعية قاسية وبائسة، ولم يكن له متنفس غير التردد علي دور التمثيل المسرحي والتي تأثر بها بشدة فكتب أولي قصائده 'المساء' ثم كانت رائعته 'اللصوص' التي بشرت بميلاد أديب كبير.
ألتقي الأديبان مصادفة لأول مرة عام 1788 في مدينة رودلشتات، لكنهما لم يتصادقا، وكان لقاؤهما الأهم عام 1894 بجمعية باتش للبحوث الاجتماعية، حيث تعارفا بشكل أعمق لتبدأ صداقة طويلة دامت قرابة السبعة عشر عاما. وقد اخبر جوته صديقه في نهاية هذا اللقاء 'يبدو لي وكأننا سنكون مرغمين علي متابعة طريقنا في المستقبل جنبا الي جنب بعد هذا اللقاء غير المتوقع'. وقد ساعد تلك الصداقة علي النمو والترسيخ ان كلا من جوته وشيللر يختلفان بطبيعتهما تمام الاختلاف. سواء كان ذلك في الحياة أو في انتاجهما الأدبي، فغدي كل منهما مكمل ومحفز للآخر لا منافس له.
أثر جوته تأثيرا كبيرا في حياة شيللر، إذ سعي بما يمتلكه من ثقل اجتماعي وثقافي الي تأمين العمل له حتي يتمكن من مواجهة صعوبات الحياة المادية ويهرب من براثن الفقر الذي عاني منه طويلا، كما شجع جوته صديقه علي اصدار مجلته 'آلهة الفصول الأربعة' عام 1795، وكذلك حثه علي استكمال ملاحمه الشعرية الشهيرة مثل 'الغطاس' و'القفاز' ، وبموت شيللر عام 1805 يفقد جوته روحه وفكره، وينكمش علي نفسه اسيرا لشبح الموت والقنوط والكآبة.
وقد خصصت ألمانيا عام 2005 كاملا للاحتفال بالمئوية الثانية علي رحيل شيللر، فأقامت برنامجا ثقافيا مبهرا بعنوان 'شيللر للجميع' تضمن انشطة فنية ومعارض تتناول حياة شيللر وأعماله المسرحية والشعرية الخالدة. كما خصصت الحكومة الألمانية 485 الف يورو بالاضافة ل800 الف يورو من المؤسسات الاتحادية لهذا الغرض. وقد صدرت ايضا مجموعة من الكتب المتنوعة عن حياته من اهمها كتاب الفيلسوف الألماني المعاصر 'رودجير زفرانسكي' والذي يتتبع التطور الفكري للشاعر وصداقته مع جوته، كذلك اقامت مسقط رأس شيللر مدينة مارباخ ندوة كبيرة عن تأثيره في الأدب الألماني العالمي وعلاقته بالعلوم والفكر.
وفي اطار استعادتنا للأديبين العظيمين نقدم هنا احد نصوص شيللر النادرة 'نشيد الفرحة'، ذلك النص الذي خلده بتهوفن وضمه لسيمفونيته التاسعة. كما ننشر ايضا مختارات من ديوان جوته الشهير 'الديوان الشرقي للمؤلف الغربي' ، والذي كتبه جوته عم 1819 ويظهر فيه تأثره بالثقافة الاسلامية الصوفية بالاضافة لقصيدة في رثاء شيللر كتبها جوته عام 1826 حين اطل علي جمجمته