الفائز الثالث قسم الشعر
علي الأسدي
رائحةُ الغروب
" لأنّه معاق ، لم يكن يحبّه أحد
سواها .. لم يتحمّل أحد حملَه ..
حملَتْه على كتفيها صليباً .. وفي
بطنها عشيقاً.. وبين يديها رغيفا
ومات .. فبكته بحرقة حتّى شُلّت
فأعيقت ... فلم يحملها أحد !!! "
أبوابُ بَوحكِ
يا حقيقةُ
مُقفلةْ !!
تبدو ..
كمَن أسرَ الكلامَ وعطّلَهْ ..
أُوصِدتُ دُونكِ
واقتُطِفتُ ..
ولم أزلْ
دمعاً ..
تقطّرَ من وريدِ قُرنفُلةْ !!
جرمي الوحيدُ
على المرارةِ
أنَّني ..
صدّقتُ ما أوحى النّفاقُ
وأنزلَهْ !!
كذّبتُ نفسي ..
وارتشفتُ من الهوى..
لغةً تسيل من العيونِ المُسبَلةْ !!
ونُفيتُ في ..
مَن ؟
كيفَ ؟
هلْ ؟
ومضيتُ في ..
ماذا ؟
وأينَ ؟
وما تُبيحُ الأسئلةْ !!
- مَن ؟
- لا تسلْ .
يكفيكَ من كلّ الكلامِ أن انتهيتَ ..
سليبَ حُبٍّ ..
لستَ لَهْ !!!
***
عامانِ ..
أسألُ ..
والدّموعُ تُجيبُني ..
لهباً ..
وقلبي ذاق جمرَ المسألة!!
يُسقى مرارَ الآهِ ..
يُشعَلُ ليلُهُ ..
وأحارُ كلّ العمرِ في منْ أشعلَهْ !!
***
عامان..
والهمُّ المعتَّقُ في دمي ..
يكفي ..
لأسكَرَ في فيافي البَلبَلَةْ !!
يكفي ..
لأنفيَ ما اعتقدتُ
حماقةً
وطني ..
وحبّاً جازَ أن أتبدّلهْ ..
***
عامانِ ..
يُورقُ مبسمي ..
ألماً ..
ولي :
مقلٌ برائحة الغروبِ مُبلَّلةْ !!!
لتزوغَ عن فجرٍ ..
يخافُ غيابَهُ ..
لو فَكَّ قيدُ غيابِهِ ..
ما كبَّلهْ !!
***
موتي ..
برائحةِ الغروب ..
يردُّني طيناً ..
ويقرأ فوقُ قبري البَسملَةْ !!
موتي ..
تكاثَرَ نسلُهُ ..
عدداً ..
وأمثلةً ..
توسوسُ في صدور الأمثلةْ !!
طوبى
لقارعةِ الطبولِ
إذا غَفَتْ
أنثى القبورِ
على الطلولِ المُهملَةَْ !!
***
وقَلِقتُ ..
من جزعٍ ..
تزوّجَ مُعضلةْ !!
قلقاً ..
وعمّرَ في فؤاديَ مَنزلَهْ !!
وعَلمتُ أنّكِ
يا حقيقةُ
مُقصلةْ !!
تُبدين مَكْراً ..
والرؤوسُ مُزلزلَةْ ..
***
كلُّ النساء ..
إذا حَبلنَ بسُنبلةْ ..
أنجبنَ حرباً ..
كي تعيشَ القنبُلةْ ..
كلُّ النساء ..
إذا ارتمينَ لعاشقٍ ..
قطَّعنَ أفكار الهوى المُتسلسلَةْ ..
إلاّيَ ...
مُعضلتي الوحيدةُ ..
أنَّها
في قبرها
أنثايَ عاشتْ ..
أرملةْ !!!
***
دمشق
15 / 3 / 2008
======
==========
=====
الفائز الثالث قسم القصة
أحمد غانم عبد الجليل
الخالة سعاد ..
شأن كل ليلة تقريبا, تتواصل ثرثراتهم, و يتعالى صخبهم الضاحك قريبا من شباك غرفتها, متناسين وجودها في الدار مع والدها العجوز, الذي يغط في نومه منذ العاشرة مساءً, يتركها بمفردها تتابع برامج التلفاز, و قد تقرأ إحدى الروايات العاطفية, التي تحرص على ادخار أثمانها, أو تقلب إحدى المجلات, بينما تستمع إلى قصائد نزار قباني المغناة بصوت كاظم الساهر, أحيانا تأتي ابنة أختها, أو ابنة أخيها, لتمضي معها ليلة أو ليلتين في تلك الدار الصامتة أغلب الوقت, ذات مرة همت إحداهما أن تخرج رأسها من الشباك لتصرخ في وجهه و وجه أصحابه الذين يقلقون نومهما, و لكنها منعتها من ذلك, و قالت بأنها سوف تشكوه إلى والدته, غير أنها لم تفعل ذلك أبدا, رغم زيارتها لها باستمرار .. غالبا ما كانت تراه هناك, يكاد لا يفعل شيئا سوى النوم حتى الظهيرة, أو الخروج للبحث عن عمل, بعد أن حصل على شهادته الجامعية, دون جدوى .. تلفت انتباهها عضلاته المفتولة, نبرة صوته المشحونة بجسارة الشباب, تلك التي باتت تستطيع تمييز حدتها جيدا عن أصوات البقية, توقظها من غفواتها المتقطعة, تملأ غرفتها ضجيجا مرهقا للأعصاب, بالكاد تفهم ما يقول, و لكنها تنتبه جبدا عندما يخفض صوته ليتحول إلى شيء من الهمس, تجلجل بعد ذلك الضحكات العالية, تذكرها بهمسات زملائها في العمل, و هم يرمون بنظرات خفية زميلتهم التي طالما أبهرتها بأنوثتها الطازجة و أناقتها الملفتة, ليطلقوا بعد ذلك ضحكاتهم المكتومة, حتى تنهرهم بنظرة صارمة تجبرهم على معاودة العمل بسرعة, متهيبين سطوتها و مكانتها لدى المدير العام الذي يعتبرها من أفضل موظفيه, و أكثرهم كفاءة على مدى ثمانية عشر عاما تقريبا, يتذكر دوما أنها حتى عندما استشهد أحد أقربائها في الحرب, قبل حلول موعد زفافهما بفترةٍ بسيطة, لم تأخذ إجازة أكثر من شهر واحد, فاجأت بعده الجميع بصلابة غريبة و نشاط غير عادي, ظنهما البعض وسيلتها للتغلب على مواجعها التي لم تعتد الكشف عنها أمام أحد, خاصة و إن ملامح وجهها السمراء, الشاحبة على الدوام, و حدقتي عينيها الضيقتين كانت تعينها على ارتداء قناع الغموض ذاك ..
باتت كل النظرات التي تحيطها, و كلمات المواساة التي تسمعها, بل و إحساسها أيضا, يوحون لها بأنها أرملة أمضت عمرا مع زوجها قبل وفاته, رغم أن يدا لم تلمس ذلك الجسد النحيل قط, سوى في بعض أحلامها المراهقة التي ما تزال تعلق في ذاكرتها لحد الآن, عيناه فقط كانتا تفتشان عن خباياه الضامرة بعض الشيء عبر الثياب الطويلة التي اعتادت أن ترتديها, يرمقها بابتسامةٍ مراوغة, تتخطى الأيام نحو ليلة لم تأتِ أبدا, فتعتري خديها حمرةٌ خفيفة, و تخفي عنه ضحكةً خجول من إيماءات الاشتياق التي تختلج قسمات وجهه و نظرات عينيه, تسرد حكاية حب جميلة, لم يشهدها قلباهما يوما ..
بعد رحيل رفاقة تبقى عيناه مسمرتين في نافذة غرفة جارته القديمة, الموصدة منذ زواجها, بانفعال و حسرة يحتدمان داخله أكثر أثناء زياراتها و وليدها الجميل إلى بيت أهلها الملاصق لدار الأرملة العذراء التي تسارع إلى حمل و احتضان ذلك الرضيع الضاحك ما أن تراه, تنهال عليه بالقبل, تلاعبه و تضحك لكركرته, تحنو عليه بلوعة حرمانها الطويل من ذلك الدفء الرقيق, و قد تلحظ أحيانا شرود نظرات الشابة الحسناء نحو الشباك المواجه لبيته و كأنها تتلصص على حياة فتاة أخرى ..
بين الحين و الآخر تسألها عيناه عن أخبار تلك الأم الفاتنة, عشقه الذي رافقه منذ صباه, تجيبه بابتسامةٍ مشفقة, تكاد تدفعها لاحتوائه بين أحضانها, كما كانت تفعل أثناء صباه عندما كان يلجأ إليها هربا من عقاب والديه, لدى قيامه بتصرف من تصرفاته الطائشة, و لكن أمام هذا الشاب الوسيم ماذا بوسعها أن تفعل, و شيءٌ في داخلها صار يستغرب مناداته لها بالخالة سعاد, بتلك النبرة الرجولية التي أمست تغشو غرفة نومها بشراسة أكثر من ذي قبل, خاصةً بعد استدعائه لإداء الخدمة العسكرية, قبيل بدء الحرب الأخيرة ..
منذ ذلك الوقت تخلى رفاقه عن الوقوف في الزقاق, متجنبين نوبة جديدة من صياحها الهادر في وجوههم ...