الرد على الموضوع

أضف مشاركة إلى الموضوع: نص رواية « نفق المنيرة » لحسني سيد لبيب

رسائلك

اضغط هنا للدخول

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

 

يمكنك إختيار أيقونة لرسالتك من هذه القائمة

الخيارات الإضافية

  • سيتم تحويلها www.example.com إلى [URL]http://www.example.com[/URL].

عرض العنوان (الأحدث أولاً)

  • 06/08/2008, 04:31 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص رواية « نفق المنيرة » لحسني سيد ل

    مؤلفات الكاتب حسني سيد لبيب

    1-باقة حب للشاعر خليل جرجس خليل : دراسة أدبية " بالاشتراك " ـ القاهرة 1977
    2-حياة جديدة : قصص ـ أصوات معاصرة ـ الشرقية 1981
    3-أحدثكم عن نفسي : قصص ـ اتحاد الكتّاب العرب ـ دمشق 1985
    4-طائرات ورقية : قصص ـ المجلس الأعلى للثقافة ـ القاهرة 1992
    5-كلمات حب في الدفتر : قصص ـ ط 1 ـ اتحاد الكتّاب العرب ـ دمشق 1993، ط 2 بتقديم د. خليل أبو ذياب ـ أصوات معاصرة ـ الشرقية 1997
    6-سبعون ألف آشوري : قصص مترجمة ـ وليم سارويان ـ دار الصداقة للترجمة والنشر والتوزيع ـ حلب 1994
    7-ابن عمي ديكران : قصص مترجمة ـ وليم سارويان ـ دار الصداقة للترجمة والنشر والتوزيع ـ حلب 1994
    8-الخفاجي.. شاعرا : دراسة أدبية ـ تقديم البشير بن سلامة ـ رابطة الأدب الحديث ـ القاهرة 1997
    9-دموع إيزيس : رواية ـ مركز الحضارة العربية ـ إمبابة بالقاهرة 1998
    10-نفس حائرة : قصص ـ تقديم محمد جبريل ـ دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ـ الإسكندرية 1999
    11-مصادر المعلومات عن العالم الإسلامي بين الإنصاف والمغالطة : بحث ـ مكتبة الملك عبد العزيز العامة ـ الرياض ـ 1999
    12-روائي من بحري : دراسة نقدية ـ كتابات نقدية العدد 113 ـ هيئة قصور الثقافة ـ القاهرة 2001
    13-اتجاهات القصة التونسية القصيرة: دراسة أدبية نقدية ـ بالاشتراك مع رشيد الذوادي ـ دار الإتحاف للنشر ـ تونس
    14-الكرة تختفي في الأعالي: قصص ـ سلسلة أصوات مُعاصرة ـ الشرقية 2005.
    15-نفق المنيرة: رواية ـ اتحاد الكتاب مع الهيئة المصرية العامة للكتاب 2007م.
  • 06/08/2008, 04:29 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص رواية « نفق المنيرة » لحسني سيد ل

    ـ 49 ـ

    التقي مع حسان وتناقشا في مصير الحرب. توجه إلى منزل مصطفى، يسأل زوجته عما إذا كانت هناك أخبار عنه. لم يصلها شيء. طمأنها خيرا. حمزة وعويس يجلسان بجوار المذياع الصغير، يتابعان منه الأخبار. قلق حمزة يدفعه للذهاب إلى جابر. تناوله عنايات حفيده الصغير، يقبل وجنتيه ويدعو له. قال جابر :
    ـ من ريحة المرحومة..
    ـ هو الأمل..
    تقعد نرجس في بيتها قلقة. أين أنت يا مصطفى ؟ في أي موقع تحارب ؟ متى تكتحل عيناي بمرآك ؟ تأتي إليّ منتصرا.. مزهوا.. تذهب إلى والدتها، تتابع أنباء القتال من التليفزيون. بدأت البيانات العسكرية تقل، يخيم صمت محيّر. الأناشيد الحماسية تدوي في الإذاعة والتليفزيون. صفارات الإنذار تدوي من حين لآخر، ليل نهار.. تهرع جماعات إلى الخنادق أو الطوابق الأرضية، وتصر جماعات أخرى على ممارسة حياتها العادية. العمر واحد والرب واحد. طلقات المدافع تدوي في سماء العاصمة.
    صعد إلى سطح الاستراحة، باعتبارها أعلى نقطة يمكن أن يرتفع إليها، لينظر إلى الأفق، وفي عينيه قلق. طابور آليات للعدو يتقدم نحو القنطرة شرق، توقع أن يصل المدينة خلال ربع الساعة. المحطة هدف حيوي. من الخطر البقاء في المكان تحت رحمة رصاص طائش وموت محقق. لا يوجد جندي مصري واحد. دمعت عيناه. شاهد الجنود المصريين في رحلة العودة المحفوفة بالمخاطر إلى القاهرة، راكبين أو راجلين. يتساقط منهم قتلى، والمصابون لا يجدون من يسعفهم أو ينقلهم إلى مكان آمن. الصورة مأساوية لا يتخيلها أحد. فوضى تضرب أطنابها في كل تصرف، وخراب عشّش في كل الأرجاء. لم تعد القطارات تتقاطر إلى العريش. خط السكك الحديدية ضربه العدو في عدة أماكن. لا حماية ولا إمدادات ! هي الهزيمة الكبرى. جمع أدواته الشخصية وقال لزميله :
    ـ ليس للبقاء هنا معنى أو فائدة..
    سايره زميله. مشيا خطوات في اتجاه العبّارة. توقف زميله مترددا. قال إنه نسي أشياء مهمة تخصه..
    ـ اسبقني إلى العبّارة. سألحق بك سريعا..
    ـ بسرعة..
    صعد العبّارة بمفرده إلى الضفة الغربية لقناة السويس، في آخر رحلة لها. تخلف زميله، وبقي في المدينة كأنما هو حارس لمبنى المحطة والاستراحة، حارس مدني مصري، يطاح برأسه حين يريدون.
    لمح زميله وهو يلوح له من الضفة الشرقية، واقفا فوق كثبان الرمال، وفي يده حقيبة صغيرة وعود. لم يبد عليه الندم. لوح بيديه مبتسما، سعيدا ببقائه هنا ! لعله أراد أن يتغنى بأغنيات عشق للوطن الذبيح !
    بيده حقيبة سفر صغيرة، وفي قلبه مرارة. على الطريق المتجه إلى القاهرة، شاهد الجنود المصريين في رحلة العودة إلى أي مكان !.. يستقلون أي مركبة تقابلهم. لا هدف للجنود المنسحبين سوى العودة إلى الأهل. هم في قلق مستبد على أحوالهم. سرى خوف بينهم على أسرهم في مصر. ساورهم قلق من دخول إسرائيل القاهرة. ربنا يستر..
    ألقى الحقيبة على الأرض، واحتضن أمه وأباه. ثم طار إلى صاحبه. تعانقا بحرارة، ثم جلس يحكي مأساة جيش يتقهقر ! لم يصدقه. سأل في مرارة :
    ـ أين روسيا ؟
    ـ لنا الله..
    زار نرجس جندي قدم نفسه بأنه زميل زوجها. وهو عائد لتوه من جبهة القتال. قصدها قبل أن يعود إلى داره. يحمل أمانة من مصطفى. كانا في خط المواجهة بغزة، و...
    مد يده بلفافة تخص زوجها، ثم.. خانه التجلد الذي أكره نفسه عليه، فبكى.. صرخت نرجس. التف الجيران حولها. انهارت مرتمية على الأرض. هرع إليها أبواها.. رفع الأسطى حسين يديه إلى السماء، طالبا لابنه الشهيد الرحمة والمغفرة. خانته دموعه، وهو يتذكر فجيعته الأولى.. حين رأى زوجته يكاد يتقطع قلبها من شدة البكاء، واساها بكلمات خنقتها دموع سخية.. إلى جنة الخلد يا شهيد..
    كان زميل مصطفى قد عاد ممزق الوجدان، ضائع الخطى. مشى في الصحراء التي لا حدود لها. لا يعرف كم كيلومترا قطع وفي أي اتجاه ؟! استقل أول مركبة قابلته. نزل منها وأكمل السير. التمس الراحة في ظل شجرة. زملاء مثله كثيرون، التقاهم أو افترق عنهم.. منهم من سقط إعياء، ومات مكانه عطشا أو جوعا أو تعبا..
    فض الأستاذ فريد اللفافة، فوجد فيها دبلة الزواج ومصحفا ومحفظة بها جنيهات قليلة، وبطاقة هوية وأوراقا أخرى.. و.. رسالة كتبها قبل استشهاده بسويعات قليلة أو ربما لحظات، عبر فيها عن أمله في العودة منتصرا، أو الاستشهاد !
    ألقى جمال عبد الناصر بيانه إلى الأمة عبر قنوات الإذاعة والتليفزيون. صارح الشعب بالحقيقة التي لم يقلها أحد. لقد هزمنا. لكنها ليست آخر المعارك. إنها نكسة في تاريخ كفاح الشعب. أعلن مسئوليته عما حدث وعرض التنحي عن السلطة..
    اندلعت مظاهرات تأييد له من كافة طوائف الشعب المنكسر. كانت المظاهرات أشبه ببركان اندلع فجأة..
    حين عاد سعد زغلول من أوربا في سنة 1921م، كانت الأمة في استقباله كأنها طائر مد جناحيه. يقول مصطفى صادق الرافعي في هذه المناسبة : " نعم، لم ينتصر البطل، ولكن الأمة احتفت به لأنه يمثل فيها كمالا من نوع آخر هو سر الانتصار؛ فكانت حماسة الشعب في ذلك اليوم حماسة المبدأ المتمكن، يظهر شجاعة الحياة، وفورة العزائم، وفضيلة الإخلاص، وشدة الصوْلة، وعناد التصميم، ويثبت بقوة ظاهرة قوة باطنة. وكان فرح الأمة عنادا سياسيا يفرح بأنه لا يزال قويا لم يضعف. وكان ابتهاجا مجدا يشعر بأنه لا يزال وافرا لم ينتقص. وكان الإجماع ردا على اليأس. وكانت الحماسة ردا على الضعف ".
    احتشدت الجماهير بعد نحو ستة وأربعين عاما تثني الزعيم عن التنحي، وتطالبه بتحمل مسئوليات الحكم. معدن الشعب المصري أصيل، يستشرف المستقبل، يتجاوز المحنة. في الظروف العصيبة يسمو على الخلاقات ويتجاوزها في سبيل المصلحة العليا للوطن.
    ذابت نرجس في الجموع المحتشدة تدعو بالثأر. نسي حمزة صحته العليلة، وشارك في المظاهرات، التي امتدت من الميادين والشوارع الرئيسية إلى الحارات والأزقة والدروب. بكى شاب بحرقة، وألقى بنفسه من فوق كوبري إمبابة. مرارة الفجيعة لم تترك شيخا مسنا ولا امرأة ولا طفلا. الكل خرج عن بكرة أبيه في مشهد لا مثيل له. هتف حمزة من سويداء قلبه :
    ـ حماكِ الله يا مصر..
    دخل الشيخ محمود مسجد زيدان لأول مرة، يؤم المصلين، يخطب فيهم قائلا :
    ـ إننا هزمنا لأننا بعدنا عن كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله عليه..
    اختلت نرجس بعيدا عن الأهل. فضت رسالة الشهيد. قرأتها بعين دامية. قال ضمن ما قال :
    " لا أعلم كيف أبعث بهذه الرسالة إليك. يداعب خيالي وليدنا المنتظر. أرجو أن تسميه " أمل " سواء كان ولدا أم بنتا، فكل عطايا الله حلوة. إنه الأمل يطوف بخيالي بتحقيق النصر لمصر. لا أدري متى يتحقق النصر، لكنه آتٍ لا ريب فيه ".
    اختلى حمزة بنفسه وهو يعجب من أحوال الدنيا. حدث نفسه : " خفت على نفق صغير، ولكني لم أتوقع هذا الزلزال الذي أصاب مصر كلها ".
    قال حمزة لعويس :
    ـ حضر شاب من البلد وسأل عنك. قال إن أباك يريد أن يراك !..
    تجاهل ما قال. انتحى به وهمس في أذنه ـ رغم أنه لا يوجد أحد معهما ـ بأنه ينوي الزواج من عزيزة..
    زجره قائلا :
    ـ يا أخي البلد في كرب، وأنت تفكر في الزواج.. هل هذا وقته ؟
    ـ قصدي.. عزيزة مكسورة الخاطر..
    ـ يعني أنت تجبر بخاطرها..
    هز رأسه بالإيجاب..
    أطرق حمزة هنيهة، ثم قال في مرارة :
    ـ البلد كلها مكسورة الخاطر..
    بعد فترة صمت، همس حمزة في أذن عويس :
    ـ ولد يا عويس.. خذ بالك من الغرزة.. هي لكَ من بعدي. الواحد لا يضمن عمره.
    ـ ربنا يطيل عمرك يا عم حمزة..
    سمع عويس بأن جثة امرأة وجدت طافية على النيل. هرع إلى المكان، شق طريقه بصعوبة. أخرجوا الجثة ووضعوها على الشاطئ. غطوها بأوراق الجرائد حتى تأتي عربة الإسعاف. ارتعد وهو يقترب منها. بيد مرتعشة، أزاح طرف الورقة عن وجهها. صرخ غير مصدق أنها تقدم على الانتحار. بكى كما لم يبكِ من قبل. التف الأهالي حوله يطيبون خاطره. لكن حالة هستيرية انتابته، فطفق يردد اسمها. قعد القرفصاء وأخفى وجهه بين ذراعيه. وقال في حرقة :
    ـ الله يخرب بيتك يا ثروت.. الكلب...
    أمسك به شيخ طاعن في السن، يستنهضه :
    ـ قم يا ولدي.. لملم جراحك.. البلد كلها منكوبة.. لست وحدك..
    تعلق بعينيه الغائرتين. احتوى كفه بكلتا يديه، بللها بدموعه، كأنما الدموع تطهر الصدر مما علق به من أدران.
    سار في الطريق على غير هدى، والشيخ المسن يسير معه. تودد إلى الشيخ، وهو يحكي ما فعلته زوجة أبيه، وكرهه لها.. قال للشيخ إن أباه بعث بشاب يبحث عنه، حتى اهتدى إلى مكانه. طلب منه أن يعود..
    ـ بماذا تنصح يا شيخنا ؟
    ـ عد إلى أبيك يا ولدي..
    عاد إلى حمزة وعرض عليه الأمر. قال حمزة :
    ـ لن أحرمك من أبيك، ولو أنك في منزلة ابني الذي لم تنجبه زوجتي !..
    احتضنه وقد غرق وجهه بالدموع.. قال مطيبا خاطره :
    ـ عفا الله عما سلف..
    عكف فتحي يكتب في مذكراته مأساة أمة نكبت في أعز أمانيها.. بللت الدموع الصفحة التي يكتب فيها.. تطلع إلى السماء، عساه يهتدي إلى نجم ما، لعل أملا جديدا يلوح في الأفق !
    ( النهـايــة )

    إمبابة في : 3 أكتوبر 2003
  • 06/08/2008, 04:28 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص رواية « نفق المنيرة » لحسني سيد ل

    ـ 48 ـ

    ترك الغرزة وهام على وجهه، دون تحديد هدف. لعبت به الأفكار، واختلطت الأمور. غير مصدق ما حدث لعزيزة. يهجس داخله باضطراب شديد. ماذا يفعل ؟ اتجه إلى منزل ثروت. بوده أن يقتله. حتى لو ضحى بنفسه، لا يهم. لو قتله، سيستريح الناس من شروره. هو أول ضحاياه حين أوعز لمأجورين أن يضربوه. حتى عم حمزة المسن لم ينجُ من ضربهم، بل هو المستهدف الأول. من الخطأ تركه يلهو ويهتك أعراض البنات المسكينات. أحس عويس بأنه السبب فيما حدث. لو لم يدلها على منزل أسرته، لتعمل شغالة، لنجت من شروره. لكن.. ماذا تفيد " لو " بعد أن وقعت الفأس في الرأس ؟!
    اقترب من المنزل. جمد مكانه. لو قتله، هل يستطيع أن ينقذها من العار الذي لحق بها ؟ بالعكس، ستنتشر دوافع الجريمة، وأسبابها، وينكشف المستور، من حَمْل عزيزة سفاحا.
    حدث نفسه : هل تجرؤ على قتله ؟ أنت لم تقتل نملة. مسالم لأقصى حد. تركت أسرتك في " ميت نما "، حتى تريح نفسك من مشاكل أنت في غنى عنها. كيف تقتل نفسا ؟ المهم عزيزة.. أين هي ؟ كيف حالها ؟ إذن، ليبحث عنها.. ربما يرق قلب ثروت ويتزوجها. أين أنت يا مصطفى ؟ في استطاعتك التأثير على أخيه صبري. يمكنك الضغط على ثروت ليتزوجها. لكن مصطفى في الجبهة يدافع عن الوطن بروحه، بينما ابتلي الوطن بثروت ومن على شاكلته. شتان الفرق بينهما، بين المحب والحاقد، بين الملتزم والمستهتر..
    صح عزمه على أن يتزوجها، يستر العرض المهان. الجنين في أحشائها، يمكن أن يربيه إكراما لها. هذا حل ممكن، فليس في إمكانه قتل ثروت، كما أن الجريمة أثرها باق، وليس في إمكانه إقناع ثروت بالزواج منها.
    ليبحث عن عزيزة ويعقد عليها عند أقرب مأذون. هذا حل ممكن.
    عاد في المساء إلى الغرزة، معلنا تصميمه على أن يتزوجها. رضخ حمزة وجابر وجاره محفوظ، مشفقين عليه من تحمل خطأ الغير. نصحه حمزة أن ينتظر حتى الصباح..
    قصد المكان الذي تجلس عنده مع زميلتها، فلم يجدها. ضربت كفا بكف من قلة الحيلة. أغلقت صرتها ومشت معه يترددان على أماكن اعتادت الذهاب إليها.
    ليلة أمس، حين توجه عويس إلى منزل ثروت، ثم نكص عائدا. فعلت عزيزة الشيء نفسه. لكنهما لم يتلاقيا. قصدت منزله تخاطب الجانب الإنساني في قلبه. بيتت النية على قتله إن لم يستجب لتوسلاتها. سوف تقتله بسكين حادة خبأتها في جلبابها.. إلا أنها ترددت. لن يوافق على الزواج منها.. فهل تقتله ؟ هل تسجن، وتلد جنين الخطيئة ؟ سوف تبقى مشكلتها في هذا الجنين. تبقى المشكلة بصورة أفدح. ترددت. جمدت في منتصف الطريق، ونكصت على عقبيها، متجهة إلى نهر النيل. وقفت عند كوبري إمبابة، في الدور العلوي المخصص للمارة. تأملت أمواجه الهادئة. ماذا يخفي النهر من أسرار ؟ وجمت لحظات لا تلوي على شيء. نظرت إلى السماء داعية الله أن يرحمها ويغفر لها. دمعت عيناها.. يا نيل.. كم من ضحايا آثروا الموت على الفضيحة ! هل تعدني بأن تكتم أسراري ؟ أراك يا نهر رحيما بي.. لن تخذلني.. إذا ارتميت في أحضانك، لن تكشف للناس فضيحتي. هذا عهد أعاهدك عليه. قصف المدافع دوّى في عرض السماء، أضاء ظلمة النهر. أحست بالدويّ يغريها بفعل ما انتوته. لا حل لمشكلتها إلا بالانتحار. قفزت من على السور، فزغردت مياه النهر الغاضب، محتضنة أعز الناس إلى قلب عويس. ما زالت طلقات المدافع تدوّي كأنها في هذه المرة تشيعها إلى مثواها، وهي تنعي حال البلد وحال الضحية.
    لم يعرف أحد شيئا عن انتحارها. ظل عويس يبحث عنها، يذرع الأرض طولا وعرضا. لم يترك شبرا واحدا في شوارع إمبابة إلا وطئته قدماه. ينادي أولاد الحلال كي يدلوه على مكانها. وفي اليوم الثالث طفت جثتها المنتفخة على سطح المياه !
  • 06/08/2008, 04:27 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص رواية « نفق المنيرة » لحسني سيد ل

    ـ 47 ـ

    أثاره ما سمعه من عزيزة. الشاب الوقح استباح عرضها. استلقى على ظهره عند مدخل الغرزة، ناظرا إلى اتساع السماء وقد غيبت الغيوم القمر. أنّب نفسه. هو الذي عرض عليها الخدمة في منزل ثروت. لو لم يطعه في البحث عن شغالة، ما حدث شيء مما حدث. ألقى باللائمة على نفسه. كيف يصلح الخطأ ؟ كيف يرأب الصدع ؟ أعز ما تفخر به البنت عفافها. ما من موضوع تتدخل فيه إلا ويفشل. أنت وش نحس. دعك مما قاله الرجل الطيب عم حمزة من أنك وش خير. من أين يأتي هذا الخير ؟ حميدة توفيت وهي تضع الجنين. لحظة مريرة واجهت حمزة وجابر. كل الأمور تسير إلى نهاية مأساوية. من الأفضل ألا تعرض غيرك للتهلكة. صحيح أن كل شيء بيد الله. لكن هل تستطيع أن تعفي نفسك من هذا النحس المصاحب لك ؟
    لاحظ محفوظ من الشرفة المقابلة قلق عويس، يفترش الأرض على غير عادته، ممددا جسمه الهزيل على حصيرة، واضعا رأسه على وسادة صغيرة، محلقا في ملكوت الله، ونجوم السماء تتناثر نقطا مضيئة. نهض يرحب بجاره، الذي قال :
    ـ فيم انشغالك ؟ وأين حمزة ؟
    ـ كان الله في عونه. نائم على السرير..
    أطلقت صفارات الإنذار فدلفا إلى الحجرة، يجلسان على الكنبة، ويهمسان بالحديث، حتى لا يقلق حمزة. إلا أن قلقه دون سبب معروف. انتفض وهو نائم، وصرخ.. زعق :
    ـ الحقوني.. النفق سيقع على رأسي..
    هرع عويس. دلّك جبهته وهو يقول :
    ـ اللهم اجعله خيرا..
    تنبه إلى من حوله. نهض يرحب بمحفوظ. تحدث عن مواجعه، وضميره الذي يؤنبه. حكى لهما قصة الوغد المدعو ثروت. وما فعله في المسكينة عزيزة. قال جزعا :
    ـ أنا السبب..
    قال محفوظ ملطفا :
    ـ أنت قصدت خيرا..
    سأله عما يمكن عمله من أجلها. قال محفوظ :
    ـ ادع لها..
    أردف حمزة :
    ـ وادع لمصر بالنصر..
    قال عويس وهو قلق :
    ـ ماذا لو أصلحت الخطأ وتزوجتها ؟
    سأله محفوظ مستغربا :
    ـ أأنت الذي زنيت بها ؟
    أجاب حمزة :
    ـ المفروض أن ثروت يبادر بإصلاح خطئه..
    بادره عويس :
    ـ كيف ؟
    قال حمزة :
    ـ يتزوجها..
    قال عويس :
    ـ لن يفعل.. إنه وغد..
    بادر بإعداد الشاي، والدنيا ظلام دامس. رجال الدفاع المدني يجوبون الشوارع، طالبين من الأهالي إطفاء الأنوار !.. دويّ المدافع يسمع في كل اتجاه.. تعيش البلاد في مأساة مع عدو شرس يحارب في كل الجبهات. مأساة الوطن في كل عين تنظر إليها، ومأساة عزيزة تعيش في قلبه الجريح. ناولهم الشاي وقال في مفاجأة لا يتوقعها أحد :
    ـ ما رأيكم في أن أتزوجها..
    قال محفوظ مستغربا :
    ـ تتزوج من ؟
    ـ عزيزة..
    ـ كيف ؟
    ـ لن أستطيع الوقوف ضد ثروت. لكن المسكينة ما ذنبها ؟ لابد أن نرد لها كرامتها..
    يئن حمزة متوجعا :
    ـ خلي بالك.. لقد حملت سِفاحا.. فكيف الزواج ؟
    ـ إذن.. أرفع قضية رد شرف ضده..
    ـ لا تكن أهوج..
    ـ لابد من حل يا جماعة..
    ذات مساء.. توجه إلى شحاذة زميلة لها، وسأل عنها، أجابت :
    ـ لم أرها البارحة. لا أعرف أين ذهبت ؟
    بدأ يبحث عنها، مرة ثانية.. وهو مصمم على عقد قرانه عليها.. كرد اعتبار للبنت المسكينة ! ولكن أين هي ؟
    نشط الكل في البحث عنها.. عويس وجابر وحمزة ومحفوظ.. لكن.. ما من حس، ولا خبر..
  • 06/08/2008, 04:26 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص رواية « نفق المنيرة » لحسني سيد ل

    ـ 46 ـ

    من يضمد الجراح ؟
    لفظت حميدة أنفاسها في المساء. لم يشعر بموتها أحد. تيقظت من نومها وقد ذهبت عنها آلام المرض. هكذا في لحظة من الزمان يرحم الله فيها عبده. زوجها نائم علي الكنبة المواجهة للسرير, وهي ترقد علي السرير وفي حضنها الوليد. أغفى حين وجدها تغط في سبات عميق. تفصد جبينها بحبات العرق. استيقظت, رنت إلي الوليد بركن عينيها. تحسست وجهه ورأسه, نهضت لتضعه في حجرها, تضمه إلي صدرها, تقبل جبينه, وخده الأيمن فالأيسر. تقبل فمه, شعر رأسه.. ضمته أكثر.. كم سنة مرت وهي تحلم به ؟.. أرقدته في مكانه.. نادت علي عنايات كي ترضعه.. حضرت مسرعة.. حرصت أن تناولها الوليد بنفسها..
    ـ خذي بالك منه..
    ـ إنه في عينيّ..
    عادت تستلقي علي الفراش.. أحست براحة.. أغفت عيناها.. حلقت ملائكة من حولها.. رأتهن يمسكن بحمزة الصغير يطوفن به في أرجاء الغرفة, وفي أيديهن شموع.. كأنه السبوع.. ما شاء الله.. يحرسك الله يا ولدي.. فتحت عينيها.. شهقت شهقة مفاجئة من صدرها.. ثم غابت عن الدنيا، واستراحت في ضجعتها..
    عادت عنايات تضع الطفل مكانه.. تتحسس رأسه ووجنتيه.. نادت علي حميدة.. قبل أن تخرج.. لكن حميدة لا تتحرك.. لا ترد.. علا صوتها بالنداء, لم يلب النداء سوي الفراغ.. احتد الصوت.. فأيقظ جابر.. تنبه.. قال لها :
    ـ دعيها نائمة..
    كأنها لم تسمع.. هزت كتفها وهي تنادي بصوت متحشرج, بدأت تقلق..صرخت :
    ـ جابر يا أخويا.. تعال شوف حميدة..
    انطلق صراخها صواتا أيقظ كل من في البيت والبيوت المجاورة..
    لم يتملك حمزة نفسه من البكاء، حين جاءه الخبر.. تلعثم لسان عويس حين شاء أن يواسيه, سبقت الفتي دموعه.. احتضنه.. وقد غرق الاثنان في نهر الدموع !
    انكب علي المذكرات والكتب والمحاضرات، استعدادا لامتحان آخر العام بعد غد السبت الثالث من يونيو.. عليه أن يئد جراح القلب. دخلت أمه تحمل صينية الشاي, تقول :
    ـ لا تتعلق بالمستحيل..
    فهم مقصدها. وضعت الصينية بجانبه وخرجت وهي تدعو له بالنجاح. استبد به الشوق لرؤية أمين ومصطفي، اللذين ذهبا إلى سيناء في مهمتين مختلفتين. عم حمزة أتعبه وهن الصحة, وعويس حكي له ما فعله ثروت بعزيزة.. وحميدة بين يدي الله.. وهو.. عليه أن يئد جراح القلب.. إذا زهت وردة في بستان قلبك, اقطفها واستمتع برحيقها.. لكنها لن تدوم لك.. أأنت بكل بنت معجب حقا ؟ أم هو سوء الحظ يلازمك منذ كنت طفلا, تميل إلي الانطواء, وتحب من طرف واحد. لا تغنم بفرحة ينبض بها قلبك.
    فوجئ بابن الشيخ محمود يطرق الباب، وينعي إليه وفاة حميدة. نهض واقفا وارتدى ملابس الخروج على عجل. هرع إلى عم حمزة يواسيه ويشد أزره. التقى الشيخ محمود وجابر وعويس ومحفوظ وآخرين لا يعرفهم. جلسوا على كراسٍ اصطفت بمدخل النفق، يلتفون حول حمزة، يستمعون إلى آي الذكر الحكيم. كان النفق مظلما، وحركة السيارات بطيئة. حضر الفتوة ورجاله فزاحموا المكان..
    عاد يواصل ما قطعه من مذاكرة. إلا أنه من حين لآخر يفكر في مارسيل التي هجرها أو هجرته. لا يدري بالضبط مَن ترك الآخر, ويفكر في حمزة وجابر ومصابهما. ويستبد به الشوق إلى صديقيه البعيدين..
    بعد أداء الامتحان، التقى مارسيل عرضا، فحياها وحيته. سألته عن الامتحان وسألها.. وانصرفا.. اتخذ من حسان رفيقا. تحدثا عن الوضع المضطرب على جبهة القتال. هل سنحارب أم هي أزمة سياسية ؟
    يوم الاثنين موعد امتحان الفيزياء. وزع المراقب ورق الإجابة والأسئلة في التاسعة تماما. لم تمض دقائق حتى سمع دوي المدافع. اضطرب قليلا. سأل أحد الطلبة المراقب :
    ـ بدأت الحرب..
    طمأنه المراقب. وجه الكلام لكل الطلبة بأن يواصلوا الامتحان..
    مر الوقت عصيبا. بعض الطلبة فقد أعصابه، وسلم الورقة دون أن يخط حرفا واحدا..
    التقى حسان خارج اللجنة. وازدحم الطلبة وهم يقولون بعضهم إلى بعض : هي الحرب كتبت علينا..
    وفي الشارع، تعطلت المواصلات.. حيث وجهت سيارات هيئة النقل العام لخدمة جبهة القتال وأمور الدفاع المدني. سيارات محملة بأفراد الاتحاد الاشتراكي يهتفون بحياة مصر والنصر. ساد الشارع اضطراب. ثمة تفاؤل بأن النصر آت. اضطر فتحي وحسان ومارسيل إلى السير على الأقدام إلى شبرا. ملأت مكبرات الصوت الشوارع والميادين، تذيع البيانات العسكرية، بحسب ما ترد إلى الإذاعة. كم طائرة أسقطناها للعدو ؟.. خمسا.. أصبحت ثمان.. عشرا.. خمس عشرة.. عشرين.. أربعين.. كلما زاد العدد اشتعل الحماس وزاد التفاؤل بالنصر. مشى بمفرده من شبرا إلى إمبابة. لم يحس بتعب وهو ينصت للبيانات العسكرية المبشرة بالنصر. أحمد سعيد مذيع صوت العرب ينادي بصوته الحماسي :
    ـ أبشروا يا عرب.. تم تحرير جبل المكبر...
  • 06/08/2008, 04:25 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص رواية « نفق المنيرة » لحسني سيد ل

    ـ 45 ـ

    أين أنتَ يا صديقي ؟
    أين أراضيك ؟
    هذا المساء، تكاثرت غيوم، واشتعل القلب حزنا. كم كان بودي أن أحدثك عن مارسيل البيضاء. نعم هي بيضاء. هكذا أحب أن أصفها. بيضاء البشرة، بيضاء الزي، بيضاء القلب. سوء الطالع هذه المرة ـ ككل مرة ـ لازمني.. فإذا حبيبة القلب الأخيرة، نجمة أخرى تنطفئ سريعا من سماء حياتي. وددت ألا أبوح بعلاقتي بها، حتى لا تقول لي عبارتك الأثيرة : " أنتَ بكل بنت معجب ". وددت أن أبرهن لك، في الوقت المناسب، أن حبي لها لا تقتلعه الرياح ولا تقوضه الأعاصير. وأنني لست هوائي النزعة، وأنني أعيش حالة حب حقيقية..
    وضع القلم على المنضدة، واسترجع ما حدث. كيف يحكي حكاية حبه من أولها ؟ هل تفي الرسالة بالمطلوب ؟ هل يستطيع التعبير عن مشاعره وأحاسيسه ؟ فليحاول..
    بدأ يسرد وقائع حبه لها. توقف عن الكتابة مرات عديدة، مترددا، حائرا، وفي آخر الرسالة طلب منه الرأي والمشورة.
    كتب رسالة لمصطفى يحييه في هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها الوطن.
    تغيبت مارسيل عن المحاضرات. قلق عليها. استبدت به رغبة في السؤال عنها. قصد منزلها في جرأة غير معهودة. فتحت مريم الباب، ابتسمت وهي توسع له الطريق :
    ـ تفضل..
    جلس في الصالة، بجانب المنضدة التي تلقى عليها دروس الفرنسية. طال الانتظار. قدمت مريم عصير المانجو. سأل عنها، فأتاه صوت الأم مقبلة نحوه :
    ـ مارسيل عند خالتها..
    ـ تغيبت عن المحاضرات، فأتيت أسأل...
    صمت مطبق أحاط بالثلاثة..
    قال بصوت خفيض :
    ـ قالت لي مارسيل إن طبيبا خطبها..
    ـ لم يتقدم بعد..
    ـ أعتذر عن أي خطأ بدر مني..
    ـ عبرت عن مشاعرك.. ليس في هذا خطأ.. نحن بشر..
    فرحت مريم بالهدوء الذي شمل الأم، بعد العاصفة التي هبت أمس بينها وبين أبيها. ابتسمت وقالت لفتحي :
    ـ أعمل شايا ؟
    لم يتوقع هذه المقابلة الودية، فشجعته على القول :
    ـ هل يحق لي اعتبار مارسيل أختا لي ؟
    ـ أختك وزميلتك..
    هدأت زوابعه بعض الشيء. انصرف وشيء من السكون يطمئنه. كان حسان قد أوجعه بكلماته. طلب منه الابتعاد عنها حرصا علي سمعتها أمام زملائها. راجع حسان فيما قال. طمأنه إلى أنه استقبل بحفاوة، إلا أن حسان لم يغير موقفه..
    التقاها في ميدان عبده باشا. مرت ثلاثة أيام لم يرها خلالها. قال في عتاب :
    ـ لماذا كذبت عليّ ؟
    ـ فيم الكذب ؟
    ـ قلت إن طبيبا تقدم لخطبتك..
    ـ سيتقدم..
    ثم قالت بنبرة حادة :
    ـ فتحي.. علاقتنا مآلها الفشل. نحن نسير في طريق مسدود.
    تردد لا يعرف كيف يحسم الأمور. قال في أسى :
    ـ فرحت بك. كدت أعلن للعالم حبي.. كدت.. أتحدى بكِ العالم..
    ـ دعك من أحلام الشعراء..
    ـ لست بشاعر.. إنها لغة القلب..
    ـ أردت أن أعفيك من حرج لا تستطيع أن تواجهه مع أهلك..
    ـ ما الحل إذن ؟
    ـ لنكن أصدقاء.. وكفي..
    ـ كيف ؟
    ـ كالصداقة التي تربط والدي بوالدك.. كالزمالة التي جمعتهما معا..
    وافترقا. كل سار بمفرده.. متجهين إلي الكلية !
  • 06/08/2008, 04:24 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص رواية « نفق المنيرة » لحسني سيد ل

    ـ 44 ـ

    كتب الطبيب في قصاصة ورق اسم نوع من الحقن، يبتاعونه من صيدلية خارجية. هذه الحقن غير متوافرة بالمستشفى. ناول القصاصة لجابر فخطفها عويس، قائلا في شهامة :
    ـ خلِّ عنك..
    طار بالورقة، عازما أن يعود إلى سكنه ويبيع الترانزستور، أو يرهنه.. عم حمزة ليس في جيبه مليم واحد، وجابر مثله. مرض حميدة أتى على كل ما ادخراه من نقود هزيلة. سار بحذاء سور المستشفى وعرج على شارع طلعت حرب، وهو ينهب الشارع قفزا. كل دقيقة لها ثمن. حميدة بين الحياة والموت. أتاه صوت في جنح الظلام يستجدي المارة :
    ـ لله يا محسنين..
    ذهل. يا الله. عزيزة !..
    ـ كيف حالك يا عزيزة ؟
    رنت إلى وجهه. عرفته من صوته وشكله وقوامه النحيل. قالت :
    ـ عويس !..
    سأل عنها وعن أحوالها. أين تسكن ؟
    ـ أسكن !.. سكني وعيشتي كلها على الرصيف. قد أغيره إلى رصيف آخر حسب حالة الجو والشمس. أجلس نهارا في الظل، وأختبئ ليلا من برودة الشتاء أسفل الكوبري..
    حكى لها عن حال حميدة، وأنه في عجلة من أمره كي يبيع الترانزستور أو يرهنه ـ وهو غال عنده ـ كي يشتري لها الحقن. قالت :
    ـ معي ما جاد به المحسنون. سأذهب معك.
    ـ كلك مروءة يا عزيزة..
    صادفا صيدلية قريبة، فقصداها واشتريا الحقن. فرح عويس بعثوره على عزيزة، كأنما عثر على كنز، وفرح أكثر بشرائه الحقن، دون أن يفرط في جهازه الأثير. انتحى بها في ركن من الصالة الطويلة، يقف على أخبارها وأحوالها.
    ـ الحال لا يسر. ثروت الملعون عملها.. فوجئت باثنين من الفتوات يحملانني بالقوة إلى شقة غير شقته، وقضى وطره.. منه لله..
    صاح مصدوما :
    ـ عملها.. النذل..
    بكت بحرقة. قاومته بكل ما أوتيت من قوة. طرحها أرضا ورقد فوقها، بعد أن شل ذراعيها عن الحركة. ضربته بقدمها. إزاء مقاومتها الشرسة، لانت عريكته. بدا حَمَلا وديعا، يعتذر عن فعلته. جرت إلى الباب تفتحه. نصحها بدخول الحمام تغتسل حتى لا يشك الجيران في شيء. صدقته. غسلت وجهها وذراعيها بالماء والصابون. أفاقت من هجمة الشيطان. مد يده بكوب عصير كنوع من الاعتذار. نصحها بألا تحكي شيئا مما حدث لأحد. وعدته. ثم شربت العصير.. فأحست بدوار، وغابت عن الوعي.. حين أفاقت، وجدته نائما بجوارها، وقد هتك عذريتها. لطمت وجهها وصرخت. كمم فاها، وحذرها من التمادي في الولولة. أجهشت بالبكاء من جديد.. طيب عويس خاطرها. قالت :
    ـ لم أسرق، ولم أزن . كنت أبحث عن عمل شريف أعيش من رزقه، ولما لم أجد، لجأت لطلب المساعدة من أهل الخير..
    جلس بجانب سرير ابنته، يدعو الله، يقرأ القرآن مما يحفظ وهو يسير. قال لجابر :
    ـ الظاهر يا جابر أن الكابوس الذي جسّم لي انهيار النفق، قد فُسر الآن.. فَسره مرض حميدة.. أهناك ضرر أكبر من هذا ؟!
    ـ ربنا يزيح عنها..
    قامت عزيزة بخدمتها ومساعدتها في قضاء حاجتها، ووضع كمادات الثلج على رأسها. ما فتئ حمزة يدعو الله أن يلطف بها..
    ـ اللهم إني لا أسألك رد القضاء، لكن أسألك اللطف فيه.
    في الصباح، أتاهم الطبيب مهرولا، وأمر بإدخالها غرفة العمليات. الحالة حرجة لا تحتمل الانتظار. لابد من فعل شيء، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لم يجب الطبيب عن أسئلتهم الحائرة. قال جملة واحدة لم يكررها :
    ـ الشفاء من عند الله.
    أغلقت غرفة العمليات. بدأ فريق الأطباء في أداء مهمتهم السريعة بإجراء عملية قيصرية لإخراج الجنين حيا أو ميتا، حيث يشكل وجوده خطرا على الأم المريضة. هكذا توصلوا فيما بينهم، بعد مناقشات صعبة.
    خارج الغرفة المغلقة، انتظر حمزة وجابر وعويس وعزيزة وعنايات ـ أخت جابرـ ومحفوظ.. وجوم خيم على الوجوه، وصمت أطبق على الشفاه. لحظات صعبة ارتفعت فيها أكف الضراعة إلى الله العلي القدير.
    خرج طبيب، وأغلق الغرفة خلفه. سأله جابر، أجاب :
    ـ مبروك.. رزقت بولد..
    بادره حمزة جزعا :
    ـ والأم يا دكتور، كيف حالها ؟
    ـ ننتظر حتى تفيق من البنج..
    وضعوها هي والرضيع على نقالة، ونقلوهما إلى الغرفة.
    بدأت تحرك أهدابها. ولا تقوى على قول شيء، سوى الآه الموجعة تخرج من صدر ذبيح !..
    أمسك جابر بيدها. السخونة ما زالت تسكن جلدها. طبع حمزة قبلة على جبينها. تنبهت إليه :
    ـ خير يا بَه..
    رنت إليه عيناها الكسيرتان. ثم التفتت إلى جابر توصيه :
    ـ خلي بالك من ابني..
    كلماتها أبكت الجميع..
    أغفت قليلا، بينا الممرضة تتابع زجاجات الجلوكوز، ونبض قلبها، وتنفذ تعليمات الطبيب في جرعات العلاج..
  • 06/08/2008, 04:23 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص رواية « نفق المنيرة » لحسني سيد ل

    ـ 43 ـ

    يفخر الأستاذ شفيق بصداقته لرجب. نمت العلاقة بينهما في دروس الفرنسية التي جمعتهما على منضدة واحدة. نمت أكثر حين التحقا بكلية واحدة. ينتهز فرصة عيد ميلادها فيهديها إنجيلا. ما أرق مشاعر المحبين وأحاسيسهم المرهفة.
    دلف إلى حجرتها. أعاد النظر إلى الهدية. مارسيل نائمة وهي تحتضن مريم. حرص على أن يلج الحجرة ويخرج منها دون أن يسمع له صوت يقلق الأختين. عاد يستلقي بجانب سنية، إلا أن مريم استوقفته، منادية. خرج معها إلى الصالة. همست :
    ـ مارسيل عندها مشكلة..
    ـ لما تصحو، نحلها..
    ـ لا يا بابا. أريد أن أحدثك بعيدا عنها..
    نظر إلى ساعته. الثانية عشرة. الوقت متأخر.. وإزاء إصرارها، جالسها في الصالة. روت له صداقتها لفتحي. عقب الأب :
    ـ أعرف هذا..
    صمتت برهة، استطردت بعدها :
    ـ أقصد أنها أحبته وهو يحبها..
    صمت..
    ـ مارسيل تهيم في الخيال. تظن الصداقة حبا. لا بأس من مسايرتها..
    ـ الموضوع خطير..
    انزعج..
    ـ خطير !.. ماذا تقصدين ؟
    لعب الفأر في عبّه، خشية أن تكون زلت معه. حكت له الصغيرة كل كلمة قالتها أختها عن علاقتها به، وعن أستاذ الهندسة الوصفية الذي طردها من المدرج، وعن رد فعل فتحي، بخروجه طواعية، تضامنا معها..
    ـ إنسان نبيل، آلمه ما تعرضت له زميلته.
    ـ الموضوع خطير يا بابا.. ليس بالبساطة التي تتصورها..
    ـ أنتن يا بنات تضخمن الأمور الصغيرة..
    ـ ألا تعلم أن هذه العلاقة صارت حديث الطلبة ؟
    ـ إذن الموضوع خطير..
    شبّك أصابع يديه مطأطئ الرأس..
    سألها :
    ـ هل أمك تعلم شيئا ؟
    ـ لم أحكِ لها..
    ـ حسنا فعلتِ..
    مارسيل لم تنم. أحست بحركة أبيها حين دخل الغرفة وخرج منها بصحبة مريم. أحست به وهو يتأمل الإنجيل الهدية. أرهفت السمع لهمسات مريم. نهضت وانضمت إليهما في الصالة. اختصر الأب الحديث :
    ـ مريم حكت لي.. هذه علاقة عادية.. لكن الضجة بين الزملاء هي التي كبّرت الموضوع..
    أطرق هنيهة ثم قال :
    ـ خلي بالك.. علاقتي بالأستاذ رجب لا تمس.. هو زميل وصديق أعتز به وأحترمه..
    تشجعت مارسيل لكلماته.. قالت مريم :
    ـ يبقى.. كل واحد يروح لحاله..
    ـ ما هذا يا مفعوصة ؟ أنا ورجب كل واحد يروح لحاله ؟
    ـ أقصد.. مارسيل وفتحي..
    قالت مارسيل بصوت متحشرج :
    ـ هل ذنبنا أن لكل منا دينا يختلف عن الآخر ؟
    ـ هذا ليس ذنبا..
    ـ هل أجرمنا ؟
    ـ إطلاقا..
    فكر مليا في المأزق الحرج الذي يكاد يعصف بابنته. لابد من إجراء جراحة لإنقاذهما. التمادي في العلاقة لن يؤدي في النهاية إلى شيء.
    ـ لابد يا بنات من الموافقة على ما قالته ماما..
    انزعجت مارسيل..
    ـ هل تريد مني الزواج من ناجي، وأنت أشد الرافضين له ؟
    ـ هناك ضرورة..
    ـ ألا يكفي الابتعاد عن فتحي ؟
    ـ ارتباطك بناجي سوف يخرس الألسن..
    بكت..
    لم يكن فتحي بأحسن حالا منها، فقد آلمه ما سمعه من حسان، من ضرورة إنهاء العلاقة.. هذه أول قصة حب ينبض بها قلبه. عرف قبلها ليلى وسعاد وأخريات.. من بعيد لبعيد.. مارسيل اقترب منها وصادقها وأحبها. أرقه سهاد أطار النوم من عينيه. وفي الصباح، قرر أن يتحدى مَن حوله، ويفرض على الجميع تلك العلاقة المبرأة من النزوة..
    مرت من أمامه. تحاشت الحديث معه. نادى عليها :
    ـ مارسيل..
    توقفت. تحاملت. كادت تضعف. تماسكت. قالت :
    ـ فتحي.. كل شيء نصيب. تقدم لي طبيب ووافق أهلي..
    ـ مارسيل.. أحبك..
    ـ حب ضائع..
    ـ كيف ؟ الحب يصنع المعجزات.. يمكنني إقناع أهلك.. أنتِ مسيحية وأنا مسلم. لكننا حبيبان..
    ـ حبنا يسير في طريق مسدود..
    طأطأ رأسه في الأرض. لم يستطع النطق بكلمة واحدة. تمالك نفسه. قال في ألم :
    ـ حبنا قدر..
    ـ لنحتفظ بصداقتنا الجميلة..
    اغرورقت عيناها بالدموع..
    تدخل حسان الذي ظهر فجأة. وقف بينهما قائلا :
    ـ خطوبة مارسيل سترفع الحرج عنكما، وتبقى علاقتكما، علاقة زميلين عزيزين..
    وجم الاثنان. تبادلا نظرات حائرة..
  • 06/08/2008, 04:22 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص رواية « نفق المنيرة » لحسني سيد ل

    ـ 42 ـ

    تفرقُ الشملِ أعطى لكل امرئ فرصة للتأمل واستشراف مستقبل يختلف من واحد لآخر. التفرقُ شيء طارئ تفرضه ظروف الحياة وملابساتها. خصوصية كل صاحب قد لا ينفع معها إلا البعد الاضطراري عن الجماعة والعزف المنفرد على أوتار حزينة.
    حمزة مصابُه في ابنته المريضة، وحَمْلِها الصعب، وانعكاسات المرض على الحَمْل. مصابُه أيضا في وهن صحته وعجز ساقيه عن السير بصورة عادية، فاتكأ على عكاز، واعتمد على عويس يدبر له أمور معيشته. عويس الذي كان ضيفا ثقيلا أصبح في أشد الاحتياج إليه.. يقضي حوائجه، ويعد المشاريب لزبائن الغرزة. الترانزستور الصغير ـ أيضا ـ لا يستغني عنه حمزة. يستمع إلى الأخبار وخطب الزعيم. بدأت القلاقل مع إسرائيل، وازدادت حدة الخطب حماسا ووطنية.
    يعيش مصطفى حياة ناعمة. أذن له والده بالغياب عن الورشة في شهر العسل، لكن الشهر أصبح اثنين، فتدخل الأب يعيده بالقوة الضاغطة للورشة مصدر رزقه.
    تناثرت أقاويل بين الشباب عن استدعاء قوات الجيش الاحتياطية، لكنها لم تتأكد بعد. خمن مصطفى أنه سيكون ضمن المطلوبين. فاجأها قوله. لزمت الصمت لا تعقب. ولما صارح الشيخ محمود في هذا، أكد له أنه سمع مثل ما سمع. قال الأسطى حسين لابنه :
    ـ إن صح ما نسمعه، سيكون الجيش درسا مفيدا لك.. يخرجك من حياة الكسل التي تعيشها الآن..
    انشغل فتحي بأداء الامتحانات ولقاْْْءاته مع مارسيل.
    لا حديث لعويس إلا عن عزيزة. كلما رأى بنتا اعتقد أنها تشبهها، حتى قال لنفسه : " أصبحتَ مشغولا بعزيزة مثل انشغال عم حمزة بالنفق ".. أكد له أنه سيلقاها ذات يوم، بينا نفى حمزة أن أوهاما تلعب برأسه، معتبرا النفق شريان الحياة لإمبابة، فلماذا لا نهتم بسلامته وصيانته ؟
    جابر شقي بحميدة، التي ترتفع حرارة جسمها حينا فيجري بها إلى مستشفى الحميات المطلة على النيل، فيحجزونها بضعة أيام حتى تشفى، وتواتيها آلام الوضع حينا آخر.. لا يدري ما إذا كان الحَمْل سببا في مرضها، أم أن المرض شيء عارض.
    يجلس أمين في استراحة الهيئة القريبة من المحطة التي يعمل بها. يحن لإمبابة وصديق العمر.. من وقت لآخر، يستبد به الحنين فيسطر صفحات الخطاب، وينتظر الرد من صديقه..
    أزفت امتحانات آخر العام. انقطع فتحي للمذاكرة، في الوقت الذي التهبت الحدود الشرقية مع إسرائيل. ثمة أنباء عن حشود إسرائيلية في حدودها مع سوريا. حشدت مصر قواتها.. كثرت خطب الزعيم يواجه بها صلف العدو. الإشاعات حول استدعاء القوات الاحتياطية، أصبحت واقعا.. استدعي مصطفي الذي ترك نرجس، تعاني أعراض الحَمْل. رصد أمين تزايد حركة القطارات إلى غزة والعريش، وتدفق المركبات العسكرية في أنحاء مختلفة من شبه جزيرة سيناء. نذر الحرب تدق أجراس الخطر. يتذكر حمزة بطولات الجيش والشعب في حرب 1956. ارتفعت يداه إلى عنان السماء يدعو لمصر بالنصر، رافعا كفيه :
    ـ ربنا ينصرنا على أعدائنا..
    في إحدى المحاضرات، دخلت مارسيل المدرج متأخرة عشر دقائق. لم يكن التأخير بالوقت الهين لدى أستاذ الهندسة الوصفية، فمنعها من الدخول، ونادى على فراش المدرج عقب دخوله. استاء فتحي لما حدث. غلا الدم في عروقه. كيف يحرج مارسيل أمام زملائها بهذه الصورة المستفزة ؟ واحتجاجا على ما حدث، نهض من مكانه، وخرج في أثرها، تضامنا.. ضحك الطلبة لموقفه. حدث هرج ومرج وتعليقات من هنا وهناك، بينا جمد الدكتور في وقفته منتظرا استعادة الهدوء. قال طالب من الصفوف الأمامية، سليط اللسان :
    ـ بينهما حكاية حب طويلة..
    فازدادت الضحكات والهمهمات..
    بعد انتهاء المحاضرة، بحث حسان عن صديقه وقد التهبت أعصابه.. بحث عنهما في كل شبر من أرض الكلية، حتى قادته قدماه إلى الأطراف، بالقرب من السور الحديدي الخارجي. رآهما يجلسان معا، فتحرج أن يعلن عن وجوده، عامدا إلى الاختفاء، لكنهما لمحاه، فنادى فتحي عليه، ونادت مارسيل، فتوقف عائدا إليهما..
    ـ لا مؤاخذة.. لم أقصد شيئا..
    بعد صمت حائر، تذرع بأمر لم يقتنعا به :
    ـ لكَ خطاب عند عم ذكري..
    تحرك الثلاثة معا، واستأذنت مارسيل في منتصف الطريق لتصحب زميلة لها.. صارح فتحي بما حدث بالمدرج. نصحه أن يقيد علاقته بها. الكل يتحدث عن قصة حب بينهما. بادره فتحي في ثورة :
    ـ هل الحب عيب ؟
    ـ أقاويل الطلبة حوّلت الموضوع إلى مادة للانتقاد. طبيعتنا الشرقية تغلب على تصرفاتنا، مهما تظاهرنا بالتمدن والتحضر.
    أضاف مغيرا الموضوع :
    ـ لم أقصد شيئا حين تحججت بخطاب لك عند عم ذكري. كان لابد من الحيلة.
    توجها إلى البوفيه يشربان الشاي. لمحهما عم ذكري، فاتجه إلى فتحي مهللا :
    ـ لكَ خطابان..
    هرع إلى الركن الذي ينتحي فيه بالخطابات.. خطاب من أمين، وثان من مصطفى. ابتسم حسان وقال لصديقه :
    ـ صدق حدسي..
    رجع إلى حسان يقرأ الخطابين بصوت جهوري. حدثه أمين عن التحركات غير العادية للجيش، وحالة الطوارئ في عمله، بعد ما زاد عدد مرات التقاطر. عربات القطار إما للركاب محملة بالجنود، أو لنقل العتاد. زادت كثافة المناورات في السكك الحديدية.
    حدثه مصطفى عن وحدته العسكرية في غزة، مقدمة صفوف الجبهة، طالبا منه أن يدعو لمصر بالنصر. قال إنه فخور بأنه سيدافع عن حدود مصر.. إلا أنهم طلبوا من القائد أن يزيد حجم التدريب وخاصة أنهم تركوا حياة الجندية منذ سنوات عديدة. وفعلا عمل القائد على إعادة تدريبهم على اللياقة والكمائن واستعمال السلاح، بقدر ما يسمح لهم الوقت..
    أوصاه بالسؤال عن أسرة زوجته، الأستاذ فريد وحرمه.. وأن يطمئنه على نرجس.. الحامل في شهرها الثالث.. ويطمئنه ـ أيضا ـ على الشيخ محمود..
    أعلن جمال عبد الناصر في خطبة له غلق مضايق تيران، فالتهبت الجبهة، وخيمت نذر الحرب على سماء المنطقة.
    قام رجال الدفاع المدني بتجربة صفارات الإنذار. وطلا الأهالي زجاج النوافذ باللون الأزرق. وحفرت الخنادق للاحتماء داخلها. وبنى الأهالي أمام مداخل المنازل، سواتر من الطوب الآجر بارتفاع متر ونصف المتر.. قال حمزة لعويس :
    ـ لم أعد أفرق بين صفارات الإنذار التي يجربونها وصفارة القطار، وهو يعبر فوق النفق. صفارة القطار تشبه النواح..
    رقدت حميدة في المستشفى وقد أصابتها حمى النفاس. هرع حمزة يلازم ابنته، وإن عجز عن التحرك السريع. قام جابر وعويس بكل شيء بحيث جعلاه يجلس على كرسي بجانب ابنته طريحة الفراش. تتوجع حميدة بآه لا تنطق غيرها. عازفة عن الطعام والشراب. وضعوا كمادات الثلج فوق رأسها، إلى جانب تعاطيها الحبوب الخافضة للحرارة. طفقت تهذي وتغيب عن الوعي، نائمة، ثم تصحو على الآه الموجعة. انهمرت دموع حمزة. ربت عويس على ظهره، وقد هزه المشهد. قال بصوت خفيض :
    ـ ربنا كبير.. ربنا يزيح عنها المرض.. قادر يا كريم..
  • 06/08/2008, 04:21 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص رواية « نفق المنيرة » لحسني سيد ل

    ـ 41 ـ

    تفرقَ الشملُ، وعانى الوحدة. سافر أمين إلى بلدة بعيدة، وتزوج مصطفى، واعتلت صحة حمزة، وابيضت عيناه قلقا وأرقا. لم يكن يشكو من شيء محدد، إنما يقول لمن يسأل :
    ـ كل حاجة في جسمي توجعني..
    تفرق الشملُ من حوله، وإن عوضت مارسيل كل ذلك، أصبحت عالمه ودنياه. بدأت علاقته تتوطد بحسان، الذي استأجر غرفة بصالة ضيقة وحمام.. يقع سكنه في حي شبرا، بالقرب من سكن مارسيل. حدد حسان يوم الخميس ليزوره. وكان آخر خميس في عطلة منتصف العام. قال له :
    ـ والدي مكافح كأبيك. نحن من أسرتين فقيرتين. هذا يقربنا أكثر..
    يتميز حسان بسعة اطلاعه على الكتب الأدبية والسياسية، دائما يشارك بوجهة نظره في كل قضية. بل إنه يكثر من إثارة القضايا بمناسبة وبدون مناسبة. يتحدث طويلا فينصت له، حتى تخيل نفسه يقوم بدور أمين.. فوجئ وهو ينصت لضيفه بموزع البريد ينادي عليه :
    ـ بوستة.. فتحي رجب..
    هرع يتناول الخطاب، من خله الوفي أمين. استغرق يقرأ بصوت عال، كلمات سطرتها الغربة والحنين إلى الصحاب. اقترب حسان أكثر من الصديق الغائب. قال في مودة :
    ـ قد أصبح صديقي.. أيضا..
    يبدو أن حنين الأصدقاء بعضهم لبعض، قد استبد بالأفئدة الشابة في وقت واحد، فإذا بمصطفى يطرق باب صاحبه فيستقبله هاشا باشا..
    ـ أهلا بالعريس. مضى أسبوعان على الزفاف لم نرك خلالهما..
    قدم له زميله حسان. وكان حديث طويل عن مصطفى وزواجه ممن يحبها. حكى فتحي بإسهاب قصة حبه لنرجس.. أطلعه على خطاب أمين الذي وصل اليوم، وسلامه إليه. التفت إلى حسان قائلا :
    ـ لم يبق إلا عم حمزة الذي لا تعرفه. إذا تعرفت عليه فقد عرفتنا جميعا.
    قال مصطفى :
    ـ والله يا جماعة، عم حمزة يحتاج لمن يسأل عنه في ظروفه الصعبة..
    قال حسان :
    ـ هيا بنا إليه..
    قام ثلاثتهم قاصدين غرزة النفق.. وحسان المغترب في العاصمة، بعد تركه إهناسيا، أحس أنه يتأقلم مع مجتمع غير مجتمعه. الناس معظمهم قريب إلى قلبه. حين سلم على حمزة أحس أنه يحيي أباه الذي تركه هناك. تعارف الجميع كأنهم يعرفون بعضهم بعضا منذ سنين.
    حمزة لا يستغني عن عكازه. قام عويس بالواجب بإعداد براد الشاي، وتشغيل جهاز الترانزستور.. ضاحكه مصطفى :
    ـ ما بك يا رجل يا عجوز ؟ أنت أكثرنا شبابا..
    ضحك ضحكة عريضة كشفت عن أسنان صفراء، غطاها من أعلى شارب كث مخلوط سواده ببياض :
    ـ ربنا يجبر بخاطرك..
    أسهم قليلا، ثم قال :
    ـ أصل بنتي.. مريضة..
    ـ ربنا يشفيها لك..
    قالها حسان متأثرا. همس في أذن فتحي :
    ـ عم حمزة يشبه والدي..
    استغرق حسان في حديث شجي مع حمزة، تطرقا فيه إلى النفق.. هل تقادم النفق يؤدي إلى انهياره ؟ سؤال حائر يدور في ذهنه.. قال حسان بلغة العالِم :
    ـ النفق ليس آيلا للسقوط.. هناك أمور نلاحظها قبل الانهيار، مثل التشققات والتصدعات، أو انهيار جزء بسيط من الجدار.. قال حمزة في حماس :
    ـ كل هذا حدث..
    عقب عويس :
    ـ في الحلم يا عم حمزة..
    التفت إليه :
    ـ أنت دائما تلاحقني، مثل اللقمة في الزور..
    استطرد بعد صمت قصير :
    ـ الحلم نبوءة لما هو آت..
    قال حسان في حماس :
    ـ صدقت..
    انفض السامر، وانصرف فتحي مع حسان، شارحا له معالم المكان.. بادئا بالمنيرة، وهو حي تحول من منطقة زراعية إلى منطقة سكنية رخيصة جاذبة للسكان. امتلأت بالمتزوجين حديثا. تتميز بارتفاع معدلات النمو السكاني بفعل الهجرة إليها من جميع المحافظات. قال حسان :
    ـ أفكر في البحث عن سكن أوسع في المنيرة..
    ـ هذا ممكن..
    ولما اجتازا عرض النفق، مخلفين المنيرة خلفهما.. مشيا في شوارع مدينة العمال. أوضح له أن المدينة أنشئت في بداية الخمسينيات على الضفة البحرية من خط سكك حديد الوجه القبلي على مساحة من الأراضي الفضاء، لإقامة أسر عمال المطابع الأميرية التي تعد إحدى العلامات المميزة لحي إمبابة، حيث انتقلت إليها بعد قيام الثورة، عندما أصدر الرئيس جمال عبد الناصر عام 1956 قرارا بإنشاء الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، وأقام للهيئة مبنى جديدا في إمبابة على مساحة 35 ألف متر مربع، تم تزويده بأحدث ماكينات الطباعة.
    اقتربا من مقهى الربيع، فأشار إليها، قائلا :
    ـ هذا هو المكان المفضل لجلوسنا، أمين وأنا..
    بادره حسان :
    ـ إذن، فلنجلس..
    طفق حسان يشرح التيار الماركسي السائد في مصر، الذي شاب الثقافة المصرية.. ورأيه في قصص نجيب محفوظ ومعاصريه. ظل فتحي مستمعا جيدا، يؤدي الدور الصامت غالبا الذي كان يؤديه أمين..
  • 04/08/2008, 02:06 PM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص رواية « نفق المنيرة » لحسني سيد ل

    ـ 40 ـ

    بدأت امتحانات الفصل الدراسي الأول. انشغل فتحي ومارسيل بأدائها يومين كل أسبوع. رغم ذلك لم يشغلهما الامتحان عن اللقاء. قال لها :
    ـ أتمنى نقعد في مكان بعيد..
    ـ وهو كذلك..
    من قبيل المصادفة الحلوة أن يتوافق اليوم الخامس من يناير عيد ميلاد الاثنين.. اليوم نفسه والشهر نفسه، وإن كان يكبرها بعام كامل. مدت يدها بهدية ملفوفة بورق السلوفان..
    ـ كل سنة وأنتَ طيب..
    مد يده هو الآخر وأعطاها هديته المغلفة :
    ـ كل سنة وأنتِ طيبة..
    فض غلاف هديته.. كانت مصحفا مذهبا.. صاح فرحا :
    ـ الله..
    وقبّله..
    فضت غلاف هديتها.. كانت إنجيلا مذهبا.. صاحت فرحة :
    ـ الله..
    وقبّلته..
    توارد خواطر، أم تطابق في المشاعر والطباع، أم أن اتفاق عيد ميلادهما في يوم واحد، قد وحد مشاعرهما ؟
    قالت :
    ـ ترى.. ما أهم شيء في القرآن الكريم ؟
    ـ دعوته للسلام والرحمة.. ترى ما أهم شيء يدعو إليه الإنجيل ؟
    ـ نفس الشيء..
    ـ لماذا إذن تقسو قلوب وفي دينها كل الأسباب التي تجعلها تنبض بالحب والسلام ؟ أما أجدر بالإنسان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ؟
    ـ غباء الإنسان في استيعاب رسالة الأديان.. نحن نقول الله محبة..
    ـ ونقول الله أكبر..
    ـ تقرع الأجراس في الكنائس للدرس والصلاة..
    ـ ويرفع الأذان في المساجد في مواقيت الصلاة..
    دعاها بهذه المناسبة لشرب عصير الليمون في البوفيه. راجعا أسئلة الامتحان واتفقا على صعوبته، من الممكن النجاح بتقدير مقبول..
    انصرفا. انتظر حتى استقلت سيارة الركاب إلى شبرا، ثم استقل التروللي متجها إلى إمبابة.
    راودته خواطر حول علاقته بمارسيل. قد تسرب حبها إلى قلبه. هل تحول الديانة دون الاقتران بها ؟ من الممكن أن يتزوجها وهي على دينها، أو تشهر إسلامها إذا أرادت.. في الحالتين سيقبلها زوجة. إن ما يجمعه الله لا يفرقه إنسان..
    أين أنتَ يا أمين لأبوح لك بلواعج الفؤاد ؟ سافرتَ إلى القنطرة شرق وتركتَ صاحبك لا يجد الصديق الذي يرتاح إليه.
    دخل والده فنهض عن فراشه يستقبله..
    ـ ما أخبار الامتحان اليوم ؟
    ـ الحمد لله..
    قال :
    ـ الأستاذ شفيق يبلغك السلام.. قال إنك ومارسيل أصبحتما صديقين.. لكن..
    انتفض :
    ـ لكن ماذا ؟
    ـ هل هناك صداقة يمكن أن تجمع بين فتى وفتاة ؟
    ـ هذا صحيح في الجامعة..
    وازدرد ريقه..
    ـ على العموم، ربنا يوفقكم..
    قالها وانصرف، تاركا علامة استفهام في عقله. هل فهم الأبوان حقيقة العلاقة؟ إن أباه يعترض على الصداقة، فماذا يكون حاله حين يعلم أنه يحبها ؟
    احتفالا بانتهاء نصف العام الدراسي، دعاها لزيارة عمته. لبت الدعوة. المنزل الذي تقيم فيه بشارع بولاق الجديد، يشي بأنه الأحدث بناء، بالمقارنة بما حوله من بيوت قديمة. رحبت عمته بها، واستقبلتها بحفاوة بالغة. قالت :
    ـ أنتما ضيوفي على الغداء..
    وأعدت مائدة عامرة بالمشويات وأطباق الخضر والمقبلات وسلطانيات حساء الدجاج أمام كل فرد. يتوسط المائدة الدجاج والبط. لم تشعر مارسيل بغربة. ساعدت في عمل سلطة الخضار، مما أتاح لها دخول المطبخ، فابتهجت العمة بها.. قامت معها بجولة في غرف الشقة الواسعة.. غرف النوم، والاستقبال، والمعيشة، وغرفتيْ الأولاد..
    جلسا على صدر المائدة وتجلس عن يمينهما ويسارهما عمته وأولادها.. بعد الغداء، جلسا في الشرفة يشربان الشاي ويتطرقان لأحاديث شتى..
    انصرفت وهي تشكر العمة، وتداعب الصغار..
    حين مدت يدها تحييه قالت :
    ـ هذا يوم من أسعد أيام حياتي..

    (يتبع)
  • 04/08/2008, 02:05 PM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص رواية « نفق المنيرة » لحسني سيد ل

    ـ 39 ـ

    كلما التقى فتحي قال مرحبا :
    ـ أهلا يا باشمهندس..
    وإن لم يكشف عما في دخيلته، فهو يرى فيه المهندس الشاب المتحمس الذي يمكنه الحفاظ على النفق، ويتعهده بالصيانة والترميم. حين سأله :
    ـ متى التخرج ؟
    أجاب :
    ـ بعد خمس سنوات.. ويمكن أن تمتد إلى أكثر من ذلك !
    تنهد في قلق. هل يمد الله في عمره حتى يراه مهندسا ؟ الأمنية ذاتها تعتلج في صدر أبيه. أحس بالزهو لتعلق أبيه وحمزة بالغد البعيد، كذلك عمته.. إنهم ينادونه من الآن باللقب الذي لم يحصل عليه بعد. أما مارسيل، فهي أمله، والبسمة الحانية.. بدّلت قلقه طمأنينة. تغيب عن الكلية ثلاثة أيام، إثر نوبة برد حادة. في اليوم الرابع، لمحته في المدرج يجلس في الصفوف الخلفية، هرعت إليه وقلبها يخفق. جلست إلى جانبه محيية. حدثها عن مرضه، أعطته ملخصا سريعا للمحاضرات والواجبات التي فاتته. تطوعت لتنقل المحاضرات في كشكوله. جلست في البوفيه، تكتب بخطها المنمنم الجميل. حاول الجلوس معها فادّعت أنه سيعطلها عن الكتابة. وعدها ألا يفتح فمه بكلمة واحدة. تساءلت :
    ـ ونظراتك.. كيف أهرب منها ؟
    تضاحكا. واكتفيا بالجلوس معا يتحدثان في أمور عديدة، على أن تنقل المحاضرات في البيت. تركا البوفيه وتريضا في الحدائق الواسعة التي تحيط بمباني الكلية، ثم اختارا مقعدا رخاميا في أطراف الكلية، قرب السور الحديدي، واستظلا بشجرة ضخمة، بعيدا عن أعين الطلبة والطالبات. حكى لها ظروف معيشة أسرته، والده المكافح، أخواته البنات السبع. هو أكبرهن. حكت له عن أسرتها الصغيرة، عن أختها الوحيدة مريم، عن الخلافات المستحكمة بين أبويها. تصارحا طويلا. بدا كأنه يجلس على كرسي اعتراف، يبوح بأدق الأسرار. لكنه لم يبح بكل ما عنده. صارحها بحبه لبنت الجيران، التي تزوجت وسافرت مع زوجها. لكنه لم يبح لها بما كشفه أمين من أنه بكل بنت معجب. إلا أن مارسيل بذكائها فطنت إلى شيء من هذا، حين قالت:
    ـ ألم تقع في غرام بنت أخرى ؟
    نظر إليها صامتا. أراد أن يقول : " أنتِ ".. شيء أسكته فلم يبح. قالت :
    ـ صمتك يدل على أنك عرفت أخريات..
    ـ كيف عرفتِ ؟
    ـ فراستي..
    ـ أنتِ ذكية..
    بدأ يكاشفها بنزعته الهوائية التي أحب التخلص منها. حكى لها عن أمين صديقه الملازم وتعليقاته الساخرة. ازدرد ريقه. قال :
    ـ أحس معكِ أنني أعيش حالة حب صادقة..
    ـ هكذا سريعا.. يا مجنون ليلى ؟
    ـ حبي لليلى كان في سن المراهقة. كنت صغيرا. الآن تكشفت لي أمور عديدة. أنتِ الوحيدة التي أبوح لها بأسراري..
    ساوت بأناملها خصلات شعرها التي بعثرها الهواء، فبدت له أجمل من ذي قبل..
    ـ مارسيل.. لا تحرميني من لحظات السعادة التي أعيشها..
    بادرته :
    ـ لن أحرمك من شيء.. المهم الآن...
    ناظرة إلى ساعتها :
    ـ موعد المحاضرة الثالثة أزف.. هيا يا فتحي..
    تجرأ فشبّك أصابع يده في يدها.. لم تمانع.. سارا صامتين، ثم سحبت يدها قائلة :
    ـ اقتربنا من أنظار الطلبة..
    دق قلبه بفرح جنوني. وصلا المدرج، فلم يجلسا منفصلين كما تعودا. جلس بجانبها. نادت زميلتها في الصف الأول :
    ـ مارسيل.. مكانك محجوز..
    ـ سأقعد هنا..
    وفي البيت، جلس يكتب لها رسالة مطولة، عبر فيها عن أحاسيسه ومشاعره. صارحها بما لم يقو على البوح به.. إنه لا يعرف سر الميل الشديد إليها، حتى أنه يود أن يطير بها إلى مكان بعيد.. رسالة استغرقت خمس صفحات كاملة. تردد في تسليمها الرسالة باليد.. لا يدري لِمَ ؟ وضعها في ظرف، وكتب عليه : " إلى الأخت مارسيل شفيق ".. وأودعها صندوق البريد..
    استغرقت الرسالة عدة أيام، حتى كتب عم ذكري اسمها في القائمة.. نبهها فتحي إلى الرسالة. لم تتعود أن تصلها رسائل بالبريد. هذه أول مرة..
    ـ لكِ رسالة عند عم ذكري..
    شهقت منزعجة :
    ـ من ؟
    ـ عم ذكري موزع البريد بالكلية، وهو فراش مدرج " ج ". وجدت اسمك مكتوبا في " الكشف " اليوم..
    استأذن ليلتقي حسان، وإن كان يتذرع به ليهرب منها ! جلست، بعيدا عن الأنظار، على المقعد الرخامي نفسه الذي كانت تجلس عليه مع فتحي. فضت الرسالة واستغرقت تقرؤها، وقد خالجتها أحاسيس متباينة. فرح طفولي جعلها تعيد قراءتها ثلاث مرات، وهي تعجب لهذا الإحساس الصادق الذي أملى عليه هذه الكلمات.. التقته.. قالت :
    ـ أشكرك على الرسالة..
    أردفت :
    ـ كان يمكنك أن تقول نفس الكلمات، من غير ورقة ولا قلم..
    ـ أخشى أن يهرب مني الكلام..
    ـ أم تخشى أن أهرب منك ؟
    ـ لا أظن أنكِ قاسية إلى هذا الحد..
    ابتسمت. سرت الابتسامة دفئا في قلبه..
    ـ هل تريد ردا على رسالتك ؟
    ـ طبعا.. ماذا ستكتبين في الرد ؟
    ـ أكتب : شكرا يا فتحي..
    ـ الرسالة وصلت..
    ـ إذن لا داعي للرد عن طريق عم ذكري ؟
    ـ ابعثي بها.. لكن.. أأكتب لكِ خمس صفحات، فتردين عليّ بكلمتين فقط..
    ـ أصلها برقية !..
    تضاحكا معا. جلجلت الضحكتان في الفضاء، فأحدثتا عبقا عطر الهواء من حولهما بالمرح..
هذا الموضوع لدية أكثر من 12 ردود. اضغط هنا لعرض الموضوع بأكمله.

ضوابط المشاركة

  • تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •